تنظر الأوساط السياسية على الساحة الدولية باهتمام شديد الى القرار الجديد الذي اتخذته الحكومة الأميركية وأعلن عنه عقب اللقاء التاريخي الذي عقده الرئيس باراك أوباما، اول من امس، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية المنعقدة في نيويورك مع رؤساء الدول الأفريقية بفرض عقوبات وقيود على السفر ضد القادة السياسيين في 3 بلدان أفريقية هي السودان وكينيا وزيمبابوي، لما لهذا القرار من أبعادٍ ومعانٍ عميقة واعتبرته بأنه رسالة واضحة وشديدة اللهجة ليس فقط للبلدان الثلاث فقط، بل لكل البلدان الأفريقية وفي شكل خاص للزعيم الليبي معمر القذافي، الرئيس الحالي للاتحاد الافريقي.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين صدر قرار فرض قيود السفر على السودان وكينيا وزيمبابوي بتوجيه خاص من الرئيس أوباما الذي رغب، على ما يبدو، ان يقول لقادة الدول الأفريقية جميعاً، الذين احتفلوا به في نيويورك كأول رئيس أميركي من أصل أفريقي، ألا يفرحوا كثيراً وألا يراهنوا على لون بشرته وأنه لن يرضى عن مظاهر الفساد والفوضى وسوء الادارة وانعدام الشفافية والديموقراطية التي يعيش في ظلها عدد من البلدان الأفريقية وأنه لن يتهاون مع المخالفين، فيما اعتبر المحللون القرار فاتحة لنمط جديد من التعامل من جانب الادارة الأميركية الحالية، ليس فقط مع الدول الأفريقية، بل مع دول العالم الثالث في شكل عام.
وربط المحللون بين هذا القرار وزيارة الرئيس أوباما الى غانا، معتبرين ان «تزامن الحدثين يشكل رسالة أكثر وضوحاً بالنسبة لما يريده أوباما من قادة الدول الأفريقية ومستقبل علاقته معهم».
ففي حين كان العالم منتظراً ان يختار أوباما كينيا، بلد آبائه وأجداده الذي ابتهج أبناؤه كثيراً لدى انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، لتأدية أول زيارة له الى دولة أفريقية على اعتبار ان زيارته الى القارة لم تكن زيارة دولة وخصصت لمخاطبة العالم الاسلامي وشعوب الشرق الأوسط، اختار أوباما غانا على الشاطئ الغربي لأفريقيا.
والسبب ان كينيا أصبحت بلداً ممزقاً بسبب الصراع الدموي الذي أعقب الانتخابات الدستورية التي جرت فيها في ديسمبر العام 2007 وانتشر القتل على الهوية في الطرقات وانهار الوضع الأمني في البلد، فيما شهدت غانا انتقالاً سلمياً للسلطة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
اذاً فرسالة أوباما السياسية واضحة: «أنا لست مع الفساد والفوضى والديكتاتورية، أنا مع الديموقراطية». فقرار فرض قيود السفر هو عبارة عن «تكشيرة» يبدو أنه حان وقتها. وشمول القرار للسودان وزيمبابوي يزيد من وضوح الرسالة، فكلا البلدين يعانيان من صراعات دموية داخلية للسيطرة على السلطة في شكل غير ديموقراطي. فالمقصود من وقوع القرار على البلدان الثلاثة جعلها عبرة لمن اعتبر.
وكانت ادارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تعاملت بحذر مع مسألة زيمبابوي ولم تسارع لاتخاذ أي خطوات عقابية ضد الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي، رغم الضغوط التي مارستها الحكومة البريطانية على الساحة الدولية من أجل عزل موغابي، غير ان الأمر أصبح مختلفاً الآن، فأكبر قوة في العالم بدأت تتصدى بالفعل للمارقين.
وقوبل قرار فرض القيود على السفر بصمت شديد في عواصم الدول المعنية والعواصم الأفريقية عامة ولم يصدر عن رئاسة الاتحاد الأفريقي أو الرئيس القذافي، حتى ولا من جانب جامعة الدول العربية التي تهتم بشؤون الدول الأعضاء فيها ومن ضمنهم السودان، أي رد أو تعليق حول الموضوع. ورغم الاعلان عن القرار، الا أنه لم يُكشف عن أسماء المسؤولين في الدول الثلاث الذين شملتهم القيود. ونقلت وكالات الأنباء عن السفير الأميركي في كينيا ان القرار لا يشمل كل المواطنين الكينيين، بل نخبة من السياسيين والمسؤولين فقط. وبالنسبة لكينيا يُعتقد ان قيود السفر ستطول الأشخاص المذكورة أسماؤهم في القائمة التي أعدها الوسيط الأفريقي لحل النزاع على السلطة في كينيا كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وقدمها للمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في الملفات لمحاكمة المتهمين بالوقوف وراء الأحداث الدموية في كينيا نتيجة للتزييف في الانتخابات والتي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 1500 شخص.
وكان أوباما عبّر عن قلقه واستيائه من الأوضاع في كينيا في مؤتمر صحافي له في البيت الأبيض قبل أسبوعين، خصوصا بعد تقارير عدة تحدثت عن انتعاش نشاط تنظيم «القاعدة» في البلد واحتمال تحوله الى قاعدة جديدة للارهاب الدولي، وقال: «انني قلق من ان الأحزاب السياسية تبدو أنها لا تتحرك نحو انجاز مصالحة دائمة من شأنها ان تسمح للبلد ان يتقدم».
وكان رئيس الوزراء الكيني ريالا أودينغا، الذي بالغ في الاعراب عن فرحه بوصول أوباما الى البيت الأبيض، سافر الى الولايات المتحدة في مايو المقبل وذهب بنفسه لمقابلة أوباما في البيت الأبيض من دون ترتيب مسبق مع الادارة الأميركية، الا أنه لم يتمكن سوى من مقابلة عدد من المسؤولين الأميركيين بعدما رفض أوباما استقباله.
الرأي