لا يتوقف الشبه بين الرئيس البشير ومقدم البرامج الهزلي “تجتوج” على الهيئة والمنظر وحدهما، إذ يمضي ذلك الى إسلوب كل منهما في مخاطبة الجمهور، حتى يستعصي على المرء أن يُدرك من منهما يقلد الآخر، فكلاهما يُلقي بالأسئلة على الجمهور بالكيفية التي تُوحي بالإجابة عليها، فالممثل “تجتوج” يطرح أسئلة تقريرية في البرامج التي يقدمها للأطفال لم تتطور منذ ظهوره بتلفزيون عجمان قبل عقد ونصف وحتى اليوم، فهو يصرخ في الأطفال : ” جاهزيين يا حلوين؟؟”، ثم يردف سؤاله بآخر من جنسه دون أن يأبه بالإجابة أو ينتظر صدورها من الأطفال: “مستعديين يا شاطرين؟؟” ويجيبه الأطفال في حماس و بصوت واحد: “نععععم”، ثم يختم سيل أسئلته بلزمتة التي تقول :”أيوووة”.
للرئيس طريقة في إشراك جماهير حزبه في خطبه الجماهيرية بطرح أسئلة عليهم لا تختلف في شيئ عن طريقة “تجتوج”، وقد لاحظت تنامي هذا الإسلوب عند الرئيس في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة، إذ بدأت هذه المتلازمة عنده بإلقائه لأسئلة ذات طبيعة “بدهية” وفي غاية السهولة على جماهير حزبه، كأن يقول ” الرزق عند منو يا جماعة ؟” فيجيبه الجمهور: “من الله”، أو يقول: ” نحن بنخاف من زول غير الخالقنا؟؟” فتأتيه الإجابة : “أبدااااً” فيبتسم الرئيس لفطنة شعبه وذكائه ثم يمضي في حديثه قبل أن يتبادر إلى ذهته سؤال آخر فيلقيه عليهم.
هذه المقارنة الهزلية لا بد أن تجول بخاطر المرء كلما شاهد أحد بطليها (تجتوج أو البشير)، ولكنني – شخصياً – أمسكت عن الحديث عنها لكي لا يقال بأننا نهزأ من خلق الله بلا سبب، بيد أن الذي دفعني للتعرض لها هذه المرة هو ظهور “تجتوج” على إحدى القنوات السودانية مع تباشير شهر رمضان بالتزامن مع إنتشار شريط فيديو بمواقع الإنترنت يحتوي على لقاء جماهيري للرئيس يقوم فيه بتوجيه سؤال للشعب لا بد من التوقف عنده بقوة لبيان مدى الغفلة وعالم “زين” الذي يعيش فيه الرئيس، يقول السؤال :”هل حصل يا جماعة أنا يوم كذبت عليكم؟؟”.
الواقع أنه من العبث أن نُهدر وقتاً في التدليل على بيان كذب الرئيس لا من حيث النوع ولا المقدار، فقد أصبح كذبه معلوماً لدى الناس بالضرورة، فقد بدأ مشواره الرئاسي بكذبة معلومة لدى الكافة، وهو يزداد شراهة في الكذب يوماً بعد يوم، بيد أن الذي يستحق الإهتمام بالبحث هو (الجرأة) التي يستطيع بها الرئيس أن (يبلع) بها كلامة بالسهولة التي يبلع بها (ريقه)، ولعل الحظ قد لازم الرئيس في كل المرات التي كذب فيها على شعبه، إما بحدوث مستجدات في الظروف التي صدر فيها القول أو القسم الكاذب تسهٌل له فرصة الحنث به، أو مجرد نسيان الناس بتقادم الزمن عليه (أقسم الرئيس بأنه سيترك الحكم ويتحول لمقاتل في حال دخول جندي أجنبي واحد تابع للأمم المتحدة في دارفور، وقال أن باطن الأرض خير من ظاهرها).
قد يكون كل ما ذكرنا قد صار في ذمة التاريخ الذي ضاع وسط أكوام الفشل التي غطت عليه، بيد أن الذي فتح هذا الباب من جديد هذه المرة هو القسم الذي أطلقه الرئيس قبل أسابيع قليلة ولا يزال صداه يتردد في الآذان، ففي الخطاب الذي ألقاه الرئيس بمناسبة (معركة) هجليج، قال الرئيس بالحرف : “نحن بنقول للحشرة الشعبية إنه بترولكم ما حا يمر بأراضينا حتى لو قسمتوه معانا النص بالنص”، ثم مضى يقول وسط صيحات النشوة والفرح لمناصريه : “نحن تاني ما حا نقعد معاهم في طاولة مفاوضات وأنا من هنا بوجه وفدنا بالعودة فوراً وإيقاف كل المفاوضات مع الحشرة الشعبية، ويا نحن ياهم، يا هم دخلوا الخرطوم يا نحن دخلنا جوبا”.
هذه المرة لم يمض الوقت الكافي بين حديث الرئيس وضبط كذبه، وحنثه بقسمه وكلمته، فقبل أن يجف حلقه من الشتائم للحركة الشعبية (ردت عليها مجندة من الحركة الشعبية بأسوأ منها)، عاد وفد الإنقاذ لمائدة المفاوضات، هكذا، من نفسه لنفسه، ثم ذهب البشير بنفسه لزيارة سيلفاكير في مقر إقامته بالعاصمة أديس أبابا، ولم يجد الرئيس حرجاً في أن يُظهر ذلك المقدار من البشاشة واللهفة التي كشف عنها من يقال له رمز عزة السودان وهو يصافح الرئيس “سيلفاكير” بكلتا يديه لا بيد واحدة.
ليست المشكلة في كذب الرئيس، فذلك لم يعد خبر، المشكلة في الذين يهللون ويكبرون حين يسمعون الكذبة، ثم يزيدون في التهليل والتكبير حين يقول بما يكشف حقيقتها، وفي إحدى المواقع الإلكترونية كتب واحد من مناصري حزب البشير يقول: “البشير يوافق على عودة ضخ البترول… يالله يا ناس المعارضة موتوا بغيظكم”، ولا يعرف ذي الغفلة هذا أن الذي مات هو الوطن لا المعارضة وحدها.
سيف الدولة حمدناالله
[email protected]