أيهما أخطر .. مدنية “مخجوجة” أم حكم العسكر؟
معيار الخطورة يتمثل في عرقلة تحقيق غايات ثورة ديسمبر المجيدة، أو إبطاء مسيرة التحّول الديمقراطي القائم على الحكم المدني الصرف، وإبعاد العسكر عن الشأن السياسي إلي الأبد، ودرء مخاطر عودة الإسلام السياسي إلى سدة الحكم. والمقصود بحكم العسكر الحكم القائم على الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، والمرتكز على الشرعية الانقلابية ليس إلاّ، ومتى ما وجد أي قدر من تدخل الجيش في الشأن السياسي، حتى في ظل حكومة منتخبة، انتفى وصف ذلكم الحكم بالمدني إلاّ مجازا. في هذا المقال نحاول رصد التحديات التي ستواجه حماة الثورة إن تمّكن العسكر “لا سمح الله” من الصمود لإجراء انتخابات بالضرورة “مخجوجة” لضمان فوز مناصري الأنظمة الشمولية، الضامنين لشركاء الدم من عدم القصاص.
الأنظمة الشمولية بالضرورة أنظمة رئاسية، ومن المرجح إن فلح البرهان في الاستمرار، أن يرّفع نفسه من رئيس المجلس السيادي، إلى رئاسة الجمهورية، الأمر الذي يساعد على تماسك الجبهة المناهضة له من غالبية القوى الثورية والسياسية، ذلك أنّ الوصمة الانقلابية تظل ملتصقة بنظامه بكل وضوح، وهو لا يجد بد من أن يكون الآمر والناهي الأوحد، لمجابهة تحديات الشارع الثوري، والتصدي للضغوطات الدولية المكثفة، ناهيك عن صعوبة إيجاد من يعينون نظامه من الكفاءات الوطنية الشريفة، أو إيجاد حاضنة سياسية ذات مقبولية شعبية.
أما الحكم المدني “المخجوج” على نهج السيسي، فيحتاج فترة زمنية كافية، تبدأ بنزع البزّة العسكرية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مزورة أو “موّضبة” يشرعن لانقلاب 25 اكتوبر ويقنن لحكم العسكر. إن صمد البرهان إمام بواسل ثورة ديسمبر، وتمّكن من إجراء الانتخابات في يوليو 2023م الذي شرع فيه عام بتسمية مالك عقار أير مسئولا عنها، بلا شك سيلقي بغشاوة سميكة على الكثير من الحقائق التي قد تضيع وسط احتجاجات رفض نتيجة الانتخابات.
حيال نتائج الانتخابات المشكوك في نزاهتها، عالمياً وفي أحسن الأحوال، تعاد العملية جزئياً في بعض الدوائر، ليعترف بها المجتمع الدولي كأمر واقع، وهو ما سيصنع مصوغا لبعض أصحاب اللجاجة السياسية والثورية من الاستسلام والتعاطي مع الأمر، فاذا استمر الوضع، بإمكان مثل هذه الحكومة المدنية “المخجوجة” من سن تشريعات يصعب إلغائها، والتسريع في تسكين الفاسدين والانتهازيين آكلي الموز الحرم في مفاصل الدولة.
أي محاولة لتعطيل العملية الانتخابية مباشرة، قد يجر إلى العنف المنافي لسلمية ثورة ديسمبر المجيدة، لذا يعتبر إسقاط انقلاب البرهان قبل بلوغه نقطة العملية الانتخابية هو السبيل الأمثل لإجهاض خطوات تحول هذا النظام الشمولي إلى مدني مزيف و”مخجوج” وإلاّ سيطول بقاء الثوار على ظهور الخيل.
متى ما تحولت نضالات الثوار من التركيز على إسقاط إنقلاب 25 اكتوبر إلى إسقاط العملية الانتخابية، تبددت الجهود، وتولد اليأس. وتجارب انتخابات نظام الإنقاذ لا تزال ماثلة لدى الذاكرة السياسية، فمحاولة الإسقاط عبر المقاطعة يعني تقديم النتيجة على طبق من ذهب إلى أنصار الانقلابيتين، أما المشاركة فيها بغرض الاحتواء فيعني الاعتراف الضمني بالانقلاب، وهي محفوفة بمخاطر “الخج” الماثل مع سبق الإصرار والترصد. ومع ذلك لا شك عندنا أن هنالك أحزاب سياسية معتبرة جماهيراً ستشارك فيها لحساباتها الخاصة.
الانتخابات “المخجوجة” هي الطريقة المثالية لعودة الكيزان إلى سدة الحكم، لإعادة إنتاج الإسلام السياسي المتطرف في حكم البلاد، وهي لم تتعافَ بعد من ويلاته وموبقاته، لذا نخلص أنّ القضاء على حكم مدني مخجوج أكثر تكلفة من أسقاط نظام عسكري صرف، ولهذا يجب أن يحسب الثوار ألف حساب للانتخابات البرهانية.
//إبراهيم سليمان//