أسقني كأس النفط بعزةٍ .. بقلم: سارة عيسى

أحياناً يحتاج الإنسان للأدب للخروج من أزماته ، وبالأمس رأينا مندوب سوريا في مجلس الأمن يترنم بأشعار نزار قباني ، ولكنه ( طبظ ) هذه الأبيات عندما عرج على الفريق الدابي وشهادته المذكوبة حول الوضع في سوريا ، فأنتقلنا من رومانسية نزار قباني في الحب والأمل والبوح بما يجول في الفؤاد إلى أقوال الفريق الدابي الذي يرى ما لا يسمع ويسمع ما لا يرى .
هذا جانب ، لكن علينا أن نعود إلى أزمتنا الحديثة ، فبعد حروب النيل الأزرق وكردفان ودارفور عمدت حكومة المؤتمر الوطني إلى قرصنة نفط الجنوب ، كان المشير البشير بعد أن أقصى خصومه بالحرب أو الموت واثقاً مما يفعله ، حضر الموت للدكتاتور الاسباني فرانكو فسأله القسيس : سيدي أطلب منك مسامحة أعدائك قبل أن ترحل
فرد الجنرال فرانكو : لا أحتاج لذلك فقد أخذت حقي منهم جميعاً
لذلك كان المشير بشير واثقاً مما يفعله عندما قال في مخاطبة جماهيرية : أن حكومته سوف تأخذ حقها بالقوة و ( بحمرة العين ) ، حدد المشير البشير سعر نقل النفط ب 36 دولاراً والدفع عيني في ميناء بورتسودان ، هكذا بدأت الأزمة ، حجر يرمي به مجنون يرهق مائة عاقل ، ولا أظن أن الرئيس البشير يستعين برأيه بجيش المستشارين في القصر الجمهوري ، فالعملية كانت أشبه ( بالبطان ) عند الجعلية – وكما غنى محجوب كبوشية : أنا فنجان وإنكسر عند ستو ، لكن هناك ردات فعل لم تتوقعها حكومة الإنقاذ وهي أن تلجأ الحركة الشعبية إلى غلق صنابير النفط المتدفق عن طريق الشمال ، إذاً لن تجد حكومة الخرطوم إلا الحصى والصدى في مدينة بورتسودان ، وكأن هذا أشبه بالذي قتل الوزة التي كانت تبيض ذهباً كل يوم على أمل إدراك الكنز الكبير ، فكان قرار الحركة الشعبية مباغتاً وموجعاً ، وهرع الخبراء الإقتصاديون إلى موازنة عام 2012 فوجدوا أن عائدات النفط تأخذ نصيب الاسد ، كان قرار الفريق سلفاكير مثل الفأس في الرأس ، فذهب المشير البشير مغاضباً إلى أديس اببا ، لكنه رجع بخفي حنين ، وفتح الإعلام السوداني الشمالي حربه على الحركة الشعبية ، تفأجأ المشير البشير أن سقف مطالب الحركة الشعبية قد زاد ، فالقضية لم تعد هي كاس النفط وما يحتويه ، فالقضية أصبحت شاملة ، أصبحت تتعلق بالحدود وقضية أبيي وضع الجنوبيين في السودان الشمالي ، كبادرة على حسن النية أطلق المشير البشير سراح السفن المحتجزة لكن هذا الحل أتى متأخراً وهذا قرار جاء نتيجةً للضغط وليس نتيجة للنوايا الصادقة .
وغير كل ذلك بدأت حكومة المؤتمر الوطني تتحسس الخطر ، فبهذه المناورة البائسة فإنها على وشك أن تفقد حليفها الصيني ، وحتى شركات النفط الأسيوية فسوف تصنف السودان من الدول الغير آمنة – وهو كذلك بالفعل- لكن حادثة إختطاف التسعة وعشرين صينياً وضعت قدرة حكومة المؤتمر الوطني على إحتواء الأمن في مناطق البترول في بؤرة الشك ، حاولت حكومة الإنقاذ حل هذه الأزمة عن طريق الإعلام والكذب بأن قوات الصوارمي خالد قد حررتهم من الأسر ، وهذا خبر نفاه الصينيون أنفسهم ، فهل يُمكن أن نقول أن هذه النهاية الإقتصادية لنظام الإنقاذ ؟؟ هذه النظرية سوف تكون صحيحة إذا أصرت حكومة الإنقاذ على الحلول الأمنية وتطويع الهامش بقوة السلاح ، فهي من أجل الحرب الثالثة تحتاج للمال والحلفاء والسبب ، فالمال سوف ينضب بسبب غلق القائد سلفاكير لأنابيب النفط ، ولا أعتقد أن حكومة المؤتمر الوطني تملك حليفاً حالياً سوى الرئيس ( العريس ) إدريس دبي ، أما حكومات الإخوان في مصر وتونس وليبيا فهي مشغولة بالأزمات الداخلية ، كما أن هذه الحكومات تُعتبر بعيدة كل البعد عن المؤسسات العسكرية في دولها ، لذلك لا يُمكن أن تعوّل عليها حكومة المؤتمر الوطني في حربها القادمة ، أما أسباب الحرب ، فهي إما أن تزعم بأنها تريد رد الكفار والمشركين وإسرائيل كما كانت تفعل في حرب التسعينات ، لكن المجتمع الدولي لن يستسيغ الشعارات الدينية ، كما أن حكومة الجنوب سوف تحارب كدولة لها حلفاء في الداخل والخارج ، وإما أن تعلن حكومة المؤتمر حرباً على طريقة عودة الجزء للكل كما فعل صدام حسين في الكويت ، وذلك بأن تعمد إلى أحتلال مناطق البترول بالقوة ، لكن هذا الخيار سوف يكون كارثياً على الجميع ، فالشعب السوداني في الشمال ليس موحداً تجاه الحرب ، ولا ننسى أن حكومة المؤتمر الوطني تحارب ثلثي هذا الشعب في دارفور وكردفان والنيل الأزرق .إذاً لا تملك حكومة المؤتمر الوطني سوى الموافقة على التخلي عن أبيي والقبول بالرسوم الدولية المتعارف عليها لتصدير النفط ، وذلك مع توفيق أوضاع الجنوبيين العالقين في الشمال ، ومطلوب منها التعامل بحكمة مع الثالوث جبريل إبراهيم والحلو ومالك عقار ، فلن يحدث سلام في السودان وهؤلاء الرجال يحملون السلاح .
سارة عيسي
sara issa [[email protected]]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *