خالد ابواحمد
قد يبدو عنوان هذا المقال صادماً للبعض، أو غير موضوعي أو جانبه الصواب، لكن بالنسبة للذين خاضوا تجربة العمل داخل كواليس النظام الحاكم في السودان وهم كثر فالأمر أكثر من عادي، بل حقيقي وواقعي، والبعض قد يراه أقل بكثير من الحقيقة، لكن في اعتقادي بأن كل السودانيين إلا الشرذمة الحاكمة يعتقدون اعتقادا جازما بأن الدولة السودانية قد انهارت تماما، وما موجود الآن على الواقع ما هو إلا خيال مآته..!.
وبطبيعة الحال لا بد من توصيف (الانهيار) على ضوء التعريفات القرآنية والعلمية، ومقارنتها بالواقع المعاش، والانهيار في المفهوم المجتمعي السوداني أنه نهاية مراحل الفشل بحيث يكون الانهيار تاما ليس بعده من اصلاح إلا التغيير، ويحدثنا قاموس المعاني ويقول: انهارَ ينهار، انْهَرْ ، انهيارًا ، فهو مُنهار، انهار السَّدُّ ونحوُه مُطاوع هارَ: سقط وانهدم ويقول المولى سبحانه وتعالى” أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ”.
وانهارت قواه ونحوُها: خارت وضعُفت انهارت معنويّاتُه، انهارت دولتُه: سقطت وانحلَّت انهارت الثلوجُ، انهارت ثروتُه: ضاعت وتبدَّدت، انْهَارَ البناءُ ونحوُه: انْهَدم، وفي التنزيل العزيز: التوبة آية 109 “فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ”، اِنْهِيَارُ جُدْرَانِ البَيْتِ: اِنْهِدامُها، سُقوطُها، وفي كل المعاني والقواميس المعتمدة وغير المعتمدة فإن الانهيار يعني السقوط، والسقوط يعني الكثير في الواقع سواء سقوط منظومة او قيم او دولة، وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا.
في الدراسة القيمة التي أعدها الباحث عبدالوهاب عمروش بمركز الاهرام للدراسات والبحوث في تعريفه للدولة المنهارة وأسباب الانهيار يرى روبرت روتبيرج “الدولة المنهارة باعتبارها إحدى مراحل الدولة الفاشلة، هي الدولة العاجزة عن أداء وظائفها لفترة طويلة من الزمن”، وقد طور ويليام زارتمان هذا التعريف، وأضاف إليه عناصر شملت “عدم فاعلية الحكومة المركزية، وتآكل شرعيتها، وتراجع سيطرتها الأمنية علي إقليمها، وانتشار حالة من عدم احترام القانون ومن غياب النظام”، ويؤكد عمروش بأن “الدولة المنهارة تختلف عن الدولة التي تمر بأزمات عابرة، حيث تكون غير قادرة علي إدارة النزاع الداخلي، أو توفير الخدمات الاجتماعية، لفترة قصيرة المدى، تكون مرتبطة بفترة الأزمة، ولكنها لا تزال تحتفظ بالسيطرة علي أجزاء مهمة من إقليمها”.
أعتقد أن ما قال به الباحث عبدالوهاب عمروش أعلاه يشبه للحد البعيد الواقع السوداني والانهيار الكبير الذي حدث للدولة السودانية، فإن ما يحدث في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وفي انهيار الحُكم بالولايات المختلفة وعدم سيطرتها على الاوضاع الأمنية والاقتصادية يحاكي ما جاء به الباحث المذكور، فغياب الدولة في باقي البلاد جعل الناس تأتي للمركز – الخرطوم- محل الرئيس بنوم والطيارة تقوم- للبحث عن العمل والأمن والأمان، ولا يخفى على أحد احتلال جزء عزيز من البلاد في الشرق شمالا (حلايب وابورماد وشلاتين)، واحتلال جزء عزيز أيضا بما يعرف بالفشقات شرق ولاية القضارف من قبل السلطات الأثيوبية، والآن جبال النوبة خارج سيطرة الدولة، وجزء من دارفور تحت سيطرة الحركات المسلحة.
وإذا أضفنا لذلك سقوط وانهيار القضاء السوداني والذي لأول مرة يصبح تحت يد النظام الحاكم يحركه كما يشاء، وتؤكد ذلك عشرات بل آلاف القضايا التي رفعتها أسر سودانية ضد السلطات العسكرية والأمنية لمقتل أبناءهم في معسكرات الخدمة الالزامية، مثل قضية الطالب النابغة الشهيد غسان أحمد الأمين هارون، وضحايا معسكر العيلفون، حيث رفضت الجهات العدلية مقاضاة المتهمين، وقضية شهداء ثورة سبتمبر المجيدة، وقضية مقتل الشهيدة عوضية عجبنا، كلها لم تجد طريقها للعدالة الأمر الذي يؤكد انهيار القضاء في السودان، وهذا مما جعل الناس على قناعة تامة بانهيار الدولة السودانية، إذا أضفنا إليها قضايا فساد الرئيس وأسرته وقضايا نهب الدولة ومؤسساتها من قبل النافذين في الحزب الحاكم، واشهرها قضية سرقة الأراضي بولاية الخرطوم والمليارات التي دخلت جيوب النافذين، وهي القضية الوحيدة التي لم تنكرها الجهات الرسمية، وقضية الأقطان وما حدث فيها من ملابسات وتداعيات أدت إلى قتل رجل الأعمال هاشم سيد أحمد عبيد، والاعتداء على الزميل الأستاذ عثمان ميرغني.
والسؤال الذي يطرح نفسه..كيف حدث انهيار الدولة السودانية..؟.
سنوات النظام الـ 25 ع وما حدث فيها من تطورات عاشها الشعب السوداني بكل جوارحه وذاق فيها الويلات من حروب وقتل ونهب للموارد وظلم للناس، وهذا هو أحد أهم اسباب انهيار الدولة بيد حزب (المؤتمر الوطني) الحاكم الذي يتحمل المسؤولية الكاملة فيه، وتحديدا أقوى الأسباب الجوهرية في اسباب هذا الانهيار هو فساد القيادة والنافذين أولا، ثم اشاعة كل أنواع الظلم السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وللأسف الشديد على الرغم من الانهيار المستمر للدولة كانت شعارات الاسلام حاضرة، وكانت الهتافات الداوية والقوية، وكانت الآلة الاعلامية تعلي من صوتها وتعبر عن تمسك الدولة بالاسلام وحاكميته..!!.
وكان أخطر ما مارسته العصابة الحاكمة هو عمل القيادات الحاكمة في التجارة وهذه لا تحتاج منا لكثير إثبات وقد نشرت في هذا الموقع قبل سنوات بالأدلة الدامغة بأن وزير الخارجية علي كرتي تاجرا كبيراللأسمنت والسيخ ومواد البناء، وهو على رأس الدبلوماسية السودانية، وعندما سألته إحدى الصحف أجاب بكل اريحية مؤكدا بأن ما نشر حول ممارسته العمل التجاري صحيحا، والآن السواد الأعظم من الوزراء الكبار والصغار في دولة الفساد هم تجار وعلى رأس الوظيفة (الحكومية)، وبما أن العصبة تتحدث عن تمسكها بالاسلام لا يمكن أن تثبت ممارسة حرمها الاسلام، وهي مسألة خطيرة للغاية تجعل الوزير والوالي والموظف في الدولة تاجر جعل اهتمامه تجاره أما مصالح الناس الذين وُلي عليهم في المرتبة الثانية..!!.
إن السيرة النبوية وسيرة الصحابة الأجلاء تؤكد بأن الاسلام حرم عمل ولاة الأمر في التجارة تحريما واضحا، ويحدثنا التاريخ بأن الخليفة عمر بن الخطَّاب في حادثة مع الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حين ولي أبو بكر أمر المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم التقى سيندنا عمر الخليفة أبو بكر الصديق وهو في طريقه للسوق، فلقيه الفاروق عمر وسأله: أين تُريد؟ فقال الخليفة: إلى السوق، قال: تصنع ماذا وقد وُلِّيت أمر المسلمين؟، قال أبو بكر الصديق فمن أين أُطعم عيالي ؟ فصحبه سيدنا عمر، وذهبا به أبي عبيدة أمين بيت مال المسلمين ليفرض له قوته وقوت عياله، ففرض له ستة آلاف درهم في العام.
إنَّ ما يصدر عن عمر وأبي بكر وأبي عبيدة يعتبر تشريعا إسلاميا أصيلا، فثلاثتهم من كبار الصحابة وأعلامهم ،وهم في مقدمة حواريي رسول صلى الله، فهذه الحادثة تؤكد لنا أنَّ اتجار السلطان ـ شخصا كان أو نظاما ـ محرَّم في الإسلام، وأن ما جاءت به العصابة الحاكمة ليس له أي صلة بالإسلام الحنيف بل يقع من ضمن الأخطار التي تهدد الأمة.
أعظم ألوان الظلم
إن النظام الحاكم نفسه أصبح تاجرا، لم يضيق على الناس في السوق فحسب بل احتكر السلع الأساسية التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية، والسودانيين يعرفون بأن السوق التجاري أصبح سوقا للحزب الحاكم ولا أحد يتجرأ أن يدخل في هذه المعمعة ما لم يكن نافذا في الحزب، ويقول مؤسس علم الاجتماع الحديث ابن خلدون عن احتكار ولاة الأمر للتجارة “أنَّه أعظم ألوان الظلم الذي يؤدي إلى إفساد العمران والدولة”، والتسلط على أموال الناس بشراء ما بين أموالهم بأبخس الأثمان، ثُمَّ فرض البضائع عليهم بأعلى الأثمان على وهم الغصب والإكراه في الشراء والبيع، أنَّ نتيجة ذلك يؤدي إلى كساد الأسواق، وتوقف معاش الرعايا، سبب لجوء الدولة أو السلطان إلى الاحتكار هو حاجتهما إلى الإكثار من المال بأخذهم بأسباب الترف، فتكثر نفقاتهم فيرفعون الجبايات ولا يزال الترف يزيد والجبايات تزيد وتشتد حاجة الدولة إلى المال فتدخل في مزاحمة الناس في نشاطاتهم الاقتصادية وتجنح للاحتكار.
وبيَّن ابن خلدون حكم الشرع للاحتكار بتحريمه، وقد استند في ذلك على قول النبي صلى الله عليه وسلم (المحتكر عاص وملعون) وذلك لرفع الضر عن الناس ووقايتهم من المحتكرين في حبس الأقوات وغيرها من ضروريات الحياة، ونظرية “تجارة السلطان مضرة للرعايا مفسدة للجباية” أصبحت واقعا في السودان لا تحتاج لكثير كلام ومغالطة، وفي ذلك اجابة للسؤال إن كان الإسلام يُحرِّم اتجار السلطان أو النظام الحاكم فكيف ينمو دخل الدولة؟..
من هذا الخيط يتأكد للجميع بأن ما حدث من انهيار للاقتصاد السوداني كان سببه العصابة الحاكمة لأن عجلة المال تدور في داخلها فقط وليس في دوائر الانتاج وفي الأسواق، هم القيادات المتنفذة من وزراء ودبلوماسيين وقانونيين دخلوا السوق ومنعوا أصحاب المهنة من مزاولة عملهم بالتضييق عليهم، فأصبحوا هم الحُكم والتاجر والسوق والمشتري، وهذا يفسر سبب العيشة الرغيدة التي يعيش فيها أسر وموالي الحزب الحاكم، بيدهم كل شئ،و باقي الشعب الفضل إما على ابواب السفارات (50 ألف سوداني هاجروا في النصف الأول من العام الجاري آخر تصريح لرئيس جهاز المغتربين)، والبقية يعيشون على الكفاف.
ارهاصات انهيار الدولة من خلال تجربة شخصية
الكثير منا قد رأى بنفسه ارهاصات الانهيار منذ وقت مبكر، وفي تلك الأيام في منتصف التسعينات تقريبا، كانت الدولة تعيش في حالة فوضى إدارية غير طبيعية، واتذكر كان العاملون بالوزارات ومؤسسات الدولة في حالة غياب دائم عن مكاتبهم وفي الفترة النهارية تتحرك السيارات بالوزير والموظفين والوكلاء إلى بيت فلان الذي وضعت زوجته لمناسبة (سماية) ، وفلان جاء من الحج، وزواج بنت فلان. إلخ، وكانت الدولة مشغولة (بالعزومات) وشباب وشابات الحزب الحاكم ومؤسساته تكتظ بهم مطاعم السمك والدجاج في سوق الخرطوم (2) والعمارات، واستعراض السيارات الجديدة والمكاتب الفاخرة الوسيرة، وفي الأمسيات حدث ولا حرج حيث بيوت المسؤولين لا تخلو من حفلات العشاء بالبوفيهات المفتوحة، و الوزارات والهيئات الحكومية مشغولة بالصراعات في توزيع السيارات الجديدة، ومافيا المؤتمرات تجدهم في قاعة الصداقة مع ضيوف البلاد، والسفريات الخارجية.
والأخطر من ذلك كان عدد من المسؤولين في الحزب ومؤسساته التنظيمية لديهم مقرات (خاصة) وهي عبارة عن بيوت فاخرة جدا في الطائف أو الرياض، تستخدم احيانا في الاجتماعات التنظيمية، وهذه البيوت لا يعرفها إلا القليل جدا، وكانت بالنسبة لي مؤشر للفساد الاخلاقي وسط القيادات التنظيمية، خاصة بعد أن اكتشفت شخصيا فساد أحد القيادات الكبيرة، وقد فكت لي الكثير من الطلاسم والأسئلة الصعبة التي كنت أبحث لها عن إجابات، بحمد الله عرفت الكثير من الحقائق، وهذه كلها كانت ارهاصات بل بداية انهيار الدولة في السودان، وبتأكيد شديد عندما ُيبلغ أي فرد عن فساد قيادي أو شخص داخل المنظومة الحاكمة بالأدلة الدامغة كان ينظر إليه كعنصر شاذ ويجب ابعاده، حدث ذلك للكثيرين وقد تم تشويه صورتهم أمام إخوانهم وزملائهم، لذلك كان البعض يسكت وكأن شيئا لم يحدث لأنه يعرف عاقبة الحديث إذا تحدث أو أبلغ عن شيء رآه بعينيه.!!، فقد قتلوا المروءة في الناس.
وقديما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم… فأقم عليهم مأتما وعويلا
لذلك أقول بأن ما يحدث وحدث الآن في السودان من دمار كامل في البنيات التحتية وفي المؤسسات الخدمية مثل الصحة والمستشفيات وفي التعليم، ودمار الخدمة المدنية، وبيع مؤسسات الانتاج الكبيرة التي كانت تعتمد عليها الدولة مثل مشاريع الزراعة كمشروع الجزيرة مثلا، والخطوط البحرية السودانية، والخطوط الجوية السودانية، كلها كانت ارهاصات وبدايات لانهيار الدولة، وكان القوم ولا زالوا في حالة سُكر بالسلطة وتوهان وغياب عن الوعي.
إبن خلدون يُشرّح الواقع السوداني الحالي
وقال الباحث السوري بمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية فائز البرازي في مقالته البحثية بعنوان(ابن خلدون والاجتماع العربي) أن ابن خلدون في نظريته تحت عنوان (الظلم مؤذن بخراب العمران) استعرض صورا كثيرة لأنواع الظلم موأكد أن الفسق –ارتكاب المعاصي الكبيرة –بصورة فردية لا تؤدي إلى خراب العمران بصورة سريعة كما هو حال الظلم.. نعم قد يكون ارتكاب المعاصي الكبيرة مؤذنا بخراب العمران، ولكن في حالة واحدة وهي إذا ارتكبت المعاصي من قبل النافذين في الدولة ولم تستطع يد القانون أن تطالهم، كونهم محميين بمكانتهم ونفوذهم، وبالتالي في هذه الحالة تكون الدولة ساعية في طريقها إلى السقوط، وضرب مثلاً بقصة رمزية قدمها المويذان مستشار الملك بهرام الفارسي، وذلك عندما سمع الملك بهرام صوت البُوم فسأل مستشاره: هل لي أن أفهم كلامهما؟! أجابه قائلا: “إن ذكر البوم رام نكاح انثى فشرطت عليه عشرين قرية خربة في أيام بهرام، فقبل شرطها وقال لها إذا دامت أيام الملك أقطعتك ألف قرية، وهذه سهل مرام”، وهنا تنبه الملك.. ثم خلا بالمويذانا المستشار فقال له: “أيها الملك: لا عز للملك إلا بالشريعة والرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل إلى المال إلا بالعمارة ولا عمارة إلا بالعدل، أيها الملك: عمدت إلى المزارع والأرض فانتزعتها من أصحابها الذين يؤدون الخراج، وأعطيتها لحاشيتك فتركوا عمارتها وسومحوا بالخراج لقربهم من الملك، فاشتد المكس/ الضرائب على الباقين، فتركوا البلاد وهاجروا فقلت الأموال فهلك الجند جوعا فطمع بك الخصم المتربص”، وهنا سارع الملك إلى رد الحقوق فانتعش اقتصاد البلد وعادت إليه هيبته”.
لكن لا أعتقد بأن الرئيس عمر البشير سيفعلها ويرد الحقوق كما فعلها الملك في هذه القصة لأن المسألة تجاوزته تماما وأصبح المال العام بين افراد أسرته وزوجته وقيادات حزبه، وإذا طلب منهم ارجاع المال سوف لا يمتثل أي فرد منهم لإرجاع المال العام، وإعادة الحقوق لأهلها، وهذا ما أثبت بأن الدولة السودانية قد انهارت تماما.
ظاهرة تستحق الدراسة
لقد بلغ أهل (الانقاذ) مبلغاً فذا في انكار الحقائق والمعاندة وتسفيه من يقدمون لهم النصح لإدراك ما يمكن ادراكه في ظاهرة تستحق الدراسة،، فالخريف ذو الوقت المعلوم تحول الى بعبع بسب سوء تخطيطهم، وعدم مبالاتهم وكارثة في كثير من المناطق، وهاهو وزير الخارجية وبقوة عين يطالب السودانيين في الخارج بالعمل على جلب المساعدات لأهلهم ومناطقهم المنكوبة في السودان بالتنسيق مع السفارات واندية الجاليات في دول المهجر،، فأين دور الدولة! وكيف يتكرر هذا السيناريو سنويا وتقف الدولة مكتوفة الايدي إنه لقمة الخزلان الإلهي أن يجعلهم الله ينظرون إلى المشاكل تتكرر أما أعينهم كل عام ولا يستطيعون فعل شيء ،حتى الطبيعة هزمتهم وذلتهم، لقد انهارت الدولة وآلياتها تماماً ولم يتبقى لهم الا المكابرة الجوفاء.
وليكن في العلم عندما اتحدث عن انهيار الدولة بطبيعة الحال لا أتحدث عن (النظام) الحاكم، بل أتحدث عن دولاب الدولة الذي يدير البلاد وشؤون المواطنين، ولذلك أرى أنه عندما يسقط النظام قريبا إن شاء الله تعالى ستسقط الدولة وتتعطل كل مفاصل ماكينة الدولة التي تدير البلاد، لأن الماكينة أصلا منتهية وتروسها عاطبة ومجاري الوقود مغلقة، وهذا الفرق ما بين الدولة الموؤسسة والدولة التي يديرها أشخاص، مثلا عندما انهار نظام زين العابدين بن علي في تونس سقط النظام ولم تسقط الدولة، وفي مصر كذلك سقط نظام حسني مبارك برمته لكن الدولة ظلت موجودة وتمارس عملها وتؤدي دورها وواجباتها، لأن هذه الأنظمة لم تجيّر كل الدولة ومؤسساتها لمصلحة النظام كما حدث في السودان، لأن حزب المؤتمر (الوطني) الحاكم قد غير تركيبة الخدمة المدنية ودمر المؤسسية فيها.
مثلا في السابق وكل الأنظمة التي حكمت البلاد كانت وظيفة وكيل الوزارة وظيفة مدنية ومهنية ليس لها علاقة بالنظام الحاكم، نعم يعين رئيس الجمهورية بوزير جديد لكنه لا يمس كل عصب الوزارة، وفي عهد العصابة الحاكمة تم تفكيك الخدمة المدنية تماما لصالح الحزب، وأصبح منصب وكيل الوزارة والمدراء، ُتعينهم المكاتب التنظيمية في الحزب الحاكم، وهو ما اسهم في دمار الخدمة المدنية التي أصبحت مؤسسة من مؤسسات النظام، وكان في السابق وكيل الوزارة عبارة عن المرجع المهني في كل مرفق حكومي خدمي، وكان الوكيل بمثابة أبو الموظفين والموظفات حتى هذه الخاصية المهنية والتربوية تم إلغاؤها في عهد (الانقاذ) وأصبح وكيل الوزارة شاب في مقتبل الثلاثينيات أو بداية الاربعينات بينما كان في السابق على مشارف بلوغ الستينات له خبرته الطويلة ومكانته الرفيعة فضلا عن شخصيته القوية.
وخلاصة القول إن انهيار الدولة السودانية الماثل أمامنا الآن في كل مظاهر الحياة في بلادنا ستكون له آثارا كارثية في الفترة المقبلة أكثر مما هو حادث الآن، لذلك لابد من الاسراع في انقاذ البلاد من هذه العصابة فقد اتسع الخرق على الراتق.
إن الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون..
11 أغسطس 2014م
[email protected]