شاطر السيسي ومشطور البشير وبينهما طازج الصادق المهدي ؟

ثروت قاسم
[email protected]

اختزلت الآية 25 في سورة الحديد الرسالات السماوية كلها جميعها ، من جاءتنا قصصهم ومن لم يقصصهم علينا ، في بضع كلمات ، ركزت على جوهر هذه الرسالات … وهو في كلمة كما في اثنتين :
عدم ظلم الآخر … اي العدل والقسط في التعامل مع الآخر .
قالت :
لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ، وانزلنا معهم الكتاب والميزان … ليقوم الناس بالقسط .
وعليه نشعر بالوجع يعصر قلوبنا ، ونحن نرى الظلم البين الذي يتعرض له السيد الامام من الطواغيت الداخلية والخارجية ، ومن كل جبار عنيد ، داخلي وخارجي ، ومن ورائه عذاب غليظ . ولكن نشعر ببعض الطمانينة ونحن نعرف ، وحق المعرفة ، انهم لا يكذبون السيد الامام ، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
في بورصة المقايضات وإرجاع الاسانسيرات بين الطواغيت ، طلب الرئيس البشير من الرئيس السيسي ان يبتز السيد الامام ، وهو رهينة عنده ، ويمنعه من تلبية دعوة الحكومة الالمانية للمشاركة في حوارات استطلاعية ، في برلين يوم الجمعة 29 يونيو 2018 ، بين ثمانية من قادة تحالف قوى نداء السودان وبعض متنفذي وزارة الخارجية الالمانية وبعض خبراء مؤوسسة بيرج هوف الالمانية ، لمناقشة مشاركة التحالف في انتخابات العشرينيتين ، وكتابة الدستور الدائم ، وإنعاش خارطة طريق مبيكي .
لم يكن السيد الامام متحمساً للمشاركة في حوارات برلين مع الحكومة الالمانية لانه قد وضح للسادة الالمان خلال عدة لقاءات معهم في برلين خلال الاعوام المنصرمة ، وبما لا يدع مجالاً لاي لبس ، موقف التحالف من المشاركة في انتخابات 2020 ، اذا جاءت بمستحقاتها ؛ ومن انتظار التحالف ، الذي طال واستطال ، لنظام البشير ان يبدأ في إنفاذ خارطة طريق مبيكي ، التي وقع عليها في مارس 2016 ، والتي رفرفها بمجرد التوقيع عليها ، كما هو نهجه مع كل الاتفاقيات والعهود والمواثيق .
ولكن تدخل نظام السيسي في الشأن السوداني ، وكأننا في ولاية الخديوي توفيق ، وطلبه للسيد الامام عدم المشاركة في حوارات برلين ، لانها تجمعه تحت سقف واحد مع الحركات المسلحة ، محاكياً اسماعيل باشا وهو يخاطب المك نمر … هذه وتلك قلبت موازين السيد الامام ، ذا الانف الشامخة ، وجعلته احرص ما يكون للمشاركة في حوارات برلين مع الحكومة الالمانية … كيتن في الخديوي توفيق ، وعشان تاني لاسماعيل باشا .
بعدها ، طلب الرئيس البشير من الرئيس السيسي ان لا يسمح للسيد الامام بدخول جنة الخلد عند رجوعه من برلين ، حتى يتمكن الرئيس البشير من ارجاع الاسانسير للرئيس السيسي مع قادة الاخوان المصريين الذين يستجيرون بالرئيس البشير ، ومن ارجاع الاسانسير مرة ثانية في ملف سد النهضة ، وما ادراك ما سد النهضة .
في مساء السبت 30 يونيو 2018 وهو عائد من برلين للدار القاهرية الوحيدة التي يمتلكها خارج وطنه السودان ، لم يسمح الرئيس السيسي للسيد الامام بولوج ابواب جنة الخلد ، فتوجه السيد الامام ، وهو راض رضا العفو والعافية ، ولا يلوي على شئ ، صوب ديار الاسلام كما وصفها الامام محمد عبده في زمن غابر ، ديار الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان … توجه السيد الامام الى لندن .
اختار لندن وليس الخرطوم ، لان السيد الامام يعتمر ستة طواقي ، منها الوطني ومنها الاقليمي ومنها الدولي ومنها الاسلامي . وللسيد الامام مهام خارج السودان لم تنته بعد ، ويود الانتهاء منها ، قبل رجوعه الخرطوم ، ومصارعة بلاغ كيدي فتحه الرئيس البشير في مواجهته ، في مارس 2018 ، بعد انتخابه بالاجماع ، رئيساً لتحالف قوى نداء السودان .
بلاغ كيدي سياسي ، ليس الاول ولكنه قطعاً وباذنه تعالى الاخير ، بلاغ عبثي لا يرعب ولا يخيف الا فاتحه الرئيس البشير ، الذي لا ينام الليل من الهلاويس والكوابيس ، وعذاب المخدة يستهلكه ، وهو يتذكر ظلمه لبني آدم ، وهو يتذكر امر القبض الذي يتدلى على صدره ، وانه هارب من العدالة الدولية ، ويتذكر ان صوره في مخافر شرطة الحدود والمواني والمطارات في رياح الدنيا الاربعة .
يتصبب العرق من على جبين الرئيس البشير ، ومن كل فتحة في جسمه ، وهو يتقلب في فراشه في نواكشوط ، وهو يتجرع مرارة الاهانة على ايادي الرئيس الفرنسي ماكرون الذي دعا جميع القادة والرؤساء المشاركين في قمة الاتحاد الافريقي ال 31 لحفل غداء يخاطبه يوم الاثنين 2 يوليو 2018 في نواكشوط ، بإستثناء الرئيس البشير ، الهارب من العدالة الدولية ، حسب توصيف ماكرون للرئيس البشير .
تذكر الرئيس البشير ظلمه البين للسيد الامام ، وطفق يردد لنفسه ، في سره الآية 17 في سورة ابراهيم ، التي تذكره بان جهنم من ورائه ، ويسقى فيها من ماء صديد :
يتجرعه ولا يكاد يسيغه وياتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ .

في مارس 2018 ، فتح الرئيس البشير البلاغ الكيدي الثاني ضد السيد الامام بعد الاول في مايو 2014 ، وهو كما الاول يحمل عقوبة الاعدام ، وبدأت شيطنة السيد الامام في الوسائط الاعلامية ، وتم منعه بإيعاز من الرئيس البشير ، من دخول جنة الخلد مساء السبت 30 يونيو 2018 … هذه وتلك وغيرهما من منغصات للسيد الامام ، بسبب واحد لا ثان له ، اكده الرئيس البشير للداني والقاصي ، وللحاضر ليكلم الغائب … وهو مشاركة السيد الامام مع الحركات الحاملة السلاح في اطار تحالف قوى نداء السودان .
نسي الرئيس البشير ، أو تناسى عدة تناقضات اوقع نفسه فيها ، ولا يزال اسيراً ، لحبالها المتشابكة ، التي تبعث على الضحك على الرئيس البشير ، ولكنه ضحك كالبكاء .
في سياق هذه الملهاة ، وهي مأساة تواترت فصولها مذكرة بظلم الانسان لاخيه الانسان ، نستعرض ، في النقاط ادناه ، بعض البعض من متناقضات الرئيس البشير :
اولاً :
في يوم الاربعاء 27 يونيو 2018 ، في الخرطوم ، نجح الرئيس البشير في عقد اتفاقية سلام بين الرئيس سلفاكير ومعارضيه .
نسي الرئيس البشير ان معارضي الرئيس سلفاكير الذين جلس وتحاور ووصل الى الاتفاق معهم يتكونون من حركات تحمل السلاح بقيادة الدكتور رياك مشار ، واحزاب سياسية مدنية ، ومجموعة المعتقلين السياسيين القدامى ، ومنظمات مجتمع مدني بقيادة دينق الور ، وباقان اموم ، ولام اكول .
احلال على الرئيس البشير الاعتراف بالحركات المسلحة الجنوبية وتحالفها مع الاحزاب السياسية في الجنوب ، حرام على السيد الامام التحالف السلمي مع الحركات المسلحة الشمالية بهدف الوصول الى اتفاق سياسي مع الرئيس البشير ؟
ثانياً :
في يوم ، قال الرئيس البشير انه نهب السلطة بالسلاح ، ولن يتفاوض الا مع من يحمل السلاح . واستمر الرئيس البشير في الاعتراف والتفاوض مع الحركات الحاملة السلاح ، وعقد مع بعضهم اتفاقية ابوجا ، واتفاقية الدوحة ، واتفاقيات انجمينا ، ولا يزال التفاوض مستمراً مع الجبهة الثورية الحاملة السلاح بجناحيها في دارفور والمنطقتين .
احلال على الرئيس البشير الجلوس مع والتفاوض مع الحركات المسلحة ، حرام على السيد الامام تليين مواقف الحركات المسلحة بهدف الوصول الى اتفاق سياسي مع الرئيس البشير ؟
ثالثاً :
في يناير 2013 ، اصدرت الجبهة الثورية من كمبالا ميثاق الفجر الجديد ، الذي اكد على حق تقرير المصير لدارفور والمنطقتين ، وعلى الاستمرار في الخيار العسكري الهجومي ضد نظام البشير .
نجح السيد الامام في تليين مواقف الجبهة الثورية ، فنبذت في اعلان باريس في اغسطس 2014 ، الخيار العسكري الهجومي ، ونبذت حق تقرير المصير .
وبدلاً من ان يعترف الرئيس البشير بفضل السيد الامام كما اعترف اعداء السيد الامام من امثال المهندس الطيب مصطفي ، الذي طالب بنياشين الوطنية واوسمة الانجاز للسيد الامام ، اتهم الرئيس البشير السيد الامام بانه يتآمر مع الجبهة الثورية والموساد لاحتلال الفاشر ؟
كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذباً ؟
رابعاً :
بعد انتخاب السيد الامام في باريس في مارس 2018 رئيساً لتحالف قوى نداء السودان ، وبالاجماع ، اصدر النداء عدة بيانات وتصريحات ، يبين فيها ، بالواضح الكاشف ، وبما لا يدع مجالاً لاي لبس ، بان النداء تحالف مدني وسلمي ، ويعمل حصرياً بالطرق السياسية ، وعبر الحوار السياسي مع نظام البشير للتغيير السياسي السلمي ، واذا تعنت الرئيس البشير وحرن فالخيار الثاني هو الانتفاضة السلمية الشعبية .
اكد تحالف النداء انه غير معني بالخيار العسكري الدفاعي للحركات المسلحة ، فذلك شانها مع نظام البشير اذا هاجمها ، ولن يتدخل تحالف النداء حتى في هذه الحالة لدعم الحركات المسلحة في دفاعها عن نفسها واهلها .
خامساً :
الحركات المسلحة وتحالف قوى نداء السودان معترف بهما ويتم التفاوض معهما من مجلس الامن ، والاتحاد الافريقي ، والترويكا ، ومعظم الحكومات الغربية والصين . كما يعترف نظام البشير بالحركات المسلحة ويجري معها مفاوضات لا تزال مستمرة . كما ان نظام البشير قد وقع على خارطة طريق مبيكي في مارس 2016 ، ووقع على نفس الخارطة في اغسطس 2016 تحالف قوى نداء السودان ، الامر الذي يبرهن اعتراف الرئيس البشير بتحالف النداء .
سادساً :
خاطب السيد الامام باسم تحالف قوى نداء السودان الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والترويكا والاتحاد الأوروبي وجميع القادة الأفارقة والعرب المعنيين شارحاً موقف التحالف ، وحاشداً لدعمهم ، ومطالباً بلقائهم.
هل هذا تصرف قائد يسعى لقلب نظام البشير بالقوة المسلحة ، كما يتهمه جوراً وبهتاناً ، الرئيس البشير في بلاغه الكيدي ؟
سابعاً :
قرر تحالف قوى نداء السودان إصدار ميثاق لبناء الأمة في السودان . وهو بيان تدعمه “السياسات البديلة” لمستقبل السودان . قام السيد الامام بكتابة مسودة الميثاق ومسودة السياسات البديلة . وبتوصية من السيد الامام ، قرر التحالف اتخاذ تدابير لتوحيد جميع القوى السياسية والمدنية التي تطمح إلى تغيير النظام في السودان عبر الطرق السياسية السلمية .
هل يمكن لعاقل اتهام السيد الامام بالتآمر لقلب نظام الحكم عبر انقلاب عسكري بمشاركة الحركات المسلحة ، كما يتهمه بلاغ الرئيس البشير الكيدي ؟
ثامناً :
درست مؤسسة راند الدولية 684 حركة سياسية مسلحة تقود تمردات مسلحة ضد حكوماتها بين عامي 1983 و 2008، وتوصلت لنتيجة مفادها أن النزاعات المسلحة لا يمكن أن تنتهي إلا باتفاق سياسي .
وهذا ما يعمل لتحقيقه السيد الامام .
تاسعاً :
حياة السيد الامام أقرب إلى الملحمة الاغريقية :
العديد من محاولات الاغتيال ، سنوات السجن التي تجاوزت الثمانية سنوات ، مصادرة الممتلكات ، الشيطنة عبر الوسائط الاعلامية الحكومية ، النفي خارج السودان ، حتى الطفلة رندة الصادق المهدي لم تنجو واخواتها الطفلات من عسف الطاغوت .
وبرغم ذلك، فإن السيد الامام يراها مناسبة للشكر لا للشكوى:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ، ويبتلى الله بعض الناس بالنعم ؟ .
عاشرا ، وليس آخراً :
سكان قطاع غزة من الفلسطينيين اقل من مليونين :
75% منهم … لاجئون .
80% منهم يعانون من شبه مجاعة .
75% منهم يعتمدون في حياتهم على مساعدات الاونروا .
98% من مياه غزة غير صالحة للشرب ، بعد حفر الرئيس السيسي خندقاً تحت الارض على طول الحدود مع سيناء ، ملاه بمياه البحر الابيض المتوسط ، ليمنع التواصل بين غزة وسيناء .
صارت غزة مكاناً غير قابل للحياة ، بفضل الرئيس السيسي .
يستمر الرئيس السيسي في قفل معبر رفح بين غزة وسيناء ، مما احال غزة الى اكبر سجن مفتوح في العالم .
يشارك الرئيس السيسي اسرائيل في حصار غزة براً وبحراً وجواً .
هل تستغرب ، يا حبيب ، ان يقفل الرئيس السيسي ابواب جنة الخلد في وجه السيد الامام ؟ انك إذن من الغافلين !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *