قال وزير الثقافة السوداني رئيس الوفد المفاوض بشأن الوضع في دارفور د. أمين حسن عمر إن المفاوضات الجادة بشأن الوضع في دارفور لم تبدأ بعد رغم العديد من المؤتمرات وجولات الحوار في الإقليم وخارجه مبينا في مؤتمر صحفي موسع في مقر إقامة السفير السوداني في عمان أن السودان مادة دسمة للأخبار بسبب ما يمر به من أحداث وما يتمتع بها من ثروات.
وأضاف الوزير أنه ورغم الأحداث التي تطحن السودان إلا انه سينهض ويجمع رماده ليتجدد وان هناك مؤشرات على ذلك منها فرص النمو السريع مبينا أن السودان بصدد مشروع تنموي جديد مبني على قراءات صحيحة للموارد و العقبات.
وتحدث عن دراسة لصندوق الدولي أفادت أن نسبة النمو بلغت العام الماضي 8.2% فيما كانت في العام الذي سبقه 11 % وانه رغم الأزمة المالية العالمية و العجز المالي الناجم عن انخفاض أسعار البترول في الربع الأول من هذا العام بنسبة 69 % قياسا لنفس المدة من العام الماضي إلا أن الوضع آخذ بالتحسن نسبيا وأن نسبة النمو المتوقعة تبلغ 4 % حتى نهاية العام فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل النسبة إلى 6 % منوها إلى إن السودان واحد من خمس دول إفريقية تنمو نموا ايجابيا هذا العام.
وواصل د. عمر القول ان الديون العامة للسودان وصلت الى 30 مليار دولار تبلغ أصولها 9 مليارات دولار فقط تم استدانتها في سبعينيات القرن الماضي إبان حكم النميري الذي كان مقبولا لدى الغرب لكن عمليات الصرف و الاستفادة من هذه الديون لم تكن مرضية لان معظمها كان تنفيعا فقط ولموازنة ميزان المدفوعات مشيرا إلى أن الخرطوم بصدد جدولة هذه الديون حاليا.
وأوضح الوزير أن هناك من يقول إن السودان يعاني من أزمة سياسية واقتصادية لكن ذلك ليس صحيحا منوها إلى وجود مشكلة في السودان الذي يعد من أصحاب المساحات الشاسعة لكنه أكد قدرة السودانيين على تدبير أمورهم وأنهم نجحوا بذلك في المرحلة ما بين 1955 – 2005 في حرب الجنوب رغم تكبدهم فيها عشرات الآلاف من البشر مشيرا إلى أن اقتراح الرئيس البشير تقسيم الجنوب إلى ثلاث ولايات أوقف الحرب لكن المتمردين هناك يزالون يحلمون.
وشدد د.عمر على أن الحل يأتي بالسلام حتى لو أدى إلى الانفصال مشيرا إلى أن الشمال و الجنوب بدأوا مفاوضات شاقة وطويلة منذ عام 1992 وتم إيقافها عام 1994 بسبب الضغوط الغربية على المتمردين الذين خيروا الحكومة بين الانفصال وتطبيق الشريعة لكن الحكومة رفضت ذلك لأن الحوار بات مشروطا.
وقال انهم عادوا للمفاوضات بمبادرة جديدة واستمرت حتى العام 2002 مع دخول العنصر الأمريكي منوها إلى قيام مركز الدراسات الإستراتيجية بانجاز دراسة عام 1999 شارك فيها السوداني الجنوبي د.فرانسيس دينغ مع 21 باحثا آخرين مفادها إن الحكومة ستكسب المعركة في حال استمرار التمرد بسبب وجود النفط وأن المتمردين الجنوبيين اقترحوا دولة بنظامين وهو نفس طرح الجبهة الإسلامية عام 1987 وردا على تداعيات دخول أمريكا على الخط قال الوزير السوداني ان ذلك انعكس سلبا على دول الإقليم الداعمة للمتمردين ناهيك عن توقف الدعم الرسمي لهم. مشيرا إلى إن السودان بعد فك الحصار عنه أصبح ينتج السلاح بدءا من الرصاص حتى الصواريخ مرورا بالدبابات وحاملات الجند وأنه بدأ قبل أيام بتصنيع طائرات التدريب و المروحيات انطلاقا من عزم الحكومة على إيجاد مصادر تنمية إنسانية لان الحصار يعني إما إن نتحدى أو نموت خنقا.
وأوضح أن إنهاء مشكلة الجنوب تم من خلال التوصل إلى تسوية تحقق السلام و التطور السياسي بيد انه اعترف إن تطبيق الاتفاقية لم يكن سهلا لأنه جاء في ظل تفجير الوضع في دارفور وان أزمة دارفور تسببت في استمرار الحصار الغربي على السودان كما أن الغرب لم يف بتعهداته المالية للسودان ودفع فقط 800 مليون دولار للجنوب في حين انه تعهد العام الحالي بدفع أربعة مليارات دولار لكنه لم يدفع منها حتى اليوم سوى 200 مليون دولار وقام بتشديد الحصار وبالتالي لا يوجد ائتمان مالي ولا ديون ولا منفعة تقنية أو عسكرية أو تدريبية للسودان من الغرب إلى درجة أن بريطانيا أقفلت الحسابات الشخصية لمواطنين سودانيين وأن هناك من يطالب بمناطق حظر الطيران في السودان لكن تنفيذ ذلك صعب استنادا إلى تجربتهم في العراق حيث كانت طلعات الطائرات الحربية من قاعدة انجرليك الأمريكية في تركيا القريبة من العراق تكلف مبالغ باهظة كما أنهم أدركوا أن خيار غزو السودان فاشل وغير واقعي لاقتناع جيران السودان بان إقامة علاقات ايجابية مع الخرطوم تفيد الجميع وبالتالي فإن الحوار هو الخيار الوحيد المطروح.
وردا على سؤال يتعلق بمفاوضات دارفور التي يترأسها قال الوزير ان مفاوضات الدوحة التي ترعاها الأمم المتحدة و الجامعة العربية بدأت بشراكة بين الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي برئاسة كل من سالم احمد سالم و الياسون وقد ثبت فشلها وقيل ان التنسيق كان ضعيفا وتم استبدال الوسيطين بوسيط مشترك يمثل الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي وهو جبرائيل باسولي وزير خارجية بوركينا فاسو السابق وقد دخلت الجامعة العربية على الخط بمبادرة عربية تضم دولا عربية منها قطر و الجزائر وليبيا ومصر وقدم السودان مقترحا لأمين عام جامعة الدول العربي عمرو موسى مفادها عدم القدرة على التعامل مع مبادرتين عربية و افريقية وأن الحل الامثل هو تقديم مبادرة مشتركة خاصة ان هناك وسيطا واحدا هو باسولي وآخر يمثل الجامعة العربية وهو وزير الدولة في قطر أحمد بن عبد الله آل محمود.
وقال الوزير السوداني ان اللوبيات الاجنبية و اليهودية في أمريكا تمارس ضغطها المتواصل على المتمردين منذ بدء مفاوضات ابوجا في العام 2006 وأن الحديث عاد عن وساطة مشتركة وكان يتم اقناع الحركات بتشكيل وفود للمحادثات مشيرا إلى إن الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب ودارفور أسست حركة تحرير السودان في دارفور مع الجنوب لكنهم قالوا أن دارفور ليست جزءا منا ولذلك غيروا الاسم مشددا على أنه لا قيمة لجلسات الحوار السابقة وأن الحوار الجاد لم يبدأ بعد بل في حالة استدراج للمفاوضات.
وحول المعيقات اوضح د.عمر أن حركة العدل والمساواة وضعت شروطا أولها إطلاق سراح معتقليها الذين شاركوا في غزوة أم درمان بيد أنه كشف عن محاولات جارية لإقناع الحركة بالدخول في موضوعات الخلاف مثل الوضع الإداري في دارفور و الوضع السياسي ومعالجة المشكلات القائمة مبينا أن الوسطاء طرحوا اتفاق إطار يتناول كل هذه القضايا من حيث النقاش و المواقيت ووقف النار وأن الخرطوم قبلت لكن حركة العدل رفضت.
وفي نفس السياق قال الوزير انه تم إبلاغ الوسطاء بعدم جدية الحركة في التفاوض وبالتالي تم التقدم باقتراح لجمع بقية الحركات الأخرى للتفاوض معها منوها إلى أن حركة العدل والمساواة موجودة وأن المشكلة عويصة كما أن حركة العدل في رفع الغطاء السوداني عنها لا تساوي شيئا لأنها لا تمتلك مواقع في السودان سوى موقعين حدوديين صغيرين تستطيع الحكومة لو أرادت إجلاءها بسرعة عكس الحركات الأخرى التي تمتلك مواقع في السودان مؤكدا انه في حال إصرار حركة العدل على الحل العسكري فإن الخرطوم قادرة على ذلك كما أن الحكومة ترى في دارفور مشكلة إنسانية وليست أمنية ولذلك فإنها تلجأ للحوار.
وكشف الوزير أن الحكومة سمحت للوسطاء بنقل ممثلي الحركات وإنزالهم في المطارات السودانية ومن ثم نقلهم إلى الخارج منوها إلى أن الوسطاء متفائلون حاليا ويركزون في اتصالاتهم على الحركات المؤثرة سياسيا وعسكريا كما أن هناك جهدا لتوحيد الحركات في جبهة واحدة للتفاوض وقال ان معظم الحركات راغبة في التفاوض سوى عبد الواحد نور المدعوم إسرائيليا لكنه أكد أن قادة في الحركة أبلغوا الحكومة انهم سينتخبون قائدا غيره في حال استمراره بالتعنت ورفض التفاوض مع الحكومة لأن السكان بدأوا يشعرون بالملل منه بسبب مواقفه ودعم إسرائيل له مشيرا إلى أن وجود الحركات جعل الموقف في دارفور غير قابل للحل.
ولدى سؤاله عن أن تداعيات الخروق الأمنية تتحول إلى صراع قبلي وأن الحركات لا تشكل خطرا أمنيا لكنها تنشر الفوضى الأمنية موضحا أن مجموعات تابعة لحركة العدل والمساواة تعقد اجتماعات في طرابلس فيما يعقد جناح عبد الواحد نور اجتماعا في جنيف كاشفا أن المندوب الأمريكي كريشون الذي زار السودان مؤخرا ابلغ الحكومة أنه سيجمعهم في جوبا قريبا منوها إلى أن الحكومة بانتظار مجيء حركات التمرد للمفاوضات منذ ثلاث سنوات بيد أنه اوضح أن المفاوضات لن تستغرق وقتا في حال البدء بها.
وعودة إلى فكرة الإقليم الواحد أكد د.عمر أن الحكومة ليست ضد هذا الطرح في دارفور لكنه اشترط موافقة أهالي دارفور عليه معبرا عن خشية من تحول القضية الإدارية إلى صراع دولي مبينا أن التعويضات ستكون حسب المعايير الدولية وأن التمثيل النسبي غير ذات أهمية وأن الحكومة ماضية في الانتخابات التي تعد بالنسبة إليها قضية كبرى لا تقل في أهميتها عن قضية دارفور وان لم تكن على غير تراض فان الأمر سيصبح صعبا.
وفي معرض حديثه عن الانتخابات أكد الوزير السوداني أن الانتخابات الرئاسية باتت محسوبة لصالح الرئيس عمر البشير وان استقبال أهالي دارفور له مؤشر قوي على ذلك كما أن الاستهداف الدولي له وقرار اوكامبو جاء لصالحه بيد انه اوضح أن هناك من يريد افشال الانتخابات اضافة إلى انتخاب الرئيس بالتوافق السياسي مؤكدا رفض الحكومة لذلك لأن الانتخابات هي الحكم.
وتحدث عن واقع القوى السياسية في السودان بقوله ان الحركة الشعبية تمثل 70% وتقول انه لا انتخابات في السودان دون اجراء انتخابات في الجنوب مشيرا إلى أن مشاركتها في الانتخابات أمر جوهري كما تحدث عن حزب الأمة الذي بقي موحدا منذ العام 1986 لكنه الآن يتكون من خمسة فصائل وأنه انقسم مؤخرا إلى مجموعتين وهناك نزاع بداخله يهدد بالمزيد من الانقسامات موضحا ان هذا الحزب خسر الكثير من مواقعه في دارفور وكردفانوان خسارته في كردفان كانت لصالح حزب المؤتمر الوطني كما أنه أصبح قسمين في جبال النوبة بكردفان ولا تأثير كبيرا له في عموم السودان.
أما ما يتعلق بحزب الاتحاد فأوضح انه يشهد انشقاقات متعددة وكانت خسارته في الشمال لصالح حزب المؤتمر الوطني في حين ان خسارته في شرق السودان كانت لصالح المعارضة وحزب المؤتمر معا مؤكدا أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم هو الجبهة الوحيدة المتحمسة للانتخابات لأنه ليس قلقا على مصير الرئيس وسيكون له الأغلبية في البرلمان إن لم يسجل اكتساحا في حين أن حزب الأمة وحركة العدل والمساواة غير راغبين في الانتخابات ويدعوان لتأجيلها ويطالبان بحكومة قومية مختتما القول أن حزب المؤتمر الشعبي يقف ضد الانتخابات بسبب وضعه الحالي وحتى لا ينكشف رئيسه حسن الترابي أمام الرأي العام.
الراية القطرية_ عمان – أسعد العزوني: