دارفور .. المفاوضون الحقيقيون هم جيش حركة العـدل والمساواة
حامد حجـر ـ الميدان ـ الأراضي المحررة
السلطان هاشم ، سُلطان دار قِمِر ، المًعين سُلطاناً من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، كان يُمني النفسَ بإجتياز شريط منطقة ( أووم ) ، الطريق الوحيد الذي يؤدي من وإلي مدينة الجنينة دار ( أندوكة ) ، من دون أن تقطع عليه جيش حركة العدل والمساواة السودانية الطريق ، لأن في نيته الوصول مبكراً إلي عاصمة سلطنته ( كوُلبوس ) ، لبدأ حملته الإنتخابية مرشحاً للبرلمان عن حزب المؤتمر الوطني ، في غياب السُلطان الحقيقي الذي ينتمي لحركة العدل والمساواة السودانية في سجن كوبر ، وذلك عقب عملية (الذراع الطويل ) إلي أمدرمان والخرطوم .
كانت غرفة عمليات جيش الحركة تراقب بالمعلومات الدقيقة تحركات ( السُلطان ) في الجنينة ومن ثم في الطريق إلي بير صليبا مرورا بدار الإيرنقا ، وسرايا الحركة وفرقها العسكرية تنتشر علي طول طريق ( القيامة ) ، وبإمكانها حتي إسقاط الطائرتين السمتيتين اللتين عبر بهما هاشم السَماءَ مُسرعاً وهو متوجس .
في الأثناء ، وفي مكانٍ غير ببعيدٍ من ( أووم ) ، كان القائد الأعلي لجيش حركة العدل والمساواة السودانية ، الدكتور الفريق أول خليل ابراهيم في تنوير أمام جيشه ، أقدم الضباط رتبة من قادة المتحركات ، يتقدم الصفوف ، يستدير للخلف دور ، يوعز أثبت ، صفا ، عينهو ، عمداً سلاح ، أملأ يمينك ، طابور ثابت ، ثم يستدير مجدداً ، خطوتان إلي الأمام ، إلي حيث السيد القائد الأعلي يتوقف ، فيقدم الموقف ، الكلي والحاضر والمتفرق ، الجيش حاضر للتفتيش سعادة القائد .
الدكتور الفريق الأول خليل إبراهيم القائد الأعلي لقوات الحركة ، يقوم بتفتيش الطابور ، أمام الصفوف وبينها ، يطلب منهم الإستراحة ، فيصفق المقاتلون ويهتفون ويهزجون مرحبين بقدوم قائدهم ، ومن معه من المقاتلين الذين تمت إطلاق سراحهم خاصة السيد أمين كردفان محمد بحر ورفاقه من سجن كوبر ، الهتاف الداوي لا ينقطع لعدة دقائق ، وأسري الحركة مطلقي السراح في بداية العملية التفاوضية في الدوحة يشعرون بالفخار لأن هذا الثناء من رفاقهم في هذه اللحظة إنما هي نتيجة مباشرة لصمودهم البطولي في زنازين سجن كوبر ، شرقياتها وغربياتها ، ومنهم من قضى نحبه تحت التعذيب والتنكيل به ، ومنهم من ينتظر حتي اللحظة بين الجُدُر الأربعة ، مثل البطل سلطان دارقمر ، والدكتور عبدالعزيز عُشر والرفيق محمد منصور كتِـر وآخرون.
إنها لحظة لقاء القائد مع مقاتليه ، الحب الذي يربطهم بالقائد الأعلي الملقب بالـــ( كنغي ) ، تلطيفاً ، وخروجاً بشخصه من الرسميات ، هكذا هم الثوار في العـَدل والمساواة السودانية ، ما يوثقهم بالدكتور خليل هو روح زمالة السلاح في الميدان ، والمقاتلون يحبون القائد الذي يبقي بين ظهرانيهم ، ويتأكدون من شجاعته وثباته أثناء وقبيل الهجوم ( الأفانسييه ) ، القائد الذي يهتم بشؤونهم الإدارية ، في ماذا يأكلون أو يشربون ويلبسون ، هؤلاء فقط من يمنح القيادة المجربة بالخطوب ، والمعمدة بنيران المعارك ، يمنحونها سيمة الإنتخاب الطبيعي ، وليس مجرد ( طّـق حَـنك ) ، والهروب إلي المنافي الباردة وبلاد الدرَدار .
ولكم تعجبتُ في الموضوع ، كيف للقائد الدكتور خليل إبراهيم من معرفة كل أفراد جيشه الذي يبلغ العشرات الآلاف ، يعرفهم فرداً فردا ، يسلم علي هذا ، ويسأل هذا عن أخبار آخر لم يقابله بعد ، يشتكي إليه أحدهم ، فيستمع إليه لأكثر من ساعة تقريباً ، يقابل مناديب القبائل واحدة تلو الأخري ، يشد من أزر هؤلاء ، وينخي أولائك ، يودع بعض الراحلين إلي الإستنفار ، ليتم الترتيب لإستقبال وفود أخري ، إنه طاقة للرجل لا ينضب.
القائد الأعلي لقوات حركة العـدل والمساواة السودانية ، الفريق الأول الدكتور خليل إبراهيم ، في لقائه أعلاه ، يشكر المقاتلين علي أدائهم المميز وصبرهم علي إعتداءت الطيران الحكومي الغاشم في جبل مون وبير صليبا ، رغم إلتزام الحركة بالهدنة في الدوحة ، وبعد الترحم علي الشهداء وعاجل الشفاء للجرحي ، يطلب الدكتور خليل من جيشه عدم الرد علي إعتداءات النظام في الخرطوم ، وأن لا تخونوا العهد أبدا ، فالذي يخوننا سيدفع الثمن في القريب العاجل أياً كان ، والكلام للدكتور خليل ، صحيح حكومة عمر البشير لا عهد لها ، لكننا سنلتزم حتي بإتفاقيات الــــ( الجنتل مان ) ، وهـُدنة الدوحة لإبداء حسن النوايا ليست إستثناء.
يقول الفريق الأول الدكتور خليل ابراهيم لجيشه : ( إن قضيتكم الآن أعدل قضية في العالم ، وثورتكم ، ثورة المهمشين علي الظلم آتت ثمارها ، وإن أحببتم بيعِ قضيتكم في ـ سُوق العصُر ـ ، راح يجيب ليكم كردفان ودارفور ! ) ، هنا يقاطع المقاتلون الدكتور خليل بالهتاف المُجلجل قائلين : ( لا لا ، ما بنبيع في سُوق العصُر ـ ، هنا يستطرد القائد الأعلي قائلاً : ( إذن أصبروا ، والصبر راح يجيب ليكم بلدكم السُودان كلو ، مش كردفان ودارفور بس ) ، نحن لن نخون قضيتكم العادلة ، وأعلموا بأنكم أنتم المفاوضون الحقيقيون في الدوحة ، وأنتم من تعـّلون سقف التفاوض ، والعالم تحترمكم لأنكم ممسكين ببندقيتكم ، والنظام يفاوضكم لأنكم تنازلونه في الميدان بسلاحكم الغالي .
عندما مالَت شمس أصيل شهر نيسان ـ أبريل نحو المغيب ، وأسدلت شجرة الهراز بظلها علي ساحة بئر ( كولنقو ) ، كان الحراك السياسي في دارفور هامداً بارداً كسَقيع ( نـيَو ) وادي كتم ، فقط الفريق الأول الدكتور خليل إبراهيم ، هو أكثر الناس إستعداداً لجعل من شهر مايو القادم أكثر الشهور دموية ، وحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة العاملة في دارفور ، فجيش حركة العدل والمساواة السودانية ، إستشعرت بأن هنالك من يريد بيع قضيته العادلة في الدوحة وبثمنٍ بخس ، ومع إستمرار قصف الطيران الحكومي لبئر قرجي قرجي وطويل ، وقرية قدح الفيئ ، ومع إحتشاد قوات الحكومة ومليشيات الجنجويد في كلٍ من أووم ، حليلات ، وطريق القيامة بدار قِمر ، كانت قوات حركة العـدل والمساواة السودانية تتسرب مثل الماء من بين أصابع اليد ، وتستخدم كل مبادئ الحرب العشرة ، لتكون في يوم وليلة ، هناك وبالقرب من بادية الرزيقات قي الضعين ، وعواتيل جبال عدولة في دار البرتي ، إنها معجزة عسكرية ، وإرادة جيشٍ لا يقهر ، ويرفض بيع قضيته في بازار سوق مركز المال العالمي .
بعد يومين فقط من لقاء جيش العدل والمساواة بقائدهم الأعلي ، حيث لم يتثني اللقاء بالقائد العام الفريق سليمان صندل ، الذي كان في رحلة إستشفاء من جراء إصابة رصاصة إخترقت ساقه اليمني ، محدثاً كسراً مركباً ، كل ذلك في معركة مع الجيش الحكومي في منطقة ( قبر بلا سيد ) بجبل مون ، فبراير 2010 ، لكن كان الفريق بخيت دبجوك ، نائب القائد العام حاضراً ، وهو ينفذ أمر القيادة السياسية بضرورة ، تجديد صيغة قسم الولاء ، هكذا ، فقامت القيادة العليا وبمختلف مؤسساتها ـ المجلس التشريعي ، المكتب التنفيذي ، هيئة الأركان ـ قامت بتجديد القسم علي العهد الذي هو العهد ، معاً وسوياً إلي السلام العادل أو الحرب العادلة ( Just war) ، كما في كردفان ودارفور.
ولأن الشيئ بالشيئ يذكر ، فإن من دواعي هذا القسم المتجدد هو إستشعار القيادة السياسية لإسلوب حكومة حزب المؤتمر الوطني ، وطريقتها في إستمالة ضعاف النفوس ، من شرائهم بالمال والخُضُر العزيزات ، أو حتي المناصب الوزارية والنساء الغواني أتن إلي كواليس فندق متروبوليتان في الدوحة ، ولعل القارئ الكريم قد أنتبه إلي الذين لفظتهم المسيرة الحركة بعد هذا القسم ، من أمثال الأمين السياسي آدم علي شوقار وغيره ممن إستسلموا وخارت قواهم عن المسير إلي أمام في ثورة المهمشين ، بعد أقل من ستة أشهر من القسم الغليظ والعهد باليمين .
ومن سخريات القدر في ثورة الهامش ، أن نادراً ما ينسلخ عسكريون عن حركة العدل والمساواة السودانية ، لكن السياسيون من زوي الياخات البيضاء فإنهم غالباً ما يحدثون جلبة ونسمع جعجعة ولا نري إلا فوتا ، في رحلة غدوهم ورواحهم ، رغم إدعائهم المستمر بالوعي الكافي بمتطلبات المرحلة من ، وحدة للمقاومة.
حامد حجر ـ الميدان ـ الأراضي المحررة ـ 16 نوفمبر 2010