نبيل أديب
“قدمت هذه الورقة في الورشة التي عقدتها نقابة المحامين حول المرسوم المؤقت تسهيل أداء الأعمال”
رغم أن إعتراضي على المرسوم المؤقت كما أسلفت أساسه مخالفته للدستور، والذي يستلزم أن يتم تعديل قانون الإجراءات المدنية، وفقا للطريق العادي لتشريع القوانين، إلا أنني أرى أن ما حواه المرسوم من تعديلات في قانون الإجراءات المدنية كان يحتاج أيضا ومن حيث السياسة التشريعية القويمة، أن يتم عرض تلك الأحكام التي حواها التعديل على النقاش العام قبل دفعها إلى منضدة المجلس. صحيح أننا لا نعرف طريق تقديم الأوراق الخضراء، أو البيضاء، إلا أن المسألة كانت تحتاج لذلك، أو على الأقل لعقد ورشات العمل والندوات للنقاش، وذلك أن التعديلات تمس من الناحية الموضوعية قانون الإجراءات المدنية، وقانون الشركات، وكلاهما قانون يحتاج لدرجة عالية من التخصص، كما وأنهما يمسان مصالح طوائف مهمة من الناس لعدديتها التي تتسع حتى تكاد تشمل الجميع بالنسبة للأول، وعمق تأثيرها على الحياة الإقتصادية للبلاد بالنسبة للثاني. وهذا كان يستدعي أن أن يستهدف النقاش بالإضافة للمختصين المجموعات التي تتأثر مصالحها بالتعديلات.
الإسراع في الإجراءات
الواضح هو أن التعديل، في عصبه، قد إستهدف الإسراع في الإجراءات، وإن كان قد تعرض لمسائل أخرى أيضاً مهمة. ولضيق المجال سنكتفي بالهدف الأول. والتعديلات التي إستهدفت الإسراع في الإجراءات تتلخص في إدخال أوامر الأداء، والأوامر على العرائض، وإضافة تفصيلات لقواعد الأحكام للمحاكمة الإيجازية.
تضييق فرص الطعون
حمل المرسوم عددا من الأحكام الخلافية في هذا الصدد كان أكثرها إثارة للإحتجاج إلغاء المراجعة كسبيل للطعن وطلب التأمين لتقديم الطعون ومعلوم أن فرض التأمين يميز بين الناس بحسب ثرائهم، أما إلغاء المراجعة فيصطدم بنص دستوري وهو المادة 152 1 أ والتي تنص على أن تكون المحكمة القومية العليا محكمة نقض ومراجعة فيما يتعلق بالمسائل الجنائية والمدنية والإدارية، التي تنشأ عن القوانين القومية أو بموجبها، ومسائل الأحوال الشخصية. سنترك هذه الأحكام لورقة مستقلة لأهميتها، ولكن بالقطع لا يجوز إصدار قوانين مخالفة للدستور، دعك من أن تكون هذه القوانين صادرة بغير الطريق التشريعي العادي.
أوامر الأداء
أوامر الأداء مرت على الحياة القانونية السودانية مروراً عابراً حين صدر قانون المرافعات المدنية لعام 1972 في أيام تولي طيب الذكر الأستاذ/ أحمد سليمان وزارة العدل. وقد بدأ ذلك القانون بداية غير موفقة حين عرقل التقاضي، بسبب النص على سريانه في تاريخ التوقيع عليه، فعلمت المحاكم بسريانه من الإذاعة، ولم يكن بين يديها نسخ منه، فإضطرت للتوقف عن العمل حتى تم توزيع النسخ على المحاكم بعد عدة أيام. عموماً حمل القانون، سيئ الذكر، والذي كان قد تم أخذه من القانون المصري بطريقة مشابهة لطريق القص واللصق الذي تعلمناه الآن مع ماتعلمنا من فنون الكمبيوتر، أحكاما متعلقة بأوامر الأداء تم تجاهلها بشكل أساسي، وأن كانت قد جرت بعض المحاولات للإستفادة منها، على يد بعض المتقاضين لم تسفر عن تغيير حقيقي في إجراءات نظر الدعاوي.
