الرفيق بدرالدين مُدثر .. الرِدَة المُستَحِيلة (4)،الأخيرة

حامد حجر
قلنا في المشهد الأخير، من المقاله الأولي بأن سعة الحرية في “نقطة البداية”، يجعل من شهداء رمضان قناديل في دربِ النضال، وهم في موقع إعتزاز من قبل زملائهم في الجيش، والشعب السوداني بشكلٍ عام، فإقدامهم في محاولة تقويض تجربة الإسلام السياسي في وقت مبكر من عُمر إنقلاب الثلاثين من يونيو (الإنقاذ)، بقيادة العميد عمر البشير، إنما يمثل الوفاء لميثاق الدفاع عن الديمقراطية من قبل حزبُ البعث، كما هو إدانة لمن لم يحضر الإجماع السوداني في “نادي الربيع”، مما بين لأحقاً بأنه ينوي الإنقلاب لإرساء دعائم المشروع القروسطي الذي أذاق السودانيين الأمرين، بل هو ليس معنياً أصلاً بإستدامة الديمقراطية.
فسلسلة المقالات هذه ليست الغاية منها تأبين الرفيق العزيز بدرالدين مُدثر فحسب، وإنما هي دعوة للنقاش بدلاً عن الإستقطاب الهادي الذي يجري، بل هو جردِ حِساب وإستعادة فضيلة النقد، التي كان الحزب يوليها العناية الخاصة كمرآة يُصحِح بها مسيرته ويبعد عنها إحتمال الوقوع في أخطاء تأريخية، والحزب يكون في مأزق عندما لا يكون للرفاق من بُدٍ غير التصفيق وتبجيل القيادات إلي حَدِ الصنمية في مثاليتهم الموهومة، هذه القيادات جعلت من حزب “الوحدة” أضحوكة من قبل الآخرين، هو ذات الأمر الذي جعل الأستاذ فاروق أبوعيسي، بعد أن أنهى كلمته فى القاعه، حيث تأبين الرفيق بدرالدين مُدثر، وعندما قال له أحد الحضور بعد أن هّم للمغادره، “ما بدرِى يا أستاذ؟”، وبسُخريته المعهوده رد أبوعيسي   ماشى للنسخه التايوانية!)، بمعنى إنه مدعو للتأبين الآخر في حي العرضة جنوب، والذي كان متزامناً، وسؤالي هو الأ يكفي الراحل بدرالدين مُدثر .. ذلك الذي يليق به في قاعة الصداقة؟.
ولشهداء 28 رمضان وأسرهم، قضية قومية بمعني وطنية، ألا يحق لرفاقهم أخذ ثأرهم من خلال حَزم الحزب لأمرهِ والتعميم بدعم الجبهة الثورية السودانية، وفك البعض من آسار قيد المعَصَم الحزبي، والتقيد بالموقف “اللا موقف”، من تحليل فطير يدمُغ ثورة الهامش في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق بالمخطط الامبريالي الأمريكي/ الصهيوني فى السودان والمنطقة)، وهل يحق لي أن أسأل أين هم رفاق الأستاذ بدرالدين مُدثر الذين تدربوا سنين عدداً علي حمل السلاح، ووصفهم الوزير الإنقاذي مصطفي إسماعيل بالفيلق العراقي؟، ألم يأتِ يوم دينونة حزب المؤتمر الوطني؟ أم إستكان الحزب “الثوري”وإلي الأبدَ للنضال الناعم، وتشاكُس قياداته للإستئثار بالكراسي والألقاب، وإستخراج بيانات في المناسبات يكون في الغالب بكلمات بات يحفظها حتي أنصار الحزب، ناهيك عن أعضائه العاملين؛ عندما يقول الحزب في أدبياته “الوعي شرط التطور” هل ينفع معها سياسة (الزريبه)، والتجهيل المتعمد هل يقود للتطور ومواكبة المتغيرات؟ وهل يلزم بقاء القيادات في القيادة القطرية من المهد إلي اللحد؟ لماذا لا يقدم إنموزجاً لكل الأحزاب في السودان بإبتدار طريق مغاير؟.
البيان الذي أثار حفيظة الكثيرون البارحة، وهو مشابه لبيان العام 2007م، والذي فيه يساوي حزبُ البعث بين الجلاد والضحية في دارفور، بين الضحايا من الثوار والمواطنيين، وبين آلة حرب نظام حزب المؤتمر الوطني، أما بيان الأمس حول المفاوضات بين قطاع الشمال والمؤتمر الوطني، ويقول الحزب: (المجموعات المسلحة التى إستمرأت الإستخفاف بأرواح الأبرياء من المواطنين بقصفها المستمر للأحياء السكنية بالمدفعية (خاصة عاصمة الولاية)، وإجتياح البلدات الآمنة (أبو كرشولا، أبوزبد)، وتعطيل الحركة في الطرق الرئيسية (طريق الأبيض-الدلنج- كادقلي أو طريق العباسية – أبو جبيهة- تلودي)، وهكذا. ولم يبد أى من طرفى هذه الحرب العبثية أى جدية حقيقية لوضع حد لها، ومن ثم وضع حد لمعاناة ومأساة المواطنين المغلوبين على أمرهم بسببها، على الرغم من المزايدة المكشوفة بقضية أبناء شعبنا في جبال النوبة والمتاجرة الرخيصة بها ما بين إعترافات رأس النظام الإستهلاكية بالظلم الواقع عليهم، وبين دموع التماسيح التى يزرفها حاملو السلاح على معاناتهم الإنسانية وعذاباتهم، مع إنهما يشتركان سويا في التسبب في كل ما حاق بهم من أذى وتشريد.إنتهي الإقتباس. وتعليقي هو أن الحزب لم يتابع بشكل لصيق مآلات ثورة الهامش وإلا كيف له قول هذا الكلام وهو يعلم بأن حزب المؤتمر الوطني رفض كافة مطالب الثوار في حينها، وفضلت الحوار بالبندقية، وقبل الأشاوس في الهامش التحدي، وها نحن علي أبواب العام الحادي عشرة ولم يستطيع البشير النيل من عزيمة الثوار أو هزيمتهم.
وضوح فكرة العدل والمساواة، القائمة على النظرة الموضوعية، لإختلال موازين قسمة الثروة، والسلطة والتباين التنموي، الذي جسده إلى حد ما “الكتاب الأسود”، المنشور نهاية التسعينات!، ووضوح الرؤية والمشروع السياسي، يجعلانه ذا أفضلية وأكثر مقبولية وإنه بهذا الطرح، يؤكد على ضرورة تفاعل كل مجموعاته في إطار السودان الواحد والموحد مع إحترام خصوصية كل إقليم، وأية مجموعة بشرية، وصولاً لبناء الشخصية الوطنية السودانية. كما إن مشروع السودان الجديد الذي تدعو لبنائه الحركة الشعبية على أسس جديدة، هو طرحٌ جيد، وتري حركة العدل إمكانية إضافة ضرورة قيام مؤتمر الأقاليم، والذي نتوصل عبره للترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية، التي تفضي إلى سودان جديد، على هذه الأسس الجديدة، وفق إختيار الشعب وبإجراءات ديمقراطية وشورية وقانونية.
فطرح البعث في البيان موغلٌ في الإعتداد بالنفس، ويمارس دوراً توجيهياً وأبوياً وشوفينياً غير مقبول، ناهيك من الإلتقاء مع قوي سودانية أصيلة في برنامج للحد الأدني لإسقاط النظام، أو حتي التفكير المشترك لبناء سودان يسع الجميع مستقبلاً، بدلاً عن إطلاق كلمات جافة من قبيل (حمَلة السلاح)، وهم اليوم قد أصبحوا قوة لا يُستهان بها، وأقصد هنا في الجانب السياسي طبعاً، وكل الأحزاب حاورتها ووقعت معها وثائق وتفاهمات إلا حزبكم الذي دائماً ما يختار الوقوف متفرداً، ويريد أن يحكم السودان بذات العقلية التي أودت بالعراق الوطن، ما هي الفضيلة من الإنسحاب من التجمع الوطني بدواعي أن قيادتها توجهت إلي إرتيرية، بينما قيادة البعث كانت في بغداد وسحبت معها حتي صلاحيات القيادة القطرية إلي هناك!، مما أدت بالنتيجة إلي إنشقاقات في الحزب الذي من المفترض أنه حزب “الوحدة”، ونظرية الوقوف ضد قوي المعارضة هي تخدم بالنتيجة أيضاً الحزب الحاكم ويطيل من عمر النظام، وحسب معلوماتي كان للحزب المئات من الضباط والجنود في العراق، لو تم توجيههم إلي الجبهة الشرقية “للتجمع الوطني الديمقراطي” فإنهم يفوقون عدداً قوات “الجوارح” وقوات “المجد” خاصة الحزب الشيوعي، ويصنعون فرقاً لكن التردد وإدعاء الإستقلالية هما من فوت الفرصة للشعب السوداني، والعبرة يا هذا في أن تلقي بنفسك في البحر لتعلم السباحة، وتلك لحظة تأريخية لم تلتقطوها.
[email protected]
14/2/2014م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *