الرجل والثورة د. خليل إبراهيم محمد 2 – 10

بسم الله الرحمّن الرحيّم
الرجل والثورة د . خليل إبراهيم محمد     ( 2 – 10 )
د . خليل إبراهيم رجلٌ ثائرٌ منذ طفولته ، لأنه مًرهف الحِس ، يحب الخير والإحسان لكل الناس ،  ولا يقبل إطلاقاً بان تتحدث بوشاية عن شخصٍ غائب ، وأنه دائماً يوصى القادة والجند بإحترام بعضهم البعض .
كان عادلاً إذا قضى ، أذكر فى إحدى ألإجتماعات اُثير موضوع خاص بشخصٍ لم يُحسن التصرف فى موضوع  اُوكل له ، واُتهم بانه خائناً ، تدخل د . خليل إبراهيم قائلاً ( الغائب عُذر معاه ، فلو فعلاً ما تقولونه صحيحاً ، إنتظروه حتى يحضر لكى يُدافع عن نفسه ، نحن لا نستطيع ان نقول فيه شيئاً ، لان ما قدمه لنا فى هذه الحركة لا يُقدر بثمن ) .
دخلنا فى حرج شديد ، جعلنا نشعر بالحسرة والندم على إتهامنا لشخصٍ غائب ، وكان درساً تعلمناه  ، ووعدناه بان لا يتكرر فى المُستقبل إنشاء الله ، فبإنتهاء الإجتماع قال لى ( قريبك دا ما كويس ، داير يشوه صورة الزول علشان يتم تكليفه ، لكن هو ما عارف ، بان هذا الشخص من أوائل أبناء الفور الذين خدمونا أيام ما كنا فى بئر سليبة ، الأيام الصعبة ) .
بحق وحقيقة لا تمل الجلوس معه ، وإنى كنت أنتظر متى تشرق الشمس لأذهب إليه ، فيستقبلك بصدرٍ رحب ووجهاً بشوشاً فى مكانه الذى يتدفق الكرم منه ، يُقدم لك الماكل والمشرب ، لكنه فى نفسه قليل الأكل وطويل البال ، يسألك عن أحوالك  ، عن أولادك ، صحتهم ،عافيتهم وإحتياجاتهم إن وُجدت .
كنت جالساً معه فى إحدى الايام ، فرن تلفونه ، فإذا بشخصٍ من الفاشر يتصل به ، إنه من أقربائه ، لانى إكتشفت ذلك من خِلال تبادل الحديث بينهما ، لكن إستوقفنى جزء من الحديث عندما قال ( اُوصيكم يا ناس الفاشر باولاد جمالى ، اُسرة جمالى فى أعناقكم ) هذه الوصية عبارة عن وفاء للأخ الشهيد : جمالى حسن جلال الدين ، الذى إستشهد عندما دخلت قوات حركة العدل والمُساواة الخرطوم فى عملية الذراع الطويل ، فهو وفىّ للشهداء والجرحى .
يتاثر كثيراً ويبكى أحياناً عندما نتحدث عن مُعاناة أهل الهامش السودانى ، وصراعهم مع الحياة ، وظروف حياتهم المُتواضعة ، ويقول نحن أبناء مساكين ، أهلنا ما شافوا الرفاهية لان كل الحكومات التى تعاقبت على حُكم السودان لم تعيرهم إهتماماً . اذكر عندما أحضرنى والدى للقبول بالمدرسة ، قال المدير بانى طويل ، فتم قبولى خارجياً ، فسكنت مع أحد أقربائى يعمل فراشاً فى المدرسة ، فكنا بذلك مميّزين فى القرية ، فى سكننا ، أكلنا ، ملبسنا ، لانه يتقاضى مُرتباً من الدولة ، لكن فى الحقيقة كانت حياة عادية  تفتقر لكل أنواع الخدمات ، مقارنةً بأهل المركز .
يحكى بانه كان مُسافراً برفقة والده بالدواب ، فشعرا بعطش شديد ، ومرا بشخص يسكن لوحده فى منطقة وعرة جداً فى قُطية صغيرة وأمامُها راكوبة ، فقال له والده ( إذهب إلى البيت داك جيب لينا موية شوية ) ذهبت فوجدت رجلاً جالساً على ( فروة ) فى ظل العصر ، سلمتُ عليه وطلبت منه قليلاً من الماء ، فى هذه الأثناء أحضرت زوجته ( عصيدة ) صغيرة وضعتها أمام زوجها ، فقال لى تفضل ، أخذتُ ( اللُقمة ) الاولى وقبل أن آخذ الثانية ، قال لى ( يا ولدى أنا والله من الصباح ما أكلت أى حاجة ، إنت لو فطرت خلى لي باقى العصيدة ) فقلت له الحمد لله ، أخذتُ الماء ورجعت لوالدى باكياً ، فقال لى ( دقوك ولا شنو ) فاجبته ( لا والله يا ريت لو دقونى ) فسردت القصة لوالدى ، فرد علىّ باللغة الخاصة بمعنى أن هذا كله من الفقر .
هذه الواقعة تركت أثراً كبيراً فى نفسى ، ولا يمكن أن أنساها أبداً ، فظلت تلازمنى من الصغر إلى يومنا هذا ، فكلما أتذكرها أتمسك بأهدافى ومبادئى التى اُقاتل من أجلها ، فصراعنا مع المركز والله ليس من أجل الوظائف ولا الفلوس ، لكن من أجل دولة المواطنة ، التى تسع الجميع ، فإذا تحققت يمكن على أقل تقدير أن تُكفر لنا عن أكبر الأخطاء التى إرتكبناها فى حياتنا ، بأننا أتينا بهذه الحكومة ، وشاركنا فيها .
تأثر د . خليل إبراهيم كثيراً لموت د . جون قرنق ، فقال ( حاربناه لكننى إكتشفت بانه رجلاً صادقاً فى طرحه ، إنه يُحب السودان والسودانيين . وقررتُ باننى أترك السلاح فى حالة فوز قرن برئاسة الجمهورية ولا مانع لدى بأن يكون رئيساً  للسودان وفى ذلك ضمان لوحدته ، وسأل نفسه : ما المانع فى أن يحكم اهل الجنوب السودان ؟ هذا من حقهم ، يجب علينا أن نُكمل ما بدأه د . جون قرنق حتى نستطيع إعادة جنوب السودان إلى حُضن الوطن .
إستفاد د. خليل إبراهيم فائدة كبيرة من الأخطاء التى وقعت فيها الحركة الإسلامية بعد أن إستولت على السلطة فى ( يونيو 1989 م ) وممارستها لسياسة عزل الآخرين التى أضرت بالسودان والسودانيين ، لذا عكف جاهداُ بان لا تتكررفى المستقبل ، فيقول : عزلنا الناس من الخدمة المدنية ، وشردناهم وأفقرناهم  لكن فى النهاية أصبحنا سواء ، فانا بالرغم من أننى كنت وزيراً فى هذه الحكومة ، والله طلعت من السودان مُفلس ، أذكر يوماً فى هولندا ، بعد ان أدينا صلاة عيد الفطر ، بقيت لوحدى بعد خروج كل المُصلين لانى لا أمتلك حق ( الفطرة ) لى وللاُسرتى  ، بكيت بُكاءاً شديداً ، فسألت ربى بان يساعدنى . ففى هذه اللحظة تذكرت عسكرى المرور فى دوار كُبرى الحرية ، عندما قال لى ( إنتو الوزراء كاتلين الجدادة وخامين بيضها ) والمناسبة ، كنت أقود عربتى بنفسى يوماً فى الخرطوم ، فإرتكبتُ مًخالفة مرورية فى دوار كُبرى الحرية ، فاوقفنى رجل المُرور ، وتركنى لأكثر من نصف ساعة لم يتحدث إلىّ ، فقلت له ( يا أخى ما تقول حاجة ) قال لى ( خارج نفسك يا حاج ) فقلت له ( يا أخى أنا وزير فى الحكومة فكيف الكلام دا ) فتقدم إلىّ وقال ( أنحنا لاقِنكم وين يا سيادة الوزير ، كِده أملُس حاجة ، كاتلين الجدادة وخامين بيضها ) ضحكت عليه وأعطيته مائة ألف جنيه وإنصرفت ، لم ينتابنى أدنى إحساس بأنه مُخطى ، لأنه من أبناء الهامش ، ويشغل وظيفة أغلب عناصرها منهم ، نسبة لإختلال ميزان العدالة فى السودان ، أبناء الذوات يعملون فى شركات البترول والمؤسسات والهيئات ، لذا سمينا حركتنا حركة العدل والمساواة السودانية ، لا خير فينا إن حكمنا بلا عدل .
                                            محمد عبد الله عبد الخالق
[email protected]
Tel : + 201015466166
[email protected]
      
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *