لا اظن ان قرار الاتحاد الافريقي الأخير بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية يمثل انتصارا من أي نوع للرئيس السوداني عمر البشير أو يمنحه حرية مطلقة في التنقل داخل القارة السوداء!
فمجلس الأمن هو الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية الغاء مذكرة اعتقال البشير التي اصدرها لويس أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهي مذكرة مازالت سارية المفعول وتحظى بمساندة دولية واسعة كان آخرها تصريح جوني كارسون المسئول عن الشئون الإفريقية في إدارة الرئيس اوباما والذي دعا الرئيس السوداني لتسليم نفسه.
كما أن الرئيس البشير لا يمكنه في الواقع زيارة 30 دولة إفريقية سبق لها المصادقة على معاهدة روما القاضية بإنشاء المحكمة الجنائية، كما لا يمكنه زيارة تشاد بسبب تحفظها علنا في “قمة سرت” على قرار الاتحاد الإفريقي، وهكذا لم يتبق غير 23 دولة من إجمالي 53 دولة إفريقية يمكن أن يزورها البشير دون خوف من اعتقاله.
الأخطر من ذلك أن قرار الاتحاد الافريقي بعدم التعاون مع الجنائية الدولية لا يتضمن الزاما من أي نوع للدول التي تحفظت عليه، مما يفتح الباب واسعا في المستقبل امام كل الاحتمالات، خاصة بعد تصريحات أوكامبو بأن الرئيس السوداني مازال مطلوبا للعدالة وأنه سيواصل محاولاته لإحضاره امام المحكمة الجنائية.
وليس سرا أن قرار عدم التعاون مع الجنائية الدولية جاء بعد خلافات عنيفة بين الزعماء الأفارقة، فقد كانت هناك تحفظات علنية على الاقتراح الليبي بالوقوف إلى جانب الرئيس السوداني، كما كانت هناك مخاوف من فكرة الصدام مع المجتمع الدولي في حالة تأييد مجلس الأمن لمذكرة اعتقال البشير.
لكن ليبيا أقنعت غالبية الزعماء الأفارقة بأن ما جرى مع البشير يمكن أن يتكرر مستقبلا مع أي زعيم إفريقي آخر، فالإحالة للجنائية الدولية سيف مسلط على الجميع بدعوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وفي ظل الصراعات والانقلابات والحروب الأهلية التي تشهدها إفريقيا حاليا كان من الطبيعي أن يشعر غالبية الزعماء الأفارقة بالقلق، وهكذا صدر قرار عدم التعاون استنادا إلى أن طلب اعتقال البشير يتعارض مع حصانته الرئاسية.
لا يهم بالطبع ما ترتب على ذلك من اتهامات بأن الاتحاد الإفريقي وقف الى جانب متهم بارتكاب جرائم حرب بدلا من الوقوف الى جانب الضحايا الأفارقة، وليس مهما ما تردد أن القرار لم يصدر بالاجماع وإنما صدر بالأغلبية بعد ضغوط ومساومات من هنا وهناك، فالمهم ألا يتكرر ما حدث للبشير مع أي رئيس إفريقي آخر!
صحيح أن ليبيا نجحت في تمرير قرار عدم التعاون مع المحكمة الجنائية، لكنها لم تنجح في احتواء الخلافات العنيفة التي شهدتها قمة الاتحاد الإفريقي حول مشروع “الولايات المتحدة الإفريقية” الذي طرحه الزعيم الليبي.فقد رفضت غالبية الدول الإفريقية التنازل عن سيادتها لصالح هذا المشروع خاصة فيما يتعلق بشئون الدفاع والعلاقات الخارجية والتجارة الدولية، وقالت نيجيريا وجنوب إفريقيا إن التعاون الاقتصادي يجب ان يسبق التكامل السياسي. وهكذا تمخضت القمة عن استبدال المفوضية الحالية للاتحاد الإفريقي بسلطة يناط بها التنسيق في مجالات الدفاع المشترك، ورفض التعاون مع المحكمة الجنائية.
ولو كنت من الرئيس البشير لما فرحت كثيرا بقرار “قمة سرت”، فما قيمة هذا القرار إذا كان مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية الغاء مذكرة الاعتقال الصادرة عن الجنائية الدولية؟!
عبدالعزيز محمود
ايلاف