رؤية حزب الأمة حول قانون الانتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم
حول قانون الانتخابات القومي لسنة 2008م
رؤية حزب الأمة القومي
11 أكتوبر 2010- برج الفاتح- الخرطوم
مقدمة
تقول الخبرة العالمية إنه وحتى تكون الانتخابات نزيهة، فيجب أن يكون القانون الذي ينظم الانتخابات مجمعا عليه من قبل جميع الأحزاب السياسية وألا يقوم على التمييز ضد أفراد أو جماعات وعلى الأحزاب أن تشترك في الطريقة التي تنشأ بها قوانين الانتخابات أو تعدل. القانون هو الذي يحدد الحقوق والواجبات على كل الأطراف المشتركة في العملية، وهو هام لتحديد العلاقة بين الجهة التي تدير الانتخابات وبقية أجهزة الدولة حيث يجب أن تكون مستقلة عنها وتعطى لها اللوجستيات اللازمة لإكمال عملها، كما أنه يفصل واجبات وحقوقاً على الناخبين والمرشحين والمراقبين وجهات حفظ الأمن والقضاء.
جاءت الانتخابات الماضية وفقا لقانون الانتخابات القومية لسنة 2008م.
كان هذا القانون نتاج مجهود مبدئي قامت به “اللجنة الأهلية لإعداد قانون الانتخابات القومية” والتي نشأت بمبادرة من معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم بقيادة بروفسور الطيب حاج عطية وضمت بحسب إفادة الدكتور مختار الأصم إضافة لبروفسور حاج عطية شخصه وكلاً من: بروفيسور عوض السيد الكرسني، وبروفيسور الطيب زين العابدين، والأستاذ محجوب محمد صالح، ومولانا خلف الله الرشيد، ومولانا الصادق الشامي، والدكتور حسن حاج علي، والدكتور الشفيع محمد المكي الذي انضم إليها في النصف الثاني من اجتماعاتها، والأستاذ على قيلوب المحامي، والبروفيسور أجانق بيور . قامت اللجنة بمجهود ضخم على قرابة السنتين لصياغة مشروع الانتخابات الأول الذي بني عليه كل ما استتبع، وقد تحركت اللجنة بدعم ضخم جدا، يقول حاج عطية: “ذهبنا للخارج وجئنا بخبراء من الخارج والداخل، وعقدنا العديد من الأنشطة المتعلقة بالأنشطة الانتخابية من ندوات وسمنارات وخلافه، وكان نتاجها مشروع قانون الانتخابات الأول الذي أخضع لعمليات مختلفة فخرج منها ما خرج” .
ولكن يبدو أنه ليس كل الأعضاء راضين عن المشروع الذي خرج إذ يبدو أن المفوضية القومية للدستور التي قامت بصياغة القانون في النهاية قد تدخلت في القانون المقدم لها من اللجنة تدخلات أساسية.
بيّن هذا التدخل عضو اللجنة مولانا صادق الشامي الذي كان من أعنف الناقدين لمشروع القانون. فالشامي في مقال له نشر بصحيفة الأيام تتبع مسيرة الانتخابات في السودان والتي كانت تتبع نظام الانتخاب الفردي المباشر، وتعرض لرأي اللجنة الأهلية حول ذلك النظام وأن له سلبيات كثيرة كإمكانية التلاعب في توزيع الدوائر الجغرافية الصغيرة، وأنه يؤدي لفوز نواب مدينين لناخبيهم بصورة مباشرة فيصبحون أسرى لمطالبهم مما يضعف الدور الرقابي والتشريعي للنواب، كما أن ذلك يؤدي لفقدان عدد كبير من الأصوات فالنائب يفوز بالأغلبية البسيطة وفي حالة تعدد المرشحين فإن أصوات من لم يفوزوا تضيع هدراً وقد تكون في مجملها اكبر أو ضعف أصوات النائب الفائز، وقررت اللجنة “تعديل ذلك النظام ليس بركله وتركه كلية بل بأن يدخل معه نظام القائمة بالتمثيل النسبي”، وبعثت للأحزاب السياسية لاستشارتها حول النظام الأنسب، قال الشامي: “لقد قامت كل الأحزاب السياسية بإعداد دراساتها الداخلية لموضوع مشروع قانون الانتخابات كما وأن أغلب الأحزاب عقدت اجتماعات مطولة وأقامت ندوات وورش عمل حول هذا الأمر الحيوي وقامت بإرسال رؤيتها لمفوضية الدستور كتابة. وباطلاعي على خلاصة لتلك الدراسات حول النظام الانتخابي أستطيع أن أقول إنه كان من رأي خمسة عشر حزباً أن يكون النظام الانتخابي هو النظام المختلط والذي يجمع بين الفردي المباشر وبين نظام القائمة بالتمثيل النسبي. وإن كانت تلك الأحزاب قد اختلفت حول نسبة كل منهما. ومن ناحية أخرى فقد كان من رأي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن تكون الانتخابات كسابقاتها عن طريق الفردي المباشر لكل الدوائر. وفي المقابل فقد كان من رأي الحزب الاتحادي الديمقراطي (أحد الأجنحة) أن تكون كل الانتخابات عن طريق القائمة بالتمثيل النسبي.”
وبعد هذه التوطئة وصف الشامي الناتج الذي خرج بقوله إن “المشروع المقترح هدف إلى إجهاض كل رؤى الأحزاب: بعد أن تسلمت مفوضية الدستور كل وجهات النظر وبعد أن قامت بإعداد دراساتها وعقد ندواتها والسفر لكل أنحاء القطر خرجت بمشروع قانون هجين لم يأخذ بالنظام الفردي المباشر ولا بنظام القائمة ولا الجمع بينهما بل ابتدع نظاماً هو مسخ مشوه لا ينتمي لأي من الطرق الانتخابية المعروفة. ولقد كان واضحاً أن من قام بإعداد هذا المشروع قد هدف إلى استبعاد نظام القائمة بالتمثيل النسبي واستخدم في ذلك طرقا ماكرة”. وذكر كيف قام معد مشروع القانون بالالتفاف على نظام القائمة والتمثيل النسبي، كما ذكر سلبيات في القانون بشأن عمليات التسجيل والفرز والرقابة بحيث قلص حالات الاعتراض، وجعل النص حول مركز الفرز مبهما ويجيز نقل الصناديق وفرزها لاحقا، كما أنه يهمش دور الرقابة الدولية على الانتخابات .
وفي الحقيقة ثار لغط كبير حول مشروع القانون، وكانت أهم نقاط الخلاف بين الأحزاب السودانية حول النظم الانتخابية الواردة في المشروع كالتالي:
(1) النسبة بين الدوائر الجغرافية والتمثيل النسبي. (ما بين 60:40 و50:50%)
(2) حدود دائرة التمثيل النسبي (الولاية أم الوطن).
(3) تمثيل المرأة (في قوائم الأحزاب أم في قائمة منفصلة) وعلى حساب نسبة التمثيل النسبي أم لا؟.
(4) حد التأهيل للأحزاب (قوة المقعد 5% أو 10% أو بينهما؟).
وكان من المفروض أن يتم حسم هذه النقاط بروح التراضي وليس الفرض كما تم في قانون الأحزاب لسنة 2007م، لأن أية انتخابات تجري بشكل يعزز الاستقطاب ستكون نتائجها كارثية وستشكل جزءا من المشكلة في السودان بدلا عن أن تكون وسيلة لإنهاء النزاعات- وقانون الانتخابات من أهم الأسباب لزيادة الاستقطاب أو العكس تفريغ شحن الاستقطاب.
السعي نحو التراضي بشأن الانتخابات وقانونها
أثناء الجدل المحتدم بشأن قانون الانتخابات وقع حزب الأمة القومي اتفاق التراضي الوطني مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في 20 مايو 2008م. وكان في الاتفاقية عدد من الملفات وكان رابع الملفات خاصاً بالانتخابات، وأهم ملامحه هي (نص الاتفاق الكامل في ملاحق الكتاب):
• أن تكون المفوضية حرة ونزيهة ومراقبة.
• إجازة فكرة النظام الانتخابي المختلط على أساس 60% جغرافية و40% تمثيل نسبي 25% منها للمرأة. وأن تكون دائرة التمثيل النسبي اتحادية (السودان كدائرة واحدة). وأن تمثل النساء ضمن قائمة الحزب الموحدة للتمثيل النسبي وعلى نظام الترتيب التبادلي (امرأة.. رجل.. امرأة.. رجل…. الخ) وتكون النسبة المؤهلة لدخول البرلمان 5%.
• يجب أن تكون مراكز التسجيل كافية وواضحة المعالم وقريبة لمكان سكن الناخبين وأن يتم الإعلان عنها قبل وقت كاف. وأن يكون مقار التسجيل ومقار الاقتراع معروفة ومتاحة للمواطنين.
• الرقابة على عملية التسجيل هامة للغاية ولا بد من النص على أحقية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في الوجود في مراكز التسجيل للرقابة علي نزاهتها وعدم تسجيل من لا يقيم في الدائرة الانتخابية.
• بالنسبة للتأمين للمرشحين للمناصب المختلفة أن تكون رسوم التأمين في حدها الأدنى.
• بالنسبة للاقتراع تم التأكيد على أن يتم الاقتراع والفرز في يوم واحد. وعلى توفير العدد المناسب من مراكز الاقتراع، وأن يكون الاقتراع والفرز في نفس المركز.
• أن ينص القانون على الأساليب والممارسات الفاسدة ويحدد العقوبات المناسبة لكل مخالفة. وأن تنشأ محكمة متخصصة من قضاة برئاسة قاضي محكمة درجة أولى للفصل في الاتهامات.
الفقرات الخاصة بنسب الجغرافي للنسبي وحدود الدائرة للنسبي (اتحادية أم ولائية) تم النص على أنه ما زال هنالك تباين حولها يسعي الطرفان لحسمها علي ضوء المناقشات مع القوي السياسية الأخرى، باعتبار أن الاتفاق بين حزبين يسعيان للحوار مع القوي السياسية الأخرى للوصول إلى قانون عليه أكبر إجماع سياسي.
كانت هذه محاولة للتراضي حول قانون الانتخابات، ولكن كثيراً من القوى السياسية لم تأخذها مأخذ الجد وشكك البعض في مراميها. على أية حال فإن المؤتمر الوطني الذي وقعها ذاته كان من أول الناقضين للتراضي، فلم تسفر المحاولة عن شيء. صحيح أن بعض ما تم الاتفاق عليه ضمن في قانون الانتخابات وانتهك فعليا، ولكن هنالك نصوصا اتفق على ضرورة تضمينها في القانون ولم تضمن.
إجازة قانون الانتخابات
أجيز مشروع القانون في النهاية مع بعض التعديلات من قبل المجلس الوطني في 7 يوليو ووقع عليه رئيس الجمهورية في 15/7/2008م، بشكل كان حوله خلاف كبير حيث سانده نواب الحزبين الكبيرين (المؤتمر الوطني والحركة) بينما نقمت عليه بقية المجموعات وبالتالي لم يجز بالشكل الإجماعي المفترض تفاديا لأن تكون الانتخابات أحد أسباب الاستقطاب في البلاد.
كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان (الشريك الثاني في الحكم) قد تحالفت- بشأن مشروع القانون والتعديلات المطلوبة فيه- مع قوى المعارضة وجزء كبير منها خارج البرلمان كلية (مثلا حزب الأمة القومي) وأغلبها تمثيله داخل البرلمان اسمي ولا يعكس حجمها وذلك بسبب القسمة الثنائية للسلطة على النحو الذي بينا في بداية هذا الفصل. ولكنها، إثر اتفاق ثنائي مع المؤتمر الوطني فضلت الحصول على بعض مطالبها في مقابل التنازل للمؤتمر الوطني والتصويت لصالح القانون داخل البرلمان، وفي النهاية أجريت بعض التعديلات التي تم الاتفاق عليها بين الشريكين مع تقليل نسبة العتبة المؤهلة للفوز في انتخابات التمثيل النسبي إلى 4%، ثم أجري الاقتراع على القانون داخل المجلس الوطني وفاز بـ 350 صوتا مقابل 14 صوتا عارضوا القانون بينما انسحب نواب التجمع الوطني الديمقراطي المعارض احتجاجا على إجازة القانون بالأغلبية الميكانيكية برغم عيوبه، وامتنع عضوان عن التصويت. وهي نتيجة تظهر السيطرة الكلية على المجلس الوطني من قبل شريكي الحكم وغياب القوى السياسية بل تغييبها، ولكنها لا تظهر حقيقة الرفض الذي قابله القانون من قبل دوائر كثيرة.
وكانت أهم التعديلات التي جرت على مشروع القانون في النسخة المجازة هي:
– تقليل العتبة المؤهلة للمجلس الوطني من 10% إلى 4% (المادة 33-4). وهي عتبة وهمية كما سنرى.
– تم تغيير دائرة الانتخاب بالقائمة من الوطن للولاية. (المادة 29-ب) بالنسبة للقائمة النسوية تنص على تكوين المجلس الوطني من 25% نساء ينتخبن على أساس التمثيل النسبي على مستوى الولاية عبر قوائم حزبية منفصلة ومغلقة، ونفس الشيء بالنسبة للقوائم الحزبية (المادة 29-ج).
– بالنسبة لانتخاب الولاة (المادة 26-3) نص القانون على انتخاب الوالي وفق الأغلبية البسيطة بفوز الحائز على أكبر عدد من الأصوات، بينما كان المشروع يجعل انتخابات الولاة مثل انتخابات رئيس الجمهورية وانتخابات رئيس جنوب السودان بنظام الأغلبية المطلقة (50% من الأصوات زائد واحد- أي نظام الجولتين).
– تعديل نظام الفوز في القوائم النسائية، حيث كان النظام المنصوص عليه في مشروع القانون هو بحسب المادة 38-2 كالتالي: (تفوز القائمة النسائية الحاصلة على أعلى عدد من أصوات الناخبين الصحيحة في الولاية، وتعتبر كافة المرشحات على تلك القائمة فائزات بعضوية المجلس التشريعي عن تلك الولاية)، ثم عدلت في القانون المجاز لتكون –كالقائمة الحزبية- حسب التمثيل النسبي (المادة 33-5).
أهم ملامح قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م
وبالتالي، نجد أن القانون قد وضع واحدا من أعقد النظم الانتخابية في العالم، إذ تبنى نظاما مختلطا جمع بين كافة النظم الانتخابية الموجودة: نظام الفوز بالأغلبية البسيطة، ونظام الفوز بالأغلبية عبر الجولتين الانتخابيتين، ونظام التمثيل النسبي . أهم ملامح القانون هي:
 النظام الانتخابي: تم اتخاذ نظام انتخابي معقد لانتخاب تنفيذيين وتشريعيين على النحو التالي:
الانتخابات التنفيذية: فيها انتخاب الرئيس وانتخاب رئيس جنوب السودان وانتخاب ولاة الولايات الخمسة وعشرين، ويكون انتخاب الرئيس ورئيس جنوب السودان بنظام الجولتين الانتخابيتين حيث يشترط الفوز بأغلبية مطلقة 50% من الأصوات زائدا واحد، تجرى الانتخابات في الجولة الأولى وإذا لم يفز أي مرشح بالأغلبية المطلوبة تجرى الجولة الثانية بين المرشحين الحائزين على أعلى الأصوات. بينما ينتخب الولاة بالأغلبية البسيطة بفوز الحائز على أكبر عدد من الأصوات.
الانتخابات التشريعية: عضوية المجالس التشريعية تنتخب بثلاثة طرق: 60% دوائر جغرافية بالأغلبية البسيطة- 25% قوائم نسائية حزبية، و15% القائمة الحزبية ويختار الفائزون في القوائم بنوعيها عبر التمثيل النسبي باختيار الأعضاء الفائزين من أول كل قائمة حسب نسبة الأصوات التي تحوز عليها كل قائمة، والمجالس هي:
• المجلس الوطني (450 عضوا وعضوة). مقسمين كالتالي: 270 مقعداً للدوائر الجغرافية وحظوظ الولايات منها بحسب الإحصاء السكاني كما يبين الجدول رقم (1) في آخر الكتاب، و112 مقعداً لقوائم المرأة، و68 مقعدا للقوائم الحزبية تقسم بين الولايات على النحو الوارد في ذات الجدول.
• المجالس التشريعية الولائية (48 لكل ولاية ما عدا ولاية الخرطوم وعدد أعضاء مجلسها 84 وولاية جنوب كردفان وعدد أعضاء مجلسها 54 ). توزيعها كالتالي: 29 مقعداً للدوائر الجغرافية، 12 للنساء، و7 للقائمة الحزبية بالنسبة للمجالس التشريعية الولائية، وبالنسبة لمجلس تشريعي ولاية الخرطوم: 50 للدوائر الجغرافية، 21 للقائمة النسبية و13 للقائمة الحزبية، وبالنسبة لمجلس تشريعي ولاية جنوب كردفان: 32 للدوائر الجغرافية، و14 للقائمة النسوية، و8 للقائمة الحزبية.
• المجلس التشريعي لجنوب السودان (170عضوا وعضوة). : 102 دوائر جغرافية، 43 قوائم نسائية، و25 قوائم حزبية، موزعين على الولايات الجنوبية العشر حسب الكثافة السكانية.
• مجلس الولايات، وتنتخب أعضاءه المجالس التشريعية الولائية حيث تنتخب كل ولاية عضوين.
وبذلك يصوت الناخب في الشمال في 8 انتخابات هي: (1) الرئيس- (2) الوالي- (3) الدائرة الجغرافية، و(4) القائمة النسائية، و(5) القائمة الحزبية للمجلس الوطني- و(6) الدائرة الجغرافية، و(7) القائمة النسائية و(8) القائمة الحزبية للمجلس الولائي. يضاف إليهم بالنسبة للناخب الجنوبي 4 أصوات: رئيس الجنوب- الدائرة الجغرافية والقائمتان النسائية والحزبية لمجلس الجنوب.
 المفوضية القومية للانتخابات هي الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات، وعليها إعداد السجل الانتخابي ومراجعته سنويا، وتحديد الجدول الزمني للانتخابات ومن صلاحياتها تأجيلها لأي ظرف قاهر وإلغاء النتيجة بناء على قرار من المحكمة العليا القومية إذا ثبت وقوع أي فساد لصحة الإجراءات في أي موقع أو دائرة على أن تراجع الخلل وتعيد تنظيم الانتخابات في تلك المواقع أو الدوائر في مدة أقصاها ستون يوما. (المادة 10)
 تنشيء المفوضية اللجان العليا للانتخابات على المستوى القومي والولائي وجنوب السودان وتتمتع اللجان بالاستقلال التام عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية للحكومة في مستوياتها المختلفة. (المادة 18)
أهم الملاحظات على قانون الانتخابات:
إجازة القانون بالأغلبية الميكانيكية
– أن القانون لم يتم بالاتفاق مع القوى السياسية بل بالأغلبية الميكانيكية داخل البرلمان، وهناك أحزاب انسحبت من جلسة الإجازة احتجاجا ككتلة التجمع الوطني الديمقراطي، وهناك أحزاب غير ممثلة في البرلمان كحزب الأمة القومي كانوا معترضين على بعض النصوص في القانون. ويجب إشراك الأحزاب السياسية بشكل حقيقي والأخذ برأيهم في أي تعديل مزمع للقانون.
خرق الدستور
جاء القانون بخرق للدستور في بعض نصوصه. كالتالي:
ويمكن تتبع لا دستورية الانتخابات وبالأخص قانون الانتخابات لسنة 2008 في النقاط التالية:
حرمان الناخب من حق مقاضاة المفوضية:
المادة 14 من القانون (حصانة رئيس المفوضية ونائبه والأعضاء) تنص على التالي: “فيما عدا حالات التلبس، لا يجوز اتخاذ أي إجراءات جنائية في مواجهة رئيس المفوضية أو نائبه أو الأعضاء عن أي فعل يتعلق بأداء واجباتهم الموكلة إليهم بموجب أحكام هذا القانون، إلا بعد الحصول على إذن مكتوب من رئيس الجمهورية”. والفقرة (2) من المادة 8 من قانون الانتخابات لسنة 2008 تجعل إعفاء أعضاء المفوضية بقرار من رئيس الجمهورية لأسباب الغياب أو الإدانة في جريمة تتعلق بالأمانة والفساد الأخلاقي بناء على إخطار من رئيس المفوضية أو نائبه، على أن يتم تقدير ذلك عن طريق لجنة يشكلها رئيس المحكمة بناء على طلب من رئيس المفوضية أو نائبه بموافقة ثلثي أعضائها. هذه مخالفة صريحة للدستور والاتفاقية واللذين أوجبا حق أي شخص في التقاضي والمحاكمة العادلة لأي مؤسسة قومية مستقلة تؤدى عملا يتضرر منه ذلك الشخص. لأن هاتين المادتين تنتهكان الحق في التقاضي وتثبتان لتبعية المفوضية للسلطة التنفيذية، وحصانة لأعضاء المفوضية إزاء القضاء الطبيعي، وكلها انتهاك للدستور.
كان ذلك بابا لمفاسد كبيرة فقد شاعت شائعات متكررة عن الفساد في المفوضية للدرجة التي حدت بعشرة من مرشحي رئاسة الجمهورية الاثنى عشر بالتقدم بطلب لتكوين لجنة للتحقيق في الفساد المالي والإداري في المفوضية في مارس 2010م. يقول في ذلك الأستاذ الطيب: “هذا النص يجعل المفوضية هي الخصم والحكم وهى الجهة التي تقرر عدم الكفاءة دون غيرها ومن ثم هي الجهة التي تطالب بتكوين اللجنة القضائية لمحاسبتها، هذا المفهوم لا يحقق عدلا ويحرم حق التقاضي في مسألة الكفاءة وبالتالي يعتبر هذا النص تقييدا غير معقول وفيه انتهاك دستوري لحق التقاضي والمحاكمة العادلة”. “وليس من باب العدالة أن تجعل لشخص عند تأدية واجبه وأعماله الحق في تقدير أعماله إن كان كفؤاً أم لا، خاصة عندما يقع في خطأ فادح يستوجب المساءلة”. “وبالرجوع لكافة اللجان والمفوضيات المتعلقة بالانتخابات في كافة دول العالم أو لجان انتخابات (نجدها) تخضع للعدالة المطلقة والقضاء العادي دون تقييد”.
التعداد السكاني والانتخابات:
نص البند 1-8 من اتفاقية السلام الشامل على أن “يجرى تعداد سكاني عبر أرجاء السودان، على أن تنتهي عملية الإحصاء السكاني قبل السنة الثانية من الفترة الانتقالية، على أن يتم تمثيل الجنوب والشمال على المستوى القومي على أساس نسبة السكان. وتعتبر النسب المئوية المتفق عليها للفترة الانتقالية مؤقتة ويتم تأكيدها أو تعديلها على أساس نتائج عملية التعداد السكاني”. ولكن عملية التعداد السكاني تأخرت جدا بحيث جرى التعداد في العام 2007م ولم تعلن نتائجه حتى 2008م، وعملية الإحصاء كانت محل خلاف بين الطرفين، وتكوين مجلس الإحصاء تم بشكل إقصائي حزبي هيمن عليه المؤتمر الوطني، ولذلك رفضت الحركة الشعبية القبول بنتائج التعداد وبالتالي بقسمة الدوائر للجنوب في المجلس الوطني وكذلك في ولاية جنوب كردفان، وفي النهاية خرج علينا الطرفان بالاتفاقية المريبة بإضافة 40 مقعدا تعينهم الحركة الشعبية في البرلمان المنتخب كحصة زائدة للجنوب تسوية للخلاف حول التعداد واعترافا بأن حجم الجنوب أكبر مما ورد في التعداد بدليل السجل الانتخابي! ثم تأجيل الانتخابات للوالي وللمجلس التشريعي في ولاية جنوب كردفان وذلك عشية الانتخابات. وغني عن القول إن إجراء الإحصاء بالطريقة الإقصائية المذكورة فيه خيانة لروح الاتفاقية والدستور ، أما اتفاق الطرفين على المقاعد الإضافية بالتعيين، فهو تجاوز للمفوضية التي هي الجهة المنوط بها إدارة كامل العملية الانتخابية بما فيها تحديد الدوائر، وفي هذا خرق صريح للدستور ولكل الأسس الديمقراطية إنها مجرد عبث أظهر الانتخابات كلها في ثوب سخيف من التعيين المستتر! ولكن المفوضية صمتت عن الكلام غير المباح حول التجاوز الآتي من السلطة التنفيذية ربيبة نعمتها، والقادرة على إعفاء أي من أعضاء المفوضية لو أرادت.
لقد بين أ. الطيب أن المادة 84 من الدستور تنص على تكوين المجلس الوطني من أعضاء منتخبين في انتخابات حرة ونزيهة. ويحدد قانون الانتخابات القومية تكوين المجلس الوطني وأعضائه. والمادة 35 من قانون الانتخابات حددت عضوية المجلس (450 عضواً). وقال إن التشكيك في نتيجة الإحصاء والتعداد السكاني بين الطرفين وعدم الاعتراف به ينسحب على التشكيك في نتائج الانتخابات مما يؤكد عدم نزاهتها ومصداقيتها. وإن المعالجات التي اتفق عليها الطرفان بإضافة 40 مقعداً للحركة الشعبية بالبرلمان القومي تؤكد عدم نزاهة التعداد السكاني وعدم نزاهة الانتخابات. كما أن “إضافة أربعين مقعداً للحركة الشعبية فيه خروج ولا مكان له في الواقع الدستوري ولا القانوني ولا الاتفاقية” .
تكوين المفوضية القومية للانتخابات
تنص المادة 141(1) من الدستور الانتقالي على أن المفوضية القومية للانتخابات (تنشأ خلال شهر واحد من إجازة قانون الانتخابات) ولكن قانون الانتخابات صدر في عام 2008 ولم يلتزم طرفا الاتفاقية بتكوين المفوضية حسب القانون خلال شهر واحد من إجازة القانون بل تعدى الثلاثة أشهر من الموعد المضروب وهذا يعد مخالفة دستورية صريحة تؤكد خرقا للدستور، مما أثار جدلا قانونيا من الناحية الدستورية ومازال محل إثارة دستورية تناولته كثير من المنابر السياسية والقانونية. وقد ذكر المحامي المعروف الأستاذ صادق محمد أحمد شامي ذلك بجلاء مخاطبا المفوضية: “إن تشكيل هذه المفوضية قد جاء منتهكاً ومتعارضاً ومتصادماً مع نص صريح في الدستور، كما وأنه يخالف ويتناقض مع القانون:
أ/ فلقد نصت المادة 141 (1) من الدستور على الآتي: ” تنشأ خلال شهر واحد من إجازة قانون الانتخابات القومية مفوضية قومية للدستور تتكون من تسعة أشخاص مشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد”. ولقد جاء القانون متمشياً مع الدستور حيث نصت المادة 4(1) من قانون الانتخابات لسنة 2008م حيث جاء فيها: ” تنشأ خلال شهر واحد من تاريخ إجازة هذا القانون مفوضية تسمى المفوضية القومية للانتخابات تكون لها شخصية اعتبارية وخاتم عام”. وقد أجيز القانون ووقع عليه رئيس الجمهورية بتاريخ 15/7/2008م، ولكن لم تتم التسمية لأعضاء المفوضية إلا في شهر نوفمبر، أي بعد ثلاثة شهور من الوقت الذي حدده القانون للتعيين. وكما يعلم طلاب القانون فإن المشرع لا يعبث، فإذا وضع المشرع أي شرط أو قيد زمني أو موضوعي أو إجرائي، فأن ذلك الشرط والقيد تحكمه إرادة المشرع ويجب أن ينفذ، ولا يمكن الزعم بأن ذلك الشرط أو القيد قد وضع عبثاً أو لا معنى له أو يمكن إلغاؤه أو تجاوزه، خاصة عندما يكون ذلك القيد في الدستور. إن مخالفة القيد الزمني المضروب تعني مخالفة لنص دستوري صريح مما يؤدي إلى البطلان المطلق؛ والمفوضية التي تنشأ وتتكون بما يعارض نصاً دستورياً، وبما يخالف القانون، تعتبر باطلة وكأن لم تكن ولا يمكن أن تسند لها أي مهام.
ب/ ومن الغريب في هذا الأمر أن الأستاذ / فاروق أبو عيسى، وكعضو في المجلس الوطني، كان قد تقدم بنقطة نظام عند بداية عرض أمر تكوين المفوضية، ولفت نظر رئيس المجلس إلى نص كل من المادتين 141(1) من الدستور والمادة 4(1) من قانون الانتخابات لسنة 2008م، ولكن المجلس تجاوز ذلك الاعتراض ولم يلتفت إلى نقطة النظام الأساسية والجوهرية التي تقدم بها الأستاذ فاروق، ومضى قدماً في تكوين المفوضية ضارباً عرض الحائط بكل من الدستور والقانون”. هذا القيد الزمني الذي وضعه الدستور لا يجوز اقتحامه أو تخطيه ولا النيل منه بالزيادة أو النقصان. ولا شك أن أي مخالفة له تعتبر انتهاكاً وإهداراً لنص دستوري صريح. ولا توجد أي صلة بين الحاجة وملاءمة التشريع، وبين دستورية التشريع. وإذا فتح الباب للنظر في مدى الملاءمة أو الحاجة إلى النصوص الدستورية فهذا يؤدي بالضرورة إلى جعل الدستور أشلاء ممزقة ولا يساوي الحبر الذي كتب به”.
لذلك يجب ألا ينص على مثل هذه التوقيتات الدقيقة إذا كان بالإمكان تجاوزها بكل سهولة، وينبغي تعديل القانون والدستور للتخلص من هذه النصوص التي لا يضمر احترامها.
كذلك بالنسبة لتكوين المفوضية، ينبغي النص بصراحة على ضوابط اختيار المفوضين وكافة العاملين في المفوضية من أعضاء للجان العليا بالولايات لكبار الضباط لضباط الانتخابات وغيرهم، فكما سنظهر لاحقا لحق بتكوين هذه الأجسام الكثير من الشكوك بل ثبت تورط البعض في رفد بعض الحزب الحاكم.
انتهاك حقوق السودانيين المقيمين بالخارج
حرم القانون السودانيين المقيمين بالمهجر من حقهم الدستوري فاقتصر اقتراعهم بحسب القانون على انتخابات رئاسة الجمهورية. فنص قانون الانتخابات في المادة 22 (شروط التسجيل والمشاركة في الانتخابات والاستفتاء) في البند (3) منها هو ” يكون للسوداني المقيم خارج السودان ويحمل جواز سفر سوداني وإقامة سارية في الدولة التي يقيم فيها ومستوفيًا الشروط، المنصوص عليها في الفقرات (أ)، (ب) و(د) من المادة ٢١ الحق في أن يطلب تسجيله أو ضمه للسجل للمشاركة في انتخابات رئيس الجمهورية أو الاستفتاء وفقًا للضوابط التي تحددها القواعد”.
لقد نشطت جماعات من المهجريين في محاولة نقض هذا النص المجحف بحقهم، وكان لدائرة المهجر بحزب الأمة القومي دور كبير في الإشارة لهذا الانتهاك الصارخ، وفي 3/11/2009م عقدت الدائرة مؤتمرا صحفيا وأصدرت بيانا (أنظر البيان بملاحق الكتاب) أوضحت فيه مدى ذلك الانتهاك، فالمادة (7) من الدستور الانتقالي لسنة 2005 تنص أن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات المتساوية لكل السودانيين، كما أن لكل مولود من أم أو أب سوداني حق لا ينتقص في التمتع بالجنسية والمواطنة السودانية. كما قررت الفقرة (4) من نفس المادة حق السوداني في اكتساب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون، مما يعني أن المقيمين بالخارج بمن فيهم حاملو الجنسية المزدوجة مواطنون سودانيون متساوون في الحقوق والواجبات مع رصفائهم بالداخل. وأشار البيان لوثيقة الحقوق المضمنة في الدستور “على أن تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في الوثيقة ولا تصادمها أو تنتقص منها بأي حال من الأحوال.” ثم أورد نص المادة (41) من الدستور التي تنص على أنه: (1) لكل مواطن الحق في المشاركة في الشئون العامة من خلال التصويت حسبما يحدده القانون. و41 (2) لكل مواطن بلغ السن التي يحددها هذا الدستور أو القانون الحق في أن ينتخب ويُنتخب في انتخابات دورية تكفل التعبير الحر عن إرادة الناخبين وتجُرى وفق اقتراع سري عام. كما ينص الدستور في المادة (48) منه على عدم جواز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في وثيقة الحقوق، و”بناء عليه فإن نص المادة 22 من قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م المقيد لحقوق المقيمين في الخارج نص غير دستوري وعلى جميع المقيمين في الخارج التمسك بهذا الحق الوطني والدستوري حتى يتم تعديل القانون”.
ولكن، غني عن القول إن انتهاك حق المقيمين بالخارج لم يراجع، بل اتخذت سياسات لاحقة لحرمانهم حتى من الحق المعطى لهم في القانون المعيب كما سنرى.
مجافاة النظام الانتخابي للدستور
النظام الانتخابي الذي نص عليه قانون الانتخابات فيه انتهاك لأسس دستورية أهمها حقوق المواطنين في الترشح للانتخابات، فقد تم قصر الترشيح في قوائم التمثيل النسبي للنساء أو العامة على الأحزاب حتى سميت القائمة العامة بالقائمة الحزبية، انتقد كثير من القانونيين هذا التقييد وقال صادق الشامي إن النظام الانتخابي مخالف ومتعارض مع الدستور الانتقالي لسنة 2005م ؛ و”إن وجه انتهاك الدستور وإهدار أحد نصوصه يتبين من أن احتكار الحق في الترشيح سواء للمرأة، أو نسبة 15% التمثيل النسبي وقصرها على الحزبيين تعني بالضرورة حرمان المستقلين وغير الحزبيين من حقهم في الترشيح، وهذا يعتبر مخالفة لنص المادة/ 31 من الدستور (المساواة أمام القانون) والمادة 41/2 من ذات الدستور التي تجعل الحق في الانتخاب والترشيح حقاً مكفولاً لكل المواطنين” .
وعلى العموم فإن هذا الرأي له رأي مقابل يقول بأن أساس النظام النسبي هو التصويت للحزب وليس للأفراد ليتيح تمثيل الأحزاب الصغيرة بتجميع أصوات أنصارها في الدوائر كافة، فالتمثيل النسبي (الحزبي بالضرورة) لدى أصحاب هذا الرأي يعكس الخارطة السياسية الحقيقية في البلاد ويضمن لكل الأحزاب التي تتمتع بعضوية معقولة من المشاركة في القرار الوطني، خاصة إذا أخذ مع النظام الفردي الذي يتيح للمستقلين خوض الانتخابات وإيجاد موطئ قدم.

إضاعة التمثيل النسبي
– القانون فصل القوائم النسبية بشكل أضاع فكرة التمثيل النسبي وجعلها أقرب للدوائر الجغرافية. بحيث لم يصبح هناك داع للعتبة البرلمانية في القانون (النسبة المؤهلة لدخول لبرلمان) فبدلا عن أن تكون القائمة مختلطة للمرأة والرجل فتتنافس على 40% من المقاعد تم تقسيمها لــ 25% و15% مما يقلل عدد المقاعد المتنافس عليها، وبدلا عن أن تكون الدائرة لكل الوطن حتى يكون هناك مقاعد عديدة تقسم بالتمثيل النسبي (112 مقعدا في القائمة النسائية و68 مقعدا في القائمة النسبية الحزبية) فإن القانون قسم هذه المقاعد على قائمتين داخل كل ولاية بحيث يكون نصيب كل ولاية مقعد أو مقعدين أو بضع مقاعد في غالب الأحيان، وتكون قوة المقعد بالتالي عالية جدا وأكبر من أية عتبة (قوة المقعد تساوي 100% في حالة المقعد الواحد، و50% للمقعدين، و33% لثلاثة مقاعد، و25% للأربعة، وهكذا)، بينما العتبة هي 4% ولن يضطر لاجتيازها أحد لأن قوة المقعد تفوقها بكثير! وفي أفضل الحالات الخاصة بأكثر عدد لمقاعد القائمة بالنسبة للمجلس الوطني وهو بالنسبة للقائمة النسائية في ولاية الخرطوم (15 مقعدا) فإن قوة المقعد هي 6,7% أي تفوق العتبة البرلمانية، كذلك بالنسبة لأكثر عدد مقاعد للقائمة في المجالس التشريعية وهي مجلس تشريعي ولاية الخرطوم (عدد النساء 21 مقعدا) وقوة المقعد الواحد هنا هي 4,8% وهي أيضاً أكبر من العتبة!. فالعتبة المنصوص عليها لا داعي لها أصلا ولهذا لم يستغرب المرونة التي سمح بها في الاستجابة لمطالبات القوى السياسية بتقليل العتبة لأنها في النهاية مكسب اسمي! كان سيكون هناك داع للنص على عتبة إذا كانت القائمة مدمجة لكامل الـ40% ولكامل الوطن، ففي تلك الحالة (أي للتنافس على 180 مقعدا في كامل الوطن) تكون قوة المقعد هي 0.56% من أصوات الناخبين، ولو طبقنا نظام العتبة بـ4% كحد أدنى فإننا سنجد أن ذلك يسمح –نظريا- لأحزاب صغيرة كثيرة بالمنافسة.
تفاصيل غير مطلوبة
– القانون كان مفصلا بشكل دقيق للتواريخ ومقدار (الأَمَنِّيــّات) في متطلبات الترشيح حيث ذكر (الأمنية) المطلوبة للترشيح لكل منصب بالجنيه السوداني، وهي أمور عادة ما تترك للوائح، التفصيل الشديد أدخل المفوضية في كثير من الحرج كلما اضطرت بسبب المرونة أن تغير من الجدول الزمني.
الالتزام الناقص بتمويل الأحزاب من الدولة (التمويل العام)
لقد بات من المعروف عالميا ضرورة أن يتاح التمويل العام للأحزاب بما يقابل احتياجاتها الهامة ويسد الكثير من منافذ الفساد السياسي. جعل القانون التمويل العام من من مصادر تمويل الأحزاب وذلك في المادة (67-2-ج) والتي تجعل من تلك المصادر: “المساهمات المالية التي قد تقدمها الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان وحكومات الولايات لكافة الأحزاب السياسية أو المرشحين بقدر متساو”. هذه الصياغة ليست ملزمة وبالفعل في حين التزمت حكومة الجنوب فإن الحكومة الاتحادية في الشمال لم تنفذ هذا النص ولم تلتزم به.

متطلبات الترشيح:
– من ضمن النقد المستحق لقانون الانتخابات كانت متطلبات الترشيح والتزكيات. يقول الأستاذ محمد حسن داؤد: تأتي شروط التزكية والتأمين المالي الكبير الواردة في مشروع القانون بمثابة شروط تعجيزية تهدف إلى إقصاء الراغبين في الترشح . ذلك أن المادة 42 من القانون نصت على ضرورة تأييد المرشح للرئاسة من قبل 15,000 ناخب مسجل ومؤهل، من ثمانية عشرة ولاية على الأقل من ولايات السودان الخمسة والعشرين، على ألا يقل التأييد في كل ولاية عن مائتي ناخب. ونصت المادة 43-3 على ضرورة إيداع مبلغ مالي قدره عشرة آلاف جنيه سوداني (10 مليون بالقديم). وهي شروط مرهقة بالنسبة للكثيرين. ولعل أكبر الصعوبات قابلها بعض المرشحين الذين لم يستطيعوا الإيفاء بتلك المطلوبات..
– التفاوت غير المبرر بين الترشيح للمستويات المختلفة. ربما هذا التفاوت في مسائل الأمنيات ومتطلبات الترشيح مفهومة، ولكنها غير مفهومة فيما يتعلق بفترة سحب الترشيحات، ذلك أن هذه الفترة هامة لعدد من الأمور أهمها مسألة التحالفات بين الأحزاب، وهذه تجعل التداول حول المرشحين لمناصب الرئاسة والولاية ونيابة المجلس الوطني والمجالس التشريعية مسائل متداخلة. ولكن المادة 49-(1) تجيز للمرشح للرئاسة أو الوالي سحب ترشيحه “خلال مدة لا تقل عن 45 يوما سابقة ليوم الاقتراع”، بينما المادة 61-1 تجعل الفترة القصوى لسحب الترشيحات في الدوائر الجغرافية 30 يوما قبل الاقتراع.
صلاحيات المراقبين
– القانون نص في المادة 18-3 على أنه “يحق للمرشحين، والوكلاء، والمراقبين وممثلي وسائل الإعلام المعتمدين دخول مركز الاقتراع والتواجد بداخله في أي وقت أثناء عملية الاقتراع “، ولكن الحق في المراقبة كان ينبغي أن يمتد لكافة مراحل الانتخاب وليس الاقتراع وحده. وذلك لأهمية توفير الحق في الرقابة والإشراف الوطني والدولي على كافة مراحل العملية الانتخابية من إحصاء وتسجيل الناخبين مروراً بعمليات الاقتراع وفرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية . لقد أعلنت المفوضية أنها تجاوزت القانون فسمحت للرقابة أثناء التسجيل، ولكن من أهم الخطوات والتي لم يسمح فيها بأية رقابة كانت عملية التعداد التي بنيت عليها حصص الانتخابات التشريعية بشكل رئيسي.
عدم الفعالية
– القانون حبر على ورق وليس فيه أي عقوبات ملموسة ومنصوص عليها على التجاوزات:
برغم كل هذه الملاحظات على القانون والذي خرق الدستور في بعض نصوصه كما رأينا، إلا أنه لم يتم الالتزام بالقانون في أحيان كثيرة، حتى أن مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية التي خاضت الانتخابات في بعض مراحلها سيرت مسيرة كبيرة وقدمت مذكرة للمفوضية في 4 مارس 2010م، احتوت على ملاحظات على ضعف التزام المفوضية بالقانون في مرات عددتها المذكرة مثال تقليص فترة سحب الترشيحات وتسجيل القوات النظامية في أماكن العمل، وانعدام الشفافية واتخاذ إجراءات كثيرة بدون الرجوع للأحزاب بالرغم من تسمية مناديب للأحزاب للاتصال والمشاورة، والحيدة، والاستقلال عن حزب المؤتمر الوطني خاصة في اللجنة العليا للانتخابات، وقلة الكفاءة فيما يتعلق بعدم تدريب مناديب الأحزاب وكثرة تعديل الجدول الانتخابي. ويحسن بنا الإشارة هنا لأهم وقائع عدم الالتزام بالقانون:
o تكوين المفوضية تأخر لنحو أربعة أشهر بعد إجازة القانون نقضا للدستور وللقانون اللذين ينصا على ألا يتجاوز التكوين شهرا كما بينا آنفا.
o بحسب المادة 216 من الدستور الانتقالي لحكومة السودان يفترض أن تجري الانتخابات في أو قبل 9 يوليو 2009م ولا يمكن تأجيلها من قبل المفوضية إلا بما لا يتعدى ستين يوماً وفق المادة 55 من الدستور والمادة 27 من قانون الانتخابات وذلك في انتخاب رئيس الجمهورية والولاة وحاكم الجنوب، وذلك في أحد حالتين: حدوث انهيار عام في البلاد أو جزء منها أو إعلان حالة الطوارئ. ولكن المفوضية تجاوزت مدة التأجيل المقررة وأجلت الانتخابات حتى في المستويات التشريعية تجاوزا للدستور والقانون (المادة 27 من قانون الانتخابات).
o أثناء التسجيل أصدر الأمين العام للمفوضية منشورا سمح للقوات النظامية بالتسجيل في أماكن العمل متجاوزا صلاحياته القانونية، وخارقا القانون الذي ينص على التسجيل وفقا لأماكن السكن. (المادة 22-2 تتحدث عن شروط التسجيل ومنها الإقامة في الدائرة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر).
o المادة 61 تحدد مدة سحب الترشيحات بأنها قبل ثلاثين يوما من تاريخ الاقتراع للدوائر الجغرافية أي يوم 12/3/2010 (الاقتراع في 11/4/2010م)، كذلك يفترض حسب القانون أن يكون آخر موعد لسحب الترشيحات لمرشحي الرئاسة والولاة هو يوم 25/2/2010م (45 يوما قبل الاقتراع). ولكن المفوضية أعلنت يوم 12/2 كآخر موعد لسحب الترشيحات أي قلصت فترة سحب الترشيحات شهرا كاملا، تم ذلك بدون التشاور مع الأحزاب حتى. ولا يخفى أن في ذلك إجراء اعتبره كثيرون كيديا لقطع الطريق أمام التحالفات والتفاوض الجاري بشأنها بين القوى السياسية.
o نص القانون على أن تقوم المفوضية بتحديد سقف الصرف على مناشط الحملة الانتخابية استنادا لاعتبارات حجم المنطقة الجغرافية وعوائق الحركة فيها، وسهولة المواصلات، وعدد السكان وتوزيعهم (المادة 67-3) ولكن المفوضية تأخرت جدا في ذلك حتى حثتها الأحزاب السياسية على تحديد السقف، فأصدرت مؤخرا جدا وفي آخر مارس 2010 وبعد أن كادت الحملة الانتخابية أن تنتهي سقوفا عالية للغاية وليس بينها أي تفاوت كما سنرى تفصيلا لاحقا بإذن الله. كما أنها لم تجعل عقوبة لمتجاوزي ذلك السقف.
o نصوص كثيرة في القانون ظلت حبرا على ورق:
 المادة 69 تتحدث عن منع استخدام موارد الدولة في الحملات وهو ما قام به الحزب الحاكم بدون رادع.
 والمادة 65-3 تحرم التحريض واستخدام ألفاظ الكراهية وقد فتحت المنابر التكفيرية والتحريضية بدون قيد.
 والمادة 87 تتحدث عن الرشاوى التي لم تتخذ وسائل لكبحها،
 والمادة 67-2-ج تتحدث عن تمويل الدولة للأحزاب وهو ما لم يحدث في الشمال،
 والمادة 66 تتحدث عن عدالة قسمة الإعلام بين الأحزاب بينما استأثر به المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب.
 تنص المادة 74-1 على أن يتم الاقتراع في يوم واحد “إلا إذا رأت المفوضية مد الفترة لأسباب موضوعية” والمادة 73-2 تنص على أن تبدأ عمليات الاقتراع وتستمر دون انقطاع حتى انتهاء الوقت. قامت المفوضية بمد فترة الاقتراع إلى ثلاثة أيام وأعلنت أنها ستكون متصلة ليلا ونهارا كأنها يوم واحد، وبررت زيادة أيام الاقتراع بعجزها عن زيادة نقاط ومراكز الاقتراع لعدم توفر الكادر الشرطي الكافي، ويعد هذا الإعلان متسقا مع القانون، ولكنها حينما أعلنت عن مواعيد الاقتراع جعلت الاقتراع من الثامنة صباحا وحتى السادسة مساء في كل يوم، وذلك خرقا للقانون الذي وضع تحسبا لإمكانيات التزوير، ثم قامت بإضافة يومين إضافيين لتصير أيام الاقتراع خمسة بدون ذكر أي أسباب موضوعية، وكل ذلك خرق للقانون.
 والمادة 71 تنص على وصول الإمدادات ببطاقات الاقتراع للولايات قبل يومين على الأقل من يوم الاقتراع، بينما تأخر وصولها في بعض الولايات لما بعد اليوم الأول.
اعتبارات قانونية أخرى
الإطار القانوني الذي يحكم الانتخابات لا يقتصر على قانون الانتخابات وحده، ذلك أن نزاهة وحرية الانتخابات رهينة بتوفر الحريات العامة والأساسية في كافة أوجه النشاط السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في البلاد. ولكن وللأسف فإنها كانت مكبلة بترسانة من القيود التشريعية التي أحكمت صياغتها “الإنقاذ” منذ تولت السلطة، ثم وعشية اتفاقية السلام وتحديدا في العام 2004م استعدت بمزيد من القيود كان أبرزها قانون الصحافة والمطبوعات الصحافية لسنة 2004م. ومع أن اتفاقية السلام نصت على إجراء إصلاح قانوني شامل لمراجعة القوانين المقيدة للحريات استعدادا للتحول الديمقراطي الذي تتوجه الانتخابات، فإنه وعلى العكس من ذلك استغل المؤتمر الوطني ثقله النيابي في المجلس الوطني لزيادة القيود، ففي العام 2006م تمت إجازة قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني بشكل تقييدي كبير، وكلما اقتربت مواعيد الانتخابات كانت المراجعات القانونية والتشريعات الصادرة أكثر تقييدا من ذي قبل الشيء الذي يؤكد الاتجاه لتزييف إرادة الناخبين وطبخ الانتخابات. ففي سنة 2009م تمت مراجعة قانون الصحافة بما أكد على كل القيود في القانون السابق وبإضافة قيد جديد على حق الصحافيين في الاطلاع على المعلومات، وفي نفس العام تمت مراجعة القانون الجنائي لإدخال مواد متعلقة بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب (وهي حاجة متعلقة بالمواجهة مع المجتمع الدولي بشأن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية حول دارفور) وتم رفض أية دعوة لمراجعة شاملة للقانون الزاخر بالقيود كما سنرى، بل إن النظام دخل في مواجهة مكشوفة مع قيادات الحركة الشعبية تحديدا السيد ياسر عرمان لانتقاده تطبيق الأحكام الإسلامية على غير المسلمين في الشمال، وانطلقت فتاوى التكفير والتخوين والتفسيق، وظل القانون يحمل ذات السمات الشمولية. كذلك حدث ذات الشيء مع مناقشة قانون قوات الأمن الوطني لسنة 2009م استبدالاً لقانون 1999م، حيث تدخلت قوات الأمن لمنع النقاش الحر والمفتوح حول القانون، وفي النهاية أجيز قانون أضل سبيلا من ذي قبل، برغم أنف الدستور!
هذه الحالة السيئة للحريات وإطارها القانوني اعترفت بها المفوضية القومية للانتخابات وهي تعيّر الأحزاب بخوضها للانتخابات برغم ما تعلمه من قيود، قالت المفوضية في خطابها ردا على مذكرة الأحزاب المقدمة في 4 مارس 2010م ومبررة لاتخاذها منشورا للحملة الانتخابية تقييديا بشكل يجعل الحملة الانتخابية معه مستحيلا: قالت المفوضية “وبالرغم من أن المفوضية تستلهم مبادئ الحريات الواردة في اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات إلا أننا في نفس الوقت لا نملك أن نتجاهل القوانين السارية وبالأخص قانون الإجراءات الجنائية، وماثل أمام أعيننا ما حدث من مواجهة بين قوات الأمن وقوى المعارضة التي منعت مسيرتها (وذلك بالإشارة لبطش السلطة لمسيرة المعارضة في سبتمبر 2009م)”..”البلاد مقبلة على الانتخابات التعددية بعد أكثر من عشرين عاما من حكم الحزب الواحد بمؤسساته الدستورية التنفيذية التشريعية والقضائية. وإن الانتخابات منصوص عليها في اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي. المفوضية القومية للانتخابات تدرك أن القوى السياسية كانت وما تزال تسعى لتجميد أو إلغاء القوانين التي ترى أنها مقيدة للحريات لكي تتاح ممارستها في مجتمع ديمقراطي، ورغم أن شيئا من ذلك لم يتم، أقبلت القوى السياسية على المشاركة في الانتخابات وهي تعلم أن الانتخابات لن تقوم بمعزل عن المؤسسات الدستورية القائمة”.
وكانت القوى السياسية التي اجتمعت باستثناء المؤتمر الوطني والأحزاب الموالية له في جوبا في الفترة 26-30 سبتمبر 2009م قد طالبت بإجراء إصلاح قانوني استعدادا للانتخابات شرطا لخوضها، وفي إعلان جوبا للحوار والإجماع الوطني الذي خرج عن ذلك المؤتمر التاريخي جاء في بند التحول الديمقراطي: “يكون تعديل القوانين عبر تدابير سريعة وفي موعد أقصاه 30 نوفمبر 2009م. واعتبار ذلك شرطا لمشاركة القوى المشاركة في المؤتمر في الانتخابات القادمة.” (البند 4-3)، و”مواءمة القوانين المقيدة للحريات مع الدستور في الموعد المحدد في البند (3) أعلاه.” (البند 4-5-أ). وهو الشرط الذي عيّرت المفوضية الأحزاب به وبأنها أزمعت خوض الانتخابات برغم عدم استيفائه!
وبالرغم من أن المفوضية في ردها ذلك أنكرت أن يكون ذلك الإطار القانوني المقيد قد أثر على أعمالها إلا أنه نكران باطل بدليل تبريرها بأنها لا تملك تجاهل القوانين السارية وهي تضع منشوراتها.
سنتطرق هنا لأهم القوانين المكبلة وهي كثيرة جدا:
قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م:
أهم النقد على ذلك القانون هو:
• المادة (5) من قانون الصحافة والمطبوعات (مبادئ أساسية) في الفصل الأول (أحكام تمهيدية)، تتحدث بشكل فضفاض عن الصحافة وأنها تمارس “مهامها بحرية واستقلالية وتهدف إلى تطوير المجتمع ورفاهية الأمة ومواطنيها وتلتزم بحماية خصوصية وشرف وسلامة وأمن المجتمع”. (المادة 5-1)، كما تتطرق لحرية الصحافة في البنود 5-2 وحتى 5-4 كالتالي: لا حظر على الصحافة إلا في الحالات التي يحددها الدستور والقانون- 3- لا تتعرض الصحف للمصادرة أو تغلق مقارها إلا وفقاً للقانون- لا يجوز حبس أو اعتقال الناشر الصحفي في المسائل المتعلقة بممارسة مهنته عدا الحالات التي يحددها القانون. هذه المادة معيبة وكان يجب أن تصاغ لتشجع حرية الصحافة وليكون واضحا أن مهمة الصحافة الأساسية هي نقل الأخبار ونقد عمل الحكومة فتعمل كمراقب عام على الحكومة، بدلا عن الدور الموسوم لها في نمو المجتمع ورفاهية الأمة. ومع أن على الصحافة احترام الخصوصية والحرمات والمساهمة في سلامة وأمن المجتمع، إلا أن هذه ليست من بين أهدافها الأساسية .
• كان مشروع القانون يتحدث في الفقرة الرابعة من المبادئ الأساسية عن (معايير القيود على حرية التعبير) ولكن هذه المعايير غابت تماما من القانون المجاز وصار المعيار هو القانون نفسه! هذا نص غاية في اللؤم إذ كيف يجعل القانون نفسه قياسا في التغول على حقوق دستورية؟
• لا يجب أن يكون هناك ترخيص أو أية متطلبات تسجيل للصحف أو للصحفيين. لكن القانون أعاد كل الشروط في القانون السابق لسنة 2004م مما يعد قيدا على حرية الصحافة.
• لا يجب أن تكون هناك أية قيود على دخول مهنة الصحافة أو رئاسة التحرير، وهي قيود يضعها الفصل الربع من القانون (شروط العمل بمهنة الصحافة). المادة 25 تضع شروط رئاسة التحرير، والمادة 23-3 تجيز للمجلس استثناء من توفرت له الميزات النوعية. وهذا باب للتحيز ضد أو لصالح الصحفيين، أبرز دليل على ذلك حالة الصحفي الأستاذ فايز الشيخ السليك الذي رفض المجلس رئاسته لتحرير صحيفة أجراس الحرية متعللا بعدم كفاية الشروط بعد أن رفض الاعتراف له بسني عمله المهني كمراسل لصحيفة الحياة، وفي المقابل قبل أوراق صحفي آخر أقل منه خبرة ومقدرات لرئاسة تحرير ذات الصحيفة، بالرجوع فقط لاعتبارات سياسية حيث معارضة السليك الواضحة والمؤثرة للنظام.
• إذا كان هناك من داع لمجلس للصحافة فيجب أن يدار ذاتيا بشكل كامل، وتكون مهمته تشجيع حرية الإعلام وتأكيد الثقة في الصحافة عبر استقبال الشكاوى من الجمهور والبت فيها، ولا يكون هناك أي تداخل حكومي معه وتعاد تسميته ليكون (المفوضية المستقلة للصحافة) بحسب مقترح منظمة (المادة 19)، فالمجلس في القانون يشكله رئيس الجمهورية ويراعي تمثيل الصحافيين والناشرين وأصحاب المطابع والشخصيات القومية والنساء مع الوضع في الاعتبار في تشكيله التنوع الثقافي والديني والعرقي والفكري. ويتشكل من 21 عضوا من كليات: ثمانية خبراء في مجال الصحافة والمطبوعات يعينهم رئيس الجمهورية، ثمانية صحفيين ينتخبهم الاتحاد العام للصحافيين، وخمسة ينتخبهم الناشرون وأصحاب المطابع. ومع أن هذا النص أفضل من نص المشروع الذي كان يدخل جهات سياسية كالمجلس الوطني أو تنفيذية كالمجلس القومي للتعليم العالي في تشكيل المجلس، إلا أن من عيوبه تعيين ثمانية أعضاء من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس بينما مطلوب أن يكون للمجلس كامل الاستقلالية عن التنفيذيين، كذلك لقد تابعنا الطرائق المعيبة التي تكون بها النقابات المهنية المعنية وعدم رضا الصحفيين عن الاتحاد العام للصحافيين.
• انتقص القانون من بعض الحقوق التي كانت موجودة في قانون 2004م وأهمها المادة التي كانت تنص على الحصول على المعلومات وتم شطبها من قانون 2009م حيث صار بحسب هذا القانون (المادة 27-2 النص كالتالي: (يجوز لأي موظف عام أو شخص أو جهة ممن في حيازته معلومات عامة بالدولة والمجتمع إتاحة تلك المعلومات للصحافيين ما لم يكن قد سبق تصنيفها بموجب قانون أو بقرار من أي جهة مختصة على أنها معلومات لا يجوز نشرها.) هذه المادة استبدلت المادة 28-هـ من القانون القديم التي كانت تنص على: (على كل موظف عام وكل شخص أو جهة ممن في حيازته معلومات عامة تتعلق بالدولة والمجتمع إتاحة تلك المعلومات للصحافيين ما لم يكن قد سبق تصنيفها بموجب قانون أو بقرار من أي جهة مختصة على أنها معلومات لا يجوز نشرها) فالتدخل في الصياغة قصد أن يقلل من إلزامية إيصال المعلومة للصحافيين بالنسبة لحائزي المعلومات، بدلا من الوجوب في قانون 2004م (على كل موظف) إلى درجة خفيفة تمثلها الجملة (يجوز لأي موظف).
القانون الجنائي لسنة 1991م
ظل هذا القانون شوكة في حلق المنادين بالحريات في البلاد، وظلت بعض مواده سيفا مسلطا على رقاب الأحزاب السياسية والناشطين السياسيين والصحافيين وكل معارض للحكومة بل وأحيانا لبعض المشاركين في الحكومة على النحو الذي طال كُلاً من السيد باقان أموم والسيد ياسر عرمان لدى تظاهرهما في يوم الاثنين 14 سبتمبر 2009م أمام البرلمان.
المواد التي أرقت الحريات في هذا القانون بشكل خاص هي:
الباب الخامس: الجرائم الموجهة ضد الدولة: وفيه المواد الآتية: (50) تقويض النظام الدستوري، (51) إثارة الحرب ضد الدولة، (52) التعامل مع دولة معادية، (53) التجسس على البلاد، (54) السماح بهرب أسرى الحرب أو مساعدتهم، (55) إفشاء واستلام المعلومات والمستندات الرسمية، (56) إفشاء المعلومات العسكرية، و(57) دخول وتصوير المناطق والأعمال العسكرية. هذا الباب يسعي لحجب المعلومات العسكرية كلية ويحد من حرية وصول المعلومات وبالتالي حرية الإعلام. لقد أكد أحد المسؤولين في وزارة الدفاع بجنوب أفريقيا نقلا عن مدير مكتب مراقبة تأمين المعلومات لديهم أن “الدول لديها عدد محدود من الأسرار، غير متناسب مع تلال الوثائق الموجودة ومصنفة سرية” ثم قال: “لقد تبنى جيش جنوب أفريقيا بشكل متكرر الحجة بأن الجيش حالة خاصة وبالتالي يجب أن يعامل بشكل مختلف عن أجهزة الحكم الأخرى”.. إن حماية المعلومات العسكرية الحساسة لمصلحة الأمن القومي شيء يجب أن يتبع لمعايير محددة، ولكن، قد تقع في يد الصحفي وثائق سرية تثبت ارتكاب الفساد أو انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، وهذه من المصلحة العامة أن تنشر . لقد ظهر هذا جليا في حرب دارفور الدائرة، مثلا أصدرت منظمة العفو الدولية في أغسطس 2004 وثيقة بعنوان ” السودان: التخويف والإنكار- الاعتداءات على حرية التعبير في دارفور”. وقد رصدت فيها كيف تمت المجهودات من قبل جهات عديدة عسكرية وأمنية للضغط على المواطنين والصحافيين لالتزام الصمت، وعمليات الاعتقال والتخويف بسبب الجهر بالآراء. النتيجة كانت أن قضية دارفور غابت أو تكاد عن الإعلام الرسمي وحتى الصحف الخاصة، وانحصر تعاطف الجمهور معها في قطاعات لها علاقة بدارفور، ولكن العالم كله تعاطف مع المأساة الإنسانية في دارفور بشكل أكبر من السودانيين أنفسهم.. المصلحة العامة هنا تتعارض مع مصلحة الأمن القومي في التكتم، وهذا بيّن كالشمس!.
الباب السابع: الفتنة: وفيه من الجرائم: نشر الأخبار الكاذبة (المادة 66). وقد ظلت هذه المادة أيضاً تستخدم في الحجر على حرية التعبير وفي نفي حق النقد للمسؤولين.
الباب الثامن: الجرائم المتعلقة بالطمأنينة العامة:
المادة 67 (الشغب) والتي تحظر التجمهر لخمسة أشخص فأكثر “متى استعرض التجمهر القوة أو استعمل القوة أو الإرهاب أو العنف ،ومتى كان القصد الغالب فيه تحقيق أي من الأغراض الآتية: (أ‌) مقاومة تنفيذ أحكام أي قانون أو إجراء قانوني، (ب) ارتكاب جريمة الإتلاف الجنائي أو التعدي الجنائي أو أي جريمة أخرى، (ج) مباشرة أي حق قائم أو مدعى به بطريق يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام “ونص “بطريق يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام” الفضفاض ظل دائما مسلطا على أي مسيرة مهما أعلنت سلميتها.
المادة (69) الإخلال بالسلام العام. ونصها: (من يخل بالسلام العام أو يقوم بفعل يقصد به أو يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام أو بالطمأنينة العامة، وكان ذلك في مكان عام، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدة). وينطبق عليها ما انطبق على السابقة.
الباب الخامس عشر: جرائم العرض والآداب العامة والسمعة
المادة (152) الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، تم عبرها ملاحقة النساء والحد من حركتهن وكذلك التشهير بالخصوم.
المادة (159) إشانة السمعة: تنص المادة 159- (1) يعد مرتكباً جريمة إشانة السمعة من ينشر أو يروي أو ينقل لآخر بأي وسيلة وقائع مسندة إلى شخص معين أو تقويما لسلوكه قاصدا بذلك الإضرار بسمعته. هذه المادة ظلت سيفا مسلطا على المعارضين من الصحافيين. وأشهر واقعة هي مقاضاة الصحفيين نور الدين مدني ومحجوب عروة في سنة 2007م تحت هذه المادة وإدانتهما ثم حبسهما وتغريمهما، لأن مدني أشار منتقدا لاعتقال الصحفيين الذين ذهبوا لتغطية أحداث كجبار وقال إن الصحفيين غابوا لعدد من الأيام ولا نعرف أين هم وجاءت في كتابته عبارة “تخبط امني” و”تخبط سياسي”، وبسبب هذين الجملتين رفع جهاز الأمن الوطني والاستخبارات قضية إشانة سمعة .
لا شك أن هذا القانون ينتهك الكثير من الحقوق المدنية والسياسية بشكل كبير، فهو ينص صراحة في المادة 55 منه على أن مجرد إفشاء المعلومات والمستندات الرسمية يعد جريمة،ويعد التجمهر غير المرضي عنه من قبل الدولة الشمولية جريمة، والنص أيضاً على الأنباء الكاذبة في معرض الجرائم ينتهك حق التعبير، فقد أكد كثيرون أن الصحفي حينما يكتب فيما يتعلق بمعلومات تهم الرأي العام قد لا يجد فرصة ليتحقق، ويجب الاكتفاء في معظم هذه الحالات بتصحيح الخطأ وهو ما يعرف بحق التصحيح.
ولنضع في اعتبارنا فداحة التقييد الذي يقوم به هذا القانون في الحقوق المدنية والسياسية حينما نطلع على قانون الإجراءات الجنائية للعام 1991 (المادة 68-2- أ) منه، حيث الجدول (ب) يذكر الجرائم المعاقب عليها بموجب القانون الجنائي لسنة 1991م التي يجوز فيها القبض بدون أمر من وكالة النيابة أو المحكمة، ومنها: (أ) الباب الخامس، المادتان 55 و57. ولنتذكر أن المادة 55 هي المتعلقة بإفشاء واستلام المعلومات والمستندات الرسمية!!. وكل مواد الباب الثامن، ومنها المادتان 67 و69 وعبرهما يتم ترويع السياسيين ووقف الندوات والمسيرات ومنع التظاهر. كذلك من هذه المواد في الباب الخامس عشر المادة 152 والتي يتم القبض فيها بدون أمر. وهي مادة تخضع لمنظومة (النظام العام) التي تحكمها قوانين النظام العام الولائية (مثلا في ولاية الخرطوم يحكم قانون للنظام العام سن في 1996م)، وتنعقد لها شرطة خاصة هي شرطة النظام العام تتعاون معها فرق الشرطة الشعبية وشرطة أمن المجتمع وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقدم أمام محاكم النظام العام الخاصة. هذه المنظومة استخدمت كثيرا في ملاحقة المعارضين والتشهير بهم، كما غضت الطرف عن الموالين ومحاسيب النظام ليفعلوا ما يشاءون.
لقد عايشنا قبل الانتخابات كيف تم الاستناد على القانون الجنائي للحد من حرية التعبير ومن حرية التنظيم والأنشطة الانتخابية، واستمر ذلك بهجمة شرسة بعد الانتخابات، حيث شهدنا كيف تم إغلاق الصحف والاعتقالات الجزافية، ثم الحكم على صحفيين تحت المادة (50) تقويض النظام الدستوري والمادة (66) الإدلاء بمعلومات كاذبة .
قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1999م
المواد 124-126: تتعلق بتفريق التجمعات أو ما يسميه القانون (تجمهر غير مشروع)، المادة 124 تنص: “يجوز لأي ضابط مسؤول أو وكيل نيابة أن يأمر أي تجمهر غير مشروع أو أي تجمهر يحتمل أن يرتكب جريمة الشغب أو جريمة الإخلال بالسلام العام، أن يتفرق، وعلي أفراد ذلك التجمهر عندئذ التفرق. والمادة 125 تنص على استعمال القوة الضرورية في تفريق التجمهر وفيها: “يجوز للضابط المسؤول أن يأمر بتفريق ذلك التجمهر باستعمال أقل قوة ضرورية ،علي ألا يلجأ لاستعمال السلاح الناري بتفريق التجمهر إلا بإذن من وكيل النيابة”. والمادة 126 تنص على تدخل القوة العسكرية وفيها: “إذا قدر أعلى وكيل نيابة أو في حالة غيابه أعلى ضابط مسؤول أن استعمال القوة المنصوص عليها في المادة 125 لا يكفي لتفريق التجمهر فيجوز له أن يطلب مساعدة أي ضابط أو ضابط صف علي رأس أية قوة مسلحة لتفريق التجمهر بالقوة المسلحة لإعادة النظام والحفاظ علي السلام العام وتنظيم المواكب والتجمعات.
المادة 127 تتعلق بأوامر حظر التجمعات ونصها: (يجوز لأي وال أو محافظ في حدود دائرة اختصاصه أن يصدر أمرا يحظر أو يقيد أو ينظم بموجبه أي اجتماع أو تجمهر أو موكب في الطرق أو الأماكن العامة مما يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام.)
عبر التطبيق المتعنت لهذه المواد أطبق النظام على العمل السياسي فتسلط في قيام الندوات بالميادين العامة، ومنع حتى مسيرات الاحتجاج السلمي وفرقها بوحشية أدت لقتلى أحيانا كما حدث في تظاهرات زيادة أسعار المحروقات في أغسطس وسبتمبر 2006م، ومسيرتي المناداة بإجازة قوانين التحول الديمقراطي واتفاقية السلام في ديسمبر 2009م. كان الردع بوحشية واشتركت فيه قوات نظامية من مختلف الأنواع والأزياء، واستخدمت المدرعات والذخيرة الحية لإخافة المتظاهرين، كما استخدم نوع من مسيلات الدموع هو في الحقيقة كاتم للأنفاس أدى لأزمات صحية وللوفاة أحيانا. ضرب الرجال والنساء بوحشية، وسيقوا للاعتقال عشرات وأحيانا مئات، وقدم عشرات لمحاكم انتهكت فيها العدالة واستهدف فيها المتظاهرون لانتمائهم السياسي وأحيانا الأسري. ولوحظ أن القضاة كانوا يتلقون أوامر حول الأحكام التي تصدر عبر الهاتف الجوال، وكانت الأحكام بالتالي معدة قبل الاستماع لمرافعات الدفاع.
علقت قوى الإجماع الوطني في بيان لها على ذلك بقولها: “غنى عن القول إنه في التجمع السلمي ينبغي مراعاة السلامة والنظام وتجنب العنف والأذى للآخرين وممتلكاتهم وضرورات السلامة العامة. هذا ما سعت أن تبرزه المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 المعدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2002 على منح الوالي أو المعتمد الحق بحظر أو تقييد أو تنظيم أي اجتماع أو تجمهر أو موكب في الطرق والأماكن العامة “مما يحتمل أن يؤدى إلى الإخلال بالسلام العام” وعليه فإنه ليس هناك ما يحول دون تجمع أو تجمهر المواطنين، ما لم تقرر السلطات وبأسباب كافية أن هناك ما يجوز أن يخل بالسلام أو الأمن العام. ويتضح من جميع النصوص المذكورة أن تنظيم التجمعات أو المسيرات لا يقتضى سوى الالتزام بالحفاظ على الأمن وسلامة الآخرين وممتلكاتهم، وليس هناك من ضرورة قانونية لأخذ أي أذن مسبق من أي من السلطات للخروج في أي تجمع أو مسيرة سلمية، على خلاف ما تذرعت به السلطات الرسمية حينما تصدت أجهزة الأمن والشرطة لتفريق تجمع قوى الإجماع الوطني في السابع من ديسمبر الجاري (2009) باستعمال القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي واعتقال بعض القيادات السياسية وتعرضها للمعاملة اللا إنسانية” .
المادة 130: تنص على: 130- (1) إذا بلغ وكيل النيابة أن أي أفعال قد تشكل جريمة من الجرائم المتعلقة بالسلام والصحة العامة ترتكب، فيجوز له أن يصدر أمرا يطلب فيه من الشخص المعني ،في ميعاد محدد أن يوقف ارتكاب تلك الأفعال أو أن يصلح آثارها أو يزيلها بالطريقة المبينة في الأمر. (2)يتم إعلان الأمر المذكور إلى الشخص الذي صدر ضده بطرق الإعلان المنصوص عليها في هذا القانون. (3)إذا لم ينفذ الشخص المعني الأمر في الحال أو لم يتيسر إعلانه الفوري ،فيجوز لوكيل النيابة الأعلى ،في حالة الخطر الداهم أو الضرر على الجمهور ،أن يأمر باتخاذ الوسائل التي يراها ملائمة لإزالة الخطر أو منع الضرر ،على أن يكون الشخص المعني ملزما بسداد أي مصرفات لازمة.
وقد استخدمت هذه المادة في عدة حالات بإيقاف بعض الصحف من الصدور في مرات كثيرة ربما كان أشهرها إيقاف صحيفة (السوداني) في 1/2/2007م، وذلك على خلفية نشر خبر يتعلَّق بقضية الشهيد محمد طه محمد . كما ظل الصحافيون يحاكمون بالتعرض للسلامة والصحة العامة، حتى أصدرت المحكمة العليا قرارا بأن هذا تطبيق خاطئ للقانون!
قانون قوات الأمن الوطني لسنة 2009م
ظلت قوات الأمن الوطني من قبل سن قانونها أول مرة سنة 1999م وحتى بعده تعمل في سرية وتكتم وبحصانة تامة مطلقة اليد في المعارضين، وبغض النظر عن النصوص القانونية فإن إرث أجهزة أمن الشمولية منذ جهاز النميري يؤكد أن أجهزة الأمن التي تقام في الشموليات حزبية ولحماية الحزب الحاكم وضرورة التخلص من حزبية الجهاز كشرط أساسي لوجوده. لقد استفتي الشعب السوداني من قبل فيمن يحكمه في انتخابات حرة شهدنا نتائجها، وجاء بقادة الأحزاب السياسية العريقة على سدة الحكم كل مرة برغم أبواق الشموليات وتشويهاتها. ولكن هؤلاء القادة تستهدفهم أجهزة الأمن الشمولية وتضعهم في مصاف المجرمين: تسجنهم، تعذبهم، تحكم عليهم بالإعدام في محاكم جائرة كما حدث كثيرا منذ سبعينات القرن الماضي، وتسلط عليهم أجهزة الرصد وتقيم لهم المكاتب والتخصصات، فقد شهدت أجهزة الأمن في عقدي هذا النظام “مكتب مناهضة الأنصار” ومكاتب متخصصة في حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي، وهلم جرا.. مكاتب تتسقط أخبارهم وتتلمس أو تفبرك سقطاتهم، وتتحسس وتتجسس حتى باسم الشريعة كما فعل نميري حينما قال بعد أن بويع إماما إن في الشريعة العدل ولكننا “سنحكمكم بالشريعة البطالة”، وتستخدم تلك المكاتب أسماء وأقلام وصحف تبث السموم حول الأحزاب وقياداتها، وتعمل على تفتيتها مستغلة الظروف المعيشية الطاحنة للبعض، حتى صارت عمليات الانشقاقات داخل الأحزاب أقرب إلى كونها تصفية ديون ورد للشيكات الطائرة التي تورد موارد الخسران، وتبدد مال الدولة كما أظهر ضابط الأمن السيد حسن بيومي في كتابه “أسرار جهاز الأسرار” حول جهاز الأمن المايوي وسعيه لشراء قادة الأحزاب ورموز الأسر فكان كمن ينفخ في “قربة مقدودة”.. لا يمكن اعتبار هذه الأفعال تكفل الأمن الوطني حتى لو سلمنا بأن كافة قادة الأحزاب المعارضة خونة ومارقون ومستهدفون للأمن الوطني، ولكن كما قلنا فإن الشعب السوداني قال فيهم قولته في كل مرة، وفي الحكم السديد يجب أن يكون الرأي هو رأي الشعب لا رأي الحزب الحاكم. وينبغي أن يعلم الحزب الحاكم أن معاداة قادة الأحزاب له مشروعة ولا تعني معارضتهم أنهم خونة ولا تفت في وطنيتهم بشيء أو تعني أنهم يهددون الأمن الوطني مما يوجب محاربتهم سرا وعلانية. قانون الأمن الذي يوضع عشية الانتخابات كان ينتظر منه أن يخاطب هذه المخاوف وينص صراحة على عدم استهداف قادة الأحزاب وحسن معاملتهم لأن إزالة إرث العداء الذي تراكم في الماضي ضرورية ولن تحدث بدون الإشارة الصريحة لذلك.
النصوص الخاصة بجهاز الأمن في الدستور واتفاقية السلام
كان الدستور قد نص على أن تقتصر الأجهزة الأمنية على جمع المعلومات وتحليلها جاء في المادة 151 (جهاز الأمن الوطني) الفقرة (3): ” تكون خدمة الأمن الوطني خدمة مهنية وتركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية”، والفقرة (2) من ذات المادة تقول: “تكون خدمة جهاز الأمن الوطني ممثلة لكل أهل السودان وبوجه خاص يمثل فيها جنوب السودان تمثيلا عادلا”. والنص أوضح في اتفاقية السلام –بروتوكول قسمة السلطة (التي هي أعلى من الدستور كما بيّنا). جاء في البند الخاص بجهاز الأمن الوطني في البروتوكول (2-7) النصوص التالية: ” 2-7-2-2 يكون جهاز الأمن القومي ممثلا للسكان ويعكس الشراكة بين الطرفين المتفاوضين.و 2-7-2-3 يمثل الجنوب تمثيلا عادلاً في جهاز الأمن القومي. و2-7-2-4 يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز على جمع المعلومات وتحليلها”. وهذه النصوص تؤكد حقيقتين: الأولى أن جهاز الأمن ليس له صلاحيات شرطية في القبض على المتهمين ومصادرة أموالهم وتعذيبهم وما إليه مما كان الأمن يقوم به، كذلك أن جهاز الأمن يجب أن يكون بشراكة بين طرفي الاتفاقية (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) ومع أن فكرة المحاصصة هذه ظالمة إلا أن ما تم في القانون المجاز أخيرا تجاوز ذلك وكان باعتراض أساسي من الشريك المفترض، فقد أجاز المجلس الوطني ـ«الأغلبية الميكانيكية» في 20/12/2009م قانون جهاز الأمن، بعدما صوتت ضده الحركة الشعبية، وانسحبت كتل برلمانية هي «التجمع المعارض»، و«الحركة الشعبية»، و«كتلة سلام دارفور»، و«جبهة الشرق، مؤتمر البجا» من الجلسة تعبيرا عن رفضها للقانون .
انتقادات لصلاحيات الجهاز المطلقة
سبق الإجازة حراك كبير على مستوى الشارع السوداني، وتكونت “الحملة الشعبية من أجل قانون أمن مطابق للاتفاقية والدستور” تضم لفيفا من النشطاء والقانونيين من كافة الطيف السوداني لمناهضة القانون بشكله المقدم للبرلمان. وفي الندوة التي عقدتها هذه الحملة بصحيفة أجراس الحرية في 12/10/2009م كشف الأستاذ ياسر سعيد عرمان ملابسات الاختلاف بين الشريكين حول صياغة القانون وكيف أنه لعدم التوافق حول بعض النصوص تم الاتفاق على أن يتم النص في صلب القانون المقدم للمجلس الوطني على تحفظات الحركة الشعبية، وتم التوقيع على النسخة التي تحوي التحفظات من قبل وزيري العدل في الحكومة الاتحادية وفي حكومة الجنوب السيد عبد الباسط سبدرات والسيد مايكل مكوي. ولكن وبحسب تعبير الأستاذ ياسر تم “تزوير” في القانون وقدم بدون التحفظات في النسخة المقدمة لمجلس الوزراء ثم “تزوير مرة أخرى” في النسخة المودعة للمجلس الوطني والتي كانت تعكف على دراستها لجنة الأمن والدفاع داخل المجلس الوطني حينها.
إن صياغة القانون من قبل الشريكين فحسب لا تفي، وكان ينبغي أن تشترك فيها كافة مكونات المجتمع. ذلك أن اتفاقية السلام الشامل تنص على فترة انتقالية يحكمها حزبا الاتفاقية مع شراكة ثانوية للآخرين ثم انتخابات عامة حرة تأتي بالحكام الذين ينتخبهم الشعب. وغني عن القول إن الانتخابات يمكن أن تأتي بطاقم حزبي جديد ولذلك تم الحديث عن ضرورة إشراك الجميع في عملية المراجعة الدستورية للوصول للدستور الدائم، وكذلك في عملية الإصلاح القانوني. وفي هذا كان ينبغي التحول من ذهنية المحاصصة التي خيمت على نصوص الحكم في الفترة الانتقالية وهو ما لم يحدث بل حدثت ردة عن المحاصصة نفسها كما ذكرنا. ولذلك جاء المنتج في قانون قوات الأمن الوطني انعكاسا مباشرا للعملية المتبعة. لقد تحفظت الحركة الشعبية “الشريك” على عدد من المواد التي تخص سلطات الجهاز والحصانات المعطاة لأعضائه. ولو رجعنا لنص القانون المقدم للمجلس الوطني لوجدنا فيه النصوص التالية المتعلقة بالسلطات والحصانات:
(أ) في المادة (25) سلطات الجهاز، نجد المواد التالية:
1- المادة (25-ب): استدعاء الأشخاص واستجوابهم وأخذ أموالهم.
2- المادة (25-ج) الرقابة والتحري والتفتيش.
3- المادة (25-د) حجز الأموال وفقا للقانون.
4- المادة (25-هـ) قبض وحجز الأفراد وفقا لما هو وارد بالمادة (50) من هذا القانون.
(ب) في المادة (50) سلطات الأعضاء، تم النص على سلطات شبيهة في المواد هي:
1- المادة (50-ب) التفتيش بعد الحصول على أمر مكتوب من المدير.
2- المادة (50-ج) سلطات رجل الشرطة المنصوص عليها في قانون قوات الشرطة وقانون الإجراءات الجنائية.
3- المادة (50-هـ) القبض أو حجز أي شخص مشتبه فيه لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما. والمادة (50- و) بعد انقضاء مدة الثلاثين يوما إذا كانت هناك أسباب تقتضي بقاء الشخص المحتجز رهن الحراسة على سلطات الجهاز إخطار وكيل النيابة المختص بتلك الأسباب للحصول على موافقته لتجديد حبسه وفقا لقانون الإجراءات الجنائية. والمادة (50-ط) التي تجيز مد فترة الحجز بأمر المحكمة. فهذه المواد تبيح الحجز المطول للأفراد بدون محاكمة عادلة وعلنية وهي تتم بالتواطوء بين الأجهزة العدلية التي صارت حزبية محضة.
(ج) في المادة (52) حصانات الأعضاء والمتعاونين توجد بنود فرعية تحمي أعضاء الجهاز من المساءلة، وعدم تجريمهم على المخالفات أثناء تأدية عملهم.
نظام الشكاوى والطعون
نظام الشكاوى والطعون في كافة مراحل الانتخابات يحتاج لمراجعة من نواحي عديدة متعلقة بنظام أرانيك الشكاوي وضمان توفرها بالقانون، وكذلك حول إجراءات النظر فيها، والعقوبات في حالة ثبوت المخالفات. فالمفوضية نفسها خالفت بعض النصوص ولم يمكن مقاضاتها بسبب الحصانة المذكورة، وقس على ذلك توفر الخروقات في كافة المستويات بدون ضمان حقيقي لتحقيق العدالة.
نورد مثلا بعض تعليقات البعثة الأوربية لمراقبة الانتخابات السودانية، وبعض ملاحظات مركز كارتر.
تقول البعثة الأوربية في تقريرها النهائي حول الطعون بشأن الاقتراع إن المحكمة الدستورية هي محكمة للقانون فقط، ولا تحاكم في العادة قضايا الحقائق أو تعقد جلسات استماع. والقانون لا يذكر ما إذا كانت المحكمة يمكنها اتخاذ مثل هذه الخطوات في الاستئنافات المتعلقة بالانتخابات.على أية حال فإنه في النهاية وفي أواخر مايو (2010م) قررت المحكمة عقد جلسة استماع للنظر في شهادات اللجنة العليا للانتخابات في قضية حول انتخابات الولاة في جنوب السودان. كذلك لا يوجد وضوح في القانون حول المعالجات الممكنة عبر المحكمة لو وجدت خروقات أو ما إذا كان بإمكان المحكمة أن تأمر بإعادة كاملة أو جزئية للعد.
هذه الثغرات خلقت صعوبات جمة للمستأنفين، وللمحكمة حقيقة، حينما يكون عليها أن تتخذ قرارات هامة في وقت ضيق للغاية. وبشكل خاص فقد رفضت المحكمة النظر في أي قضية بشان جرائم انتخابية أو قضايا سوء إدارة شارحة بأنها لا تملك سلطة تجريم وأن على المستأنفين التوجه في هذه الحالة للمحكمة المختصة، أو يحصلوا على قرار بالنقض من قبل المفوضية. هذا لم يتم توضيحه في قانون الانتخابات القومية وبذلك لم يكن الخيار القانوني الجوهري بالذهاب للمحكمة المختصة أو تقديم الدليل للمحكمة العليا واضحا للأحزاب أو المرشحين منذ البداية.
الشكاوى للمفوضية: كتبت شكاوى كثيرة ورفعت للمفوضية إما مباشرة أو للجان الولائية العليا. كذلك تعاملت المفوضية مع الشكاوى المرفوعة إليها باستخدام أورنيك 7 بنفس الطريقة باعتبارها شكاوى أخرى. قانون الانتخابات واللوائح لم تضع أية آلية رسمية للتعامل مع هذه الشكاوى. بعض اللجان الولائية العليا اتخذت قرارات بشأن تلك الشكاوى، وحينما يشعرون بعدم مقدرتهم على اتخاذ قرار فإنهم يرسلون القضية للمفوضية مع توصية. وفي الجنوب وظفت حكومة جنوب السودان محامين لمساعدة اللجان الولائية العليا في مهمة التعامل مع الشكاوى .
ملاحظات مركز كارتر حول الطعون والاستئنافات الانتخابية هنالك افتقار ملحوظ للمعلومات فيما يتعلق بعملية الاستئنافات، وهناك مشكلة أنها ترفع في الخرطوم فقط. يتعين على المفوضية توضيح إجراءات الاستئناف، لتقدم نشر نتائج كل محطة اقتراع على حده، وأن تراعي المرونة في تطبيق مطلوب الموعد النهائي لتقديم الاستئنافات.
إن توفير المفوضية القومية للانتخابات لآلية استلام الشكاوى( عبر استمارة رقم 7 ،استمارة الشكاوى) من الأحزاب السياسية في مراكز الاقتراع لم يكتمل لغياب الاستمارة في محطات الاقتراع، وعند تسليمها لا يتم أي بيان لما سيعقب تلك الخطوة. مما جرد هذه المرحلة الانتخابية الحرجة من الاعتراضات الموثقة.
حول المفوضية القومية للانتخابات
يعد التراضي حول تكوين الجسم الذي يدير الانتخابات من أهم شروط الانتخابات النزيهة، ولكن الدستور الانتقالي ومن ثم القانون لم يفصل دورا تشاوريا حول تكوين المفوضية وجعل ذلك التكوين مهمة الرئاسة. وقد سعى حزب الأمة القومي لتعديل ذلك الاتجاه الفوقي بتقديم مقترح وافقه عليه عدد من الأحزاب السياسية وهو أن تختار الأحزاب السياسية 15 شخصية تنطبق عليها مواصفات الحياد والمهنية والاستقامة وتقدمها لرئيس الجمهورية الذي يقوم بدوره بالاختيار من تلك القائمة.
ولكن هذا الأسلوب لم يتم إتباعه. كما أن آلية اختيار الأشخاص للمفوضية لم تعلن فظلت من ضمن المعتمات في فقه النظام الفاقد للشفافية، وبعد تأخير لم يبرر أعلن تكوين المفوضية من رئيس (مولانا أبيل ألير) وثمانية أعضاء كالتالي:
1. بروفسور عبد الله أحمد عبد الله نائب الرئيس
2. فريق شرطة عبد الله بله الحاردلو
3. فريق شرطة الهادي محمد أحمد
4. بروفسورة محاسن حاج الصافي
5. د.محمد طه أبو سمرة
6. أ. فلستر بايا
7. بروفسور مختار الأصم
8. بروفسور أكولدا مانتير.
كما تم تعيين د.جلال محمد أحمد – أمينا عاما (سكرتيرا) للمفوضية. وقد كان سكرتيرا لانتخابات 1986م التي كانت قد فصلت لصالح الجبهة القومية الإسلامية، ثم أشرف د. جلال على انتخابات الإنقاذ المعيبة في 2000م وبرر تجاوزاتها الكثيرة. وبالرغم من عدم اعتراض الأحزاب السياسية عليه إلا أن أداءه أثبت حزبية بالغة وخرق القانون بمنشور تسجيل القوات النظامية وفقا لأماكن العمل.
مع كل التغييب والتعتيم، فإن المفوضية وجدت ترحيبا كبيرا من قبل القوى السياسية السودانية، استبشارا برئيسها أبيل ألير، وبعدد من أعضائها من القانونيين والأكاديميين المشهود لهم بالكفاءة. ثم اتضح في النهاية أن ذلك الاستبشار لم يكن في محله. لأن رئيس المفوضية برغم صيته الجيد كان منصرفا عن الانتخابات مهتما بالمقام الأول باستفتاء يناير 2011م لتقرير المصير للجنوب، أما نائبه بروفسور عبد الله أحمد عبد الله والناطق الرسمي الذي كان كثيرا ما يتصدي للرد والتعليق على مجريات الأحداث فقد كان شموليا من الدرجة الأولى وقد كان سفيرا لنظام الإنقاذ أيام صبغته البارزة بالجبهة القومية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية . بقية الأعضاء المتقاعدين من الشرطة أو أساتذة الجامعات كانوا في الغالب رجال ونساء إشارة، بحيث كانت المفوضية ذراعا تابعا للمؤتمر الوطني بشكل فاضح.
ومن الملاحظات التي وجهتها بعثة الاتحاد الأوربي حول أداء المفوضية في تقريرها النهائي حول الانتخابات هو أنها وبالرغم من تكوينها منذ 2008م إلا أنه لوحظت قلة استعداديتها لإجراء الانتخابات في أبريل 2010م. وقد ذكر التقرير أنها عانت من قلة موظفيها، وأنها كانت عازفة عن قبول نصائح الخبراء الخارجيين، ومتأخرة للغاية في اتخاذ القرارات الإجرائية والعملية الهامة رسميا، وقد شكل لها إجراء العمليات الانتخابية المعقدة في مناطق السودان المختلفة والإيفاء بالجدول الزمني للانتخابات تحديات جدية. كما انتقد التقرير أداء المفوضية فيما يتعلق بإيصال نظمها ولوائحها للجهات المعنية بالانتخابات نسبة لفشلها في نشرها وإيصالها في الوقت المناسب. وقد حدث ذلك بالنسبة للنشر المتأخر لقائمة مراكز الاقتراع، وللسجل الانتخابي وكذلك القرار المتأخر بشأن سقف الصرف الانتخابي. علاوة على التعديلات المتأخرة للنظم المتخذة من قبل المفوضية مثال عليه الأمر المكتوب الذي اتخذ إبان عملية تجميع النتائج، بتعليق نظام إدارة المعلومات الثنائي والتركيز فقط على نظام العد اليدوي فيما يخص نتائج المراكز، مما كان دون المعايير المطلوبة وطنيا ودوليا لتأمين نزاهة العملية. كما انتقدت البعثة أيضاً الآليات التي اتخذتها المفوضية للحوار مع الأحزاب والمرشحين والتي كونت وأديرت بشكل ناقص، مما أسهم في الاتهامات المتكررة التي وجهت للمفوضية من قبل الأحزاب السياسية .
الأجسام الفرعية
كونت المفوضية اللجنة العليا لجنوب السودان (ومقرها جوبا) ولجنة عليا للانتخابات بكل ولاية من ولايات السودان الخمسة وعشرين، تعمل كلها تحت إمرتها، وتساعدها في عملها، إذ في جلسة المفوضية رقم 22 بتاريخ 23/4/2009م أجازت المفوضية “أمر تفويض السلطات بموجب قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م” والذي بموجبه فوضت سلطاتها الخاصة بتنظيم الانتخابات في الولايات للجان الولائية التي كونتها (نص أمر التفويض وقوائم اللجان العليا للانتخابات بالولايات في ملاحق الكتاب). كما عينت ضباطاً للانتخابات في كل ولاية وفي جنوب السودان، وضباط انتخابات في كل دائرة انتخابية لتنظيم عملية تسجيل الناخبين والاقتراع والعد والفرز في المراكز.
وكونت المفوضية في كل ولاية مراكز معلومات لإدخال البيانات إلكترونيا مهيأة تقنيا بحواسيب وموظفي إدخال البيانات، عملت هذه المراكز على استلام دفاتر التسجيل في فترة التسجيل وإدخالها في السجل الإلكتروني. أما بعد الاقتراع فقد تسلمت استمارات النتائج وجدولتها في برنامج حاسوبي لإدخال البيانات مصمم بوسائل وضمانات كثيرة لمنع الإدخالات الخاطئة، وسنتتبع لاحقا الفشل الذريع للمفوضية في كل من مرحلتي التسجيل والنتيجة أن تخرج بالسجل وبالنتيجة على النحو المطلوب بسبب قصور لوجستي ونقص في التدريب بل وفي الأجهزة في بعض الولايات خاصة بالجنوب.
لقد أكدت الأحزاب السياسية المعارضة وناشطو المجتمع المدني المستقلون أن المفوضية والأجسام الفرعية منها مُهيَمن عليها من قبل المؤتمر الوطني (فيما عدا جنوب السودان) .
أداء اللجان العليا للانتخابات اختلف درجات من ناحية الكفاءة ومن ناحية الحياد والحزبية من ولاية لأخرى، إلا أن الانطباع العام هو أنها غالبا أدوات حزبية تابعة للمؤتمر الوطني.
ولسوق الأمثلة على ذلك، أوردت مجموعة الأزمات الدولية في دراستها بعنوان “الانتخابات المزورة في دارفور ومستتبعات النصر المحتمل للمؤتمر الوطني في السودان” أن رئيس اللجنة العليا في شمال دارفور -السر أحمد الملك – كان مديرا عاما للشئون الحكومية في حكومة شمال دارفور. وأن اللجان العليا في دارفور قد عينت أعضاء المؤتمر الوطني في الأجسام الفرعية في المستوى المحلي. هذا علاوة على الملاحظة الأساسية وهي أن أعضاء المفوضية عينهم رئيس الجمهورية الذي هو مرشح بدوره، برضا النائب الأول سلفا كير (المرشح لرئاسة جنوب السودان)، وموافقة ثلثي أعضاء المجلس الوطني (الذي يهيمن عليه المؤتمر الوطني والأحزاب الموالية). وقد أوردت المفوضية كيف أنه، – وعلى عكس لوائح المفوضية ونظمها- ، فإن بعض الأعضاء كانت لهم علاقات وعمل سري مع ولاة النظام الحاكمين. وساقت إفادة من وزير سابق في حكومة السيد محمد يوسف كبر- والي شمال دارفور- أنه وعشية انتهاء فترة الترشيح فإن اللجنة العليا للانتخابات بشمال دارفور أمدت الوالي بقوائم المزكين لكل المرشحين، وهي قوائم تمد الوالي –المرشح بدوره- بمعلومات أساسية حول مناصري منافسيه. أكد الوزير المذكور أنه وفي الأيام التالية فإن جهات في الأمن الوطني والمخابرات اتصلت بحوالي 100 من أولئك المزكين لتهديدهم أو وعدهم بالمال لو أقسموا بالقرآن على مناصرة كبر في الانتخابات .
وقد سيقت أقوال مماثلة حول علاقة إداريين ومسؤولين في المفوضية بأجهزة المؤتمر الوطني. مثلا قال السيد ياسر عرمان إنه انسحب من الانتخابات بعدما توصل “إلى معلومات مؤكدة وواضحة عن البني التحتية والفنية للانتخابات ومفوضية الانتخابات المسيطر عليها من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم. فمثلاً إن الشخص المسؤول عن مركز المعلومات في مفوضية الانتخابات واسمه محمد عبد الرحيم جاويش هو نفسه المسؤول عن قسم المعلومات في حزب المؤتمر الوطني” .
كذلك فإن التحديات اللوجستية والفشل الإداري للمفوضية كان مضربا للمثل. وقد وثقنا ذلك تفصيلا في كتاب بعنوان “انتخابات أبريل 2010 في الميزان”، ونكتفي هنا بما ذكره بيان مركز كارتر إشارة للعجز اللوجستي والتباين بين الولايات: ” لقد لاحظ مركز كارتر أن إدارة الانتخابات تمت بدون انسجام عبر البلاد. وقد فشلت المفوضية القومية للانتخابات في استباق التحديات اللوجستية وتوفير الاحتياجات في الكثير من أنحاء البلاد، خاصة في الجنوب. لقد تعرضت دارفور لمشاكل خاصة لأن الانتخابات كانت تتم تحت قوانين الطوارئ وانعدام الأمن، في ظل وجود عدد كبير من النازحين الذين يعيشون في المعسكرات. يضاف إلى ذلك تفاوت القدرات والموارد مادياً وفنياً بين لجان الانتخابات العليا. إن العديد من لجان الانتخابات العليا خاصة في جنوب السودان أفادت باستلام تمويلها متأخراً م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *