الربيع العربي …… الرابحون كثر , منهم الأقليات , و الخاسرن كثيرون…. منهم العروبة و الأمل !

عبدالعزيز عبدالله
آيرلندا
    صعب أن يتخيل الإنسان هذه الهزات التي أصابت الوطن العربي و خاصة شمال إفريقيا و اليمن و الشام نيجة لرجل أحرق نفسه من اليأس في بلدة صغيرة في تونس لتجتاح هذه الهزات أكبر بلدان العرب من حيث السكان ؛ مصر و من أكبرها  مساحة , ليبيا و لا تزال هذه الهزات تهز ولو بوتيرة أخف مركز الشام و ثقله البشري و التاريخي ؛ سوريا.
  الآن و نحن نقترب من إكمال العام الثاني لهذه الهزات , ينبغي علينا أن ننظر في حسابات الربح و الخسارة جراء هذه الهزات الغير مسبوقة و لا أريد أن أذهب بعيداً في أسباب نجاح هذه الهزات لأننا جميعاً نعلم أنها آتت من غير تدبير و لا تخطيط و لكنها إرادة الله التي أنهت حياة النمرود بن كنعان من قبل  حيث تسببت ذبابة في قطع رأسه و لكن الجديد هنا هو وسائل الإتصال الحديثة وبرامج التواصل الإجتماعي التي ساعدت في إبراز ما يدور في شوارع بلدان الربيع العربي مما حدا بالناس لمتابعتها و التأثر معها و بالتالي الإنغماس خلفها إلى أبعد درجة .
   لقد ذهبت مع الربيع العربي أدوات القمع التي كانت في أيدي الجلادين و خاصة المسلطة على رقاب الأقليات حيث أننا كنا نسمع عن القادة العرب و هم يوصفون بعض شعبهم بأنهم “هنود” , “فرس” , “بدو” و غيرهم و يتهمونهم بأنهم أدوات الإستعمار في البلاد التي “يستعمرها” الدكتاتوريون و قد تعرضت الكثير من هذه الأقليات إلى حروب إبادة و تذويب شديده خاصة في العراق و ليبيا و مصر و السودان , لقد إنفرجت أوضاع هذه الأقليات إنفراجاً غير مسبوق و صارت كيانات يعترف بها من قبل أنظمة سعت لإنكار هذه الأقليات حق العيش و التواجد الكريم في مجتمعاتها بعد الفتوحات العربية و خاصة لشمال إفريقيا و العراق و مصر و السودان , و مع هذا الإنفراج في أوضاع هذه الأقليات برز لدى النخب العربية و خاصة تلك التي ما تزال تستمسك “بفكرة القومية العربية” سؤالاً لا يجدون له إجابة وهو :  إلى أي مدى يمكن لهم التدخل لوضع حد لما يرونه أمام عينهم من إنفراط عقد الوطن العربي  بظهور جزر غير عربية وسط هذا الفضاء العربي و بالتالي إستحالة قيام وطن عربي في خارج الجزيرة العربية خاصة إذا علمنا أن الأمازيغ تمكنوا من وقف تعريف ليبيا على أنها “عربية” بمعاونة التوبو و الطوارق و ظهور تيار “الكردنة ” في شمال العراق و سوريا و بروز أول حركة نوبية غير سلمية في أرض مصر و إتجاه  زنوج السودان للتكتل ضد عروبة السودان , و هي العروبة المشكوك فيها من السودانين و العرب على حد سواء !
    لقد خسرت العروبة من هذه الهزات الكثير من عوامل بناء وحدة قومية على أساس “اللغة” خاصة أن الكثير من العرب ليسوا بعرب “عرقاً” و لكنها عروبة اللسان ؛ لقد إنفصلت إحدى جزر القمر “من غير الربيع العربي” و ذهبت صوب الإليزية حيث يأتي رزقها من هناك  رغداً و ذهبت دولة جنوب السودان بأخطر جزء و أهمه في الوطن العربي و هو منابع النيل و مٌحيت كلمة “عربية” من ليبيا و ها هم أكراد سوريا يمزقون ما تبقى من عرى العروبة في شمال سوريا في نسخة طبق الأصل لما قام به أكراد العراق ! و ماذا عن جماعة الحوثي في اليمن ؟ تلك الجزيرة التي لم تتمكن العروبة “يمنية أم سعودية ” في إغراقها بمعاونة أميركا حيث إنتصر معسكر “فارس” ؟ يقيني أن الخاسر الأكبر من هذه الهزات العربية هي “العروبة” نفسها !
    ثم تبدد الحلم بالأمل الجديد و صار سراباً و قليل الإنفراج في مصر , أعاقه “فرعون” جديد لا فرق بينه و بين الفرعون القديم “الميت الحي” إلا اللحية التي يستتر خلفها إتقاء النقد و لزوم العصمة ؛ كيف و هو الإمام الجديد و الخليفة الباحث عن السلطات جميعا في قبضته و هو الحاكم بأمر الله في بلد الله الأمين ! وماذا عن عبدربه “منصور هادي” ! فقد طٌرد “الزعيم” علي عبدالله صالح من القصر و لكن شبحه يخيم على اليمن السعيد و هو زعيم موازي لمن في القصر يتلقى بيعات أنصاره الأقوياء في بيته في اليمن السعيد و لم يجد اليمنيون من شيئ يسدون به هذا الأمل المتبخر إلأ تنظيم جمعات “نصرة” أهل الشام و غزة بالهتاف و التلويح بالخناجر ! و ماذا عن تونس حيث قفل الذين عادوا من البحر سراعاً إلى قواربهم صوب روما من جديد بعد ما أبصروا الأمل الذي أعقب رحيل بن على يتبخر أمام أعينهم ولإستباق الشتاء قبل أن تصعب العودة إلى البحر صوب روما من جديد ! أ لم أقل أن الأمل قد تبدد من جديد !
   كما إن زيادة الإفتنان بثقافة الغرب قد وجدت في فضاء العرب موطئ قدم ؛ كل يوم يزداد عدد الذين يلوحون بالجلباب جانباً و يستبدلونه بالجينز و القميص , أنظروا فقط إلى بلادنا السودان و أرشيف ذكرى الإستقلال و ثورتي أكتوبر و إنتفاضة أبريل و قارنوا بين ما كان يلبسه الناس في مسيراتهم و ما يلبسونه اليوم في صلاة الجمعة و سوف تلاحظون الفرق ؟ لقد ظهرت فرق ال “الهفي ميتال” العربية و ظاهرة الراب في الوطن العربي في تصاعد مستمر و الأغرب أن غلاة المتطرفين و المتشددين “يغردون” و “يتواصلون” عبر تويتر و الفيسبوك و يصوتون “لايك” و لا أدري عدد المواقع السرية التي يتواجدون بها ؛ أ لم يقل الرسول صلى الله عليه و سلم “لتتبعنهم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع” ؟ لقد تبعناهم و إقتفينا آثارهم و أنا الآن في وسط بلد النصارى حيث أكتب إليكم هذه المقالة .
 من “يفهّم” كتاب صحيفة الإنتباهة أنهم يتاجرون ببضاعة خاسرة خسارة سوق عكاظ التي يحاولون إحيائها في بلاد السودان ؟
 [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *