هجليج : هل ستكون بداية نهاية نظام الخرطوم ؟!
عثمان نواي
ان موقع هجليج المدينة والحقل على الحدود مع دولة جنوب السودان وعلى بعد 100 كيلومتر من ابيى المتنازع عليها بين دولتى شمال وجنوب السودان ,اضافة الى الحقل النفطى المنتج لمعظم بترول الشمال المتبقى داخل حدود جمهورية السودان , تجعل طبيعة الصراع الدائر فيها الان ذو طبيعة استراتيجية وشديدة الحساسية بالنسبة للدولتين . فهذه الخطوة المفاجئة من دولة جنوب السودان والتى اتت بعد قبول البشير زيارة جوبا من اجل التفاوض مع سلفاكير وايجاد حلول نهائية للقضايا العالقة بين الدولتين بعد الانفصال , وتفاؤل حذر عم الدولتين بقرب حل ما للازمة الخاصة بترسيم الحدود ورسوم عبور البترول عبر الشمال , قد اصاب المجتمع السودانى على المستويات العسكرية والسياسية بصدمة كبيرة , خاصة وان الخطوة التى بررها جنوب السودان بانها رد على الاعتداءات المتواصلة على اراضيه من قبل جيش السودان واسترداد لكرامة الدولة الوليدة وشعبها المستقل حديثا , لم تكن كافية لاستجلاب تعاطف المجتمع الدولى الذى ادان الخطوة وطالب الجنوب بالتراجع الى حدوده , ومن ضمن المدينين كانت الولايات المتحدة التى سارعت لمطالبة الجنوب بالتخلى عن هجليج ,و العودة لطاولة المفاوضات .
شهدت ال48 ساعة الاولى من احتلال الجنوب لهجليج تعنتا من دولة الجنوب , ولكن بدات بالامس بوادر تشير الى رغبة الدولة فى الحوار مع الشمال اذا ما تم تسليم المدينة الى قوات اممية , ولكن السؤال يبقى حول الى اى الدولتين حينها سيذهب نفط هجليج والذى تم ايقاف تدفقه منذ اليوم الاول للاحتلال , وينظر بعض المراقبين الى الخطوة من دولة جنوب السودان على انها رغبة منها فى الضغط بشل كافى على شمال السودان لكى يتم الوصول الى اتفاق حول ترحيل النفط عبر الشمال بالطريقة المرضية لدولة الجنوب , حيث كانت جنوب السودان قد اوقفت انتاجها للنفط قبل اكثر من شهرين , وحسب التقارير الواردة من هناك فان ازمة حقيقية تمر بها الدولة الوليدة , فقد ذكرت رويترز فى تقرير لها يوم 15 ابريل ” ان محطات الوقود اصبحت فارغة فى جنوب السودان ” وفى المقابل فان سيطرة الجنوب على هجليج ادى الى وضع السودان فى وضع مشابه , حيث اصطفت السيارات فى محطات الوقود فى الخرطوم , وارتفعت الاسعار بنسبة لاتقل عن 20 % على اثر ارتفاع الدولار بنفس النسبة فى ال24 ساعة الاولى من احتلال المدينة النفطية .
وعلى المستوى السياسى فان ردود الافعال المتعاطفة مع الحكومة فى الخرطوم , وهو امر نادر الحدوث , حيث اصبحت الحكومة الان فى مكانة الضحية والمعتدى عليها لاول مرة منذ دخول خليل الى الخرطوم فى 2008 , وهذا التعاطف من المجتمع الدولى والمعارضة المحلية مع الحكومة , تحاول الحكومة الان الاستفادة منه والوصول الى مساومة تحت شعارات الوطنية والدفاع عن تراب الوطن , لتكسب الوقت وتغطى على فشلها الاساسى ,اولا فى الحفاظ على ارض الوطن ومن ثم عدم قدرتها على ادارة البلاد , فحالة الانهيار الاقتصادى التام التى تواترت التقارير المحذرة منها , اضافة الى الحروب التى لا زالت مستمرة فى 3 جبهات اخرى فى جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق , وهذا الفشل فى ادارة الدولة تحاول حكومة الانقاذ استغلال اجواء الحرب مع الجنوب واحتلال هجليج لتستجلب قدر من التعاطف الشعبى , وتبرير الازمات التى تواجهها بانها صنيعة خارجية ونتيجة للاستهداف الخارجى ” الغاشم ” .
ان احتلال هجليج وفشل القوات المسلحة السودانية فى تحريرها او صد الهجم عليها منذ البداية , انما هو دليل اخر على انهيار الجيش السودانى وانقسامه الداخلى والارهاق وقلة الموارد نتيجة للحروب التى يخوضها الجيش فى اكثر من جبهة لتضاف اليها الان مواجهة مع دولة جنوب السودان , وكان الجيش يتحمل مثل هذه الضغوط بالاستعانة بالمليشيات القبلية مثل قوات المسيرية الاكثر قربا من منطقة هجليج والذين كانوا ليبادروا الى ” نصرة الجيش” ولكن من الملاحظ الانقسام داخل القبيلة حيث تواترت تصريحات من بعض قيادات المسيرية مثل القيادى ادم كرشوم , والذى دعا المسيرية لعدم التجند للحرب ضد الجنوب , حيث ذكر فى مقابلة مع راديو دبنقا يوم 14 ابريل “ا انهم كمسيرية مصلحتهم مع الجنوب الذي يقضون فيه ثلاثة ارباع السنة في اراضيه مع مواشيهم التي ترعى وتشرب الماء من هناك وليس من الخرطوم او نهر عطبرة” , وايضا وردت انباء حول بطء الاستجابة لنداءات التجنيد , حيث كان البشير دعا منذ الشهر الماضى لتشكيل لواءات الردع لكن لا وجود الى الان لاستجابة كبيرة لهذه النداءات , حيث ان الوضع الاقتصادى السىء فى البلاد يجبر المواطنين على اعادة التفكير فى جدوى الحرب او مساندة الحكومة فى حربها , حيث ان كثير من السودانيين يعتبرون الصراع الدائر هو صراع بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بجنوب السودان ,و ليس حول اراضى الوطن كما تعلن الدولتان فى حملاتهما التعبوية .
وتحاول الان القوى السياسية فى الخرطوم استغلال الوضع التعبوى والمشاعر الغاضبة من الوضع الاقتصادى وعجز المؤتمر الوطنى عن حل ازمات البلاد فى الوصول الى تسوية مع النظام مشابهة للوضع فى اليمن حيث يتخلى الحزب ورئيسه عن الحكم لصالح حكومة حرب او حكومة ازمة كما دعت بعض الاحزاب من ضمنها الشيوعى والامة , فهل ستكون هجليج لموقعها الاستراتيجى وتاثيرها على دولتى الجنوب والشمال , سببا فى تغيير سياسى , ينهى حالة الفوضى السياسية الحالية تحت حكم المؤتمر الوطنى , الذى اصبح من الد اعدائه الان اقرب مؤيديه , حيث قال الطيب مصطفى الخال الرئاسى ” أيها المؤتمر الوطني أنت لستَ جديراً بحكم السودان». ( الصحافة 15ابريل) وذلك فى اطار موجة من الدعوات الى حكومة حرب او حكومة ازمة لاخراج البلاد من ورطتها , ولا تزال الاجواء ملبدة بالغيوم ففى ظل عدم وجود حسم عسكرى لاى طرف من الدولتين واستمرار المواجهات وسط ادعاء الطرفين السيطرة التامة على هجليج , فان ازمة كبيرة تواجه النظام فى الخرطوم الان والقوى السياسية السودانية , فهل تكون هجليج بداية نهاية النظام الحاكم فى السودان بشكله الحالى وبداية للتغيير السياسى للبلاد ؟ هذا ما ستجيب عنه احداث الايام المقبلة.!!
[email protected]