الخرطوم – ما زال الصراع الدائر في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في السودان يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لمنظمات الإغاثة في المنطقة، التي تقول أن الوصول إلى هذه المناطق بات حاجة ملحة لتلبية الاحتياجات الإنسانية لمئات الآلاف من الأشخاص.
وتقول الأمم المتحدة أن أكثر من 200 الف شخص فرّوا من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى جنوب السودان وإثيوبيا، لاسيما وأنهم كانوا يخشون القصف “العشوائي” من قبل سلاح الجو السوداني والقصف من قبل المتمردين.
واتهم الرئيس السابق لبعثة الامم المتحدة للشؤون الانسانية الحكومة السودانية بارتكاب جرائم ضد الانسانية في اقليم جبال النوبة.
وقال موكيش كابيلا الذي عاد للتو من زيارة الى المنطقة ان الحكومة السودانية تستخدم الطائرات المقاتلة والالغام المضادة للافراد والمدفعية في شن هجمات على تجمعات السكان في المنطقة وتفريغ القرى من السكان واضرام النار فيها.
كما منعت الحكومة السودانية منظمات الاغاثة من دخول المنطقة لتقديم العون للسكان.
واضاف كابيلا “بسبب اتباع الحكومة السودانية سياسة الارض المحروقة يمضي السكان اغلب وقتهم في كهوف ولا يجرؤون على الخروج الى الحقول”.
وقال “ان دارفور شهدت اول ابادة جماعية في القرن الحادي والعشرين وما يحدث الان في النوبة قد تكون الابادة الجماعية الثانية في هذا القرن”.
وتقول الحكومة السودانية ان العمليات العسكرية التي تقوم بها قواتها المسلحة في المنطقة تستهدف مقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان-فرع الشمال الذي يحمل السلاح ضد حكومة الخرطوم.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أدى القتال إلى نزوح أو تضرر حوالي 275 الف شخص في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، و420 الف آخرين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون وفقا لشبكة الانباء الانسانية.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في 2012، “قامت القوات الحكومية بمداهمة القرى وإحراق ونهب الممتلكات المدنية واعتقال الناس بشكل تعسفي والاعتداء على النساء والفتيات واغتصابهن”.
وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقوم حوالي 300 لاجئ سوداني من جنوب كردفان يومياً بعبور الحدود إلى جنوب السودان، ويتجه العديد منهم نحو ييدا، وهو أكبر مخيم للاجئين في ولاية الوحدة في جنوب السودان، ويأوي ما يقدّر بحوالي 61 الف لاجئ سوداني.
وتتعرّض مخيمات اللاجئين في ولاية الوحدة لضغوط هائلة جراء ارتفاع أعداد اللاجئين فيها.
وقد أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مؤخراً أنها ستفتتح مخيماً جديداً في شهر مارس بغية استيعاب حوالي 60 الف من اللاجئين الذين قد يتوافدون خلال النصف الأول من عام 2013.
وحذرت المفوضية من أنه من المرجح أن يواجه مخيم ييدا مشاكل عديدة خلال موسم الأمطار الذي سيمتد ستة أشهر هذا العام. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في عام 2012، اضطر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى إلقاء المساعدات الغذائية جواً عندما قطعت الأمطار الطرق المؤدية إلى المخيمات، الأمر الذي كلف البرنامج مبالغ طائلة.
وفي حديث له من مقر الأمم المتحدة في نيويورك قال جون غينغ، مدير شعبة التنسيق والاستجابة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن الكثير من الناس في جنوب كردفان والنيل الأزرق كانوا يعيشون على الجذور والأوراق نظراً لنقص المساعدات الإنسانية.
ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أجرت منظمة إنقاذ الطفولة السويدية، منذ 2012، فحوصاً للكشف عن سوء التغذية لـ 81,062 طفلاً دون الخامسة من العمر وسجّلت 3,490 حالة من سوء التغذية الحاد الشديد و10,287 حالة من سوء التغذية الحاد المعتدل.
ووصف غينغ الظروف بأنها “مروعة”، وعزا استمرار معاناة المدنيين وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى عدم كفاية الإرادة السياسية من جانب الحكومة السودانية والمتمردين على حد سواء. وحذر من المزيد من حالات الوفاة وعمليات النزوح ما لم يُسمح بالمضي قدماً في العمليات الإنسانية.
وعلى الرغم من توقيع مذكرة تفاهم في 2012 بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان ومجموعة الوساطة الثلاثية المؤلفة من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، قالت الجهات الفاعلة الإنسانية في السودان أن مهلة الأشهر الثلاثة التي وضعها الاتفاق قد انقضت، في حين لم يتفق كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية على الشروط التي تسمح بوصول إمدادات الإغاثة إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تسيطر عليهما الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وقد تمكنت الحكومة وشركاؤها في المجال الإنساني، من خلال جمعية الهلال الأحمر السوداني إلى حد كبير، من توفير البذور والأدوات والمياه وخدمات الصرف الصحي، والخدمات الصحية مثل التلقيح لمئات الآلاف من الناس في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. مع ذلك، جاءت المساعدات محدودة جداً لسكان المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وتشير تقارير وسائل الإعلام مؤخراً إلى أن هؤلاء السكان يعانون من نقص حاد في المياه والغذاء والأدوية.
وقال زعماء النوبة في رسالة إلى المجتمع الدولي في نوفمبر 2012 “ليس لدينا إمكانية الحصول على الغذاء والدواء والرعاية الصحية وغيرها من الضروريات الأساسية. وها نحن ننظر حولنا إلى ما تبقى من بيوتنا، ونرى عائلاتنا وأصدقاءنا يعانون من ضعف شديد بسبب الجوع والمرض. وأينما نظرنا، نرى الأطفال والمسنين وغيرهم من الفئات الضعيفة ملقاة على الأرض بلا حول ولا قوة.
وقد تمكن عدد قليل من المنظمات غير الحكومية من تنفيذ عمليات إغاثة عبر الحدود من خلال جنوب السودان. وفي حين تقدّم مثل هذه العمليات الإغاثة الملحة، تحذّر الأمم المتحدة من أنها ليست مثالية، لأنها تضع موظفي المنظمات غير الحكومية في خطر ولا تسمح بعمليات شفافة لتسليم المساعدات على أساس تقييم الاحتياجات وفقا لما اوردته نفس الشبكة.
وقام خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان، مسعود أديبايو بادرين بحثّ الحكومة السودانية مؤخراً على منحه وصولاً كاملاً إلى البلاد، لاسيما إلى دارفور وجنوب كردفان ودول النيل الأزرق، من أجل تقييم أوضاع حقوق الإنسان هناك.
وأكد مسؤول كبير في الحكومة السودانية في 2012 أن هناك احتياجات إنسانية في كلا البلدين، بما في ذلك خدمات المياه والصحة، لكنه نفى وجود أي أزمة في المنطقة.
وقام ائتلاف يشمل أكثر من 350 منظمة من المجتمع المدني بحثّ قادة السودان وجنوب السودان على معالجة الوضع الإنساني في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإيجاد حل دائم للصراع.
ووفقاً للبيان الذي تم تقديمه إلى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي “بات الوضع الآن حرجاً جداً ولا يجوز أن نترك المدنيين يقعون ضحية مزيد من التعنت السياسي. فوحدها الضغوط السياسية المستدامة والموحدة وعالية المستوى ستقدر على كسر الجليد في جنوب كردفان والنيل الأزرق”.
وقد أصدر مؤخراً فريق الاتحاد الأفريقي الرفيع المستوى المعني بالتنفيذ في السودان، برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق تابو مبيكي، تقريراً يحث حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال على “الدخول في مفاوضات مباشرة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع”. كما دعا مجلس الأمن الدولي إلى تكرار الدعوات السابقة للمساعدات الإنسانية الفورية وغير المشروطة إلى المجتمعات المحلية المتضررة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ميدل ايست أونلاين