صحا من نومه مبكرا..فتح دولاب ملابسه المكتظ ب(البدلات) العسكرية والمدنية ..نظر بحسرة واسي الي (نياشين واوسمة) جمعها علي مدي عقود طويلة من رحلته في الجيش..غير انه شعر سريعا بالفخر لانه اليوم في مهمة حلم طويل.. لذا انتقي (بدلة) مدنية انيقة..وشرب (قهوة) دون سكر..و(اطلق رشة بارفان) من زجاجة فاخرة..(بارفان القائد العسكري) رجولي جدا..هكذا علمته العسكرية..
توجه الجنرال الي القصر الجمهوري لاستلام منصبه الجديد الخطير..ومنصب ( الجنرال) تمثل ركنا خطيرا في ساحة السودانية المليئة بدماء شهداء سبتمبر 2013م (هبة سمبتمبر) وما قبلها..ولِم ولا , وهو ثاني اثنين حكما البلاد منذ ربع قرن أوصلا البلاد الي حالة مثخنة بالجراح .. منهكة من حكم عشوائيا ..فاجتما وتناقشا وفكرا ..واجابا عن
السؤال المصير ي :كيف ننقذ السودان الحبيب…السودان الجريح.. السودان المسكين ؟.. فكانت الاجابة طعنة هي الاقسي.. اجتمعا ( البشير وبكري) واطاحا برموز الحركة الاسلامية (علي عثمان طه ونافع علي نافع) علي نهج عراب تنظيم الاخوان في السودان (الترابي)..ثم جلسا في البيت علي كنبتين فاخرتين (إحداهما إيرانية والأُخري صينية ) وامسكا بالريموت ليشاهدا ما يحدث في السودان… وللسودان ..
ذهب (بكري) الي القصر الجمهوري…فابدي ضجره من سياسة 24 عاماً من القتل والتشريد والجوع وفقد جزء عظيم من الوطن…انتظر الرجل علي مضض..وانتظره السودان علي الامل … ولكنه لم يعمل شيئا..وكان قدر السودان ان يظل رهيناً للحسابات الخاصة والمصالح الضيقة.. ولو لا احترامي لقضاء المحكمة الجنائية الدولية لقلت متعاونين مع هؤلاء مجرمي الحرب…ولكن الايام كفيلة عن ذلك.
يحلم (بكري) ان يصبح رئيسا للسودان..هو يري انه جدير به..وللحق فاني آري حلمه منطقيا في سياقه التاريخي .. فالرجل لا يختلف كثيرا عن اشخاص حكموه..وايضا كبيرهم مطلوب لدي محكمة الجنايات الدولية, ولكنه نسي أن الساحة السياسية السودانية، قد التزمت بأنه لابد من ازالة المؤتمر الوطني, والجبهة الثورية السودانية علي ابوا ب العاصمة…غير ان (احلام) القائد العسكري تبدو دائما (حق مستحق) حتي لو لم يحارب.. انظر اليه واقفا وجالسا ونائما..ستجده يريد ان يقول لك :(انا كائن مختلف ..انظر الي كتفي ستجده مختلفا.. صدرك الايسر به قلب ..وصدري الايمن به قلب ايضا..ولكنه يتواري خلف الاوسمة والنياشين)..ينسي القائد العسكري احيانا اننا نحبه حين يصبح منا..يحمينا لاننا نشتري سلاحه من (عصارة معدة جائعة)..يحصل علي امتيازات دون حدود, لاننا نرتضي ذلك بــ (التوافق الصامت اوالطناش الجميل)..ثم انه ينبغي أن يدرك دائما انه (خادم) الايدي التي تضع الرتبة علي كتفه, وتعلق الاوسمة والنياشين علي صدره.. والايدي هي ايدي الشعب …
يحلم (بكري)ان يصبح رئيسا للسودان..ولِمَ لا ؟ وهو نتاج السيكولوجية العسكرية التي لا يفلت منها الا من رحم ربي .. سيكولوجية (سيادة) التي فتنت واوهمت, فقضت علي قادة عسكريين كثيرين سبقوه في السودان وغيره… الا ان حلم (بكري) هو الاول من نوعه.. اذ يراهن الرجل علي اصوات تيار الاسلامي..وهي (طبخة) جديدة في رهانات العسكريين للوصول الي السلطة فعلا وهو اتي من ذلك الرحم في الانقلاب 1989م, ولكن اليوم وهو ناسيا بان الذين أوصلوه السلطة قد تعشي بهم ابتداء من عراب الحركة الاسلامية في السودان , ومرورا بـ (غازي صلاح الدين العتباني) وانتهاء بـ (علي عثمان ونافع علي نافع وعوض الجاز…. ألخ). ولكن منطقيا يمكن ان يناور هذا الرجل في هذا التنظيم الاخواني حتي لا يخسر ؟ كيف ان ثاني اثنين حكما السودان في الاحداث المؤلمة…وكانه لا يعرف شيئا عما جري…؟
شخصيا.. لم يدهشني حلم (البشير) ولا حلم (بكري), غير ان حلم (البشير) يختلف في دوافعه عن حلم (بكري)..فالاول يبدو وكأنه يبحث عن سلامته من المحكمة الدولية , ويحلم بحسن الخاتمة..اما الثاني فيحلم برئاسة السودان …والمفارقة التي تدهشني الي حد الذهول : كيف يحلم (بكري) برئاسة البلاد دون ان يجيب عن سؤال بسيط للغاية: ماذا فعلت بها وانت تحكمها 24 عاما في اوضاع كانت افضل كثيرا من المحنة الحالية؟ سؤال لن يجيب عنه (بكري)لانه قطعا ينظر لنا من فوق كتفيه ومن خلف اوسمته ونياشيته..
[email protected]