ثروت قاسم
Facebook page : https://m.facebook.com/tharwat.gasim
Email: [email protected]
1- نبؤة اوباما في خطبة الوداع ؟
في يوم الثلاثاء 20 سبتمبر 2016 ، وفي آخر كلمة له امام الجمعية العامة للامم المتحدة كرئيس امريكي ، تحدث اوباما عن المآسي في سوريا والعراق واليمن وليبيا وحتى كولومبيا ومينامار ، ولكنه نسي دارفور والمنطقتين .
طالب اوباما بتصويب المسار الدولي لينتشل العالم من حفرة الوضع الحالي ، الذي يسيطر فيه 1% من السكان على 99% من الثروة ، وإلا عاش العالم متلازمة الفرعون الجبت .
تعيش الانظمة الفرعونية خيارين :
+ إما القمع المُستدام ، الذي يولد الانفجار في الداخل .
+ أو القاء اللوم على كبش فداء الخارج ، الامر الذي يستولد الحروب بين الدول .
لخص اوباما الوضع الدولي الحالي ، بانه اشبه ما يكون بمسابقة بين نظامين :
+ النظام الاول هو نظام المستبد ، الجبت ، الفرعون الذي لا يريهم إلا ما يرى ، وهو على قمة هرم السلطة . ومن قمة الهرم تتنزل السلطة والاستبداد حتى قاع الهرم . فنجد الكهنة المستبدين تحت الفرعون ، ونجد قواد الجيش المستبدين تحت الكهنة ، وهكذا دواليك حتى القاع حيث نجد رب العائلة يستبد على اهله في البيت ، فتستبد الزوجة على الخادمة وتريها نجوم الظهر . ولا تجد خادمة البيت من تستبد عليه غير كديسة البيت ، فتحرمها الاكل وتعذبها عذاباً غليظاً .
هذا هو عالم الجبت ، نظام المستبد الظالم ، نظام الشمس التي تدور حولها كل مجرات مراكز القوى .
هذا هو نظام الرئيس البشير ، الذي وصفه فاحسن وصفه اوباما .
+ النظام الثاني هو نظام الليبرالية ، نظام الديمقراطية الذي يستمد السلطة من الشعب ، ويقوم على المشاركة والشفافية والمحاسبة ودولة المواطنة المتساوية امام القانون .
تاسيساً على المعطيات المتاحة ، يتنبأ اوباما ، وهو ادرى ، بأن الغلبة في السباق سوف تكون حتماً من نصيب النظام الاول … نظام الجبت . وسوف يكون الخاسر في السباق النظام الثاني … نظام المؤوسسات الديمقراطية الراسخة .
قطعاً قد فرح الرئيس البشير وهو يستمع لاوباما من الخرطوم ، بعد ان حرمه امر القبض من ان يكون في نيويورك مع اقرانه رؤوساء العالم المحترمين رافعي الرؤوس ، الذين يدافعون عن مصالح بلادهم وشعوبهم .
ولكن الله لا يحب الفرحين !
تجسد الآية 61 في سورة البقرة حالة الرئيس البشير ، وكأنها قيلت فيه تحديداً :
وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله … ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .
2- القائمة الإرهابية ؟
في عام 1993 ، وضعت إدارة الرئيس كلينتون السودان في قائمة وزارة الخارجية الامريكية التي تحتوي على الدول الداعمة للإرهاب ، واستمر السودان على القائمة طيلة ال 23 سنة المنصرمة وحتى تاريخه . حالياً توجد على هذه القائمة السوداء 3 دول : السودان وايران وسوريا . وربما تم رفع اسم ايران من القائمة هذه السنة بعد الاتفاق النووي معها .
في عام 1997 ، اعتمدت ادارة كلينتون عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية صارمة ضد السودان . استمرت هذه العقوبات نافذة طيلة ال 19 سنة المنصرمة ، وحتى تاريخه .
في سبتمبر 2016 ، توسطت اسرائيل لدى وزارة الخارجية الامريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب ، لان السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع ايران ، وأوقف التعاون والدعم للمنظمات الارهابية ، وتحديداً حماس في غزة ، وحزب الله في لبنان .
في يوم الثلاثاء 20 سبتمبر 2016 ، ومباشرة بعد القاء اوباما لخطابه في الامم المتحدة ، اصدرت وزارة الخارجية الامريكية تصريحاً بخصوص موقف الادارة الامريكية من استمرار وضع السودان على قائمة وزارة الخارجية الامريكية التي تحتوي على الدول الداعمة للإرهاب ، في إستجابة للوساطة الإسرائيلية ، التي لا يُرد لها أمر .
اكدت وزارة الخارجية في تصريحها على 3 ثوابت ومسلمات ، كما يلي :
اولاً :
وجود الرئيس البشير على سدة الحكم ، ووضعه كمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية ، ( يُعقد ) من أي خطوات يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لرفع اسم السودان من القائمة الارهابية ، ويحول دون التطبيع مع السودان.
بكلمات اكثر شفافية ووضوحاً ، واقل دبلوماسية ، هذا الشرط يقول بالواضح الفاضح :
يمكن النظر في الامر بعد إنصراف الرئيس البشير .
هل تنتظر لمعرفة بقية الشروط ، ام هذا الشرط يجب كل الشروط الاخرى ، ويجعلها غير ذات قيمة ، ببساطة لانه شرط تعجيزي ، لأنه يمس قداسة الفرعون .
ثانياً :
يُلزم الشرط الثاني نظام البشير بأن يتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية والإرهاب ، تحديداً وقف اي تعامل مع حركة حماس ، وحزب الله ، لمدة ستة أشهر … قبل ( بدء ) إجراءات رفع اسم السودان من القائمة الارهابية . لا تزال حماس تدير مكتبها في الخرطوم ، ويجب قفله خلال الستة أشهر المقبلة لتوكيد عزم الخرطوم على محاربة الإرهاب .
ثالثاً :
خلال الستة اشهر المقبلة وحتى 20 مارس 2017 ، يجب على نظام البشير وقف الحرب الاهلية ، وتسهيل وصول الإغاثات الإنسانية للنازحين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجبهة الثورية . بعدها سوف تبدأ ادارة كلينتون او ترامب في اجراءات رفع اسم السودان من القائمة الارهابية .
3- الدكتور الجزائري … كديسة بدون اسنان ؟
في مايو 2015 ، بدأ الدكتور إدريس الجزائري عمله كأول مقرر خاص لمجلس حقوق الانسان في جنيف ، معني بدراسة التاثير السلبي للعقوبات على تمتع السودانيين بمزايا حقوق الانسان .
في سبتمبر 2016 ، قدم الدكتور ادريس الجزائري تقريره لمجلس حقوق الانسان في جنيف ، وطالب فيه برفع العقوبات الامريكية على السودان ، لانها لا تتماشى مع القانون الدولي . للأسف القرار ليس في ايادي مجلس حقوق الانسان ، وإنما تقرر فيه الإدارة الامريكية ، وهي ليست عضواً في مجلس حقوق الانسان ، في دورته الحالية .
تحاكي كلامات الدكتور الجزائري كلامات الدكتور عوض دكام ؟
4 – المراوغات الامريكية ؟
ليست هذه هي المرة الاولى التي توعد فيها امريكا برفع اسم السودان من القائمة الارهابية ، لو وفى بالشروط الامريكية . وعندما يلتزم نظام البشير بإنفاذ هكذا شروط ، تنقلب واشنطون على عقبيها ، وتستمر العقوبات ، كآلية لإبتزاز النظام ، وإرغامه على تفعيل الاجندة الامريكية .
نختزل ادناه ثلاثة امثلة ، لتوكيد المراوغة الامريكية :
اولاً :
في اثناء مفاوضات نيفاشا بين الاستاذ على عثمان والدكتور جون قرنق ، اكدت واشنطون للاستاذ علي عثمان بانها سوف ترفع اسم السودان من القائمة الارهابية ، وتوقف العقوبات ، وتطبع مع الخرطوم ، لو وافقت الخرطوم على مسودة اتفاقية السلام الشامل التي صاغتها واشنطون .
وعندما وقع النظام على اتفاقية السلام الشامل في نيروبي في يناير 2005 ، تنكرت واشنطون لوعدها ، بدعوى استمرار الحرب الاهلية في دارفور .
ثانياً :
تكرر نفس الوعد الامريكي ، عند مفاوضات ابوجا في مايو 2006 ، بين النظام وحركات دارفور المسلحة .
وعندما وقع النظام على اتفاقية سلام دارفور في ابوجا في مايو 2006 ، تنكرت واشنطون لوعدها .
ثالثا:
في مايو 2009 ، اعلنت وزيرة الخارجية الامريكية السيدة هيلاري كلينتون عن استراتيجية ادارة اوباما تجاه السودان ؛ وإعترفت بعد اقل من ستة شهور على اعلانها ، وفي اكتوبر 2009 ، بوجود ملحق سري للاستراتيجية ، ولكنها لم تفصح عنه ، حتى تم الكشف عنه في يوم الخميس 7 يوليو 2016 ، سبعة سنوات بعد الحدث .
عنوان الملحق السري ( حوافز وموانع او جزر وعصي ) ، ويحتوي الملحق السري على تعهدات وضمانات من ادارة اوباما بانها :
+ سوف تدعم نظام الانقاذ ، ولن تسمح بتغييره من خلال انقلاب عسكري داخلي او خارجي ، ولا من خلال انتفاضة شعبية سلمية ، وسوف تسمح فقط بتغيير النظام ، إن كان تغيير ، من خلال اصلاحات دستورية بآلية الانتخابات التي يشرف عليها ( يخجها ) النظام .
كما سوف تعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب .
في المقابل ، يلتزم نظام البشير بتسهيل اجراء استفتاء الجنوب في سلاسة ويىسر في يناير 2011 .
بعدها نجحت الادارة الامريكية في تقسيم السودان إلى قسمين ، وتنكرت لوعدها بدليل استمرار العقوبات واستمرار بقاء السودان في القائمة الارهابية حتى يوم الدين هذا .
5 – خاتمة ؟
والمحصلة ؟
اولاٍ :
+ سوف تستمر واشنطون في حندكة نظام البشير برفع اسم السودان من القائمة الارهابية ، ورفع العقوبات ، والتطبيع ، حتى يتم إنفاذ امر القبض وإنصراف الرئيس البشير . وحتى ذلك التاريخ ، بعد ام قرب ، سوف تستمر واشنطون في إبتزاز الرئيس البشير ، لتفعيل اجندتها ، وهو من الصاغرين .
ثانياً :
+ سوف يستمر مبيكي في النفخ في قربة مقدودة منذ بدء النفخ في فبراير 2009 … على الاقل لاعطاء شعور ، ولو زائف ، بأن عملية الحوار الوطني على قدم وساق .
ثالثاً :
+ سوف يتم عقد ورشة تخصصية في اديس ابابا في يوم الاحد 25 سبتمبر 2016 لتدريب 15 من قادة مكونات تحالف قوى نداء السودان على التفاوض المثمر حول بيتزا اكلها الرئيس البشير واستقرت في معدته . ويعقب الورشة مباشرة اجتماع ، لمدة يومين ، للمكتب القيادي العشريني للتحالف للإتفاق حول استراتيجية التفاوض مع نظام البشير حول إبرام إتفاقية سياسيية لوقف العدائيات وتوصيل الإغاثات للنازحين .
وكانت المفاوضات حول هذين الامرين قد بدات بين الحركة الشعبية الشمالية ونظام البشير منذ يونيو 2011 ، واستمرت في 13 جولة ، كانت ثمارها اكل خمط واثل وشئ من سدر قليل .
اما المفاوضات بين حركات دارفور المسلحة ونظام البشير فقد بدات في عام 2001 قبل حمل هذه الحركات السلاح بسنتين ، ولا تزال مستمرة 15 سنة بعد الحدث ، ومحصلتها قبض الريح .
ودخلت نملة ، خرجت نملة ، في حجوة ام ضبيبينة الاسطورية ، حتى يتم تفعيل امر القبض ، او ياخذ صاحب الوديعة وديعته .
رابعاً :
في يوم الاربعاء 21 سبتمبر 2016 ، اصدر جيمي كارتر مناشدة لاصحاب المصلحة المتقاتلين في سوريا من كلمتين ، بوزن الجبال :
اوقفو القتال !
وبعدها لكل حدث حديث .
وكانه يخاطب اصحاب المصلحة في السودان .
ردد جبمي كارتر في سبتمبر 2016 ، ما دعا له السيد الامام في باريس في يوم الجمعة يوم 8 شهر 8 سنة 2014 ، بأن يوقف الجميع القتال ، وتحتفظ الجبهة الثورة بمواقعها واسلحتها للدفاع وليس الهجوم .
ولكن آفة حارتنا النسيان ، وإنما يستجيب الذين يسمعون !