أمر الأداء هو أمر تصدره المحكمة في الدعاوي المتعلقة بنقود معينة بمقدارها، إذا كانت ثابتة بالكتابة، وحل موعد أدائها، بشرط أن يكون الدائن قد أخطر المدين كتابة بالوفاء خلال فترة لاتقل عن سبعة أيام، قبل أن يتقدم بعريضة للمحكمة. يجوز للمحكمة أن تحول العريضة للمحكمة المختصة لنظرها كدعوى عادية، أو تصدر أمر أداء على العريضة. يجوز لمن صدر الأمر في مواجهته التظلم من الأمر، يجوز للمحكمة في هذه الحالة بعد سماع التظلم أما أن تلغي الأمر، أو تعدله، أو تؤيده.
يؤخذ على هذا التعديل عدم جدواه كما ثبت من تجربتنا الأولى معه، من حيث أنه في الغالب الأعم يقابل بواسطة المدين بتظلم لا يختلف عن الدفاع الذي كان سيقدمه في الدعوى العادية، مما يحول المسألة إلى نزاع عادي ينظر وفق الإجراءات المعروفة. بالإضافة إلى أن عدم معرفة المتقاضين بطبيعة الإجراء، فإن صدور الأمر يتم في غيبتهم قد يوقعهم في أخطاء إجرائية،تهدر حقوقهم
الأوامر على العرائض
نظمت التعديلات التي حملها المرسوم المؤقت تسهيل الأعمال الإجراءات الخاصة بالأوامر على العرائض وأحكام سقوط والتظلم على الأوامر على العرائض. وعيب هذه التعديلات أنها لم تُعرِّف الأوامر على العرائض، رغم أنها أُدخِلت على قانون لا يَعْرِفها. إكتفى فقط بتأكيد أن الإ جراءات التي تُطبق في الأحوال التي يكون فيها للمحكمة سلطة إصدار أمر على عريضة، دون أن يحدد ماهي تلك الحالات. الأمر على العريضة هو نظام تعرفه القوانين التي نشأت في كنف النظام اللاتيني. عرّف القانون المصري الأمر على العريضة بأنه قرار ولائي يصدر عن رئيس الجهة القضائية المختصة، أو عن قضاة، بناء على طلب الخصم من غير مرافعة ودون تكليف الطرف الآخر بالحضور. ويعتبر سنداً تنفيذياً. ويعرِف القانون المصري صوراً مختلفة لتلك الأوامر، كالأمر بإجراء معاينات من طرف محضر قضائي، أو خبير مختص، إذا كانت المعاينة ذات طابع تقني، والأمر بتوجيه إنذار، لا سيما الإنذارات المطلوب الرد عليها، وكذلك الأوامر المتعلقة بالحجوز التحفظية والتتنفيدية.
ويُعرِّف الفقه في مصر الفرق بين الأوامر على العرائض، وبين أوامر الأداء، أن الأولى يصدرها القاضي ممارسة لسلطتة الولائية ، أما الثانية فيصدرها ممارسة لسلطاتة القضائية. والسلطة الولائية لديهم يمارسها القاضي عندما لا يكون هنالك نزاع بين طرفين. ولا يجوز طلب قرار ولائي إلا حيث يكون هنالك نص يجيز ذلك ، والأوامر الولائية يصدرها قاضي الأمور الوقتية. ومعنى كل ذلك هو أننا إستوردنا أحكام خاصة بنظام غير معروف في قانوننا والذي لا يعرف قاضي الأمور الوقتية، الذي يفترض أنه سيصدر تلك الأوامر، ولا النصوص التي تمنحه تلك السلطة.
الدعوى الإيجازية
الدعوى الإيجازية موجودة في الأصل في قانون 1983 الذي صدر ضمن التعديلات التي أدخلها الرئيس القائد، أو المخلوع، حسبما يتراءى لك، على القوانين بالأوامر المؤقتة التي أصدرها في كل خميس تباعاً إعتباراً من منتصف أغسطس وحتى الخامس من سبتمبر عام 83، والتي عرفت فيما بعد بقوانين سبتمبر. جاءت الأحكام الخاصة بالدعوى الإيجازية بشكل عرضي في الفترة الرابعة من المادة التاسعة عشر والتي نصت في الفقرة (أ) تنظر المحكمة الجزئية بطريقة إيجازية الدعوى المستعجلة أو ذات الطبيعة البسيطة أو التي تكون بينتها حاضرة، ولا يجوز لها أن تنظر تلك الدعوى بغير الطريقة الإيجازية، إلا لأسباب أخرى قوية وعادلة تدون كتابة في المحضر.
ولكن القانون لم ينظم إجراءات نظر الدعوى بشكل يمكن المتقاضين ولا المحكمة بطبيعة تلك الإجراءات فكل ما جاء عن الإجراءات هو ما أوردته الفقرة (ب) من المادة بقولها “عند نظر الدعوى بالطريقة الإيجازية لا يتقيد القاضي بشكليات المذكرات الأولية والمرافعات والقيود الإجرائية إلا ما كان لازماً للفصل العادل في الدعاوى”
نظم تسهيل أداء الأعمال إجراءات نظر الدعوى الإيجازية. وفقا لذلك التنظيم فقد حرم المدعى عليه في الدعوى التي تنظر إيجازياً، من التقدم بطلبات للحصول على بيانات تكميلية، ولا الطلبات بموجب الأمر الخامس. وقد نص القانون بشكل خاص، بأنه لا يجوز للمحكمة تأجيل نظر الدعوى، أو إلغاء حكم غيابي سبق أن أصدرته، إلا لأسباب قاهرة بالإضافةلإبتسار طريقة تدوين السماع.
والملاحظة على ذلك تتمثل في أن ما تم حذفه من الإجراءات يساعد على تحديد الخلاف بين الأطراف، وتسهيل سماع الدعوى، وهي قواعد تتصل أيضا بعدالة المحاكمة، وسرعة التوصل لقرار فيها. ولا أدري ماالمقصود بالأسباب القاهرة. قاهرة لمن؟ إذا كانت لمقدم الطلب ألا يكفي أن تكون أسباب تجعل من العدالة الإستجابة للطلب ؟
ويبقى بعد ذلك طريقة تدوين المحضر والتي تجعل مهمة المحكمة الإستئنافية صعبة، إن لم تجعلها مستحيلة، بشكل يصادر الحق في الإستئناف.
ويزيد المسألة تعقيدا أن الاحكام التي تم تبني الإجراءات لتفعيلها هي في الأصل أحكام معيبة. المعايير التي إختارتها الفقرة 4 من المادة 19 لنظر الدعوى بطريقة إيجازية هي معايير غامضة فما هي الدعوى المستعجلة؟ هل هي الدعوى المستعجلة في نظر صاحبها؟ إذا قلنا بذلك لأصبحت كل الدعاوي مستعجلة؟ هل هي الدعوى المؤسسة على قوانين ذات طبيعة مستعجلة كقانون الإيجارات أو الكمبيالات؟ ربما كان ذلك أقرب للموضوعية ولكن تلك الدعاوي في الغالب الأعم ليست بسيطة، بما تحمله من قواعد شكلية بالنسبة لقانون الكمبيالات وتعقيدات الإثبات المتعلق بقضايا الإيجارات. ثم كيف يعرف القاضي عند تصريح الدعوى أنها دعوى بينتها حاضرة، وهو إجراء يتم في غيبة المدعى عليه؟ لإضافة الإهانة للأذى كما يقول الفرنجة تضيف المادة الجملة التالية ” ولا يجوز لها أن تنظر تلك الدعوى بغير الطريقة الإيجازية، إلا لأسباب أخرى قوية وعادلة تدون كتابة في المحضر ” الغموض في المعايير يجعل للمحكمة سلطة مطلقة في أن تحدد أن هذه الدعوى يتوجب نظرها بصورة إيجازية فإذا قررت ذلك فإن القانون يلزمها بأن لا تسمعها بغير الطريقة الإيجازية، إلا لأسباب أخرى قوية وعادلة تدون كتابة في المحضر. حتى لا تُدخِل المحاكم نفسها في كل هذه التعقيدات فقد تجاهلت تماماً، بحسها العدلي، الفقرة واحكامها، ورفضت بشكل صامت التعامل معها، فلم يعد لها وجود فعلي في الإجراءات المطبقة في المحاكم المدنية، فهل يفلح المرسوم في إحيائها؟ نرجو ألا يتم ذلك، لأنها حتى بعد الإضافة التي حملها “تسهيل الأعمال”، ما زالت أحكاما تمنح المحكمة سلطة مطلقة في تحديد الإجراءات التي تتبعها، ولا تلبي متطلبات العدالة الإجرائية.
والآن دعونا نلقي نظرة على بعض الإعتبارات الفقهية والحلول الأخرى المتعلقة بسرعة الفصل في الدعاوي.
العدالة الإجرائية
يتتفق فقهاء القانون على ضرورة توفير العدالة الإجرائية. العدالة الإجرائية تختلف عن العدالة الموضوعية، والتي تعني في نهاية الأمر أن ينال كل ذي حق حقه. وهذه العدالة الموضوعية أصعب كثيراً في التحقيق، لأنها تقوم على الحقيقة الموضوعية، والتي تختلف عن الحقيقة القضائية، وهو أكثر ما يطمع القاضي للتوصل له.
بالنسبة للعدالة الإجرائية فإنها لا تتصل بصحة الفصل في النزاع، ولكن بكيفية الوصول للقرار الذي يتم الفصل بموجبه بين الخصوم. والعدالة الإجرائية أهم من العدالة الموضوعية، لأن الحقيقة الموضوعية في الخصومة يعرفها عدد قليل، قد لا يتعدى الخصوم في النزاع في بعض الأحيان، ولكن العدالة الإجرائية يشاهدها المجتمع بأسره. كذلك فإن أهميتها تبدو في أنها تشعر الإنسان العادي بأن مصالحه بين أيدي أمينة، وأن أي خصومة متعلقة بها، سيتم الفصل فيها وفقاً لمبادئ تقود إلى التوصل إلى قرار غير متحيز. والعدالة الإجرائية تقوم على أربعة أعمدة أو ركائز وهي:
أولاً: ان تكون إجراءات نظر الخصومة منصفة لأطرافها. ويعني ذلك الاستماع إلى وجهات نظر الخصوم و شرح المنطق وراء اتخاذ قرار للخصوم والتأكد من أنهم يفهمون بوضوح القرار وما هو متوقع منهم في المستقبل
ثانياً: الشفافية في إتخاذ القرار.
ثالثاً: أن يكون للطرفين فرصة في تقديم دفوعهم وأسانيدهم.
رابعاً: أن يصدر القرار من موقع محايد.
وهذه المبادئ لها أساس في الفقه القانوني الغربي يتمثل في مبدأ التدابير السليمة للقانون due process of the law في أمريكا والتي تعني أن القانون يجب أن يطبق بشكل لا ينتهك حقوق الأفراد في حين أن القانون الإنجليزي يعتمد على فكرة العدالة الطبيعية وهي لدى الفقهاء تمنع التحيز وتوجب السماع المنصف
الفقرة الثالثة من المادة 34 من الدستور تتحدث عن الحق في سماع عادل وفقاً للإجراءات التي يحددها القانون وهذا الحكم وفقا للمادة 27 (4) لا يعطي القانون رخصة غير مقيدة في تحديد الإجراءات، بل يجب أن يحددها بشكل لا يصادر الحق في السماع العادل ولا ينتقص منها. مسألة العدالة الإجرائية هي مسألة مهمة بالنسبة للحكم الراشد، لأن ثقة الأفراد في السلطات الثلاث، وبشكل خاص في السلطة القضائية، هي أحد الركائز الهامة للسلام الإجتماعي، الذي يضمنه قبول الناس لأن حقوقهم ترعاها جهة محايدة ومنصفة وذلك لا يكون إلا حين تتوفر لهم الثقة في الطريقه التي يفصل فيها في حقوقهم.
أوامر الأداء وإجراءات نظر الدعوى الإيجازية، قد تقود إلى الإسراع في إنهاء الخصومات، وإن كنت لا أثق في صحة ذلك بشكل مطلق، إلا أن السؤال هو هل تؤدي تلك الإجراءات إلى الفصل في الخصومات بشكل مرض للأطراف؟ أي هل يشعر المتقاضي وفقا لها أن دعواه قد تم الفصل فيها وفق إجراءات منصفة، كفلت له الحق في أن يُسمِع صوته للجهة التي فصلت فيها؟ وبمعنى أدق هل هذه الإجراءات تلبي متطلبات العدالة الإجرائية؟ في رأيي أن إصدار أمر بناء على أقوال ومستندات طرف واحد، لا يلبي إعتبار الإنصاف في الإجراءات، والتي تتطلب ضرورة سماع الطرفين، حتى ولو كان ذلك الأمر قابل للتظلم منه. فمسألة التظلم هذي هي مسألة أخرى، تتعلق بمرحلة أخرى من الخصومة. وكذلك فإنني أرى بشكل واضح أن الإجراءات الإيجازية لا توفر إجراءات منصفة. ومع ذلك فإنني لا أعتقد أصلاً إنني أملك الكلمة الأخيرة في هذا الصدد، فقد أكون مخطئاً فيما توصلت إليه. ولكن المسألة في نهاية الأمر تتعلق بأنه قبل أن يصدر التعديل بالشكل الذي صدر به، كان يجب إتاحة فرصة للنقاش للتوصل لرأي مقبول حوله، لأن المواضيع التي تناولتها التعديلات هي مواضيع تتصل بإدارة العدالة وهي مسألة على أعلى درجة من الأهمية، بالإضافة لأنها تتطلب إلماماً خاصاً مما كان يستلزم أن يتم طرحها للنقاش العام بين الدوائر المتعلقة مصالحها وتخصصاتها بتلك الأحكام قبل التوصل لطرحها في البرلمان، لتنال حظها مرة أخرى من النقاش بدلا عن إجازتها بمرسوم مؤقت، يفاجئ حتى السلطة القضائية التي يفترض أن تطبقها.
حلول أخرى
من المؤكد أن بعض الدعاوي والإجراءات تحتاج لسرعة في النظر حتى لا تفقد الإجراءات معناها، ولكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة لذلك. إذا توجهنا إلى مصدر قانوننا الإجرائي وهو القانون الأنجلوسكسوني، لوجدنا علاجاً آخر قد يكون أكثر نجاحاً من السبيل الذي أخذ به المرسوم المؤقت من قوانين نشأت في رعاية القانون اللاتيني، وهي قوانين لا تعرفها، أجهزتنا العدلية، والأجهزة المساعدة لها، ولم تتدرب على أحكامها، ولم تطرق مسالكها. وهو أمر يجب أن لا نعدل قوانيننا بشكل يفقدنا ما كونا من خبرات في تطبيق القانون إلا حين لا نجد سبيلاً للإصلاح غيره. لو رجعنا للقانون الإنجليزي لوجدنا أنه قد تبنى مسألة أخرى للوصول لقرار في زمن وجيز، بالنسبة للدعاوي التي يكون التأخير في الفصل فيها يضر بالعدالة، دون أن يبتكر إجراءات معينة تختلف عن الإجراءات العادية، التي تحقق مبادئ الإنصاف. ونقصد بذلك الإجراء المعروف بالمحاكمة المعجلة Expedited trial وذلك بتحديد جلسات قريبة لنظر الدعوى وتطبق المحاكم الإنجليزية السماع المستعجل في حالات أظهرها:
في الحالات التي يكون هنالك ما يحمل على الخشية في ضياع الحق دون أن يكون هنالك ما يلبي متطلبات الحجز التحفظي، يجوز للمحكمة إستخدام آلية المحاكمة المعجلة للوصول لقرار في زمن وجيز، بديلا عن الإجراءات التحفظية.
حين تصدر المحكمة أمر حجز أو أمر منع، وهي أوامر بطبيعتها تقوم على الإحتمالات وليس الوقائع الثابتة، تلجأ المحكمة لنظر الدعوى وفق آلية المحاكمة المعجلة، لرفع الضرر عن من صدرت الأوامر في حقه.
الدعاوي التي قد تعرقل إجراءات تحفظية أو الدعاوي المتعلقة بقانون الشركات والقوانين التجارية.
يمكن لأي طرف أن يتقدم بطلب للمحكمة بأن تنظر على أساس المحاكمة المعجلة وهذا لا يتضمن تغيير في الإجراءات، ولكن تحديد جلسات قريبة متتالية للوصول بالدعوى لمرحلة الحكم في زمن وجيز. هذا بالطبع يتم على حساب الدعاوي الأخرى، إذ أن المحكمة تضع أفضلية للمحاكمة المعجلة في يوميتها. لما كان نظر الدعوى بهذا الشكل فيه تأخير للدعاوي الأخرى فإن المحكمة تفصل في الطلب وفق معايير حددتها السوابق للموازنة بين الإعتبارات المختلفة تحقيقاً للعدالة.
عموماً هذه مجرد ملحوظات عابرة لا أدعى أنها تدعو للقول بأن تلك التعديلات سيئة يتوجب طرحها، ولكنني أقول أنها تحتاج لدراسة عميقة من المختصين فيها والعاملين بها من قضاة ومحامين ومستشارين وأساتذة جامعات، ومن عموم المتقاضين المتأثرين بها خاصة و أنها تتعلق بإصلاحات في قانون إجرائي تتجاذبه مدارس ونظريات فقهية مختلفة
والآن آن لنا أن نعود لما بدأنا به وهو الدستور، هل التعديلات التي إستحدثها المرسوم مقبولة دستوريا من حيث الموضوع
مخالفة الدستور من حيث الموضوع
المعلوم أن الفقرة الثانية من المادة 109من الدستور تنص علي أنه “على الرغم من نصوص البند (1) لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يُصدر مراسيم مؤقتة في المسائل التي تمس وثيقة الحقوق أو نظام الحكم اللامركزي أو الانتخابات العامة أو التخصيص السنوي للموارد والإيرادات المالية أو التشريعات الجنائية أو المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تُعدل حدود الدولة.”
والسؤال هو هل كان المرسوم بما قرره من تعديلات في حدود السلطة الدستورية لرئيس الجمهورية؟
التعديلات التي إستحدثها المرسوم، تتصل بإجراءات المحاكمة، وإجراءات المحاكمة تدخل في صميم الحق في المحاكمة العادلة، وبالتالي فإن المرسوم المؤقت يضع أحكاما تمس وثيقة الحقوق التي تحمي الحق في المحاكمة العادلة
إذا فالمرسوم الدستوري مارس سلطة التشريع بالمخالفة للشروط الدستورية التي تجيز ذلك وفقا لأحكام المادة 109 من وجهين الأول شكلي حين تولى التشريع دون وجود ظروف ذات طبيعة مستعجلة تستدعي ذلك. والثاني حين نظم أمرا يمس وثيقة الحقوق
نبيل أديب عبدالله
المحامي