إسماعيل ابوه
[email protected]
المناهج التعليمية السودانية ، لم تكن يوما شاملا، متكاملا ؛منذ الإحتلال الأجنبي المتمثل، في التركي المصري؛ والانجليزي اي بمعنى لا يوجد منهجا سودانيا خالص تكرس للسودنة.
المحتلين القدامي بما انهم مستعمرين اي بمعنى علاقتهم بالسودان علاقة استعبد ،انهب ، اسرق بشر وثروات، إلا انهم كانو الاكثر خدمة، والأفضل تأهيلا للسودانين من المحتلين المحليين وهذا ليست بمثابة دعوة للإستعمار ،الا انهم ايجابيات وحسنات يجب عن يذكر كما انها واضحة وكلنا نعلم وفي ابسط الأشياء المدارس والمؤسسات التي شيدت في عهدهم.
المناهج في عهد الاستعمار الأجنبي كان الأجود والمنهج كان الافيد في عملية التعليم والتعلم رغم الأدلجة المصاحبة لها والاستلاب الخفي لذاك الجيل محبي قصائد الشاعر و الأديب الإنجليزي S.T.Eliot ( Thomas Stearns Eliot) وأشياء اخري إلا انها انتجت كادرا بشريا مؤهل علميا وعمليا.
بعد الاستقلال، اي منذ عن بدء السودانيين إدارة البلد بأنفسهم، بدء المثقفين في تغيير وإعداد مناهج و توجيهها بفكرة معينة (تكريس) لثقافة احادية في المناهج الدراسية تدعو و ترسخ للطبقية؛ وتقسيم المتعلمين الي فئات، وهذا بدوره أدى إلى ظهور النعرات العنصرية والجهوية وأيضا بفضلة الأوضاع السيئة التي نعيشها الآن وصناعة حكومات وطنية اكثر استبدادا من المستعمرين الأجانب.
هذه المناهج ستقودنا الي الأسوأ إن لم نقوم بإلغائها، و وضع مناهج علمية جديدة مواكبة للعصر الذي نعيشه و وطنية خالصة يرسخ للأطفال حب بعضهم لبعض ومن ثم الوطن علي أساس انهم سودانيين ومتساون في كل شي.
منهج بعيد من تكريس ثقافة البعض، علي حساب الآخرين (ثقافة القولد،مروي والقراصة دون ذكر قرية ابسنقور ،تقي وام كدادة و ملاح الامبكبك والكول).
انا من جيل دارسي الأساس، وجيل تلك المناهج التي دعتنا، الي ترك ذواتنا ونكر ثقافاتنا و عاداتنا ولغاتنا ، حتي وصل البعض منا لمرحلة عن ينكر نفسه لكونه يتكلم بلغة غير العربية وينعت ب (رطاني) ولونه ليس كلون العرب ، والانجراف نحو العروبة لكي يدخل الجنة، (ما هذا بربكم لنكن صادقين انا لا احكي عن تجارب سمعتها هذه واقع عايشتة و عايشو كل أبناء جيلي هل يصلح عن يدرس أطفالنا تلك المناهج السخيفة لا فائدة للمناهج السودانية غير تعلم الكتابة والقراءة بشكل جزئي ).
إن يوجد نوايا صادقة، لتغيير مستقبل السودان وتأسيس دولة المواطنه؛ دولة القانون، بلد يحس فيه الجميع انهم متساوون لا لون احسن من لون، ولا دين احسن من دين، ولا لغة احسن من لغة؛
هنا يجب علينا العمل جميعا من اجل صناعة منهج قويم، ولا شيء غيره يجلب؛ لنا المفقود.
التغيير عبر المناهج تأخذ زمن أطول؛ ولكنه ياتي بنتائج أفضل ويجب، ان لا نفكر بعقلية السياسي والمثقف السوداني، الذي يتبنى التغيير و التحرير؛ و يريد عن ينعم هو شخصيا بنتائج التغيير والتحرير ناسيآ ، أن المناضل الحقيقي لا يريد شئ لنفسه، فقد يؤسس للأجيال القادمة وهذا أيضا عائق ذاتي من عوائق محبي التغيير والتحرير.
المناهج التربوية ،والتعليمية القويمة هي التي تخرس أحلامنا، التي نتحدث عنها كثيرا ولا نستطيع عن، نتعامل بها علي أرض الواقع ك (الديمقراطية، الحرية و التغيير و…وو الخ).
نجي ندخل في علاقة المفاهيم السالفة الذكر مع بعضها و دور المناهج في ترسيخها لان قبل الدعوة اليها يجب تعلمها والتعامل به في الإطار الذاتي ومحيط الاسرة و الجيران ووو بالتدريج من ثم الي جميع أفراد المجتمع لانو فاقد الشيء لا يعطيه.
التربية والديمقراطية
إن علاقة التربية بالديمقراطية علاقة جدلية ووثيقة، إذ لايمكن الحديث عن التربية والتعليم في غياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام الديمقراطية الحقيقية القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص والمبنية أيضا على العدالة الاجتماعية و الإيمان بالاختلاف وشرعية التعدد.
ولايمكن الحديث كذلك عن الديمقراطية في غياب تربية حقيقية وتعليم بناء وهادف يتسم بالجودة والإبداع والابتكار وتكوين الكفاءات المنتجة، ويحترم المواهب ويقدر الفاعلين التربويين والمتعلمين المتفانين في البحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي.
ومن هنا، فالتربية والديمقراطية متلازمان كالعملة النقدية فلا تربية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا تربية.
وما أحوجنا اليوم إلى تربية ديمقراطية- في وطننا الذي انعدمت فيه المواطنة الحقيقية وتقلصت فيه حقوق الإنسان وتضاءلت فيه العدالة حتى كادت أن تنعدم- من أجل تأهيل ناشئتنا تأهيلا أخلاقيا وديمقراطيا لإدارة دفة البلاد وقيادة دواليبها على ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام والمسؤولية والانضباط والمواطنة الحقة، والتوق إلى الحرية والتغيير وبناء الدولة والأمة على معايير الإبداع والإنتاج والابتكار قصد الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة والأمم المزدهرة حضاريا وعلميا وتكنولوجيا!
إذا، ماهي التربية؟ وما مفهوم الديمقراطية؟ وماهي علاقة التربية بالديمقراطية؟ وماهي آليات تفعيل الديمقراطية في نظامنا التربوي؟ وماهي الصعوبات التي تواجه تطبيق الديمقراطية وتفعيلها في الواقع التربوي؟ وما هي الحلول المقترحة لتثبيت الديمقراطية التربوية؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في هذه الدراسة المتواضعة.
مفهوم التربيـــة:
التربية فعل تربوي وتهذيبي وأخلاقي يهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة. و تساهم التربية أيضا في الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح، و تهدف كذلك إلى تغيير المجتمع والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار عبر تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة المثلى.
زد على ذلك، فالتربية هي التي تصيغ المجتمع صياغة أخلاقية وترفع من مكانته وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة.
وتسعى التربية جادة إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما وتصالحا وتغييرا، كما تسعى إلى:” الإنماء الكامل لشخصية الإنسان وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يعني تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي ويحترمون هذا الاستقلال لدى الآخرين، وذلك طبقا لقاعدة التعامل بالمثل التي تجعل هذا الاستقلال مشروعا بالنسبة إليهم.”
وعلى العموم، فالتربية هي وسيلة لتحقيق الإبداع والابتكار و طريقة في الاستكشاف والتأويل والبحث ودمقرطة المجتمع، وترتكز على الحرية والمبادرة الفردية وسيادة النقاش الهادف والنقد البناء والحوار السليم من أجل بناء مجتمع متقدم واع يساهم في الحداثة ويثري العولمة بما لديه من طاقات منتجة واختراعات ومكتشفات ومستجدات نظرية وتقنية وعلمية ومعلوماتية.
ويقول الدكتور محمد لبيب النجيحي:” ولما كان هدف التربية الأساسي هو تنمية التفكير واستغلال الذكاء، فمعنى هذا أن التربية تعمل من أجل الحرية الإنسانية. فالتأكيد على نمو الطفل إنما هو تأكيد على تحرير قدراته العقلية من قيودها، وإتاحة الفرصة لها للانطلاق حتى تستطيع أن تستخدم بطريقة فعالة إمكانيات البيئة التي يعيش فيها. ويصبح المجتمع الحر هو المجتمع الذي يشترك أفراده أيضا في تطويره وتوجيه التغيير الاجتماعي الحادث له.
وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية فإن التربية تكون بذلك قد أسهمت في بناء مجتمع مفتوح. ونعني بالمجتمع المفتوح المجتمع الذي يسعى عن قصد وتصميم في سبيل تطوره، ولا يعمل فقط على المحافظة على الوضع الراهن. وهذا المجتمع هو مجتمع قد نظم تنظيما يدخل في اعتباره حقيقة التغيير في الأمور الإنسانية. وهو مجتمع يقبل التغير على أنه وسيلة للقضاء على الفساد والانحلال، وأن الذكاء الإنساني والمجهود التعاوني من جميع أفراد المجتمع تؤدي جميعا إلى نمو الإنسانية وتقدمها.”
زيادة على ذلك أن التربية تحقق مجموعة من الوظائف الجوهرية كالتعليم والتثقيف والتطهير والتهذيب والتنوير وتحرير الفكر من قيود الأسطورة والخرافة والشعوذة والسمو بالإنسان نحو آفاق إيجابية ومثالية.
مفهوم الديمقراطية:
من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها الاشتقاقية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء.
وتقابل كلمة الديمقراطية الديكتاتورية والأوتوقراطية اللتين تحيلان على الحكم الفردي وهيمنة الاستبداد المطلق. كما تقترب الديمقراطية من كلمة الشورى الإسلامية وإن كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية.
وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات.
ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف.
وتتأسس الديمقراطية الفعالة والحقيقية:” من بين ما تتأسس عليه احترام الحقوق وأداء الواجبات التي يحميها ويضبطها القانون والمؤسسات في إطار دولة الحق والقانون. ومن المؤكد أن احترام الحقوق وأداء الواجبات لايتأتيان إلا بنسبة إلى شخص حر. الديمقراطية لم تعد أمورا شكلية أو قطاعية، بل أصبحت ثقافة ومعاملات تتجذر بمفاهيم النسبية والاختلاف وقبول الرأي الآخر والمساواة والعدالة والإنصاف والمشاركة السياسية وتقرير الفرد لمصيره واختياراته، ورفض أي نزوع سلطوي في جميع مجالات الحياة. ديمقراطية اليوم والغد تتمثل أكثر فأكثر في احترام الشخص وقدرته على تكوين نفسه بوصفه إنسانا… إنها سياسة الشخص كإنسان حر ومبدع.
من المتعذر الحديث عن الديمقراطية والسلوك الديمقراطي باعتبارهما حالة تكون عليها المؤسسات أو باعتبارهما ثوابت سياسية، بل يجب أن ينظر إليهما كمقتضى أخلاقي تكون مبادئه مشتركة ينبني البشر وماهم مختلفون فيه على أساس الإقرار بالاختلاف مما يمكن الشخص من السيطرة على الانفعالات وتجنب الأحكام المسبقة.”
الديمقراطية الحقيقية هي التي تحقق سعادة الإنسان، وتؤمن عيشه الكريم، وتوفر له فرص الشغل، وتشبع رغباته الغريزية من مأكل وشرب، وتروي غليله المعرفي والفني والثقافي، وتخرجه من براثن الفقر والفاقة والتخلف إلى عالم أكثر استقرارا وأمنا يسمح بالعيش الكريم والمساهمة في الإبداع والابتكار والعطاء.
دراسات حول التربية والديمقراطية:
ثمة دراسات عديدة تناولت علاقة التربية بالديمقراطية، ومن أهم هذه الدراسات كتاب الأمريكي جون ديوي بعنوان:” الديمقراطية والتربية ” ، وقد نشره سنة 1916م، ويتناول الكتاب في مجمله فلسفة التربية وتطبيقاتها.
كما صدر كتاب آخر تحت عنوان:” الدين والتربية والديمقراطية ” سنة 1997م، وقد أشرف عليه كل من ميشلين ميلو وفرناند ويلي .
وتوجد كتب ومؤلفات عديدة خصصت للتربية والديمقراطية بعض الفصول كالباحث غي آفانزيني في كتابه الذي نشره سنة 1975م بعنوان:” الجمود والتجديد في التربية المدرسية” حيث أثبت في القسم الثالث فصلا سماه:” التربية الحديثة والديمقراطية الحرة”.
واقع الديمقراطية في المؤسسات التربوية:
من ينظر الي مؤسساتنا التعليمية والتربوية و مقارنة مع المؤسسات التعليمية في العالم المتقدم يسغرب ويندهش ؛ لأن هذه المؤسسات تحولت إلى ثكنات عسكرية لاتؤمن إلا بالانضباط واحترام القانون ونظام المؤسسة، حتى الأبواب تشبه اليوم أبواب السجون المخيفة، إذ نجد عند باب هذه المؤسسات حراس الأمن يلبسون أزياء رسمية تشبه الأزياء العسكرية، ويحملون العصي القصيرة كرجال المخزن ليخيفوا بها براعم المستقبل من أجل أن يفرضوا النظام ولو استدعى الأمر في ذلك استعمال القوة والعنف وفرض العقوبات البربرية،؛ سواء أكانت لفظية أم بدنية بالإضافة إلى منهج فاسد .
وقد سبب هذا الواقع التربوي البذيء في ظهور النظام التربوي الأوتوقراطي الذي يستند إلى لغة القمع والقهر والتخفي مدنيا وراء قناع الديكتاتورية العسكرية التي لاتعرف غير خطاب التأديب والزجر واستخدام العنف الرمزي ولو ضد الأطفال الأبرياء؛ مما يولد في نفوس الناشئة قيما سلبية ومشاعر الحقد والكراهية والخوف والانكماش وعدم القدرة على المغامرة والتخييل والابتكار والإبداع لانعدام الحرية والديمقراطية الحقيقية والمساواة الاجتماعية.
ومن نتائج هذا الضغط السياسي ظهور جيل من الشباب اليافعين الذين تمردوا عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، وحملوا مشعل الثورة والتغريب وتخريب منشآت الدولة من أنابيب الماء وحنفياته و مصابيح كهربائية وإتلاف كل ماتملكه المؤسسات التعليمية، وتكسير المقاعد وتشويه الجدران، والتغيب بكثرة عن المدرسة التي تحولت إلى سجن قاتل كئيب، وفي الأخير يترك المتعلم المدرسة مبكرا، فينقطع عما فيها بسبب شطط الإدارة وتعسف الطاقم التربوي ناهيك عن ضآلة فرص الشغل وضبابية المستقبل و نهايته المأساوي.
التعليم او المدرسة في السودان وصل إلى آفاقها المسدودة، فصارت فضاء مسرحيا تراجيديا يشخص المأساة وصراع الأجيال، ويعكس بكل جلاء التطاحن الاجتماعي والتفاوت الطبقي ويعيد لنا إنتاج الورثة كما يقول بيير بورديو وباسرون؛ لأن النظام التربوي:”يتطابق كل التطابق مع المجتمع الطبقي، وبما أنه من صنع طبقة متميزة تمسك بمقاليد الثقافة أي بأدواتها الأساسية (المعرفة، المهارة العلمية وبخاصة إجادة التحدث)، فإن هذا النظام يهدف إلى المحافظة على النفوذ الثقافي لتلك الطبقة. والبرهان الذي قدمه هذان المفكران يبرز التناقض بين هدف ديمقراطية التعليم الذي يطرحه النظام وعملية الاصطفاء التي تقصي طبقة اجتماعية ثقافية من الشباب، وتعمل لصالح طبقة الوارثين.”
المدارس الحكومية والخاصة اصبحت في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة والأقلية المسيطرة ، وما التعليم العمومي والتعليم الخصوصي والتعليم الفكري والتعليم المهني سوى تعبير عن تكريس التفاوت الاجتماعي وتحويل المؤسسة التربوية إلى فضاء للتمييز اللغوي والعنصري ومكان للتطاحن الاجتماعي والتناحر الطبقي والتمايز اللغوي.
وإذا كان إميل دوركايم ينطلق من رؤية محافظة في تحليل النظام التربوي في علاقته بما هو اجتماعي وسياسي، فإن ألتوسير .يرى بخصوص:” التقنيات والمعارف، أنه يجري في المدرسة تعلم قواعد تحكم الروابط الاجتماعية بموجب التقسيم الاجتماعي التقني للعمل.
كما يقول بأن النظام المدرسي وهو أحد أجهزة الدولة الإيديولوجية هو الذي يؤمن بنجاعة استنساخ روابط الإنتاج عن طريق وجود مستويات من التأهيل الدراسي تتجاوب مع تقسيم العمل، وعن طريق ممارسة الإخضاع للإيديولوجيا السائدة.إن المسالك الموجودة في المدرسة هي انعكاس لتقسيم المجتمع إلى طبقات، وغايتها الإبقاء على الروابط الطبقية.”
ويرى بودلو .وإستابليه .بأن المدرسة إيديولوجية وطبقية وغير ديمقراطية تكرس التقسيم الاجتماعي لوجود ” شبكتين لانتساب الطلاب إلى المدارس يحددهما الفصل بين العمل اليدوي والعمل الفكري، ثم التعارض بين طبقة مسيطرة وأخرى خاضعة للسيطرة”.
وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية وغير ديمقراطية، فإنها في الدول المتخلفة والمستبدة تكرس سياسة التخلف والاستعمار وتساهم في توريث الفقر والبؤس الاجتماعي، فإننا نجد إيفان إليتش يدعو إلى إلغاء هذه المدرسة الطبقية غير الديمقراطية في كتابه:” مجتمع بدون مدرسة”.
فنظرية موت المدرسة حسب كوي أفانزيني هي في الحقيقة نظرية:” تأثرت تأثرا كبيرا بالعوامل الجغرافية التي أحاطت بها والتي قد تجعل منها نظرية صالحة لبلدان أمريكا اللاتينية، غريبة كل الغرابة عن المنطق التربوي للغرب. لاسيما أننا نجد فيها بعض التساؤلات التي تؤيد مثل هذا التفسير الذي يقصرها على بلدان بعينها، ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة ملائمة للعصر الصناعي وأنها من إرث هو مخلفاته، وينبغي أن تشجب فقط في البلدان المتخلفة حيث لاتستطيع أن توفر الانطلاقة اللازمة لها وحيث يكون حذفها شرطا لازما لحذف الاستعمار والقضاء عليه، على أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضاء عليها قضاء جذريا ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت”.
وعلى أي حال، فواقع الديمقراطية في مدارسنا التربوية يرثى له بسبب عدم وجود الديمقراطية وانعدام فلسفة التسيير الذاتي واللاتوجيهية وغياب منظومة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكا بسبب غياب الديمقراطية في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.
● أنواع الديمقراطية التربوية:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من الديمقراطية في مجال التربية والتعليم، ونحصرها في أنواع ثلاثة وهي:
1- ديمقراطية التعلم
: والمقصود بها أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد من جميع التعلمات على غرار أقرانه بشكل عادل ومتساو في إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر القانوني والتشريعي على المربين أن يتعاملوا مع المتعلم على ضوء البيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا الدعم لكي ينال حقه من التربية والتعليم كباقي المتمدرسين الآخرين وخاصة الأغنياء منهم. ويطرح في هذا السياق موضوع الزي المدرسي الذي ينبغي أن يكون رسميا وموحدا بين جميع تلاميذ المؤسسات التربوية.
أضف إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.
2- ديمقراطية التعليم:
تسعى الدول المتقدمة إلى جعل التعليم ديمقراطيا من خلال تعميم البرامج وتوحيد المناهج والمقررات على الرغم من تنوعها في الأشكال والمضامين.
بالإضافة إلى تأميم التعليم وإلزاميته وإجباريته لكي تحد الدولة الراعية لأبنائها من نسبة الأمية والفقر والتخلف. فالتعليم هو الذي يغير المجتمع ويحقق الديمقراطية الحقيقية. كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية.
وعندما نقول أيضا بديمقراطية التعليم، فنعني به جعل التعليم ذا خاصية شعبية يستفيد منه الجميع بدون استثناء أو إقصاء، فتصبح المدرسة مفتوحة للفقراء والأغنياء بطريقة عادلة ومتساوية تتكافأ فيها الفرص.
وينبغي أن نعرف أن مبدأ توحيد المناهج الدراسية الذي أصبح ميسما يعبر عن تطلعات الأحزاب الشعبية وشعارا براقا لكل القرارات السياسية والوطنية ينبغي ألا يلغي:” مايزخر به الواقع المغربي المتعدد، وما تفرضه شروط وآليات التحول الجديدة من ضرورة الانفتاح على كل أنماط التعدد والاختلاف والتمايز الطبقي والإثني… واحتوائها وتجاوزها في الآن ذاته، وذلك بتكريس الانخراط التشاركي الشمولي في بناء دولة وفاق اجتماعي ديمقراطي وتكاملي. ويتأسس هذا الطرح على كون الرهان على البناء الديمقراطي، في مجتمعاتنا العربية والثالثية عامة، لن يبلغ أهدافه أبدا إلا عبر جسور متينة من التربية والتكوين والثقافة وإعداد الموارد البشرية، وإلا بواسطة الدمقرطة الشاملة لأساليب وقنوات توزيع الرأسمال الرمزي، المتمثل في التكوين والمعرفة والثقافة، هذا فضلا عن دمقرطة توزيع مختلف أشكال الاستفادة المادية، ومختلف المواقع والأدوار والمراتب الاجتماعية بين كل الفرقاء المعنيين في المجتمع”
وهكذا، فكل الدول تسعى جادة وجاهدة لتثبيت أجواء الديمقراطية في مؤسساتها التربوية عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية والقرارات الحكومية والقوانين المنظمة ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في مجتمع ديمقراطي، ولكن أي نوع من هذا المجتمع في غياب الحريات وانتشار التسلطن والاستبداد؟!!
3- تعليم الديمقراطية:
لايمكن لمجتمع ما أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها.
بيد أن مدرسة الثكنة العسكرية والقمع والقهر لايمكن أن تنتج سوى أساليب التعسف والتفكير الإقصائي والتطرف الإرهابي والجنوح نحو الديكتاتورية والسلوك العدواني الطائش.
فبالتربية نتعلم الديمقراطية ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا.
نواصل