البشير للجنوبيين: اختاروا الوحدة لتنعموا بالأمن والرخاء والازدهار
بور (عاصمة ولاية جونقلي) وملكال (عاصمة ولاية أعالي النيل)، ؛ جنوب السودان – بارعة علم الدين
وصل الرئيس عمر حسن البشير إلى موقع الاحتفال الانتخابي في بور في جنوب السودان بسيارته المفتوحة حيث رحّب به الناخبون الذين جاؤوا من قرى وبلدات قريبة وكوّنوا دائرة واسعة حوله وهتفوا قائلين «يا صمام الأمام يا بشير» و «يا رجل السلام والتنمية يا بشير» و«سير سير يا بشير، نحن معك يا بشير». بدأت الموسيقى الشعبية تعزف فور وصول الرئيس المرشح لانتخابات الأحد إلى موقع الاحتفال في بور بولاية جونقلي الجنوبية. وما أن وطأت قدماه المنصة حتى بدأ بالرقص ملوحاً بعصاه، فرقص معه وزراء ومستشارون وضيوف وناخبون. اقترب من الرئيس عضوان من الحزب الوطني زيّنا هندامه البسيط بوشاح أخضر وجلد النمر وقبعة القبيلة التقليدية.
بعد الجولة الأولى من الرقص والهتافات، بدأ المهرجان بتلاوة القرآن الكريم، ثم بعظة من قسيس المنطقة، فهتافات من مؤيدي الرئيس السوداني من أبناء المنطقة «الله أكبر… الله أكبر… هللي لويا… هللي لويا…». وجاء دور إلقاء الكلمات، فتحدث من بين من تحدثوا حاكم الولاية المرشح الذي دعا الناس إلى انتخابه، فضحك الرئيس والحضور، ثم تحدث مستشارون للرئيس ثم زعيم قبلي، وأخيراً جاء دور الرئيس البشير فعلت الزغاريد والهتافات والشعارات مشيدة بإنجازاته. وقبل أن يُلقي كلمته عزفت الموسيقى مجدداً ورقص الرئيس على وقع رقصات تقليدية، ثم بدأ خطابه الحماسي الذي قاطعه الجمهور وأعضاء الحزب مرات عدة، وتكررت الهتافات «سير سير يا بشير».
وجّه الرئيس السوداني خلال جولته الانتخابية قبل أيام في جنوب السودان، والتي رافقته فيها «الحياة»، رسائل واضحة عدة لم تتناول فقط الانتخابات الرئاسية والنيابية وحكام الولايات يوم الأحد المقبل (يستمر الاقتراع ثلاثة أيام)، بل أيضاً الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب والمزمع إجراؤه في كانون الثاني (يناير) 2011. لم يركز البشير على الماضي فقط، والحرب بين الشمال والجنوب، مخاطباً النساء بقوله: «من منكن لم تخسر زوجاً أو ابناً أو أخاً أو قريباً؟»، مضيفاً أن الحرب والتنمية خطان لا يلتقيان. وكرر قوله إنه يريد إعطاء الجنوبيين حقوقهم كاملة، ونصيبهم من الثروة. وذكّر بالمشاريع التي قامت حكومته بتحقيقها، ووعد بتحقيق المزيد من مشاريع التنمية مثل تشييد خزانات مياه وافتتاح مدارس وجامعات وشق الطرقات وتعبيدها.
ولعل الرسالة الأهم في خطابه تناولت التشديد على أن السودان الموحد هو السودان القوي، وهو وحده الذي يجلب الأمن والسعادة، مشيراً إلى أن أميركا أقوى بلد في العالم وهي تحكم العالم «لأنها قوية بوحدتها». ثم عاد ليذكّر الجنوبيين: «أنتم وحدكم تقررون مصيركم، ونحن سنحترم خياركم. وإذا ما اخترتم الوحدة … فإنكم ستنعمون بالقوة والأمن والرخاء والازدهار».
عمّت النشوة الجماهير التي جاءت إلى المهرجان من مناطق جنوبية فقيرة وبائسة يصعب التنقل بينها حتى بالسيارات لعدم وجود طرق معبّدة أو مطارات أو حتى قطارات. وعلت الهتافات مؤكدة دعم هدف البشير في تحقيق السلام والوحدة.
انتقل الرئيس البشير بعد ذلك لحضور احتفال جماهيري في ملكال (عاصمة ولاية أعالي النيل) حيث بايعه رث الشلك زعيم إحدى أكبر قبائل المنطقة والذي أحضر معه إلى المهرجان الانتخابي بضعة آلاف من أفراد قبيلته. وأكد الشلك أنه وأفراد قبيلته سينتخبون الرئيس ويصوتون للوحدة، فحياه البشير قائلاً إنه سعيد جداً بهذا الموقف ويقدّر أن الشلك جاء لاستقباله في المطار.
يعاني جنوب السودان الذي تسكنه مجموعات قبلية عدة، من فقر مدقع وتخلف وأمية، وتحكمه نزاعات قبلية تتمحور حول التحكّم بالمياه والمراعي للبقر والأغنام. ولا يوجد في الجنوب صراع ديني أو مذهبي، على رغم أن الصراع بين الشمال والجنوب أخذ بُعداً دينياً في الماضي كون الشمال يحكمه المسلمون والجنوب المسيحيون والأرواحيون. ويُعتقد على نطاق واسع أن الجنوب سيصوّت لمصلحة الانفصال عن الشمال وتكوين دولة مستقلة في استفتاء عام 2011. وتحكم إقليم الجنوب حركة التمرد السابقة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي يقودها نائب الرئيس سلفاكير ميارديت الذي نقلت عنه وكالة «رويترز» أمس اتهامه الخرطوم بإرجاء ترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبها في محاولة للاحتفاظ بالسيطرة على احتياطات النفط.. وأبلغ سلفاكير ناخبين في اجتماع حاشد في ولاية البحيرات في جنوب البلاد: «السبب وراء عدم ترسيم الحدود أن هناك نفطاً ويرغب الشمال في الاستحواذ عليه… ويرغبون أيضاً في الاستحواذ على الأرض الزراعية التي نملكها حتى تصبح أرضهم». وبموجب اتفاق السلام الموقع عام 2005 يحصل جنوب السودان على نحو 50 في المئة من إيرادات النفط الحكومية من الحقول الواقعة في الجنوب. ويشكو كثيرون في الجنوب من فساد مزعوم وسرقة متفشية، وهو أمر يعترف به ساسة جنوبيون. وتقول أغنيس بوني سولو، وزيرة الشؤون البيئية والحيوانية في حكومة الجنوب، إن الجنوب لم يستفد فعلياً من 10 بلايين دولار حصل عليها خلال الأعوام الخمسة الماضية كحصته من عائدات النفط. وتقول: «أعلم وأقر أن هناك فساداً، لكنني لا أستطيع القول ولا أعلم من يقوم بسرقة الأموال ولا من هو المسؤول عن الفساد». وتضيف أن الحكومات في أفريقيا لا تعمل كالحكومات في الغرب، مشيرة إلى أن «كوني وزيرة في الحكومة لا يجعلني مسؤولة أو يعني أنني أملك مثل هذه المعلومات». وتعتقد الوزير الجنوبية أن الجنوب سينفصل فعلاً عن الشمال، لكنها تعتبر أن ذلك ربما لا يعكس تماماً رأي الجنوبيين الذين يقول بعضهم إن الأوضاع في مناطقهم لم تتغيّر كثيراً نحو الأفضل في السنوات الخمس الماضية التي عاشوا فيها في ظل حكم ذاتي.
الدكتور ريك قاي كوك ديانق، مستشار الرئيس السوداني عمر البشير ونائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الجنوب، أكد لـ «الحياة» أن الأكثرية في الجنوب ستصوّت للرئيس البشير، وشدد على أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هو من يقرر مسألة استقلال الجنوب.
وتؤكد نيا تشيك ينال مجيد، المسؤولة في حزب المؤتمر الوطني في بور، أن الجنوبيين لديهم ثقة بوعود الرئيس البشير، وهم سينتخبونه ويصوتون ضد الانفصال.