على مدى الاسابيع الماضية تعرضت قوات الجنجويد المكونة من مرتزقة بعضهم من داخل السودان وكثير منهم من خارجه, تعرضت تلك القوات لهزائم متتالية فى عملياتها العسكرية فى جبال النوبة. ففى دلدكو قبل عدة ايام قتل الرجل الثانى فى قوات حميدتى حسين جبر الدار. ولم يقتل وهو منتصر بل قتل مهزوما هو وقواته. وفى ذات الوقت عجزت مليشيات الجنجويد عن احداث اى اختراقات فى محور جبال النوبة . خاصة فى المناطق الشرقية من كادقلى , رغم انها قامت بعلميات ترهيب واجبرت الالاف من السكان فى مناطق العباسية فى نهاية العام الماضى لترك قراهم , الا انها اضطرت للانسحاب نهائيا من جبال النوبة بعد فشلها فى التقدم نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية.
ونسبة للتصريحات والاعلانات المتتالية لزعيم الجنجويد وقيادات الاجهزة الامنية والمؤتمر الوطنى باقتراب انهاء التمرد فى جبال النوبة, وهى التصريحات التى ظللنا نسمعها على مدار الثلاثة اعوام الماضية من الحرب, فان ما يحدث على الارض من هزائم كبيرة لقوات الجنجويد يثير غضب النظام ويؤكد على فشله فى تحقيق اى من وعوده وتصريحاته. ان طبيعة شعب جبال النوبة القادر على الصمود والدفاع عن ارضه فى وجه كل معتدى عبر التاريخ, وطبيعة الارض التى تحمى هذا الشعب فى جبالها ووديانها, اقامت سدا منيعا فى وجه محاولات المؤتمر الوطنى لتحقيق انتصارات حقيقية فى المنطقة. ونتيجة لهذا الفشل الكبير , فان القوات الحكومية المنهزمة العائدة من دلدكو قامت فى الايام الماضية بتصفية اكثر من 50 مدنيا منهم 30 تاجرا من مناطق مختلفة من جبال النوبة بتهمة توريد البضائع لمناطق سيطرة الحركة الشعبية. وكان التجار قد تم اعتقالهم فى فترات مختلفة . وحسب مصدر عسكرى افاد راديو تمازج حسب الخبر الوارد فى يوم 28 مايو 2014, ان الاعدام تم فى منطقة خور العفن القريب من مقر الفرقة الخامسة للجيش فى كادقلى وتم مباشرة بعد عودة القوات المنهزمة من دلدكو, كما تمت تصفية 23 اخرين بتهمة الانتماء للحركة الشعبية .
ان مثل ردود الافعال هذه هى انتقام الجبناء , فاذا كانت الهزيمة للمليشيات فى ساحة الحرب , فلماذا لا يردون عليها فى ساحة الحرب. ولكن المرتزقة ليست لهم اخلاق ولا احترام لقوانين القتال والحرب, فهم يقتلون المواطنين العزل وان اعتبروا اسرى , انتقاما لهزيمتهم التى يعلمون انهم لن يستطيعوا قلبها الى انتصار فى القريب العاجل. وامتدادا لمحاولة الانتقام تلك قامت طائرات المؤتمر الوطنى بقصف منطقة كاودا, حيث اسقطت اكثر من 50 قنبلة خلال 3 ايام , مما ادى الى تهديم الكثير من منازل المواطنين , كما قصفت الطائرات مدرسة الايتام ومقر المنظمة الانسانية الوحيدة العاملة فى المنطقة. ومرة اخرى ينتقمون من المدنيين العزل ولا يوجهون انتقامهم الى من يقاتلهم رجلا لرجل فى ساحات الوغى. وهذه هى سياسة المؤتمر الوطنى الحزب الحاكم الذى يقتل شعبه ولا يبالى . والذى لا يتوانى عن احراق القرى واجتذاب المرتزقة من الخارج ليغتصبوا النساء ويدمروا القرى وينهبوا المدن , ومن ثم يتحدث النظام عن الامن القومى, ومنع الصحف من النشر فى قضايا الامن القومى , وهم من يخترقون امن المدنيين العزل فى جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق وكل السودان . ان الامن القومى فى السودان يحتاج لحماية من النظام وليس النظام هو الذى يحمى امننا القومى .
ومع اقتراب الذكرى الثالثة لبداية الحرب فى جبال النوبة , يترنح النظام ومليشياته فى حالة من الغضب وخيبة الامل و الخزى والعار , بعد كل الضجة الاعلامية والاموال الطائلة التى دفعت للمرتزقة, ولكن لا توجد اى انتصارات على الارض فى محور جبال النوبة . وما كانت مماطلة المؤتمر الوطنى فى جولات المفاوضات فى الاشهر القليلة الماضية , سوى محاولة لتحقيق انتصارات على الارض تحسن موقفهم التفاوضى. ولكن هذا الرهان قد خاب الان , ولم تعد هناك العديد من الخيارات , فماذا سيفعلون بعد ما اعلنه وزير الدفاع عن احجام الشباب عن التجنيد , بل وفرار الجنود للعمل فى التنقيب عن الذهب , وهو ما يعد اعلان عام بانهيار الجيش السودانى . ثم كان الحل فى الاتيان بالجنجويد واحلالهم مكان القوات النظاميه واعطائهم اكبر قدر ممكن من الشرعية ومنع الصحف من الحديث عن جرائمهم , فى محاولة لكى يشترى النظام من يحميه. ولكن هؤلاء المرتزقة سواء القادمين من داخل السودان او خارجه ليست لديهم دراية بمنطقة جبال النوبة وبطبيعتها الجغرافية ناهيك عن الخبرة القتالية الواسعة لمقاتلى الحركة الشعبية التى امتدت لعدة عقود منذ حرب الجنوب. وبالتالى كانت هزائم الجنجويد مدوية وانهت احلام المؤتمر الوطنى فى تحقيق اى تقدم على المستوى العسكرى.
بل ان الامر الاهم فى القتال هو الدافع المعنوى , وهنا يكمن الفارق الاكبر , فلم يعد للجيش السودانى اى دوافع معنوية للقتال من اجل هذا النظام المجرم والمنهار وحمايته, والجيش هنا ليس كبار القادة من اتباع النظام , ولكن صغار الجنود المقاتلين الفعليين فى ساحات المعارك. فهؤلاء لم تعد لديهم اى رغبة او دوافع معنوية للقتال فى سبيل نظام غير قادر على توفير مرتباتهم والعيش الكريم لاسرهم فى اثناء غيابهم فى المعارك او حماية اطفالهم من التشرد ونسائهم من العمل فى بيع الشاى فى الطرقات . فهؤلاء الجنود هم بشر لهم اسر وهموم معيشية لم يتمكن النظام من تلبيتها. وهذا اضافة بالطبع لنظرة الجنود للمستقبل المظلم لهذا النظام وعدم قومية الجيش الذى يخدمون فيه, والتفضيل لمليشيات جهاز الامن والجنجويد على مجندى الجيش فى المستحقات المالية, حيث ان هذه المليشيات هى مليشيات حزبية وليست قومية , وليست لديها اى اخلاق قتالية, فهى تنهب وتسرق وتغتصب النساء وتحرق القرى بدم بارد, وبالتالى فان الجيش السودانى انهار تماما من الناحية المعنوية والعددية والقدرة القتالية. وبالجانب الاخر فان مليشيات الجنجويد تعمل من اجل المال, وليس لديها اى عقيدة قتالية ولهذا فان المواجهة مع مقاتلى الحركة الشعبية الذين يؤمنون بقضيتهم تعد من الناحية المعنوية مواجهة خاسرة بلا شك. وفى ظل هذه المعادلة التى لا تصب فى صالح النظام ومليشياته كان الرد عبر قصف المدنيين واعدامهم هو الوسيلة الوحيدة التى يمتلكونها للانتقام . ولكن الانتقام لن يؤدى الى انتصار حقيقى , فالشعوب التى تريد حريتها قادرة على التضحية مهما طال الزمن , فى الوقت الذى تزداد فيه عزلة النظام وتنهار قدرته على حماية نفسه من السقوط الوشيك.