حزب الأمة: الفوز في الانتخابات يبرر كل التحالفات
تعيش اليوم كثير من أقطار العالم الثالث ، حالة يسودها وضع من العنف وعدم الاستقرار، بحيث أصبح الحديث عن الواقع السياسي لهذا العالم يتطلب الوقوف طويلاً على خبايا الواقع الدولي وتعقيداته، وعلى الاعتبارات الإقليمية وتقلباتها، وعلى حقائق الجغرافيا السياسية لكل قطر من أقطار هذا العالم.
ولعل السودان خير مثال لحالة الخلاف وعدم الاستقرار السياسي. فقد ظهر حراك وتقلبات سياسية قبيل الانتخابات في السودان وصلت الى حد قد تتيح بمبادىء بعض الاحزاب كما ظهرت على الساحة اتهامات بتلقي تمويلات من اطراف اجنبية ليست لها غاية سوى بث الانشقاق والتشرذم بين الكتل السياسية في السودان. و يعتبر حزب الامة احد عناصر الانشقاق في السودان الى جانب حركات التمرد في الجنوب.
وهو حزب انطلق كتحالف بين ثلاثة عناصر هي: الأنصار، وزعماء العشائر، ونفر من الخريجين المنادين باستقلال السودان تحت شعار: السودان للسودانيين. لكنه شهد انقساما منذ 2002 اثر صراع حاد بين رئيس الحزب الصادق المهدي وابن عمه رئيس القطاع السياسي في الحزب مبارك الفاضل المهدي، و الذي انتهى ، بعد مؤتمر سوبا في يوليو 2002 الى جناحين: حزب الأمة التاريخي “تأسس عام 1945” برئاسة الصادق المهدي، وحزب الأمة “مجموعة الاصلاح والتجديد” برئاسة مبارك الفاضل المهدي . و اعيد اتحاد الحزب في اليوم الاول من الحملة للانتخابات المقررة في نيسان/ابريل. وصرح مبارك الفاضل زعيم الفصيل المنشق في الحزب “توصلنا الى اتفاق مع الصادق المهدي لتوحيد الحزب. سنوحد برنامجنا السياسي ومرشحينا للانتخابات”.
واكد هذا النبأ المتحدث باسم الصادق المهدي لوكالة فرانس برس. وترشح الفاضل والمهدي للانتخابات الرئاسية لكن على احدهما الانسحاب من السباق الرئاسي لتوحيد صفوف الحزب فعليا.
وبدأت الحملة للانتخابات الرئاسية والتشريعية المحلية المقررة في نيسان/ابريل.
وهذه الانتخابات ستكون الاولى المتعددة الاحزاب منذ 1986 في السودان اكبر دولة افريقية التي يقدر عدد سكانها ب39 مليون نسمة.لكن يبدو ان حزب الامة في هذه الفترة الانتخابية اصبح يبحث دعما من حركات التمرد للفوز بالانتخابات. فقد انتقد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الاتفاق الذي وقعه حزب الأمة مع حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، واعتبرها تشكيكا في مشروعية النظام، محذرا من أن الاتفاق قد ينسف إتفاق التراضي بين الطرفين العام الماضي.
وقال مسؤول الاعلام بحزب المؤتمر الوطني كمال عبيد ، إن أي قوى سياسية تتعامل مع الحركات المسلحة وهي مدركة لتلك الحقائق ستضع نفسها في موضع المساءلة السياسية، ويحق للمواطن السوداني ان يطالب بمساءلتها قانونياً.
ولم يستبعد عبيد أن تنسف الخطوة التي أقدم عليها حزب الأمة اتفاق التراضي الموقع بين حزب المؤتمر وحزب الأمة.
وأوضح أن اتفاق حزب الأمة وحركة العدل والمساواة يناقض التزامات أي حزب سياسي للدستور باعتبار ان توقيع اتفاق مع حركة مسلحة رافضة لوقف اطلاق النار لا يمكن ان يكون إلاّ تشكيكاً في مشروعية المؤسسة السياسية. من جانبه قال نائب الأمين العام لحزب الأمة القومي عبد الرحمن الغالي ، إن إتفاق حزبه وحركة العدل والمساواة لا يتناقض مع إتفاق التراضي الوطني، وأشار إلى أن بنود الاتفاقين ليس فيهما ما يتعارض مع مواقف حزب الأمة.
من ناحيته نَفَى مصدر مصري مسؤول أيّة علاقة للقاهرة بالاتفاق الذي تَمّ التوقيع عليه بين حزب الأمة وحركة العدل والمساواة،. وأكد حسام زكي المتحدث باسم الخارجية المصرية أن الاتفاق المعلن عنه بين العدل والمساواة وحزب الأمة القومي، هو اتفاق بين أحزاب سودانية ولا دخل للقاهرة به. وقال: “ما جرى الإعلان عنه في وسائل الإعلام من اتفاق، هو شأن سوداني لا علاقة للقاهرة به”. وأضاف “لم يكن الأمر متعلقاً باستضافة هذه الأحزاب، وإنما الأمر يتعلق بإمكانَات تسهيل الاتفاق بين القوى السياسية السودانية، وأضاف أن الجهد المصري يُصب في هذا الاتجاه وهو غير معني بالمماحكة السياسية مع أي طرف وسيط”. وكان حزب الأمة وحركة العدل والمساواة قد فجرا مفاجأة من العيار الثقيل بالإعلان عن توقيع اتفاق في القاهرة يتضمن تأييد الطرفين لقرار إحالة قضية دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
وتضمن الاتفاق المطالب الثابتة لقوى المعارضة الاخرى كالمطالبة بحكومة انتقاليه ورفض نتائج التعداد السكانى وانفاذ قوانين التحول الديمقراطى.
ورأى البعض في الاتفاق خطوة تصعيدية من قبل حزب الامة القومي الموقع على اتفاق التراضي الوطني مع الحزب الحاكم المؤتمر الوطني. ووصف فيصل محمد صالح محلل سياسي الاتفاق بأنه مفاجىء من حيث التوقيت ويدل على حالة التناقض التى يعيشها الحزب.
وأكد محمد لطيف، رئيس تحرير صحيفة الاخبار السودانية، أن اتفاق التراضي يعتبر ملغيا بعد خطوة حزب الامه بل أن تلك الخطوة يمكن أن تؤدي الى اجراءات اكثر قسوه من قبل النظام. ونفى حزب الأمة أن يكون الاتفاق مفاجئا وارجعه لمساعيه الدائمة لتحقيق الاجماع الوطني. وقالت مريم الصادق المهدي القيادية في الحزب الأمة إن الاتفاق لايتعارض مع مواقفه وتوجهاته ولايناقض إتفاق التراضي الموقع العام الماضي.
و يعتزم المتمردون السابقون في جنوب السودان وحوالي عشرين حزباً في المعارضة السودانية تقديم مرشح واحد لمنافسة الرئيس عمر البشير في الانتخابات الرئاسية المقررة في ابريل القادم بحسب ما أعلنه مسئولون سياسيون كبار .
وقال باجان أموم الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان رداً على سؤال حول إمكانية قيام تحالف ضد عمر البشير : ” نعم ، إنها فكرة اقترحتها أمانة مؤتمر جوبا ”. وفي نهاية سبتمبر الماضي جمع المتمردون الجنوبيون السابقون في جوبا عاصمة جنوب السودان نحو عشرين حزباً معارضاً تهدد كلها بمقاطعة أول انتخابات رئاسية منذ 1986 في حال لم يتم تبني اصلاحات ديمقراطية سريعاً.
ويبدو ان تحالف المعارضة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان يهدف الى إلحاق الهزيمة بالرئيس عمر البشير. وتعتبر تلك هي المرة الاولى التي يتطرق فيها مسؤولون علناً وبوضوح إلى إمكانية تشكيل تحالف يضم جميع الاتجاهات ضد البشير. وقالت مريم المهدي المسؤولة في حزب الامة وابنة صادق المهدي : ” إذا شاركنا في الانتخابات فقد يكون لنا مرشح واحد للرئاسة ” . وأيد العضو النافذ في حزب الامة مبارك الفاضل هذا القول وأضاف : ” أنه يمكن أن يتشكل على كل المستويات ” ، مشيراً بذلك إلى أن المعارضة والمتمردين الجنوبيين السابقين قد يقدومون أيضاً مرشحين مشتركين الى الانتخابات التشريعية والاقليمية . ولم تتوقف لعبة الانتخابات عند التحالفات مع حركات التمرد بل وصلت الى تحالفات مع قوى اجنبية اتهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان معارضيه بتلقي اموال من السفارات الاجنبية بالبلاد من اجل الاطاحة به في الانتخابات .
وقال مسؤول التعبئة حاج ماجد سوار خلال حديثه في ندوة سياسية بمدينة “كسلا” شرقي السودان نقلتها وسائل الاعلام “ان بعض الاحزاب والقوى السياسية تسلمت اموالا من سفارات ودول ومنظمات وان اكثر من 90 بالمائة من تلك الاموال ستذهب الى جيوب تلك الاحزاب وهم يعتقدون بان هذه الانتخابات ستكون المحطة الاخيرة لازالة المؤتمر الوطني ولكننا سنكتسح الانتخابات بكافة المستويات وسنحصل على الشرعية عبر صناديق الاقتراع”.
واعلن سوار ان حزبه قرر عدم تأجيل الانتخابات لان توقيتها جزء من قرار اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي مبينا ان اي تأجيل يعتبر خرقا لهما بجانب ان كافة الاحزاب قد شاركت في كل المراحل السابقة اضافة الى ما صرف من اموال من قبل كل الاحزاب والقوى السياسية في التحضير لهذه الانتخابات.
ومن المقرر أن تبدأ عملية الاقتراع في السودان يوم 11 نيسان- ابريل في انتخابات نص عليها اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب الموقع عام 2005 والذي أنهى ما يزيد على عقدين من الحرب الأهلية بين الجانبين.
وتعد هذه الانتخابات هي اول انتخابات تعددية منذ 24 عاما يتنافس على الرئاسة فيها 12 مرشحا ابرزهم الرئيس الحالي البشير والقيادي بالحركة الشعبية ياسر عرمان وزعيم حزب الامة المعارض الصادق المهدي.
وطالبت بعض الاحزاب بتأجيل الانتخابات الى شهر تشرين الثاني- نوفمبر المقبل لافساح المجال لحل ازمة دارفور ومراجعة السجل الانتخابي كما طالب مركز “كارتر” احد المراكز المشاركة في مراقبة الانتخابات السودانية بتأجيلها لمدة 10 ايام بسبب تأخيرات في التجهيز والاعداد.