اين جمهور الاحزاب الطائفية والتقليدية للخروج مع شباب التغيير؟ ام صاروا بلا جمهور؟!

اين جمهور الاحزاب الطائفية والتقليدية  للخروج مع شباب التغيير؟ ام صاروا بلا جمهور؟!

حين تنادي الشباب للخروج في مظاهرات طلبا للتغيير اسوة بشباب تونس ومصر , تماشيا مع حمي الانتفاضات التي اجتاحت الامة, التي ظن الكثير انها قد ماتت وخنعت للطغيان , لم نر في شوارع العاصمة السودانية وكبريات مدنها الا اعدادا لا يتناسب وحجم الجموع التي خرجت من قبل واسقطت دكتاتورية مايو في ما عُرف بانتفاضة ابريل والتي سرعان ما انقض عليها الحزبان الطائفيان العريقان الامة والتحادي الديمقراطي وتقاسموه وادخلوا البلاد في متاهة الحكم اللافاعل والغير مثمر وتكالبوا علي حطام الدنيا يتجاذبون ما تركته مايو لهم من فتات ونهبوا البلاد, شيئ من تعويضات ال المهدي واخر من جناين ومصانع ونشاط تجاري محموم لصالح حزب التجار الاتحادي الديمقراطي.

حتي الاحزاب الاخري التي تسمي نفسها بالثورية كالحزب الشيوعي وحزب البعث  لم نر لها اثر في الساحة ولا يمكن ان تكون قد اخرجت كل جماهيرها . اذن فاين ذهب جمهور هذه الاحزاب والتي اجمعت وتعاهدت في ما بينها عقب انتفاضة ابريل بانه في حال قيام اي انقلاب اخر بعد الديمقراطية الثالثة فانهم , اي هذه الاحزاب , سوف يدخلون تلقائيا في عصيان مدني لاسقاط هكذا انقلاب . ووقع المحظور وجاءت ما اسمت نفسها “الانقاذ” فجر الثلاثين من يونيو 1989 وذهبت مواثيق هذه الاحزاب ادراج الرياح , ربما لانه كان هناك اكثر من انقلاب والكل  احجم عن العصيان ظنا منه ان الانقلابيين منهم.

نعود الي السؤال موضوع المقال ونردد مرة اخري : اين جمهور هذه الاحزاب؟

والاجابة في غاية البساطة والوضوح. فالحزبين العريقين الطائفيين كانا يعانيان اصلا ومنذ عهد مايو من تناقص في عددية عضويتها بسبب انشغالها في عهد مايو بمغازلة النظام القائم انئذ حتي لاتترك المجال لغيرها من الاستفادة مما هو متاح من  فتات  مائدة مايو فانخرط جزء لاباس به من اعضاء الحزبين في الاتحاد الاشتراكي  طمعا في ما توهموه من غنائم وليس للعمل علي تدمير النظام من الداخل كما صرح بذلك المرحوم قطب الاتحاد الديمقراطي راس الدولة السابق. حتي الجبهة القومية الاسلامية شاركت في نظام مايو حتي لايفوتها القطار ولكنها الوحيدة التي فعلا  تغلغلت كالسرطان في نظام مايو وبدات تعد نفسها لانقلاب يونيو منذ ذلك الوقت باستحواذها وسيطرتها علي اركان القوات المسلحة.

ثم بدا الشباب من الحزبين يتمردون عليهما بعد ان راوا فداحة الظلم الواقع علي اباءهم  واستغلال اهليهم استغلالا  بشعا من قِبل Ĩ ل البيت , خاصة حزب الامة  الذي كان ابناء الانصار فيه محرما عليهم الدراسة فوق الثانوي وال البيت يجوبون كليات ارقي جامعات اوربا في كامبردج واكسفورد, والذين ظهر مدي استعلائهم واحتقارهم لانصارهم برفضهم دفن جقومي واخر ممن لقوا مصرعهم مع احد ال البيت في طريق كوستي القطينة في مقابر ال البيت للدرجة التي جعلت احدي نساء ال البيت تنزل في القبر المعد لدفن  المرحوم جقومي امعانا في الرفض , وتكرر المشهد حين مات امين حزب الامة المرحوم عبدالنبي . فصارت عضوية الحزبين يعلوه الشيب والهرم بسبب انقطاع المدد من الشباب وانقراض الكبار من الاعضاء. وكما هو معروف فان شجرة لا تورق تذبل وتموت.

وجاءت الكارثة الكبري واكبر اسباب انهيار الحزبين الطائفيين مع استيلاء الجبهة القومية الاسلامية علي الحكم في ما عُرف ب”الانقاذ” والتي ما تركت للخبث والدهاء السياسي في ابشع صوره الا استغلتها للتشبث بالحكم الذي ما كانت لتناله الا بانقلاب مصحوب بكذبة كبري من نوع ” انت الي القصر وانا الي السجن” . فماذا فعلت الانقاذ لاضعاف  هذه الاحزاب وتفتيتها وتشتيت عضويتها؟
اولا : اتبعت سياسة فرق تسد , فعملت  تقطيعا وتمزيقا في هذه الاحزاب مستغلة في ذلك ادراكها التام لصفة سلبية في بني الانسان الا وهي الطمع وحب الذات , فبذلت لضعاف النفوس منهم المال والمنصب ففتنتهم وفي الفتنة سقطوا كما سقط الانقاذيون انفسهم فلم يسلم حزبهم من داء الانقسام فانشطروا الي وطني وشعبي !!.

ثانيا: استعملت الانقاذ كرت العصبية والعنصرية والجهوية البغيض ففرقت بين المجتمع الواحد في المدن والقري وابتدعت بيعة القبائل فجاءوا من كل حدب وصوب يبايعون الشيخ , فشاهدنا بيعة قبائل الكواهلة والحسانية والفور والبرتي والشلك والدينكا والجعليين وهلم جرا . وكل قبيلة يتقدمها اعيانها يمتطون صهوات لاندكرورزات استيشن جديدة ” هدية ” من الانقاذ ! فاقتطعت بذلك عضوية هذه الاحزاب من تلكم القبائل.

ثالثا: وهذه اخبث وانتن وسائل الانقاذيين في تركيع خصومهم السياسيين وغير السياسيين , الا وهي سياسة  ” جوًع كلبك يتبعك” , فبعد ان استحوذوا علي جميع مداخل ومخارج الاستثمار ووضعوا ايديهم علي كل ما من شانه ان يدر مالا واحتكروا تصدير وتوريد  كل  شيئ بدءا من حب البطيخ وانتهاءا بالبترول , واجبروا المستثمرين الاجانب بمشاركتهم في استثماراتهم , والا فلا مجال لهم , بعد كل هذا وذاك , ترصدوا الاثرياء المعروفين من كبار التجار والمصدرين والموردين فاثقلوهم بالضرائب  ونافسوهم منافسة غير متكافئة فاغرقوا الاسواق ببضائع بابخس الاثمان لانها بلا جمارك فاخرجوهم من الاسواق وافلسوهم, فتضرر تجار الحزب الاتحادي خاصة , وعندئذ بداوا في اصطيادهم بمسكهم من اليد التي توجعهم كما يقول المصريون وساوموهم بتمكينهم من العودة كما كانوا شرط الانسلاخ من احزابهم.. ففعلوا صاغرين .

اما السياسيين من هذين الحزبين والاحزاب الاخري فكانت سياسة جوع كلبك يتبعك هذه اسهل واسرع فطاروا زرافات ووحدانا الي احضان الحزب الحاكم كما يطير الحمام الي حيث الحب وماء السُكر . فهذا زعيم حزب يضطر الي ان يترك فلذات كبده يعملون في جهاز امن المؤتمر الوطني  وصار حزبه الحلقة الاضعف في التجمع حيث تكرر خذلانه لاحزاب التجمع مرات ومرات . وزعيم اخر وجدوه يجوب شوارع القاهرة حائرا هائما علي وجهه  فارغا جيبه فالتقفوه واغروه بالمال وشيئ من هامش الوزارات شريطة “توالي ” حزبه ففعل متلهفا تلهف الظمان الي الماء البارد, وذاك ترك حزب الامة طائرا صوب المال والعقار ولا يهمه ان  صار جنجويدا باعترافه  علي مسمع ومراي من الملأ في سوبا حيث حضر تجمعا لابناء دارفور للتفاكر حول حل المشكلة.

ورابعا واخيرا : جاءت مشكلة دارفور كالقشة التي قصمت ظهر البعير واتت علي ماتبقي من عضوية  هذه الاحزاب وخاصة  الحزبين الكبيرين الطائفيين العريقين , وبالاخص حزب الامة وكيان الانصار. فقد استنكرت  طائفة كبري من اعضاء حزب الامة بالذات صمت الحزب وزعيمها علي ما يجري في دارفور , معقل الحزب ومنبع نوابه في البرلمانات السابقة , من تطهير عرقي وابادة جماعية , حتي انهم قذفوا زعيم الحزب بالحجارة في نيالا وقالوا له ” انك تريد السلطة ولكن من كانوا يصوتون لك قد سكنوا المقابر!” ففر الزعيم بجلده ناجيا من بطش الثوار . وايقن الزعيم وقتها بان حزبه ما عاد كما كان , خاصة ان معظم كوادر حزبه اما ذهب مع الحزب الحاكم كما اسلفنا طمعا في المال والوظيفة , او انضموا الي الحركات المسلحة .  وهذا يفسر استسلامه للمؤتمر الوطني يفعل به وبال بيته ما يشاء ويذيقونه مر الاذلال  وصل حد كسر يد الاميرة سليلة الفراديس وهو لايحرك ساكنا , وحتي اخو البنات ولده العقيد اختفت نخوته التي جعلته يصارع ابن مادبو في شيئ تافه ولا يثور لعرضه , ولا يسلم الشرف الرفيع حتي يُراق علي جوانبه الدم كما قال الشاعر الجاهلي  قديما.

لهذا كله خلت الشوارع من جمهور هذه الاحزاب البالية , ووجد الشباب انفسهم وحدهم يواجهون الة التدمير والقمع  التابعة للحزب الحاكم , ولكن هذا لايضير البتة وسوف تستمر الاحتجاجات وتاخذ تسارعا متزايدا يوما بعد يوم كما حدث في القاهرة وتونس واليمن والان في ليبيا , ذلك لان في كل هذه البلاد كانت الغلبة  في النهاية لشباب التغيير وحدث التغيير  رغم القمع والقتل العشوائي والبلطجة , بعد ان فر البلطجية وامن النظام واختفوا في جحورهم. ويكفي تطمينا لكم ايها الشباب  وغير الشباب من التغييريين ان ما يزيد عن ثلاثة مليون رجل امن مصري مكلفين بحماية حسني مبارك وحده قد هربوا وقت الجد واختبؤوا في جحورهم  , وهكذا فعل امن  بن علي من قبل وحرس صدام , هربوا كلهم وقت الحارة وتركوا الطغاة يلاقون مصائرهم لوحدهم . فاخرجوا ولا تهابوهم , فانكم لن تجدونهم امامكم  حين يشتد الامر  ويجد الجد ويحمي الوطيس . والنصر لكم  باذن الله .
محمد علي طه الشايقي (ود الشايقي)

امدرمان

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *