كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(9) هارون سليمان

كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(9) هارون سليمان
[email protected]
المواطن
 هو عضو في جماعة بشرية توافقت باختيارها على التنازل عن بعض أو كل حقوقها الطبيعية لفرد أو مجموعة أفراد من بينهم يمثلون السلطة السياسية في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم و يستقر بشكل ثابت في بقعة أرض معينة) الدولة ) وينتسب إليها أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها فيتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين مجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات اتجاه الدولة.
فالمواطنون هم أعضاء منظمون في مجتمعات قومية يعطونها ولاءهم ويتوقعون منها حمايتهم وهي بالتالي هويتهم التي يتعاملون بها مع مواطنين من أقطار أخرى)فضلا عن حقهم في المشاركة في الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولضمان انجاز هذا الحق للمواطنين اجتهد المفكرون إلى اقتراح جملة من الحلول الأساسية أهمها مبدأ توزيع السلطات بين ثلاث مؤسسات مستقلة هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية فضلا عن الدستور المقر من الشعب ينظم عمل هذه المؤسسات الثلاث وتفعيل الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني على أداء مؤسسات الدولة ومن خلال هذه المؤسسات.
المواطنة
يعود تاريخ مفهوم المواطنة إلي زمن الديمقراطية المباشرة الإغريقية التي تعتبر أساس ديمقراطية عالم اليوم ، حيث يرجع أصل استعمال مفهوم المواطنة إلى الحضارتين اليونانية والرومانية ، فقد استعملت الألفاظ civis)  المواطن  civitas) (المواطنة ) في هاتين الحضارتين لتحديد الوضع القانوني والسياسي للفرد اليوناني والروماني. 
كانت الديمقراطية اليونانية القديمة مبنية على أساس أن المدينة تحكم من اجل الأكثرية والحرية هي مبدأ الحياة العامة وكانت الحكومة اليونانية في طابعها دولة مدنية ، وكانت الروابط بين المواطنين فيها وثيقة بدرجة كبيرة بسب القرابة والصداقة والجيرة التي كانت تجمعهم ،واشتراكهم في الحياة العامة اليومية ، وكانت تجمعهم لغة واحدة ودين عام ، و كانت تجمعاتهم ومباحثاتهم تتم في ساحة السوق وبالتالي كان المواطنين يقضون معظم وقتهم في المدنية وهذا كله أدى إلى أن يكون ولاء المواطن اليوناني لدولة المدينة وليس لمجموعة معينة أو لعائلته أو لعشيرته أو لبلدته . كانت المواطنة اليونانية حقاً وراثياً محصوراً في أبناء أثينا من الرجال ولم تكن الإقامة مؤهلاً يعتد به لنيل حق المواطنة فقد استثني من حق المواطنة الغرباء المقيمين والأطفال والنساء والعبيد المحررين وغير المحررين فقد كانوا جميعاً محرومين من الحق في المواطنة لذلك كان عدد المواطنين من سكان أثينا الذين كانوا يبلغون ما بين 300 ألف إلى 400 ألف رجل ، كان عدد المواطنين منهم يتراوح ما بين 20 ألف إلى 40 ألف رجل فقط كانت المواطنة في أثينا اكبر من مجرد حق في الاقتراع، فقد كانت مسؤولية تتضمن حق المشاركة في حكم المدينة اليونانية بشكل فعلي ،أو على الأقل حضور الاجتماع الذي كان يعقد في المدينة للتباحث في شؤون الحياة العامة .
وبالنظر إلى طبيعة عمل الديمقراطية المباشرة التي كانت سائدة في المجتمع اليوناني القديم نجد أن المواطنين تمتعوا بحقوق عديدة بشكل متساوي ، فكان هنالك مساواة بين المواطنين جميعاً في الحق في المشاركة في عمليات الحكم و الحق في عضوية عدد من الهيئات الحاكمة في أثينا وهي جمعية المواطنين و المجلس والمحاكم ، فجمعية المواطنين كانت تمثل السلطة العليا التي تمثل إرادة الشعب وتقوم ببحث مسائل السياسة الداخلية والخارجية واتخاذ القرارات والإشراف على الإدارة والقضاء ، وكان يحق لكل أثيني رجل تعدى الثلاثين من عمرة  وهو سن الأهلية في ذلك الوقت أن يحضر الاجتماع وله حرية الكلام فيها والتعبير عما يجول في خاطرة والمناقشة في جدول الأعمال المطروح بكل حرية ، وكذلك في المجلس .
بقي مفهوم المواطنة في تطور مستمر خلال القرون السابقة منذ نهاية القرن الثامن عشر إلى وقتنا الحاضر ، وكان تطوره متزايداً على اعتبار أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة ووجود حقوق أساسية للإنسان فأصبح مفهوم المواطنة حقاً غير منازع فيه  بل امتد ليشمل فئات مواطنين لم تكن تتمتع بحق المواطنة مثل النساء فأصبحن يتمتعن بحق المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات الجماعية إلا أن ذلك لم يكن إلا في القرن العشرين ففي بريطانيا لم تحصل النساء على حق الانتخاب إلا في عام 1929 وفي فرنسا في عام 1945 . وتعددت أبعاد مفهوم المواطنة فشملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولم تقتصر على الجوانب السياسية والقانونية
تعريف المواطنة
1. عرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة  (
citizenship ) : بأنها علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة ، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات.
2. وعرفت موسوعة الكتاب الدولي المواطنة بأنها عضوية كاملة في دولة أو في بعض وحدات الحكم ، وان المواطنين لديهم بعض الحقوق  وعليهم بعض الواجبات.
3.  تعني حق المشاركة في الشأن العام والحياة السياسية على وجه الخصوص ومنها المشاركة في إدارة الدولة واتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها فهي وسيلة الانخراط في المشروع المشترك الرامي إلى تحقيق الخير العام والمشاركة السياسية هي الأداة الضرورية للحصول على الخير .
4. المواطنة كلمة مرتبطة بموطن الإنسان ومستقره وانتمائه الجغرافي لكنها هي نفسها كتركيب ومصطلح تم استحداثها لتعبر عن الوضعية السياسية والاجتماعية والمدنية والحقوقية للفرد في الدولة.
5. هي المساهمة في حكم دولة ما على نحو مباشر أو غير مباشر، كما يستخدم أحياناً للدلالة على العملية أو الحالة التي يعد الفرد بمقتضاها مواطناً لمجرد أنه يعيش في رحاب دولة معينة، أو ينتمي إليها ويخلص لها؛ ومن ثم يحظى بالحماية.
6. هي شعور الإنسان بالانتماء إلى مجموعة ما وفي مكان ما (الوطن) على اختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي مما يجعل الإنسان تتمثل ويتبنى ويندمج مع خصوصيات وقيم هذه المجموعة .
فالمواطنة تعني بمفهومها الواسع تعني الوعاء الكبير الذي يستوعب هذه الاختلافات، ويعطي الشرعية لتعددية المجموعات، والآراء والتيارات، والأحزاب المختلفة، مع احتفاظ كل طرف بالمحافظة على عاداته، وتقاليده، ونمط حياته، واحترام الآخرين بعاداتهم، وتقاليدهم، وأفكارهم، ونمط حياتهم كما تعني الصلة أو الرابطة القانونية بين الفرد والدولة التي يقيم بشكل ثابت، وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهه أي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي لها.
أصبحت المواطنة هي الآلية للحد من الصراعات الإثنية، والعرقية، والاجتماعية، والسياسية والاقتصادية ، على قاعدة مبدأي عدم التميز والمساواة، والكلمة الأخيرة (المساواة )تعد من الكلمات الذائعة على الرغم من غموضها. إذ استعملها الزعماء والقادة المصلحون ليثيروا حماسة الأفراد ويحركوا مشاعرهم وانفعالاتهم على مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالمساواة تعد من الكلمات الجبارة التي ملأت بحوثها أسفار الفلاسفة والمفكرين، وشغلت أحداثها التاريخ في فصوله المختلفة. وكانت حافزاً للثورات الشعبية والنهضات الاجتماعية وكان ذلك بسبب اضطهاد حريات الإنسان وكرامته، أو تفاوت الطبقات أو الثروات.ومما لا ريب فيه أنه لا توجد مساواة طبيعية، لأن الناس خلقوا متفاوتين خَلقاً وخُلقاً، فهم مختلفون غير متساويين، في التكوين، والشكل واللون، والعقل والذكاء، وهم مختلفون متمايزون في القوة والجمال والصحة والعمر والخلاق والميول والطبائع. فإذن لا مساواة بين الناس في عرف الطبيعة، إلا من حيث بعض التكوين الأساسي والغرائز الفطرية.وكذلك لا توجد المساواة الاجتماعية فيما بين الناس. فعلى الرغم من أن الأديان والشرائع السماوية قد دعت إلى المساواة، مثلما هم المصلحون والحكماء والفلاسفة دعوا إليها أيضاً، فإن الناس يترتبون في فئات ودرجات في الغنى والجاه، والحسب والنسب. مثلما أنهم مختلفون بأنواع العمل وطرق الكسب والمعيشة، ويتمايزون في حياتهم العائلية والزوجية. وفي مجتمعاتهم، وملذاتهم وآلامهم ومعاملاتهم وعباداتهم.إذن لا مساواة بين الناس في أعراف الحياة الاجتماعية وتقاليدها. فما هي المساواة التي قصدها الفلاسفة والحكماء والمصلحون والمشرعون والسياسيون عندما نادوا بها كحق من حقوق الإنسان الأساسية؟إن المساواة المقصودة هي المساواة القانونية، أي مساواة الناس جميعاً أمام القانون من ناحية الحقوق والواجبات والحماية القانونية. هذه المساواة التي أقرتها الدساتير والشرائع الداخلية والدولية.وأصبح من غير الغريب أن تجد مجتمعاً متعدد الأعراق والأصول كفئة موحدة وفق منظومة من البنى القانونية، والمفاهيم الاجتماعية والقيمية التي تشترط عدم التميز والمساواة في الحقوق والواجبات.وقد أدى هذا إلى إنهاء مفهوم العنصرية الذي أصبح مفهوماً مثيراً لاشمئزاز الإنسان، وتعزز ذلك عبر كفاح الشعوب ضد أنظمة الاستعمار من أجل إزالة نظام التمييز العنصري كما حصل في كفاح شعب جنوب إفريقيا، وكذلك عبر حركة الحقوق المدنية والتي عبر عنها مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الحركة التي أفضت إلى إلغاء كل القوانين العنصرية بحق السود الذين كان يتم التعامل معهم بوصفهم كائنات إنسانية من الدرجة الثانية أو الثالثة. من هذا فقد أجمعت الدساتير الدولية على أن للأفراد الحق في أن لا تتعرض شخصيتهم أو وطنيتهم للشك أبدا نتيجة معتقدهم أو أصلهم أو دينهم أو لغتهم أو رأيهم. ولا يجوز إجبار المواطن على التخلي عن جنسيته أو إسقاطها عنه دون رغبته.
أبعاد مفهوم المواطنة
1. بعد قانوني : يتطلب تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين استنادا إلى عقد اجتماعي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع .
2. بعد اقتصادي اجتماعي : يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للبشر ويحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم .
3. بعد ثقافي حضاري : يعني الجوانب الروحية والنفسية والمعنوية للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويرفض محاولات الاستيعاب والتهميش والاستعلاء والهيمنة .
حقوق المواطنة
هنالك ثلاثة أنواع رئيسية من حقوق وحريات التي يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين في الدولة دونما تميز من أي نوع ولا سيما التميز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو أي وضع آخر وهذه الحقوق هي.
1. الحقوق المدنية
وهي مجموعة من الحقوق تتمثل في حق المواطن في الحياة  والسلامة الجسدية وعدم إخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة و الحق في عدم اعتقاله أو استجوابه من قبل أي سلطة بدون أمر قانوني ساري المفعول صادر عن حاكم مختص وعدم إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي مواطن دون رضاه ،والحق في الكرامة والحرية الفردية وتكافؤ الفرص وعدم استرقاق أحد والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين ، وحق كل مواطن في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله أو توقيفه تعسفياً و الحق في العزلة وحماية خصوصيته والحق في أن تكون حرمة وسرّية داره وسكنه ورسائله وبريده واتصالاته مصانة وله الحق في الإطلاع على سجلاته لدى الدولة أو أي مؤسسة في المجتمع تحتفظ بسجلات عنه ، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة فله الحق في شراء وحيازة وتملك وورث وتوريث الممتلكات الخاصة واستخدامها حسب رغبته ولا يحرم من ممتلكاته بدون التعويض المناسب ، و حق الإرث والشهادة والاختيار في أحكام ألأحوال الشخصية بين القانون المدني وأحكام القضاء الشرعي وحقه في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة إليها وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون والاعتراف بشخصيته القانونية وحق كل مواطن في حماية القانون له ، وحقه في حرية الفكر ، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون والحق في رفض ذكر القومية أو الدين في الوثائق وحق كل طفل في اكتساب جنسيته.
2.الحقوق السياسية
تتمثل هذه الحقوق بحق الانتخاب والترشح والتصويت، وحق كل مواطن بالعضوية في الأحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن القانون والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي والحرية النقابية من حيث النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب.
3. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تتمثل الحقوق الاقتصادية أساسا بحق كل مواطن في العمل والحق في العمل في ظروف منصفة وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية و الحق في الخدمات الصحية والرعاية الطبية والتأمين الصحي المجاني والحصول على العلاج الطبي المتخصص على حساب الدولة مع حق تلبية حاجة الريف إلى الخدمات الصحية المجانية بنفس مستوى المدينة  والحق في الغداء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحماية والتعويض والحق في دعم الدولة والحق في اللجوء إلى القضاء والحق في الملكية والحق في التصرف والحق في الإدارة الذاتية  والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في السلام، والحق في التضامن الإنساني.والحق في الخدمات كافية لكل مواطن ، وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن في التعليم و الحق في استخدام لغته المحلية والتعلم بها وتعليم أولاده  إلى جانب اللغة الوطنية  والثقافة كتطوير الثقافة والفنون والعلوم والرياضة البدنية ورعاية وحفظ البيئة والمواقع الشواهد الدينية والأثرية والتاريخية وصيانتها .
الواجبات الأساسية للمواطنة
تعتبر الواجبات المترتبة على المواطنة نتيجة منطقية وأمراً مقبولاً في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يوفر الحقوق والحريات الأساسية المترتبة على المواطنة لجميع المواطنين و بشكل متساوي ، فمقابل هذه الحقوق تظهر هذه الواجبات التي يجب أن يؤديها المواطنين أيضا بشكل متساوي بين الجميع وبدون تمييز لأي سبب من الأسباب التي تم ذكرها سابقاً فهي علاقة تبادلية والهدف منها هو مصلحة الفرد والدولة وتحسين الأوضاع في المجتمع وتطويره نحو الأفضل وهذه الواجبات قد ينص عليها القانون وبالتالي تتحدد بشكل رسمي وقد تكون هذه الواجبات مفهومة ضمنياً للمواطن فيلتزم بها ومن هذه الواجبات .

1.  واجب دفع الضرائب للدولة :- فالمواطن عندما يلتزم بهذا الواجب يكون بالضرورة مساهماً في اقتصاد الدولة ، وبالتأكيد أن هذا الدعم في النهاية يعود إليه على شكل خدمات وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية إذا لم توجه الدولة في قنوات أخري غير مشروعة، فالضمان الاجتماعي مثلا تستطيع الدولة توفيره من خلال هذه الضرائب التي تعد أحد الموارد الأساسية للدولة وبالتالي فهي ضرورية لاستمرارية الدولة والمجتمع.

2. واجب إطاعة القوانين :- فطالما أن القوانين تشرع عن طريق السلطة التي يقرها الشعب والمخولة بذلك قانوناً وطالما أن هذه القوانين ستطبق على الجميع بشكل متساوي بدون تمييز ، فالأمر الطبيعي أن يقوم المواطن باحترام هذه القوانين التي تحقق بدورها الأمن والنظام والحماية المطلوبة وستؤدي إطاعة القوانين إلى تحقيق المساواة والديمقراطية وتحقيق التكافل الاجتماعي بين جميع المواطنين في الدولة .

3. واجب الدفاع عن الدولة :وهو ما يسمى بواجب الخدمة العسكرية أو خدمة العلم فهو واجب مطلوب من كل مواطن أذا طُلب منه التجنيد فهو بهذا الواجب يشارك بالدفاع عن وطنه و مواطنيه في حالات وجود غزو خارجي بدون مبررات موضوعية وهو واجب منطقي لأنه سيدافع عن دولة حققت له مواطنته ، من خلال ما وفرت له من حقوق وحريات وخدمات ، وسمحت له بالمشاركة في الحكم ، بالإضافة إلى الشعور بالأنصاف من خلال تحقيق مبدأ المساواة بين أفراد شعبه مما يشكل بداخله ما يسمى بالانتماء الوطني .
أسس التي تقوم عليها المواطنة
طالما أن مفهوم المواطنة ينطوي على جملة من الحقوق الممنوحة للأفراد وواجبات مفروضة عليهم وطالما أن المعنى الحقيقي للمواطنة يعتمد على انتماء الفرد وولائه لوطنه ، تكون المواطنة في مواجه تنظيم علاقة على مستويين ، المستوى الأول:- العلاقة القائمة بين الأفراد والدولة والمستوى الثاني :- العلاقة القائمة بين الأفراد بعضهم ببعض وهذا يحتم أن تكون المواطنة قائمة على أساسين جوهريين هما :
أ) الأساس الأول : المشاركة في الحكم
مشاركة المواطنين في الحكم، على قاعدة أن الشعب مصدر السلطات، وتترجم هذه المشاركة من خلال العملية الديمقراطية، التي لا تحرم المواطنين من التعبير عن إرادتهم الحرة في التفكير، والاختيار، والمشاركة، تحقيقا لرغباتهم، وطموحاتهم والتي تقوم على جملة من المعايير تتمثل في المساهمة الفاعلة و التي تعطي الفرصة المناسبة لكل مواطن للتعبير عن الأسباب التي دفعته إلى إقرار نتيجة معينة ، والمساواة في الاقتراع في المرحلة الحاسمة و هي مرحلة اتخاذ القرارات وان يتوفر لكل مواطن الحق في اكتساب المعلومات بشكل يمكنه من فهم الأمور المراد اتخاذ القرار بشأنها بحيث يتكون عنده الفهم المستنير ، وان يكون هنالك سيطرة نهائية من قبل المواطنين على جدول الأعمال بحيث تتوفر لهم الفرصة لاتخاذ القرار حول الكيفية التي يتم بموجبها وضع القضايا على جدول الأعمال التي يراد إصدار قرار بخصوصها عن طريق العملية الديمقراطية وعليه من حق المواطنين ( وفق الأهلية القانونية ) التي يحددها الدستور الترشح للمناصب، والتصويت، كذلك انتخاب ممثليهم لكافة الهيئات.كما يمكنهم المشاركة في عملية صنع السياسة العامة – وعلى عدة مستويات – إما بشكل مباشر من خلال ممثليهم، أو من خلال دورهم في الرقابة، والمساءلة، وتشكيل الأحزاب، ومجموعات الضغط لإحداث التغيير المنشود، وهذه الحقوق يكفلها الدستور للمواطنين.
ب) المساواة بين جميع المواطنين
تعتبر المساواة إحدى القضايا الجوهرية في المواطنة  فلا بد من الإيمان بالمساواة بين جميع المواطنين واعتبار جميع السكان الذين يتمتعون بجنسية الدولة مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، يتمتع كل فرد منهم بحقوق والتزامات مدنية وقانونية واجتماعية واقتصادية وبيئية متساوية ، بالإضافة إلى المساواة بين المواطنين أمام القانون كل ذلك بدون الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي أو المركز الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو العرق أو الدين أو الجنس أو غيرها من الاعتبارات.
إن عملية بناء الدولة كمشروع مجتمعي متكامل تتطلب تفاعل وتعاون المواطنين الفاعلين الناشطين، الذين يتحلون بجملة من المعارف، مسلحين بالمهارات التي تمكنهم من النقد والتحليل، والتقييم، وممارسة الرقابة، والإبداع، مهارات تمكنهم من المشاركة الواعية والهادفة، تحركهم توجهاتهم الايجابية وروح المسؤولية العالية، وقبولهم باختلافات المواطنين الذين يشاركونهم المواطنة والعيش في هذا المجتمع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، إن هذا الاختلاف لا يلغي أو يقلل من شأن الآخرين بأفكارهم، ومعتقداتهم، وحريتهم على الفعل، والاختيار.
فتحقيق مفهوم المواطنة ومعناها مرتبط بشكل وثيق بالأساسين السابقين ، فبتحقيق هذين الأساسين يتحقق انتماء المواطن وولاؤه لوطنه وتفاعله الإيجابي مع مواطنيه ، نتيجة القدرة على المشاركة الفعلية والشعور بالإنصاف وارتفاع الروح الوطنية لديه عند أداء واجباته في الدفاع عن الوطن ودفع الضرائب وإطاعة القوانين والأنظمة ، مما لا شك فيه انه من الضروري أن يكون هذين الأساسين منصوص عليهما بشكل واضح لا يحتمل التأويل في دستور ديمقراطي مرتكز على مبادئ ديمقراطية قائمة على أساس أن الشعب مصدر السلطات ، وسيطرة أحكام القانون والمساواة أمامه ، وعدم الجمع بين أي من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية في يد شخص أو جهة واحدة ، وضمان الحقوق والحريات العامة دستورياً وقانونياً ومجتمعياً من خلال تنمية قدرة الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني على الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان ، وتداول السلطة بشكل سلمي ودوري وفق انتخابات عامة حرة نزيهة تحت إشراف قضائي مستقل.وأن تكفل الدولة مشاركة المواطنين؛ والمساواة فيما بينهم، والاعتراف بحريتهم كفيل بأن يشعر المواطن بذاته، وكيانه، وربما ترتقي درجة الانتماء لديه، وأن تخلق لديه حالة من الدافعية للتفاعل الايجابي، وتقديم الواجبات برضا كامل قائم على القناعة الذاتية بتقدير الواجبات كقيمة وعدم التهرب منها. لكن الوصول لحالة من الانصهار، والاندماج الكامل، والشعور بالذات، وتحقيقها يتطلب أيضا أن تتوحد جهود ( الدولة، مؤسسات المجتمع المدني، مؤسسات التنشئة المختلفة ) على التربية على هذه المواطنة،و يتطلب العمل الدؤوب، من الجميع في عملية مستمرة دون توقف، نخرج فيها من الانتماءات والولاء ت الضيقة، إلى رحاب المواطنة الفسيحة.
طرق منح المواطنة
تختلف عملية منح المواطنة من دولة إلى أخرى بحسب القوانين أو الدستور المعمول بها أو به بداخل الدولة ، فهنالك عدة أسس لمنح المواطنة أهمها ما يلي:
الأساس الأول : قرابة الدم أو ما يسمى بقانون الدم وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بناءاً على مواطنة والديه فهو حق وراثي .
الأساس الثاني : مكان الولادة أو ما يسمى بقانون الأرض وهو الذي يعطي حق المواطنة للفرد بحسب مكان ولادته بغض النظر عن مواطنة الوالدين .
الأساس الثالث : اكتساب المواطنة بالهجرة أو ما يسمى بقانون الهجرة والذي تعتمده العديد من الدول ، فيحصل الفرد على مواطنة هذه الدولة التي يهاجر إليها إذا توفرت فيه شروط الهجرة المطلوبة وتمت الموافقة عليه من قبل الدولة ، وفي بعض الدول التي تتعامل بقانون الهجرة تدخل فيه اعتبارات تاريخية مثل الدين والعرق…الخ .
التربية على المواطنة
تدل على مجموعة مواد ونشاطات من شانها أن تغذي الوعي الوطني والالتزام الوطني والعمل الوطني بطبيعة مضمونها وموضوعها و تشكيل المواطن وتنميته انطلاقاً من تصور فلسفي معين لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية ووجودها السياسي .
فالتربية الوطنية انطلاقاً من هذا التعريف مدارها المواطن واهتمامها الأساسي و تكوين المواطن وإعداده وتنميته من حيث وعيه والتزامه وعمله الوطني وذلك من خلال مضمون مجموعة مواد ونشاطات و بأن الفرد لا يصبح مواطناً بدون هذه التربية فالتربية الوطنية تفتح مدارك تفكير المواطن وتؤدي بالضرورة إلى خلق روح الانتماء الوطني بداخله وهي روح المواطنة وجوهرها  و بالتأكيد أن ذلك لن يحدث إذا لم تكن هذه التربية مصوبة نحو هدفها الأساسي وهو المواطن وخلق روح الانتماء الوطني بداخله فمن الممكن أن تكون التربية مصوبة نحو هدف السلطة الحاكمة المتمثل بتحقيق مصالحها الشخصية .
تتمثل غايـة التربيـة على المواطنة في تكويـن الإنسان/المواطن الواعي الممارس لحقوقـه و واجباته في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، كما تتمثل في العمل المبرمج من أجل أن تُنَمـّى لديه، باستمرار، منذ مراحله الأولى، القدرات و الطاقات التي تؤهله مستقبلا لحماية خصوصياته و هويته و ممارسة حقوقه و أداء واجباته بكل وعي و مسؤولية، حتى يتأهل للتواصل الإيجابي مع محيطه.
تتأسس المواطنة على الوعي بالخصوصيات الحضارية التاريخية والوطنية والاستعداد لتنميتها وتوجيهها ، والدفاع عنها بكل الوسائل العلمية والمعرفية والمنهجية والمادية، في احترام تام لخصوصيات الآخرين، وتفاعل متميز مع مختلف التجارب، وانفتاح موزون على كل الثقافات، وحوار واع مع كل الحضارات.
وينمو الإحساس بالمواطنة والانتماء إلى الوطن عن طريق السعي الحثيث إلى اكتشاف المواطن لذاته ومحيطه أولا، ثم عن طريق المعرفة والمعايشة والقرب ثانيا. ومن خلال هذا الاكتشاف تتشكل لديه الاقتناعات والتصورات المرتبطة بوجوده، والوعي بمختلف الأبعاد الحقوقيــة والاجتماعية والثقـافية. وهذا ما يساعده بعد ذلك على بناء المواقف والاتجاهات ومناقشتها في ضوء القيم السامية للمواطنة، كما يساعده على بناء القدرات والمهارات التي تمكن من الإبداع والابتكار والتميز من أجل تطوير مسيرة الوطن وتغذيتها بكل أساليب التشجيع والتحفيز.
تخاطب التربية على المواطنة عقل الإنسان المواطن لتمده بالمعارف اللازمة عن تاريخ بلده وحضارته، وبالمعلومات الضرورية عن حقوقه وواجباته. كما تخاطب وجدان المواطن لتشكل لديـه منظومـة قيـم و أخـلاق تنمي لديه الإحسـاس بالافتخـار والاعتزاز، وتحفزه على العطاء والإخلاص والتضحية. كما تتوجه إلى حواسه لتمده بالمهارات الكافية في كل المجالات التواصلية والتقنية والعلمية التي تجعله قادرا على الإبداع والتميّز من جهة، وقادرا على التعريف بحضارة بلده والدفاع عنها من جهة ثانية.
أهمية التربية المواطنة
من مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي وما هو كوني للتخفيف من غلواء قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافـات المحلية والعالمية؛ وما صاحب ذلك من آثار سلبية أحيانا؛ وذلك للمحافظة علـى الهويـة الوطنيـة والخصوصية الثقافية بشكل يضمــن الانتمـاء الذاتي والحضاري للمواطن دون تصادم مع الأفكار الرائجة في محيطه.
وتتجلى أهمية التربية على المواطنة في ترسخ حب الوطن والتمسك بمقدساتـه مع تعزيـز الرغبـة في خدمته. وتقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع.
ولمعرفة أهمية التربية الوطنية لا بد طرح سؤال التالي : هل يولد الإنسان مواطناً ؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فكيف يمكن للفرد أن يصبح مواطناً مستنيراً إذا لم يفهم معنى المواطنة ، ولم يعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات؟ ولو افترضنا جدلاً بأنه عرف ما له وما عليه من الحقوق والواجبات فما هو تفسير ان هذا المواطن لا يطالب بحقوقه ويتهرب من واجباته ؟ أنا اعلم تماماً بان هناك فرقاً وفجوة كبيرة بين العلم بالشيء وتطبيقه على ارض الواقع فلا يكفي على الإطلاق أن يعرف المواطنين مبادئ المواطنة ومعناها الحقيقي وما يترتب عليها من حقوق وواجبات بل أيضاً يجب أن يقوم هؤلاء المواطنون بالممارسة العملية بالفعل على ارض الواقع لمعنى المواطنة وهذا يجب أن يكون بشكل جماعي باهتمام الجميع فلماذا لم يحصل ذلك على الرغم من وجود المعرفة إذا كانت قد وجدت أصلاً ؟!
وجواب هذه الأسئلة يتمثل في أن عنصر الانتماء الوطني لم يتحقق بعد ، فهذا المواطن الذي تكونت لديهم المعرفة والدراية بماهية المواطنة لم يتكون لديه عنصر الانتماء الوطني ليدفعه للمطالبة بحقوقه وأداء التزاماته اتجاه دولته نسبة لعدم توفر حقوق المواطنة في دولته وبالتالي لم يتحقق شعور الانتماء لسبب بسيط ، لان هذا المواطن لم يُعد ولم يشكل ولم يغذي وعيه والتزامه وعمله الوطني بمجموعة مواد ونشاطات تهدف إلى تنمية وتحقيق شعور المواطنة بداخله وهذا ما اسميه بالتربية المواطنية ، وقد يسأل سائل ما الذي يؤكد بان التربية هي التي تخلق هذا الشعور بالانتماء الوطني ؟ هذا السؤال مهم والإجابة عليه بسيطة من أن وظيفة التربية الفعلية هي تحقيق هذا الشعور ، فالوظيفة الفعلية للتربية تقوم على أساسين هما:

الأساس الأول :- تحقيق المعرفة لدى الفرد المتعلم
 أي بمعنى تحقيق الجانب المعرفي لدى الفرد المنتسب لهذا المجتمع أو لهذه الدولة ، فالتربية بمفهومها الوظيفي تسعى لتحقيق هذا الجانب لدى الأفراد في داخل المجتمع ، ولكن ما المقصود بالمعرفة ؟ يميز الدكتور رجا بهلول بين المعارف والقيم فيعرف مصطلح المعارف بأنه ( مجموع المفاهيم و المعتقدات التي يحاول الناس من خلالها فهم أنفسهم والعالم المحيط بهم ، وتشتمل على النظريات العلمية والمعتقدات الدينية والفلسفية وما يدعى أحياناً بـ ” الحس السليم ” فضلا عن المهارات اللغوية والمهنية وغيرها

الأساس الثاني : خلق الرغبة والشعور في نفس الفرد المتعلم 
وهذه هي روح الوظيفة التربوية حيث تقوم بخلق هذا الشعور في نفس الفرد المتعلم ، فبهذا الشعور الذي يزرع بداخله مع ما تلقاه من الجانب المعرفي تتحقق الوظيفة الفعلية للتربية ويتحقق الانتماء وتهيئ وتعد وتنمي الفرد لتمكنه من الاندماج في النظام السياسي وهي الوسيلة التي من خلالها يتمكن المجتمع من أن يستمر في الوجود .

أهداف التربية على المواطنة
تسعى التربية على المواطنة إلى تحقيق أهداف تتجلى في تثبيت قيم اجتماعية وأخرى فردية.

تتمثل هذه القيم  في مجموعة من المبادئ لابد من ترسيخها، ويأتي في مقدمتها الإحساس بالهوية الوطنية ، والاعتزاز بها والتضحية من أجلها، مع الانفتاح، في الوقت نفسه، على الثقافات الأخرى والتفاعل معها في جو من الانسجام والموضوعية والتسامح والحوار المبني على الاحترام ومحبة الإنسانية وتعزيز ثقافة أداء الواجبات قبل أخذ الحقوق وترسيخ قيم احترام القوانين والأعراف المعمول بها محليا ودوليا. فضلا عن احتـرام مقدسـات الوطـن والتعامـل مع قضاياه بقيم الإيجابيـة والمسؤولية في كامل الثقة بالنفس والاندماج مع الجماعـة بروح من التضامـن والإخاء والتحلي بالسلوك الديمقراطي وقبول التعدد وحب العمل والتفاني فيه أملا في رفع مردود المجتمع وإنتاجيته الاقتصادية والثقافية، حتى يرتقي في العيش والمكرمات إلى أعلى مراتب التنافسية العالمية.

شروط التربية على المواطنة
1. أن تكون المواطنة عملية تربوية نضالية مستمرة
فهي عملية تأخذ جانب النضال من جهة وجانب الاستمرارية من جهة أخرى ، فهي عملية نضالية تسعى وتهدف لان تعترف الدولة والنظام بهذه المواطنة فإذا تم هذا الاعتراف دستورياً بشكل واضح بدون تناقض ، فأننا ننتقل إلى جانب الاستمرارية وهذا الجانب مهم لأنه من خلاله سيتم ترسيخ وتحسين الممارسة الفعلية العملية للمواطنة وهذا ما نسعى إليه أصلاً من التربية المواطنية أن تتم هذه الممارسة الفعلية للمواطنيه على ارض الواقع من خلال مؤسسات الدولة والمواطنين.
 
2. أن تعمل على تغليب الانتماء إلى الوطن
 أي الانتماء إلى الجماعة الوطنية ودولتها الوطنية على أي انتماء سياسي آخر وأن تعامل أعضائها كجماعة مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات ، وقادرة على تطبيق المواطنة على أصولها ، فيجب أن تكون هذه التربية المواطنية تصب باتجاه هذه الدولة الوطنية فلا يجوز أن يقدم الانتماء أو الولاء السياسي لأي سلطة جزئية في الدولة على الانتماء أو الولاء لسلطة الدولة نفسها بشرط أن توفر العدالة عدم التمييز والمساواة أمام القانون لمواطنيها

3.  أن تنظر إلى أعضاء الدولة على أساس أنهم كائنات عاقلة وحرة.

فالإنسان ليس مجرد جسد ولا المجتمع مجرد مجموعة من الأجساد ، فهو يمتلك عقلاً يستطيع من خلاله تحديد ومعرفة المصلحة العامة والالتزام بالقوانين والتفكير بالحقوق وتحمل المسؤوليات ، وعليه فانه من المفروض أن يكون نظام الحقوق والواجبات التي تربط المواطنين بالدولة والدولة بالمواطنين من صنع هؤلاء المواطنين العقلاء الذين يتمتعون بإرادة حرة . فالتربية المواطنية بما أنها تتعامل مع أفراد عقلاء وأحرار ، فمطلوب منها أن تربي الأفراد على تحمل المسؤولية السياسية والمشاركة في بناء نظام الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة وأعضائها وبالتالي فمطلوب من التربية أن تنمي فيهم روح المسؤولية والمشاركة المطلوبة .

4. أن تنظر إلى جميع أعضاء الدولة على أساس أنهم متساوون أمام القانون
 فيجب التعامل مع هؤلاء المواطنين على أساس المساواة بينهم أمام القانون لان ذلك يحقق العدل ويحقق وحدة الجماعة الوطنية فعندما يكون هناك قانون واحد يخضع له جميع المواطنين بدون التمييز فيما بينهم على أساس الوضع السياسي أو الوضع الاجتماعي أو المركز الاقتصادي أو بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو غيرها أن ذلك يعني أن هنالك عدلاً قد تحقق ، فالغني والفقير ، والمسلم والمسيحي ، والرجل والمرأة ، والمدير العام والفراش والرئيس والمرؤوس  ، يخضعون لنفس القانون ومتساوين أمامه فهم بذلك مشتركين في حياة قانونية واحدة تؤدي بالضرورة إلى وحدة حياتهم الوطنية ، وبالتالي إلى إزالة أو على الأقل تخفيف الفوارق الموجودة بين المواطنين طالما أن هذه المساواة مستمدة أصلاً من المساواة في الكرامة الإنسانية .

5. يجب على التربية الوطنية أن تتحدد كتربية بنطاق الخير المشترك للمواطنين
إن فكرة الخير المشترك تختلف باختلاف التصورات والمذاهب والمعتقدات وتختلف من مكان وزمان لآخر ، فهناك من يرى في الخير المشترك ذلك المفهوم الأول للخير العام أو ما يسمى بالتقليد الجمهوري الذي كان سائداً في زمن ما قديماً ، حيث كانت الحياة العامة يتحكم فيها تفان وإخلاص موجهان للخير العام ، وهناك من يرى في الخير المشترك ، خير الشعب داخل مجالات مختلفة من القرار الجماعي مثل الأمن ، العمل ، الرفاه المعيشي وغيرها . والمطلوب من التربية المواطنية أن يتحدد إطارها كعملية تربوية بالخير المشترك للمواطنين ذلك الخير والمصالح التي نشترك بها مع الآخرين ، فبهذا الإطار يتم تهيئة المواطن وتحقيق الفهم المستنير للخير المشترك الذي يعتبر أساساً لمعنى الخير المشترك .

6.  أن تهتم بشكل متوازن بحقوق المواطن من جهة وبواجباته من جهة أخرى
فالمواطنة تقوم بالأساس على رابطة تبادلية بين حقوق المواطنين التي تعتبر واجبات على الدولة وبين حقوق الدولة التي تعتبر واجبات على المواطنين ، فلا يجوز أن تطغى حقوق طرف على الآخر لأن ذلك يؤدي إلى الإخلال بهذه الرابطة التي تعتبر أساس المواطنة وبدونها يسقط مفهوم المواطنة وبالتالي يجب على التربية المواطنية أن يكون اهتمامها متوازناً بين الحقوق والواجبات لتبقى هذه الرابطة المتبادلة وثيقة وبالتالي يتحقق مفهوم المواطنة .

7. أن تقوم بتطوير محتوى نظام الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين والدولة وبشكل مستمر
فالمفاهيم والمبادئ والأفكار متغيرة لان الناس في تغير مستمر وبالتالي لابد أن تقوم التربية المواطنية بمراجعة دائمة أو دورية للحقوق والواجبات التي تتعلق بالمواطنين وبالدولة وتغير ما ينبغي تغييره وتطوير وتوسيع ما يلزم منها فبذلك يتعمق وعي المواطنين بوحدة الحياة والمصير التي تجمعهم في دولتهم وبواسطتها .
يعتمد نجاح عملية التربية المواطنية  بالأساس على الدور الذي ستقوم به هذه المؤسسات التربوية ويقع على عاتق كل مؤسسة تربوية أن تقوم بوظيفتها بشكل متكامل ومترابط مع المؤسسة الأخرى ضمن إطار هذه الأفكار الفلسفية التي تم شرحها ، فعملية صهر آراء المواطن وأفكاره ومعتقداته وسلوكه وقيمه تتم من خلال هذه المؤسسات التربوية التي تتمثل بالأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية ،الأصدقاء ، الجيران ، الرفاق، ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني …الخ وبالتالي يجب أن تكون عملية الصهر هذه متوافقة ومبادئ المواطنة ومعناها الحقيقي وما يترتب عليها بدون أي قيود قد تفرض على هذه التربية المواطنية .

الخلاصة
أولاً : إن مفهوم المواطنة هو المبدأ الأساسي الرئيسي للديمقراطية ، فلا وجود ولا معنى لأي نظام ديمقراطي بدون تحقيق لمفهوم المواطنة ،فهل هناك ديمقراطية بدون مواطنين ؟  .

ثانياً : إن المحتوى الأساسي لمفهوم المواطنة نابع من مبدأ الانتماء الوطني الذي يتشكل نتيجة التربية المواطنية ، والقدرة على المشاركة الفعالة في الحكم . والشعور بالإنصاف والمساواة .

ثالثاً : إن المواطنة تقوم على أساسين مهمين هما المشاركة في الحكم والمساواة بين جميع المواطنين.
رابعاً : إن تحقيق المواطنة على ارض الواقع بشكل فعال مرهون ومرتبط بعملية التربية المواطنية التي من خلالها يتم إيصال المعرفة وخلق الشعور الذي يؤدي إلى تشكيل الانتماء الوطني  .

خامساً : عندما تتم المصالحة مع الذات ومع الآخرين ويتحقق الانتماء الوطني ، تنتقل المواطنة من كونها مجرد نصوص مكتوبة إلى ممارسة تترجم لتصبح المساواة بين المواطنين فيها قيمة اجتماعية وأخلاقية وممارسة سلوكية يومية من قبل المواطنين فيعبر ذلك عن مدى انتمائهم ووعيهم الثقافي ورقيهم الحضاري وإدراكهم السياسي من خلال تربية مواطنية حقة قامت بإعدادهم وتنميتهم على ذلك .

الحلقات القادمة
قيم ومبادئ المجتمع الحر
1. السلام
2. المساواة
3. التسامح
4. العدل
5. محاربة الفساد
 هارون سليمان

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *