زيارة شرف للسودان …أكثر من إشارة
أسماء الحسينى
[email protected]
قوبل الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصرى والوفد رفيع المستوى المرافق له فى زيارته للسودان إستقبالا حافلا عاطفيا مؤثرا ،وبغض النظر عن الموقف الرسمى فى السودان الذى بدت فرحته بالغة بزوال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك ،فإن المشاعر الشعبية فى السودان تجاه شرف الذى هو أحد رموز الثورة المصرية ،هو تعبير عن أشواق السودانيين وآمالهم فى علاقة جديدة مع مصر مبنية على الندية والتفاهم والحوار وحل المشكلات .
ولاشك أن أشواق السودانيين هذه تماثلها أشواق مماثلة لدى المصريين لإستعادة مكانة بلدهم ودورها تجاه أشقائها وفى منطقتها ،وعلى رأسها جميعا السودان ،حيث يرى كثير من المصريين لو أن مصر قامت بدورها الطبيعى لما تدهور الوضع فى السودان إلى هذا الحد الذى ينفصل فيه الجنوب ،وتتأزم فيه دارفور ،ويصبح السودان كله فى مأزق ،وبالتالى كانت أحد أسباب ثورة المصريين فى 25 يناير الماضى ليس فقط رغبتهم فى إصلاحات داخلية وفى الحرية والعدالة الإجتماعية ،وإنما أيضا رغبة منهم فى إستعادة الدور المصرى المفقود ،الذى ضيع على مصر والسودان والمنطقة العربية فرصا للتعاون والتعاضد والتلاحم والتقدم فى مواجهة التحديات الماثلة ،وقد عبر شرف بقوة عن مشاعر المصريين تجاه السودان ،حينما قال “جئت محملا بمشاعر وطنية ضخمة من مصر للسودان الذى شب المصريون على حبه “.
ولاشك أن إختيار شرف للسودان لكى تكون أول محطة خارجية لوزراته بعد الثورة وتأكيده ووزرائه على أنها الأولوية الأولى فى سياسة مصر الخارجية الآن ،تحمل كثيرا من المعانى ،وتعبر عن طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين البلدين التى لاينبغى أن تتأثر بذهاب حكم أو قدوم آخر ،وكانت الزيارة كذلك للشمال والجنوب معا ،وهو مايعنى إستمرار أسس السياسة المصرية التى تراعى التوازن والعلاقة العادلة بجميع الأطراف السودانية ،وقد أعلن وزير الخارجية المصرى أن مصر ستكون ثانى دولة تعترف بدولة الجنوب القادمة بعد الخرطوم ،وأعلن الوفد المصرى إستمرار دعمه للتنمية وإعادة الإعمار فى الجنوب ،وأيضا للحل والتنمية فى دارفور وشرق السودان .
كما كانت هناك مدلولات كبيرة فى لقاء شرف ووفده لقيادات المعارضة فى السودان على إختلاف إنتماءاتهم وتوجهاتهم ،ولا شك أن هذا اللقاء أعطى إشارة قوية لحجم التغيير الذى تم فى مصر بعد ثورة 25 يناير ،وأن السلطة بها أصبحت أكثر تعبيرا عن الشعب المصرى ،وأكثر إيمانا بحركة الشعوب وضرورة التواصل معها ،وهذا هو الخط الذى ينبغى مواصلة العمل من أجله ،وجعل كل تطور فى العلاقة بين البلدين ملك للشعبين ،وقبل كل ذلك معبرا عن إرادتهما الحرة ،لأن هذا وحده هو الضمانة لتطور العلاقة وتحقيق المكتسبات ،خلافا للحال إذا شعر مواطنو البلدين أن العلاقة يتم تكريسها لصالح فرد أو جهة أو حزب .
ولعل المرحلة الراهنة تتطلب حوارا شفافا ديمقراطيا صريحا على جميع المستويات ومختلف الأصعدة بين البلدين ،حول جميع القضايا العالقة ،ولاسيما قضية حلايب التى أصبحت خميرة عكننة بين البلدين ،والتى سأعود لمناقشتها فى وفت لاحق ،ولعل هذا التغيير الذى تم فى مصر يسهم فى مثل هذا الحوار وغيره من الحوارات التى يحتاجها البلدان بصورة ملحة هذه الأيام فى أكثر من قضية ،سواء على الصعيد الداخلى لكل من مصر والسودان الذى يمور بكثير من التفاعلات ،أو على مستوى قضاياهما الخارجية الذى يواجهان فيها تحديات مشتركة غير مسبوقة ،سواء على مستوى قضية مياه النيل أو التغييرات التى تتم فى السودان أو تلك التى تتم فى محيطهما الإقليمى .