هل تكسب العصابة الانتخابات قبل قيامها؟
بقلم / احمد عمر خوجلي
عرفت الدولة السودانية الحديثة النظم البرلمانية والنيابية منذ اواخر منتصف القرن الماضي بدأت بدخول المجموعات السياسية في مؤسسات المستعمر البريطاني كالمجلس الاستشاري لشمال السودان 1944والبرلمان الانتقالي1953م لتسير بعدها التجربة السودانية في ذات طريق التجربة البيريطانية – وست منستر – بعد الاستقلال في 1956م حيث تنافس على البرلمان الحزبان الكبيران – الامة والاتحادي – الى جانب مجموعات من الاحزاب الصغيرة الاخرى وكتل من جنوب السودان اضافة لهما في تجارب لاحقة الاسلاميون والاشتراكيون العرب (والروس ).
وبسسب ما ارجعه المحللون لحداثة التجربة وضعف البناء الفكري للاحزاب بسبب عيوب القبلية والطائفية تميزت التجارب البرلمانية منذ بواكيرها بكثرة التنافر والتشاحن بين القوى السياسية داخل وخارج البرلمان الشي الذي منح الفرصة واسعة للمؤسسة العسكرية – كما كان الحال في غالب دول العالم الثالث – للقفز على الحكم متعذرين بفشل الاحزاب – وقد فعلوا ذلك ثلاث مرات عبر الجنرلات عبود ونميري والبشير بالتعاون مع احد الاحزاب الفاعلة في التجربة المنكوبة بسسب التشاحن المذكور.
ولكن يحاول العسكر و(معاونوهم) على الدوام اثناء فترة حكمهم ان يزينوا الساحة السياسية بتجارب ديمقراطية مزيفة تنتج مجالس نيابية ميتة يسيطر عليها الحزب الحاكم ليعبر عن وجهة نظر النظام السياسي في نواحي التشريع والرقابة في الوقت الذي نجد فيه الاحزاب القديمة خارج هذه المؤسسات تعيش حالة من الكمون الذي اصبح احد امراض القوى السياسية المزمنة في السودان .
وبعد حرب ضروس بينهما امتدت لأكثر من خمسة عشر عام تم التوصل لاتفاقية السلام الشامل بين حكومة حزب المؤتمر الوطني (الانقاذ ) والحركة الشعبية لتحرير السودان في 2005م من جملة ما نصت عليه قيام انتخابات حرة نزيهة على منصب رئيس الجمهورية وعلى مقاعد البرلمان بعد فترة انتقالية حدد لها اربع سنوات .
وللانتخابات التي اجلت غير مرة متعلقات اخرى وردت في الاتفاقية المذكورة منها اجازة قانون الانتخابات والاحصاء السكاني مع انفاذ التحول الديمقراطي بتعديل كافة القوانين المقيدة للحريات وهذه تتهم فيها المعرضة الحزب الحاكم بالتلكؤا من اجلالحافظة على مسافة تقدمه على الاخرين بحرمان كل القوى السياسية للتعبير عن نفسها وبرامجها استعدادا للتنافس الانتخابي بعد فترة طويلة من الجمود والغياب بسبب حكومة حزب الاسلاميين الواحد الذي قفز الى السلطة منذ اكثر من عشرين عاما مارس فيها كل انواع وصنوف وحيل تفتييت هذه الاحزاب والتضييق عليها بحجج العمالة واستهداف الوطن او من خلال اشعال الفتن داخل هذه الاحزاب وتقريب تيارات وقيادات الى الحزب الحاكم لدرجة وصلت الى تأسيس احزاب تطبق عليها نظرية او لعبة التوالي السياسي التي ابدعها الدكتور حسن الترابي قبيل اطاحة تلاميذه وانداده به في خواتيم العقد الماضي واستمرارهم في ذات التوالي السياسي مع احزاب (ضرار) تنفخ فيها السلطة واموالها واعلامها الروح لمناطحة الاحزاب الكبيرة التي انسلخت منها من جهة ولتجميل وجه الحكم بمساحيق المشاركة الزائفة من جهة اخرى. وهذا الامر تسبب الى حد كبير في تشويه الحركة السياسية وارباك البناء الحزبي من خلال احزاب تحمل مسميات مستقلة تعيش متماهية مع برنامج الحزب الحاكم بمقابل امتيازات ومصالح خاصة تنطلق من رغبة الكيد السياسي واعمال سياسة فرق تسد لا قسمة سلطة تقوم على البرامج الفكرية المعبرة عن مطالب الجماهير .
وهذا الامر الاخير ذا ارتباط وثيق بمعضلة التمويل التي ستواجه الاحزاب في مواجهتها الانتخابية للحزب الحاكم الذي لايشعر بهذه المشكلة بسبب اختلاط مال (القيصروما للشعب) فمؤسسات الحزب الحاكم وشركاته تمسك بخناق السوق ولها من الوسائل والاساليب ما تستطيع به صناعة الندرة والتلاعب في الايرادات خاصة النفط حيث اوضح احد بيوت الخبرة الغربية اختلافا بين اسعار النفط السوداني في وثائق وزارة الطاقة السودانية عن وثائق بعض الدول التي تشتري النفط السوداني .وهذا الامر يدعم شكوك الحركة الشعبية في تلاعب الحزب الحاكم بموارد البلاد لصالح خزانته الخاصة ولصالح خزانات محسوبيه وتابعيهم .
وفي ذات اطارالتكسب الانتخابي باستعمال مقدرات الدولة يصب نهج ربط الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها بالانحياز الى الحزب الحاكم ومبايعة قيادته وهذا بالطبع لا يتأتى لأي حزب من الاحزاب المعارضة التي صار بعض قيادتها يهرعون الى الانضمام الى الحزب الحاكم طمعا في المال والامتيازات من شدة العوز المادي والفكري .
مضاف الى ذلك استقلال وسائل الاعلام القومية للدعاية للحزب الحاكم وانجازاته بل واستمالها للتعريض من الاحزاب الاخرى ومحاولة اظهارها باوضاع تقلل فرص كسبها للانتخابات .
ولكن العقبة الاخطر التى تتخوف منها احزاب المعارضة الكبيرة حال مشاركتها في الانتخابات القادمة تتمثل في استحواذ الحزب الحاكم على القرار في غالب آليات الدولة ومؤسساتها بفعل عمليات واسعة من الاحلال والابدال في الوظائف العامة جعلت كل مفاصل الدولة في جميع مستوياتها في قبضة الحزب ولا تتورع من ضرب المعارضين بها لأجل الكسب الحزبي المحض ويبدو ذلك جليا في عدم جدية الحزب الحاكم في دفع استحقاق التحول الديمقراطي من خلال تغيير القوانين المقيدة للحريات ومنع الرقابة على الصحف التي اطلقت مؤخرا لا احتراما للحريات ولكن مكيادة للقوى التي اجتمعت في جوبا بالاضافة الى إطلاق نشاط الأحزاب في التعبير عن نفسها ومطالبها بصورة قانونية من خلال الندوات والتظاهر وحتى اللقاءات وورش العمل فالحكومة ترهب حتى اعوانها من احزاب الضرار في الجزيرة حزب الشريف.
ومما يبرهن على المصاعب التي يتوقع ان تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة هو وجود نوايا خطرة للحزب الحاكم في حال نجاح كتلة الأحزاب المعارضة في الاتفاقعلى موقف انتخابي موحد تجابه به المؤتمر الوطني فقد قال الاستاذ علي عثمان محمد طه في احد اللقاءات المفتوحة – دعك من المقفولة – انهم لن يسمحوا (للمتربصين بالاسلام) ان يستقلوا الديمقراطية لازاحة الانقاذ وهذا الربط الماكر بين الإسلام والانقاذ هو في حقيقته مبرر احتياطي لنسف عملية الانتخابات اذا ما اظهرت المؤشرات اتجاها لا يصب في صالح الحزب الحاكم وهذه اكبر العقبات من كونها تحمل نوعا من التهديد المبطن يمكن استقلاله كمصدر احباط للاحزاب المعارضة ومثبط لامالها في تحقيق رغبتها في الاطاحة سلميا بالانقاذوحزبها .كما يمكن استعماله كناسف للعملية الانتخابية واهدافها الدستورية .
ولكن ثمة اشكاليات تواجه الاحزاب في الانتخابات القادمة تتمثل في جمود العضوية وتكلس الهياكل في محطة الماضي مع وجود تيارات مناوئة لاسباب داخلية تتصل بشكل ادارة الحزب ووجود الشلليات حول الزعامة فضلا عن تنامي اتجاه عام في الدولة السودانية يعلي من شأن القبيلية والجهوية في مكان البرنامج والفكرة وهوايضا نتاج ما زرعته الانقاذ وحكمها من خلال استعمال سياسة الطرد المركزي لانجاح سياسة فرق تسد من خلال رفع شعارات عنصرية لاستمالة طرف دون الاخر وما حدث بدارفور احد الامثلة الناصعة لذلك .