الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: أقمارنا تراقب الحدود بين الشمال وجنوب السودان
رايس: استفتاء الجنوب ربما يؤجل * أبو الغيط وسليمان إلى الخرطوم وجوبا لاحتواء الخلافات السودانية
واشنطن: محمد علي صالح لندن: مصطفى سري
في حين رفضت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التعليق على وجود «عمليات استخباراتية أميركية خارجية»، قال مصدر في وزارة الخارجية إنه يعتقد أن أقمار تجسس فضائية أميركية تراقب منطقة الحدود بين شمال وجنوب السودان توقعا لتحركات من قوات الجانبين، مع تصاعد التوتر بين الطرفين قبيل الاستفتاء المقرر له يناير (كانون الثاني) المقبل بشأن مصير جنوب السودان. في وقت قالت فيه سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن استفتاء جنوب السودان ربما لن يجرى في موعده بسبب وجود عقبات كثيرة.
وقال المصدر في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، تعقيبا على تصريحات أدلى بها قائد قوات جنوب السودان، انتقد فيها قوات الأمم المتحدة هناك لأنها لا تراقب تحركات القوات السودانية المسلحة، قائلا: «لست متأكدا مما يحدث على الحدود بين الشمال والجنوب، لكنى متأكد من أننا نملك وسائل للتأكد مما يحدث هناك. تقدر أقمارنا الفضائية التجسسية على معرفة كل تفاصيل ما يحدث». لكنه رفض الخوض في التفاصيل.
وكان الجنرال مات بول، قائد جيش جنوب السودان، اتهم قوات الأمم المتحدة في الجنوب بعدم التبليغ عن «التراكم الهائل للقوات الشمالية حول المناطق الحدودية الحساسة». وحذر من اندلاع حرب جديدة. وقال: «بدأ حشد القوات المسلحة السودانية (جيش الشمال) في يونيو (حزيران) بجنوب كردفان ومناطق أخرى، وكنا أخطرنا الأمم المتحدة» بما يجري عدة مرات. وقال إن الحشود تتمركز في منطقة «هجليج» و«الوحدة»، مناطق آبار النفط.
وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن قوات الأمم المتحدة وصلت إلى جنوب السودان حسب اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب سنة 2005. وأنها تركز على وقف إطلاق النار، ونزع السلاح، وانسحاب القوات الشمالية من الجنوب. وتعمل عبر ثلاث رئاسات في مدن «جوبا» و«واو» و«ملكال» كبرى مدن الجنوب. غير أنه، في الأسبوع الماضي، طلب سلفا كير ميارديت، نائب الرئيس السوداني عمر البشير رئيس حكومة الجنوب، من الأمم المتحدة نقل قوات إلى الحدود مع الشمال، وتأسيس منطقة منزوعة السلاح خوفا من هجمات قوات حكومة الرئيس البشير. ويبلغ عدد هذه القوات عشرة آلاف جندي من مختلف دول العالم. ويتوقع أن يأمر مجلس الأمن بزيادتها مع تدهور الأوضاع هناك.
وكانت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية نقلت تصريحات على لسان رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، هايلي منقريوس، يوم الاثنين، قال فيها إن هناك «توترا عاما»، ولا توجد حشود، وإنهم سمعوا الشكاوى من وسائل الإعلام. لكن، قائد قوات الجنوب، الجنرال بول، عقب على هذه الأنباء قائلا «يؤسفني حقا أن ما تقول الأمم المتحدة ليس صحيحا».
وقال مصدر الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «الوسيلة الوحيدة لنعرف الحقيقة هي استعمال قدراتنا الفنية والتكنولوجية. ونحن قادرون على ذلك. لكني لن أقول لك أي تفاصيل». وكانت سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، دافعت في مقابلة مع تلفزيون «بي بي إس» عن تحرك قوات الأمم المتحدة في الجنوب إلى الحدود مع الشمال. وقالت: «الأمم المتحدة تتخذ إجراءات احتياطية لضمان أن تلك المناطق الساخنة لن تكن نقطة اشتعال محتملة، مثل أبيي. لهذا، هناك تكثيف لوجود قوات الأمم المتحدة لهدفين: أولا: كإنذار مبكر، وثانيا: لحماية المدنيين إذا لزم الأمر»، لكن رفضت رايس الحديث عن قدرة الأقمار الفضائية الأميركية على متابعة أي تحركات عسكرية شمالية أو جنوبية هناك، وقالت إن هذه مواضيع استخباراتية.
وردا على تصريحات مسؤولين سودانيين اعترضوا على أخبار بأن قوات الأمم المتحدة الموجودة في جنوب السودان سوف تؤسس منطقة معزولة السلاح على طول الحدود بين الشمال والجنوب، قالت رايس إن القوات الدولية ستتمركز في مناطق معينة. وقالت: «نعم، تتحرك قوات الأمم المتحدة، الموجودة أساسا في جنوب السودان، نحو الحدود. لا أعرف ما إذا كانت ستحتاج إلى قوات إضافية. لكننا ننتظر تقرير قوات الأمم المتحدة هناك، وسيناقش مجلس الأمن الموضوع»، وأضافت: «إنهم يعيدون انتشار القوات الدولية الموجودة حاليا في جنوب السودان، وهي نحو عشرة آلاف جندي. لكنهم لن يؤسسوا منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود، بل ستعسكر القوات في مناطق معينة».
وردا على تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير في الخرطوم يوم السبت، بأنه لا بد من حل المشكلات المعلقة قبل الاستفتاء، وأن عدم مراعاة ذلك يمكن أن يخلق صراعا دمويا، قالت رايس: «أتمنى أن لا يكون هذا شرطا مسبقا، ولكن إشارة إلى أهمية هذه القضايا، في هذه الحالة، فنحن متفقون». وأضافت: «من الواضح أن هناك حاجة إلى إيجاد حل لهذه القضايا الحاسمة، مثل ترسيم الحدود، ومصير أبيي، وتقاسم الثروة. هذه من بين القضايا التي لا بد من حل ما لها، بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء».
وعن اتهامات بعض زعماء الجنوب بأن البشير أمر قوات عسكرية مسلحة بالتحرك نحو الحدود استعدادا للحرب. قالت رايس: «ليست لدينا أدلة مستقلة لتأكيد ذلك، ولا الأمم المتحدة. لكن، تقدم هذه الاتهامات من كلا الجانبين. ونحن نتابعها بعناية بالغة». وقالت رايس في المقابلة التلفزيونية نفسها إن الاستفتاء في جنوب السودان والمقرر له التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل ربما لن يجرى في هذا التاريخ. وقالت: «انتظر شعب جنوب السودان لأجيال حتى تتاح له الفرصة لتحديد مستقبله. وإنه مصمم على أن يحدث ذلك في الموعد المقرر، لكن، الحقائق اللوجستية والسياسية توضح أنه من غير المؤكد أن هذا سيحدث في وقته المحدد له». وأضافت: «لكن الولايات المتحدة وآخرين في المجتمع الدولي يبذلون كل ما في وسعهم لدعم الأطراف في جهودها الرامية إلى تحقيق الاستفتاء في الوقت المحدد». وعلى الرغم من أن رايس كررت أهمية إجراء الاستفتاء في موعده، فإنها قالت إن هناك مشكلات وتعقيدات، وأضافت: «هناك كم هائل من التوقع والترقب والقلق حول ما إذا كان الاستفتاء سوف يحدث في الوقت المحدد وحول ما إذا كان سيتم احترام نتائجه». وقالت رايس إن الأطراف السودانية قالت لها إنهم ملتزمون بالاستفتاء وبنتائجه، من دون أي شروط، على الرغم من أن كثيرا من المتطلبات معقدة، مثل: «ترسيم الحدود، واقتسام الثروة النفطية، وغيرها من القضايا». وأضافت: «نحن نحاول أن نفعل كل ما في وسعنا، لكن، بصراحة، الوقت قصير، ونحن في حاجة إلى إحراز تقدم كبير قدر ما نستطيع، ولكن من دون شروط مسبقة».
من جهتها، أكدت الحكومة السودانية أمس أن إجراء الاستفتاء في جنوب السودان سيكون في موعده المحدد، نافية بذلك وجود أي اتجاه إلى تأجيله، في أول رد رسمي من الخرطوم على التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين من القاهرة أول من أمس، التي أشار فيها إلى إمكانية تأجيل الاستفتاء بسبب عدم حل القضايا العالقة بين طرفي اتفاقية السلام. وشدد وزير الخارجية السوداني علي كرتي في تصريحات أمس على إجراء الاستفتاء في موعده، وقال إن المطلوب أن يتم إجراء ترتيبات الاستفتاء بطريقة سليمة وصحيحة لتنال نتيجته الموافقة والرضاء من الأطراف كافة، مشيرا إلى أن القضايا التي لم يتم حسمها – قضايا ما بعد الاستفتاء – ليست شرطا لإجراء الاستفتاء، وقال: «رأي الحكومة الرسمي أنه من (الأوفق) إنهاء الاستفتاء بصورة سلمية وأن ينتهي التفاوض حول تلك القضايا قبل إجراء الاستفتاء. ولكن حسب نصوص الاتفاقية، هي ليست شرطا لإجراء الاستفتاء».
وقال كرتي إن البشير لن يشارك في القمة التي ستنعقد في العاصمة الإثيوبية التي يشارك فيها نائباه سلفا كير وعلي عثمان محمد طه بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي والرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو امبيكي إلى جانب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان سكوت غريشن، التي ستبدأ في السابع والعشرين من الشهر الحالي.
وحول زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان إلى الخرطوم اليوم، قال كرتي إن «زيارة المسؤولين المصريين كانت ضمن برنامج سابق، لكنها تأجلت بسبب انعقاد القمة العربية في سرت الليبية الأسبوع قبل الماضي»، وأضاف: «لكنهما سيصلان غدا (اليوم) وسيتم ترتيب لقاءات معهما»، وتابع: «لا نعرف ماذا يحمل الوفد، لكن في تقديرنا أنه تواصل مستمر من مصر مع طرفي اتفاقية السلام الشامل في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية»، معربا عن أمله في أن تكون هناك أفكار بناءة يحملها الوزيران المصريان لمساعدة الأطراف لترتيب الأجواء الصحيحة لإجراء الاستفتاء. من جهة أخرى، أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير حسام زكي أن الاتصالات والتحركات التي تقوم بها بلاده تشمل الأطراف السودانية كافة، وقال إن الهدف من الاتصالات هو تهدئة الأوضاع في السودان، واحتواء أي خلافات.