بعد خلع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، جاء دور عمر البشير في السودان ليلاقي المصير نفسه. ففي أبريل عام 2019، انتهت الديكتاتورية التي استمرت لثلاثين عامًا في السودان. بعد أشهر قليلة، تم الاتفاق على حكومة انتقالية مع الجيش وتم تعيين عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء. السودان ينهار تحت دين هائل قيمته 150 مليار دولار ويحتاج إلى تدفق ضخم للاستثمارات الأجنبية. لتحقيق ذلك، فإن أولوية حمدوك هي إخراج بلاده من قائمة الإرهاب الأمريكية.
تم وضع السودان على القائمة السوداء للإرهاب في الولايات المتحدة عام 1993، وذلك لأنه إضافة إلى أمور أخرى، قام باستضافة زعيم القاعدة أسامة بن لادن من عام 1992 إلى عام 1996. ومع ذلك، هناك علامات مشجعة بعد رحيل البشير، إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 4 ديسمبر 2019، أن “الولايات المتحدة والسودان قررتا بدء عملية تبادل السفراء للمرة الأولى في 23 سنوات. هذه خطوة تاريخية لتعزيز علاقتنا الثنائية “.
لا يزال الطريق طويل أمام السودان قبل أن يتم حذفه من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، إذ تواجه حكومته المدنية “مهمة لا يمكن التغلب عليها”. واشنطن لديها قائمة طويلة من المطالب من الخرطوم قبل رفع العقوبات عنها.
لقد عملت الحكومة السودانية بجد في الأشهر القليلة الماضية لإرضاء الولايات المتحدة والامتثال لهذه المطالب. تحاول الخرطوم أن تثبت حسن نيتها وتبين أنها تغير خطوطها، وتقطع كل الصلات بنظام البشير.
في البداية وقبل كل شيء، تعهد السودان بإرسال الدكتاتور السابق عمر البشير إلى المحكمة الدولية في لاهاي لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، ويبقى أن نرى أن هذا سيحدث بالفعل. ثم تم عزل أكثر من 100 دبلوماسي سوداني من مناصبهم، ممن زعم صلتهم بنظام عمر البشير. أيضا وزير الخارجية السابق علي كريتي أصبح مطلوبًا وسيتم تجميد أصوله. وأخيراً، يلاحق السودان إسلامييه، إذ يتم اعتقال أعضاء الإخوان المسلمين في مختلف القطاعات، من الأجهزة الأمنية إلى الوزارات والجامعات.
إضافة إلى ذلك، وافقت الحكومة السودانية على قانون لحل الحزب الحاكم السابق، وألغت قانون النظام العام المستخدم لتنظيم سلوك المرأة في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
والأمر الأكثر أهمية من ذلك هو أن السودان يقطع صلاته بالمنظمات الإرهابية ويصبح أكثر تعاونًا في قضايا مكافحة الإرهاب. لذا، بعد زيارة تاريخية لواشنطن في ديسمبر 2019، تعهد رئيس الوزراء السوداني حمدوك بإغلاق مكاتب حماس وحزب الله في السودان، وأعلن أن السودان اعتقل ستة جهاديين تشاديين من بوكو حرام تم تسليمهم إلى السلطات التشادية.
كما تم اتخاذ خطوة هامة جدًا في فبراير عندما أعلنت الخرطوم أنها توصلت إلى تسوية بقيمة 70 مليون دولار مع أسر ضحايا هجوم عام 2000 على المدمرة يو إس إس كول في اليمن.
وبشكل مثير للاهتمام، يحاول السودان بشتى السبل الانضمام إلى الجانب الجيد لأمريكا، من خلال التواصل مع أحد أقوى حلفاء واشنطن وهي إسرائيل.
وبالنأي بعيداً عن حماس وحزب الله، فازت الخرطوم بالنقاط، ولهذا السبب تم عقد اجتماع “سري” في أوغندا في فبراير بين رئيس الحكومة الانتقالية السودانية الجنرال عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واتفقت الدولتان على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بشكل تدريجي، وهذا سيساعد بالتأكيد في إظهار تغيير السودان.
الانفصال عن نظام البشير، وملاحقة الإسلاميين ، والاقتراب من الولايات المتحدة وإسرائيل أغضب الكثير من أصحاب النفوذ في السودان. كدليل على ذلك، نجا رئيس الوزراء حمدوك في
مارس من محاولة اغتيال عندما انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من موكبه في العاصمة الخرطوم.
من المحتمل أن يكون الهجوم قد تم التخطيط له من قبل “منظمة إرهابية محلية” تفتقر إلى الخبرة في إعداد مثل هذه المتفجرات. المشتبه بهم المحتملون إما موالون للبشير أو إسلاميون.
قضية شائكة أخرى على المحك وهي دارفور. في نهاية ديسمبر، وقعت اشتباكات قبلية بين العرب وغير العرب في ولاية غرب دارفور أسفرت عن قتل 36 على الأقل، بينهم أطفال ونساء. وتشكل الاشتباكات تحديا لجهود الحكومة الانتقالية السودانية لإنهاء التمردات المستمرة منذ عقود في مناطق مثل دارفور.
تحدث وزير الخارجية الأمريكي بومبيو مع رئيس الوزراء حمدوك في 1 أبريل مشددًا على متطلبات النظر في حذف السودان من قائمة الدول الراعية الإرهاب وأهمية معالجة انعدام الأمن في دارفور.
في حين أن الحكومة الانتقالية حققت الكثير في غضون أشهر قليلة فقط، إلا أنه يجب عمل المزيد للخروج من القائمة. لا تزال الحكومة هشة للغاية وسيساعد طول عمرها على طي صفحة سنوات البشير المظلمة.
أوليفر غيتا