مؤتمر كمبالا ضربة أخرى للوحدة النوبية

بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر كمبالا ضربة أخرى للوحدة النوبية
عبدالغني بريش فيوف/الولايات المتحدة الأمريكية
وصلتني قبل عدة أسابيع ببريدي الإلكتروني رسالة طويلة تفيد بإعتزام أبناء النوبة في الخارج وبداخل السودان بعقد مؤتمر جامع وشامل لهم بالعاصمة اليوغندية ” كمبالا ” في وقتِ ما من هذا العام ، لمناقشة التحديات الراهنة والمستقبلية لمنطقة جبال النوبة 0 وكان رد فعلي الأولي عاديا من تلك الرسالة ، قبل أن أصاب بالغثيان والتقيؤ عندما جاءت خاتمة الرسالة مذيلة بإسم ” منبر جبال النوبة الديمقراطي ” الذي كان قد أُصيب بإصابات خطيرة جراء الهجوم القلمي عليه من قبل كُتاب محسوبين على الخط القومي النوبي ، حتى حسبوا أنه توارى الثرى 0
 منبر جبال النوبي الديمقراطي قصته قديمة ترجع لعام 2005 00 وتم تأسيسه كرد فعل على مؤتمر كاودا الثاني الذي كان قد انعقد في المناطق المحررة في ديسمبر من عام 2002 بحضور أبناء النوبة في المهجر وبداخل السودان بكل تنظيماتهم ومنابرهم السياسية ، لمناقشة مختلف القضايا الساخنة التي تخصهم ، وتحديد موقف واضح من المفاوضات التي كانت تجريها الحركة الشعبية مع حكومة الخرطوم لإنهاء الحرب الأهلية في السودان ؛؛ وكان قد توصل المجتمعين فيه إلى عدد من القرارات الهامة 00 إلآ أن هذا اللقاء وما تمخض عنه من نتائج لم تعجب قلة قليلة من أبناء النوبة الذين قاموا بدورهم بتكوين منبر جبال النوبة الديمقراطي ، وعقدوا أول اجتماع لهم في هولندا في عام 2005 ، شنوا فيه هجوما لاذاعا على الحركة الشعبية لتحرير السودان ، واتهامهم لها بإختطاف قضية جبال النوبة 0
منظمو لقاء هولندا كانوا ممن تم طردهم من صفوف الحركة الشعبية لأسباب تنظيمية ، ومنهم ايضا النوبة من أعضاء حزب البعث العربي الإشتراكي ، والنوبة الذين استغنى حزب المؤتمر الوطني عن خدماتهم ، والنوبة الذين انتموا إلى مليشيات الدفاع الشعبي والمجاهدين والمنابر الوهابية 00 ولم تكن هناك مشاريع وقواسم سياسية تربط بين المجتمعين غير قاسم المس بمؤتمر كاودا والإساءه للحركة الشعبية 00 وقد جاء هذا الاجتماع بإيعاز وإصرار من أهل الإنقاذ حسب مصادر موثوقة ، وذلك لضرب الوحدة النوبية ، لأن الذين اجتمعوا هناك لم يكونوا مؤهلين فكريا ومنهجيا وسلوكيا وأخلاقيا للتحدث بإسم النوبة ، كما أن ذاك الإجتماع كان بمثابة فرقة إغاثة لنظام البشير الذي كان يحتضر نتيجة الضغوطات الخارجية والداخلية التي تعرض لها لإيقاف الحرب الأهلية التي سئم منها الجميع 00 ليتحول أنصار منبر جبال النوبة الديمقراطي مع مرور الزمن إلى مدافعين ‏عن النظام الذي شكله وسمح لهم بالظهور في فضائياته المقملية لإثارة الفتن بين النوبة 0 وهكذا صار هؤلاء إلى مجرد واقي وجدار لحماية نظام الأقلية الحاكمة ،، فهم لا يملكون الاستقلالية ‏السياسية والمادية ، كما أنهم لا يملكون مشروعا سياسيا واضحا لتقديمه للشعب النوبي 0‏
وفضلا عن ذلك ، فإن منبر جبال النوبة الديمقراطي الذي ينادي النوبة اليوم بالتلاحم في العاصمة اليوغندية ” كمبالا ” للتشاور حول مستقبل النوبة ، هو في شكله ومضمونه الحالي غير ‏فاعل ، لأنه بعيد عن الشعب النوبي ، ولا توجد بينهما توافقات في الرؤية السياسية ، والأهداف الاجتماعية والثقافية 0 والأدهى والأمر هو أن هذا المنبر ‏لا يربط وجوده بالمجتمع النوبي للتعلم والإستفادة من ‏شرائحه وتجاربه 0
المجتمع النوبي بكافة قبائله وعشائره وبطونه أصبح لا يثق في المنابر ذات الوجود الإلكتروني ، وحتماً لن يثق في منبر جبال النوبة الديمقراطي ، لأنه لم ‏يقدم النموذج الواقعي الذي يمكن أن يقبله ، ولم يتقاسم معه مهام التنمية ‏ومشاريع العدالة الاجتماعية والثقافية ، كما أنه أيضا مسكون ببعض الاوهام والتطلعات غير العملية 00 مما يعني أن الجلوس معه في كمبالا أو واشنطون أو بكين لا يمكن أن ينتج حلولا مقبولا , كما أن الشارع النوبي لا يعرف أسماء أعضاء هذا المنبر ولا أعدادهم ولا توجهاتهم ولا برامجهم ، إذا كان لديهم برامج أصلاً ، غير الدعم المادي المخصص لهم من حزب المؤتمر الوطني الحاكم , أي أنه منبر صنعته دولة الجلابة لشق الصف النوبي ، لا أكثر ولا أقل , فوجوده يضر بالنوبة ، ويجعلهم يغمضون عيونهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى اليقظة والإنتباه وملاحقة المندسين والمنافقين 0
 ‏‏
رسالة أغلبية أبناء النوبة اليوم للجميع واضحة وضوح الشمس , فهي أن النوبة اليوم ليسوا بحاجة إلى المنابر التدجلية التضليلية التشويشية ، وليسوا أيضا بحاجة إلى اجتماع هنا ومؤتمر هناك ، ولا بحاجة إلى من يعرفهم بقضيتهم التي ناضلوا من أجلها لأكثر من عشرين عاما 00 إنما المطلوب من جميع أبناء النوبة اليوم هو حاجتهم إلى تحويل الأقوال إلى أفعال ، وذلك بدعم ” المشورة الشعبية ” لسد كل الذرائع أمام حزب المؤتمر الوطني الذي يريد افراغها من مضمونها ومحتواها بقوله إن المشورة الشعبية لا تعني شيئا 0
نحن بحاجة إلى دعم كل التنظيمات والمنابر النوبية للمشورة الشعبية ، لأنها أي المشورة الشعبية قابلة لكل الاحتمالات والتفسيرات ، بمعنى أنها قد تؤدي إلى حكم ذاتي كامل في اطار الدولة الواحدة ، أو قد تقود إلى ” حق تقرير المصير ” 0 فطالما المشورة الشعبية المنصوص عليها في اتفاقية نيفاشا بين أيدينا ، وأصبحت حق من حقوقنا ، فلماذا نضيع وقتنا وجهدنا في البحث عن حلول سياسية خارج هذه المشورة الشعبية ؟ أليس عصفورة في اليد خير من عشرة على الشجرة ؟ 0
يسودني اعتقاد جازم بأن منبر جبال النوبة الديمقراطي يبحث عن الأضواء في وقت غير مناسب ، ويسعى الى لفت الانتباه حوله ، واعطاء انطباع للعامة بأنه قادر على إحداث تغيير ايجابي يصب في مصلحة الشعب النوبي 0 لكن قراءتهم للواقع النوبي اليوم ، خاطئ تماما لعدم معرفتهم بأحوال العباد في الجبال ، وحماسهم بالحديث حول موضوعات تدغدع مشاعر وعواطف النوبة ، والتصريحات الصحفية الملهبة للمشاعر ، لا يخلق لهم مؤيدين ، فالشعب النوبي أصبح يرجح العقل والأخذ بمنطق التحليل 0

إن منبر جبال النوبة الديمقراطي منذ انطلاقته الأولى امتلك مهارات التضليل والخداع والنفاق ، وامتاز بالعداء وبالمغالاة في الخصومة للحركة الشعبية ، وأجج الفرقة بين أبناء الشعب النوبي ، وساهم بطريقة مباشرة في تضليل توجهات بعض أبناء النوبة في المهجر ، كما انه اشغل المجتمع النوبي منذ عام 2005 بقضايا وهمية وبسوء نية متعمد تدق أجراس أخطار قضايا منبعها الغيرة من الحركة الشعبية ، مما خلق ارتباكا في اوساط بعض النوبة ، وفتح الباب واسعا للجلابة وقوى الفساد السوداني للتدخل في الشئون الداخلية للنوبة 0

الشعب النوبي اليوم بحاجة إلى تضافر الجهود لإنجاح المشورة الشعبية بالطريقة التي تلبي تطلعاتهم السياسية ، وليسوا بحاجة إلى منابر كرتونية ديكورية تسعى لحشد تأييد سياسات ” المركز ” 0 والنوبة بالأحرى ليسوا بحاجة إلى مجموعة من المتسلقين والانتهازيين الذين لا يرون في الحركة الشعبية سوى خطرا يهدد مستقبلهم مع ” المركز ” ، وهؤلاء مجرد أداة لتنفيذ سياسات الأقلية الحاكمة في السودان ، وعملوا منذ البدء على تدمير الحياة السياسية وتشويه صورة المجتمع النوبي ، فهم القائمون على تبرير الممارسات اللا أخلاقية للنظام السوداني ، والمدافعون عن ممارساته الإقصائية للفئات النوبية في مختلف المجالات 0

إن أنصار منبر جبال النوبة الديمقراطي تشبعوا بثقافة الجبن والكذب ، فالشعب النوبي غير مستعد لأن يدفع ثمن هذه الثقافة المنحظة 0 لن يتحمل المواطن النوبي مسؤولية استمرار هذه السخافة 00 وعليه يقع على عاتق شرفاء النوبة كشف ممارسات هذا المنبر اللا أخلاقية مع حزب المؤتمر الوطني ضد الشعب النوبي ، ومواجهة هذه الفئة وتذكيرها بدورها الخياني في حق النوبة 0 لأن القضية ليست في الإصرار على خلق طريق ثاني لمجرد الإختلاف السياسي مع الخطاب السائد في جبال النوبة , بغرض تسجيل موقف أو المناكفة السياسية للخصوم , بل في وجود حاجة فعلية وحقيقية لهذا الطريق الثاني , الذي يفترض أن يكون واضح المعالم والملامح 00 والطريق الوحيد نحو تحقيق هذا الهدف , أي الوصول بالقضية النوبية إلى بر الأمان , هو انجاح المشورة الشعبية المنصوص عليها في البرتوكول الخاص بولايتي جبال النوبة والنيل الأزرق 0 وأي حديث خارج اطار المشورة الشعبية التي لم تتم بعد ، فهو حديث لا معنى له اطلاقا 0
 المشورة الشعبية واردة في اتفاقية نيفاشا ، يشهد عليها المجتمع الدولي متمثلا في الاتحاد الأفريقي ودول الإيغاد والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج والاتحاد الأوروبي ، وهذه المشورة بمثابة ضمانة في يد الشعب النوبي ، يستطيع من خلالها مطالبة تلك الدول بإلزام نظام الخرطوم بالتقيد بها وبمحتوياتها 00 لأنها خلقت أوضاعا سياسيا وقانونيا جديدا لا يمكن التراجع عنها 0 فكما قال عديد من القانونيين والسياسيين ، فإنها تعني كل شئ ، أي قابلة لكل التفسيرات 00 فعلى أبناء النوبة ضرورة الحفاظ عليها وتطويرها ( – ) حتى لا يعودون بقضيتهم العادلة إلى المربع الأول 0 أما إذا أراد منبر جبال النوبة الديمقراطي أن يلعب دور طريق ثاني , بعيدا عن الانخراط شبه الكامل مع الحركة الشعبية في انجاح المشورة الشعبية والترويج لها  ” كبرتوكول ” معترف به دولياً , فإنه يكون قد أخطأ خطأً جسيما ، فكفانا تقزيما وتشتيتا وتفتيتا للصف النوبي 0
 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *