اقتصاديات التطهير العرقي في دارفور .. ترجمة: صلاح شعيب

اقتصاديات التطهير العرقي في دارفور

جون برندرغاست، عمر إسماعيل، أكشايا كومار

ترجمة: صلاح شعيب

نظرة عامة:
دارفور تحترق مرة أخرى في وقت تتنامي فيه الأهوال المدمرة لشعبها. فقوات الجنجويد مرة أخرى عادت لتنشط في حرق القرى، وترويع المدنيين، ولتستولي، بشكل منظم على الأراضي ومناطق الموارد الغنية. فما يجري هناك الآن هو أحدث حملة للتطهير العرقي وقد افرزت بالفعل نزوح أكثر من ثلاثمئة ألف شخص من سكان دارفور هذا العام. مثلما أجبرت أكثر من خمسة وسبعين ألف شخص على اللجوء إلى تشاد المجاورة، والتي شهدت أكبر عملية نزوح للسكان في الآونة الأخيرة (1).
في ظل هذه التطورات انبثقت الآن الأجندة الاقتصادية في الصراع لتكون محركا رئيسيا لتصاعد العنف. ومع تزايد الفظائع الجماعية المرتكبة في الفترة من 2003 إلى 2005، فإن استراتيجية النظام السوداني تبدو مدفوعة في المقام الأول بأهداف مكافحة التمرد، وثانيا مدفوعة بعامل الحصول على الرواتب من حرب الغنيمة. وما لا يمكن إنكاره أن الحكومة قد ضمنت في هذا النزاع الجديد فقط ولاء ميليشيات الجنجويد المتعاونة، وذلك بالسماح لها بالحفاظ على الأراضي الخصبة التي كانت قد طردت منها السكان الأصليين.
إن عنف اليوم في دارفور صار أكثر وضوحا ومحركا بالدوافع المالية والتي تمظهرت في الاستيلاء على الأراضي، وترسيخ السيطرة على مناجم الذهب التي اكتشفت مؤخرا، والتلاعب بمؤتمرات المصالحة لزيادة العائد المادي للديات، وتوسيع وحماية شبكات التهريب، وإجراء عمليات سطو على البنوك، واستئناف عمليات السلب والنهب على نطاق واسع بما يماثل العدائيات التي سمت الفتر ات السابقة من الصراع.
لقد لحظنا في الآونة الأخيرة أن العديد من جماعات الجنجويد، بما فيها تلك التي أدمجها النظام في قوات حرس الحدود الحكومية وشرطة الاحتياطي المركزي، خرجت من سيطرة الحكومة آن انخفاض الميزانيات المرصودة لها. وهكذا زادت ميليشيات الجنجويد أنشطتها الإجرامية للتعويض عن فقدان الإيرادات. وخلال الأشهر الستة الماضية سعى النظام إلى جلب العديد من عناصر الجنجويد لتعزيز تحالف أوثق حول الأهداف المشتركة. وطوال عام 2013 استهدفت مليشيات النظام مهاجمة الفور والمساليت، وغيرها من مجموعات عرقية غير عربية،(2) وكذلك المدنيين من القبائل العربية التي كانت متحالفة تاريخيا مع الحكومة (3).
إن التوسع الجديد لنطاق العنف في دارفور يرتبط بظهور الضرورات الاقتصادية الملحة، التي نشأت إلى حد كبير من جراء فقدان عائدات النفط بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011. ففي الوقت الذي تكافح فيه الحكومة لتطوير مصادر دخل بديلة، وإلى تهدئة مليشيات الجنجويد التي لا يهدأ لها بال، فإن مسؤولي الدولة اثبتوا استعدادا لتأجيج نيران العنف، حتى ضد ب عض من حلفائهم السابقين.

ولأن النظام في الخرطوم يمنع الصحافيين، وعمال الإغاثة، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى مواقع يتم فيها استهداف المدنيين بشكل متكرر(4)، فإن القتل والنهب، والحرق يبدو من المعلومات التي يصعب الحصول عليها. ونتيجة لذلك، فإن الصحافيين والدبلوماسيين يقبلون في الغالب بتفسير الحكومة السودانية بأن تجدد أحداث العنف إنما هو نتاج حتمي للكراهية المستعصية بين القبائل(5).
وإذ إن بعثة حفظ السلام المشتركة في دارفور، يوناميد، مكبلة في حركتها بواسطة قيود من الخرطوم، فإنها لذلك توفر الحد الأدنى من الحماية للمدنيين ولم تعدل مراسيم تفويضها بعد لتستجيب إلى الدوافع الاقتصادية والأمنية الجديدة للصراع المتصاعد بسرعة.
وعلى الرغم من أن المجموعات العربية المتنازعة قد اشتبكت في الماضي(6)، فإن دور الحكومة في تجاهل تفاقم النزاعات الأخيرة واستفادتها من الصدام القبلي ما يزال مشكوكا. وبالاعتماد على مقابلات مباشرة مع اللاجئين على الحدود التشادية مع دارفور، فضلا عن مقابلة عدد آخر داخل السودان، فإن هذا التقرير يتحدى الأسباب التي تبسط المشكلة في الإطار القبلي، ويسلط الضوء على دور الحكومة السودانية والمصالح الكامنة وراء الجولات الأخيرة للعنف في المنطقة(7).
فمع التقرير بأن هناك جذورا عميقة وشاملة للمشاكل في دارفور فنحن نوصي بضرورة المضي قدما في منح الأولوية لإنشاء عملية سلام شاملة تعالج جميع الصراعات في السودان عبر ملتقى جامع واحد، وتفعيل مشاركة واسعة لعناصر المجتمع المدني والمعارضة والحركات المسلحة، والحكومة. وللأسف فمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اتخذ مؤخرا خطوة في الاتجاه المعاكس، إذ صار يدعو إلى زيادة الدعم الدولي لوثيقة الدوحة الفاشلة(8)، وهي العملية التي عمقت الصراع في دارفور، وعززت الانقسام وسط فصائل الحركات المسلحة التي انشقت منها لاحقا جماعات صغيرة، وعليه تركت الحركات الرئيسية خارج هذه العملية(9). فالولايات المتحدة، والتي لديها تاريخ طويل من الإصرار على ضرورة اتباع نهج شامل، يجب عليها الآن أن توظف دبلوماسية جريئة لتشجيع التوصل إلى حل لمظالم جميع السودانيين، وتقديم دعم جديد لتلك العناصر التي تناضل من أجل السلام والديمقراطية داخل السودان.
تحديد الدوافع الاقتصادية والأمنية
على الرغم من القبول الشعبي لقصة “الكراهية المستوطنة بين القبائل” فإن العنف الذي حدث على نطاق واسع في دارفور تم نظاميا تحت رعاية الدولة، وتحركه أهداف اقتصادية وأمنية. فالحكومة تشجع بشكل نشط عنفا لا يمكن السيطرة عليه بين القبائل في دارفور لإخفاء النوايا الكامنة وراء استراتيجية (فرق تسد)، والتي تعنى بتعزيز السيطرة على الاقتصاد في دارفور، واسترضاء دوائر الجنجويد الكثيرة القلق، والتي تحتاج إليها الحكومة في حربها ضد قوات الجبهة الثورية.
ذهب شمال دارفور والدافع الاقتصادي
إن حمى البحث الجنوني عن الذهب في شمال دارفور يشير إلى الوجه الاقتصادي لتزايد العنف مؤخرا وبعض الأهداف الأمنية. ففي مايو 2013 وثقت منظمة كفاية هجوم الأبالة الاستراتيجي على الأراضي المحيطة بمنطقة تعدين الذهب المكتشفة حديثا(10). ذلك الهجوم كان يهدف إلى تجريد قبيلة البني حسين من الأرض، وتعزيز السيطرة على مناطق الذهب، وتسهيل احتكار المسؤولين لصادراته، والتي لعبت دورا حاسما في تعويض فقدان عائدات النفط بعد استقلال جنوب السودان عام 2011(11).
وبعد جولات الاشتباكات بين القبائل عبر المتحدثون باسم مجتمع الأبالة عن مخاوفهم من احتمال كونهم أداة طيعة للحكومة تستغلها متى أرادت. ولذلك هددوا بقطع روابطهم المتينة مع النظام(12). وهكذا سرعان ما بدأت مجموعات الأبالة المنشقة في الطعن علنا في محاولات حاكم ولاية شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر للسيطرة على المنطقة من خلال إقامة الحواجز، وإعلان إدارة خاصة بهم على المدن(13). ولعل تنامي عدم التماسك بين هذه المجموعات نبه إلى إمكانية تداعي تحالف الحكومة مع الجماعات الأخرى.
الصمغ العربي في جنوب دارفور: محفز اقتصادي
تزايد التشظي بين هذه المجموعات جلب إلى السطح بالمقابل الحديث عن التصدع في شبكات التحالف المحسوبة على الحكومة. فالعنف الأخيرة في جنوب دارفور قد حرم السكان الأصليين من بعض الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية في دارفور. وفي ذات الولاية حاولت جماعات من قبيلة البني هلبة فرض سيطرتها على المواطن التقليدية لقبيلة القمر، والتي يكثر فيها إنتاج الصمغ العربي. وبني هلبة، القبيلة التي ينتمي إليها نائب الرئيس السوداني الحاج آدم يوسف، تعتمد على الدعم الحكومي الضمني لحملتها ضد القمر(14). وفي غياب صادرات النفط فإن الصمغ العربي، والذي هو معفي من العقوبات الأمريكية، يمثل الصادر الرئيسي لاقتصاد السودان المتعثر(15). ولكن إزاء هذه التطورات فإن قادة القمر، وحاكم ولاية جنوب دارفور، عبروا علنا عن قلقهم بشأن دعم النائب الثاني للرئيس لهجمات بني هلبة في الآونة الأخيرة(16).
وقال ابو بكر التوم المتحدث باسم قبيلة القمر لراديو دبنقا أنه طوال الأعمال العدائية، التي بدأت في نهاية مارس عام 2013 ” لم تتدخل أي قوة رسمية لحماية سكان “كتيلة”، حاضرة القمر” إذ كانت القوات التي كانت هناك تحجم عن التدخل، وهذا ما يؤكد وجود المؤامرة(17). وكسب السيطرة على الصمغ العربي، ومن المرجح أن يرضي مجموعة بني هلبة وهي حليف أساسي لجنجويد الحكومة.
الأراضي الصالحة للزراعة بوسط دارفور: دافع اقتصادي
في وسط دارفور قامت قوات علي كوشيب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية باحتلال الاراضي الخصبة في منطقة وادي صالح لتوسيع نطاق الأراضي التي تحتلها الجماعات العربية، خصوصا قبيلة التعايشة التي ينتمي إليها كوشيب، وأيضا قبيلة المسيرية التي تتحالف مع الرئيس السوداني عمر البشير(18). وقال لاجئ لفريق كفاية إن “الجنجويد يريدون احتلال الأرض والتخلص من السكان”(19). وتؤكد مصادر كفاية الموثوقة أنه في أعقاب النجاحات الميدانية الأخيرة في دارفور فإن وزير المالية علي محمود، وهو يتصرف بموجب تعليمات الرئيس السوداني البشير مباشرة، أذن لكوشيب بتجنيد أكثر من اربعمائة من رجال ميليشيا الجنجويد، وتزويدهم بالمزيد من المعدات العسكرية(20). وكوشيب كما نعلم كان هدفا للاغتيال في 7 يوليو 2013،(21) خلال القتال الذي دار مؤخرا في نيالا. وبعد تلقي العلاج في مستشفى في نيالا نقل كوشيب جوا الى الخرطوم فورا لمزيد من العلاج(22).
شبكات المحسوبية والدافع اقتصادي
خلال ذروة الإبادة الجماعية أسست الخرطوم شبكة امنية ضخمة دفعت الميليشيات لتكون بمثابة وحدات شبه عسكرية أو قابلة للدمج رسميا في الجيش(23). وفي غياب عائدات النفط، فإن الحكومة تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها لرعاية هذه المليشيات. وبدلا من الدفع المادي المباشر فإن النظام يؤمن الآن مصالحها من خلال السماح لهذه الميليشيات بالسلب والنهب مع الإفلات التام من العقاب، والحفاظ على الغنائم كشكل من أشكال التعويض. وتشير بعض المصادر إلى أن الامن الوطني عمل مع الجنجويد جنبا إلى جنب، على اختطاف الموظفين الأجانب في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحكومية الدولية ومن ثم توقيع عقود الفدية من أجل اطلاق سراحهم، ومع ذلك فإن منظمة كفاية لم تستوثق من صحة هذا الزعم من مصادر مستقلة(24). وفي مقابل لا مبالاة الحكومة في المساعدة في أنشطة غير قانونية، لا تزال هذه الميليشيات تستمر في مواجهة التمرد بينما تحاول الحكومة تأمين السيطرة على المصادر الطبيعية. وقال احد النازحين عن الجنجويد ويدعى عبدول “إنهم يسرقون ما يستطيعون حمله ويحرقون ما يلوح أمامهم”(25).
والحال هكذا عرف على نطاق واسع أن قوات الجنجويد تستفيد من تهريب الصمغ العربي(26) وتنشط في صيد الأفيال بشكل غير مشروع (27). مثلما صارت “مؤتمرات المصالحة” التي ترعاها الحكومة مجالا للابتزاز من قبل عناصر الجنجويد التي تطالب برشاوى ضخمة.
تهدئة الجنجويد وتوتر العلاقات: دافع أمني
في الواقع أن محاولة ترويض مليشيا الجنجويد ظلت جزء من العلاقات المضطربة بينها والحكومة(28)، ويقول محلل موثوق عن هذه العلاقة إن الحكومة السودانية تخشى من رد فعل عنيف محتمل من جانب الجنجويد الساخطين. ويشير إلى أن القوات المسلحة السودانية ظلت ضعيفة إلى حد ما في دارفور، بينما تنشر أفضل قواتها على الحدود مع جنوب السودان وولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولحظنا أن الخرطوم تستخدم الجنجويد لمكافحة التمرد في دارفور، إذ هم وكلاؤها الذين تدعمهم بجيش صغير وغارات جوية عند الضرورة.
وبينما يبدو اعتماد الحكومة قويا على وكلائها الجنجويد فإن المتطلبات المالية لتلبية احتياجات قادة الجنجويد تتعمق. وذلك يتضح بجلاء في الاشتباكات بين ميليشيات الجنجويد وقوات الأمن الحكومية التي انفجرت في نيالا، عاصمة جنوب دارفور، وهكذا أضحت مليشيات الجنجويد غير راضية، فعناصر الجنجويد يرغبون بشكل متنام إلى توجيه عنفهم ضد الحكومة المركزية.
تداعيات القضايا الاقتصادية والامنية
اشتباكات نيالا، يوليو 2013
في بداية يوليو 2013 تصاعد توتر في العلاقة بين جماعات مليشيا الجنجويد وأجهزة الأمن السودانية في عاصمة ولاية جنوب دارفور، نيالا(29). وعلى الرغم من أنه يصعب الحصول على معلومات حول المواجهات الأخيرة في المدينة، إلا أن معظم المحللين يتفق على أن سببها التنافس على الغنائم المالية التي تحققت عبر القتال. وأوردت وكالة فرانس برس على لسان المسؤولين الحكوميين أن “الخلافات” بين أجهزة الأمن، من جهة، وحلفائهم الجنجويد، من الجهة الأخرى، هي التي أثارت أعمال العنف(30).
والقتال الأخير بين الجنجويد والقوات الحكومية بدأ بعد قتل ديك روم، وهو من كبار قادة الجنجويد ويعمل رقيبا في شرطة الاحتياطي المركزي اثناء الخلاف حول غنائم الحرب، وذلك ما أدى إلى تكاثف موجة العنف(31). حقيقة أن الاشتباكات بين شرطة الاحتياطي المركزي وجهاز الأمن الوطني في عاصمة الولاية يؤكد تورط الحكومة في تأجيج النيران. وأكدت مصادر داخل المدينة أن القوات المسلحة السودانية انضمت إلى القتال، جنبا إلى جنب، مع قوات جهاز الأمن الوطني، وأن الحكومة جلبت أربع طائرات مع قوات منتخبة وأسلحة لاحتواء القتال واستعادة الأمن(32). ولقد أسفرت عشوائية القصف آنذاك عن مقتل خمسة مدنيين داخل منازلهم، بينهم طفل واحد واثنين من عمال الاغاثة التابعين لمنظمة وورلد فيشن، بينما بلغ عدد الجرحى نحو 45 شخصا (33). ووفقا لمصادر متعددة فإن اثنين من الأسواق الرئيسية في نيالا، هما سوق الملجة وسوق المواشي، دمرا تماما وتم نهبهما وكذلك نهبت مباني المنظمات غير الحكومية في المنطقة المجاورة لمجمع جهاز الأمن الوطني (34).
تذمر مليشيات الأبالة
تصدعات مماثلة كذلك حدثت في شمال دارفور. فقد تجددت أعمال العنف في منطقة جبل عامر في أواخر يونيو 2013،(35) وظهرت حركة منشقة جديدة باسم “الفرسان”، أو “فرسان الأبالة” وقد أعلنت الجماعة على الملأ استقلالها عن سيطرة الحكومة(36).
وفي يوم 8 يوليو هجمت ميليشيات الأبالة على قافلة من أمام بوابات يوناميد دون أي مقاومة من قوات الجيش التي تحرس المركبات. ووفقا لمصادر راديو دبنقا فإن قوات الجيش السوداني التي كانت تقود ست عربات لحراسة القافلة لم تهتم بالحدث ولم تتدخل لرد غائلة الأبالة وواصلت سيرها نحو السريف بني حسين(37). إن تصدع العلاقة بين مجتمع الأبالة والحكومة يسلط الضوء أيضا على تزايد الضغوط على الخرطوم للوفاء بمطالب حلفائها الجنجويد.
وتؤكد مصادر كفاية أنه في منتصف يوليو عقد الرئيس البشير اجتماعا أمنيا خاصا بشأن دارفور في محاولة لتهدئة فصائل الجنجويد المنشقة والتوفيق بينهم وزعيمهم موسى هلال(38). غير أن تقارير أشارت إلى أن هلال عبر علنا عن استيائه من الخرطوم وهدد بالانضمام إلى الجبهة الثورية(39).
الأدلة من الناجين
مقابلات كفاية الميدانية مع الناجين من العنف الأخير أضاف عمقا جديدا لصحة تقييمنا للدوافع الاقتصادية للنظام وميليشياته المذكورة أعلاه. فكثير من ما ذكره اللاجئون أبان أن هذا العنف بمثابة تحولات دينامية ذات صلة بحرب التكسب الانتهازي. ولكن نظرا لعدم وجود شفافية في النشاط التجاري السوداني على نطاق واسع، ما بقي غير معلوم هو أن هناك مؤسسات اقتصادية تستغل الوضع للحصول على الامتيازات المعدنية أو الزراعية في دارفور. ولم يتضح حتى الآن من الشركاء المحليين والمستثمرين الدوليين الذين سيستفيدون من هذه المخططات التي تجني أرباحا من نهب الأصول والاستيلاء على الأراضي في دارفور. واتضح أن كل المعلومات التي ترتبط بهذه الجرائم الكبيرة ما تزال تعتبر سرا من أسرار الدولة، وذلك بسبب اختطاف دور الدولة في ملاحقة هذه الجرائم. ولتأكيد هذا الزعم يتطلب الأمر بحثا اضافيا، ولكن شهادات اللاجئين أدناه توضح أن جرائم الحرب الجارية اليوم تجعل من الممكن جني أرباح كثيرة في الغد لقادة الحلف السلطوي.
المال أكثر ثقلا من الدم
حتى وقت قريب كان عدد اللاجئين في تشاد يتشكلون في الغالب من المساليت والفور، وقبائل غير عربية، أخرى وهي القبائل التي تستهدفها الجنجويد على الدوام تحت رعاية الحكومة خلال المراحل السابقة من الصراع. ونتيجة لذلك، فمن غير المستغرب ـ للأسف ـ أن نسمع عن موجة نزوح لأفراد من هذه المجتمعات. ولم يكتف الجنجويد بذلك بل إنهم ينفذون هجمات ضد الجماعات العربية الذين تباعدت المصلحة بينهم وبين الحكومة. وكانت قبيلة السلامات المقيمة في وسط دارفور من بين هذه الجماعات المستهدفة على الرغم من أنها كانت جزء من ميليشيات الجنجويد في وقت سابق. ولقد شاركت في ذلك النوع من التطهير العرقي الوحشي الذي تعاني منه اليوم. ويقول أحد اللاجئين “الآن هم إخوة.(40) لقد غيرت الحرباء لونها.. قبل اقتتال السلامات والمسيرية كانوا يقاتلون معا ضدنا [نحن غير العرب]. ولكن الآن فالسلامات يملكون ذات لوننا”(41) وهناك لاجئ آخر استخدم نفس التعبير ولكن مع بعض التحوير، إذ قال: “الحرباء هي الحكومة، وهي التي غيرت استراتيجيتها للتخلص من بعض الجماعات العربية”(42)
إن القتال بين الجماعات المختلفة في دارفور في الواقع يخدم مصالح الخرطوم جيدا، لأنه يسمح للحكومة بتعزيز الاعتقاد الخاطئ الشائع بأن معظم القتال في دارفور يرجع إلى تراث النزاعات بين القبائل. غير أن تمرير سوء الفهم هذا يوفر غطاء للحكومة السودانية على مواصلة دعم ميليشيات الجنجويد المحلية، مثل التي يقودها علي كوشيب، للمصالح الاقتصادية والأمنية التابعة للحكومة. حقا إن المزيد من الميليشيات الموالية للحكومة يقعون خارج سيطرة النظام، ويزيدون بذلك من تعقيد وزعزعة استقرار المنطقة.
اقتصاديات الصراع في وسط دارفور
أصبحت أجزاء من وسط دارفور نموذجا مصغرا لهذه البرامج الاقتصادية المتطورة. فمصالح الحكومة السودانية والميليشيات العرقية المتحالفة معها تتزامن حول إحراز المكاسب المالية التي غالبا ما يتم تأمينها من خلال العنف. وقال أحد اللاجئين ببساطة إن “العنف يتمحور الآن حول المال”(43). وفي وسط دارفور تنقسم هذه المصالح الاقتصادية المشتركة إلى فئتين رئيسيتين: فئة لحيازة الأرض من خلال طرد سكانها، وفئة تنسج مخططات تجارية رابحة لتهدئة ميليشيات الجنجويد. ولا يوجد أثر لدور حكومي في محاسبة هذه الميليشيات التي تنهب وتسيطر على الأراضي الغنية بالموارد، ولم يتبد إلى الآن أي سعي حكومي لمحاكمة أي من قادة الجنجويد بسبب هذه المخالفات.
الاستيلاء على الأراضي وطرد السكان
لقد أجرت كفاية مقابلات مع العشرات من السلامات، والفور، واللاجئين الزغاوة من وسط دارفور التي أحرقت قراهم بواسطة ميليشيات الجنجويد المدعومة من الحكومة، وبصورة رئيسية بواسطة قبيلة المسيرية. الأراضي في هذه المناطق خصبة وتزود سوق الحبوب الرئيسية في بلدة أم دخن بالقرب من الحدود السودانية-التشادية. وخلال هذه الجولة من العنف، أصبح بعض المجموعات العربية، خصوصا السلامات الذين يعيشون في هذه المنطقة، ضحايا للجنجويد الذين يستولون على هذه الأراضي. ذلك رغم أن ميليشيات السلامات تعاونت مع الحكومة من قبل، خلال ذروة الإبادة الجماعية، ولكن الآن تم وصف القبيلة بأنها أكثر ولاء لتشاد. وقيل كذلك إن السلامات قبيلة تشادية الأصل، وأقامت في دارفور فقط منذ عقود. ونتيجة لذلك الزعم فإن الحكومة منحت المسيرية، وهي حليفتها الأقوى، الإذن للشروع في حملة الاستيلاء على الأراضي في منطقة السلامات. ووفقا لشهادات لاجئين، فإن ميليشيات المسيرية لديها الآن منطقة حرة تغطي معظم الجزء الغربي من وسط دارفور على الحدود بين تشاد والسودان(44).
أما مجتمعات الفور والمساليت غير العربية فقد كانت أراضيها محط حملات عرقية تم استهدافها كذلك. ويقول لنا طالب من اللاجئين من وسط دارفور إن “المسيرية قالوا إن هناك عددا كبيرا جدا من غير العرب يعيشون هناك، وعليهم أن يغادروا.”(45) ولذلك فضل العديد من النازحين البقاء داخل دارفور. وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأثر المدمر لهذه الاشتباكات الأخيرة على المدنيين، مشيرا إلى أن القتال بين السلامات وقبيلة المسيرية أدى إلى نزوح الآلاف(46).
ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فإن22300 شخصا على الاقل نزحوا من مناطقهم الريفية إلى المدن الكبيرة في وسط دارفور بعد الصراع الذي تم بين المسيرية والسلامات(47). بالإضافة إلى ذلك، فر نحو 12.000 نازح إلى أم دخن من قرى أبو جرادل، وسالاي، وكابار(48). ووفقا لشهادات قادة المجتمع المحلي فإن 713 أسرة على الأقل، أو ما يقرب من 3,700 من الأفراد اضطروا إلى الفرار إلى زالنجي، وأن 245 أسرة، أو ما يقرب من ألف وخمسمائة فرد فروا إلى قارسيلا، و 280 أسرة أو ما يقارب 1,700 شخص ، لجأوا إلى بندسا(49).
وأكد اللاجئون الذين قابلتهم كفاية في تشاد أنه تجري إبادة سكان منطقة وادي صالح، وأن اراضيهم تم احتلالها بواسطة عناصر جنجويد المسيرية المتحالفة مع قوات كوشيب. وقد أكدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان هذه الشهادات ضمن مقابلات أجرتها مع اللاجئين في تيسي، وهي من مدن الحدود السودانية-التشادية(50). ووفقا للاجئين الذين قابلتهم كفاية، فإن جنجويد المسيرية ما يزالون يتحفظون على جميع الأصول التي امتلكتها خلال الاعتداءات، وما تزال تحتل الأرض، وتؤمنها باحتمال بيعها أو ايجارها بواسطة الحكومة لمستثمرين من دول الخليج(51).
وقال شاهد عيان لكفاية أن ما مجموعه 16 قرية تم حرقها في أجزاء أخرى من وسط دارفور، بما في ذلك أم سوري، قرليا، كوجور، تهام، بايدي، حلة عبود، حلة جاناي، بيسكي، وتوجو(52). أحد اللاجئين قال بعد الجرائم التي شهدتها منطقته “إنهم احرقوا مزرعتي وبيتي عمدا” واحد نساء المساليت من قرية موريا ذكرت لنا، في اشارة الى قبيلة المسيرية(53): “لقد دمروا كل مضخات المياه، وقضوا على الاقتصاد المحلي. انهم لا يريدون لنا العودة(54). لاجئ آخر من بلدة أم دخن قال إن “ميليشيا المسيرية تريد تفريغ جميع المجموعات الأخرى من المنطقة..خطة الحكومة هي إفراغ السكان وأن أفراد قبيلة المسيرية هي وسيلتهم”(55).
كدليل على دعم الحكومة لقوات الجنجويد قال لنا اللاجئون إنهم يرون لوحات العربات والشاحنات التي تحمل أرقاما حكومية تابعة للجنجويد. وقال لاجئون أيضا لفريق كفاية إن الذين يهاجمونهم كانوا يرتدون الزي العسكري السوداني الممنوح بواسطة الحكومة.
النهب والابتزاز والتهريب
ويسمح لميليشيات الجنجويد المدعومة من الخرطوم بالنهب مع الإفلات من العقاب كوسيلة للسداد الجزئي لخدمتهم في ولاء للدولة. مخططات تجريد الاصول وصنع المال أصبحت أكثر إبداعا وجرأة، وتضمن انتقالا كبيرا للثروة إلى مجموعة صغيرة من الجماعات العرقية العربية المفضلة. وما دام أن بعض ضحايا العنف الأخير هم من أصل عربي، فإن الوضع أصبح أكثر فوضوية.
ولاحظنا أن النهب البسيط هو التكتيك المشترك الأكثر مباشرة، وهو الأمر الذي تم التحقق منه بواسطة لاجئي القرى المحروقة. وقال أحد اللاجئين من منطقة وادي صالح والتي تقع على الحدود مع تشاد إن “الأمر كله نهب في نهب.”(56)
وفي الفترة المبكرة من العنف في بلدة أم دخن في شهر مارس 2013، ذكر اللاجئون أن الجنجويد اقتحموا العشرات من مخازن الحبوب ومحلات السوق ليلا، وبشكل منتظم يقومون بنهب الثروة المتراكمة للجماعات المستهدفة عرقيا. أما قطاع الطرق فيحصلون على الأشياء الثمينة والمال من الفارين من السكان،(57) ووفقا لشهادات من النساء لفريق كفاية فأن الرجال الذين يرتدون الزي الرسمي يحرسون نقاط التفتيش ويقومون باعتراض سبيل المارين لدفع مبلغ من المال، وإذا لم تمتلك النساء المال فإن رجال نقاط التفتيش يأخذون الأشياء الثمينة الخاصة بهن. وذكرت إحدى النساء أيضا أن اثنين من صغار فتيات السلامات خطفن في واحدة من هذه النقاط. ووفقا لشهادات تحصل عليها فريق كفاية تعرضت إحداهن للاغتصاب أما الاخرى فما تزال في الأسر(58). ومخططات الابتزاز الأخرى أصبحت أكثر شيوعا. وذكر اللاجئون أن ميليشيات الجنجويد تقتل الناس وتلقي جثثهم في السوق. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يدعي الجنجويد بأن الاشخاص الميتون إنما هم زملاء لهم ومن ثم يطالبون بدفع الدية مع التهديد بمهاجمة المنطقة إذا لم يتم دفع المال(59). وهكذا فإن الابتزاز والخطف مقابل المال فديةً من الأشكال الأخرى لاقتصاد الجريمة المزدهر في دارفور. وقال شهود عيان لفريق كفاية إن ميليشيات الجنجويد يعترضون سبيل التجار ويطلبون منهم ما يسمى “مال حماية”، وفي حال رفضهم يهدد الجنجويد بضرب وخطف التجار حتى يدفع أقاربهم فدية مالية(60). أيضا استوثقنا أن حالات القتال حول الأراضي المنتجة للصمغ العربي وشبكات التهريب من جنوب دارفور إلى تشاد نشأت في مايو 2013، وقدمت أدلة على مصدر آخر للدخل غير المشروع في المنطقة.(61)
المصالحة كحيل للمراوغة
مؤتمرات المصالحة التي ترعاها الحكومة، في محاولة دالة لإظهار “دورها البناء” في محاولة نزع فتيل العنف، تستخدم في بعض الاحيان بواسطة قادة الجنجويد كمجال لتفاوض بشأن ترتيبات ابتزازية. ولكن في دارفور فإن الآليات التقليدية للوساطة بين الجماعات تقوضت بواسطة عسكرة الحكومة السودانية للجماعات العرقية التي تجد تفضيلا منها(62). وفي غياب آليات المساءلة التقليدية أو غير الرسمية الفعالة، لاحظنا الإفلات من العقاب على نطاق واسع مع استمرار ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال هجمات الميليشيات المدعومة من الدولة.
وعلمنا أنه قبل وقت مبكر من القتال في أم دخن، تركت ميليشيات السلامات والمسيرية المدينة. ولقد أنشأ المسيرية مخيما على بعد بضعة كيلومترات خارج المدينة. وذهب بعض السلامات لأبو جرادل المجاورة لأنها أكبر قرية في المنطقة التي فيها غالبية لقبيلة السلامات وبها السوق الشعبي. ومع ذلك انطلقت الشائعات عن احتمال وقوع هجوم المسيرية على أبو جرادل في وقت وجيز. وقال لاجئون من قبيلة المساليت لفريق كفاية إن أسرهم أرادوا مغادرة أبو جرادل عندما سمعوا بهجوم وشيك من المسيرية(63). الشاهد على أي حال أبلغ كفاية أن السلامات هددوهم بفعل مشين في حال مغادرتهم، ذاكرا مؤتمر المصالحة المقبل(64). ووفقا لشهودنا فإنه عندما تجمع مدنيين في أبو جرادل لحضور مؤتمر للمصالحة، استعدت ميليشيا المسيرية للهجوم. وبينما كانت المحادثات جارية مع الوفود من جميع الفئات، بما في ذلك مجتمع المسيرية، أشار بعض من وفد المسيرية إلى المهاجمين لبدء الخطة..فأحرقوا القرية كلها. وبعد ما يقرب من شهرين من المفاوضات في زالنجي، وقعت كل القبائل اتفاق سلام في الأول من يوليو 2013، ولكن لم يكن هناك أي وفاء بدفع التعويض حتى الآن(65).
حينذاك تم منح السلامات 12 مليون جنيه سوداني أو ما يعادل 2.8 مليون دولارا، في حين تم تعيين تعويضا للمسيرية بنحو 8.3 مليون جنيه سوداني، أو ما يعادل 1.9 مليون دولار(66). حفل توقيع الاتفاق تم بواسطة النائب الثاني للرئيس السوداني الحاج آدم يوسف، ورئيس سلطة دارفور الإقليمية، الدكتور التيجاني سيسي، وكذلك وزير العدل محمد بشارة دوسة ورئيس مجلس الولايات آدم حامد موسى(67).
والحقيقة أن دارفور تاريخيا عانت من مؤتمرات المصالحة الكاذبة، إذ تلتزم الحكومة بدفع الديات والتعويضات، ولكنها تفشل في الوفاء بالتزاماتها. وفي كثير من الحالات قد أدت هذه الممارسة إلى تجدد القتال، والذي بدوره أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا وارتفاع تكاليف الدية.
والحقيقة أن جمع الدية، والذي يعد حجر الزاوية في صراعات دارفور التقليدية، استمر لقرون كنوع من إرث حل الخلافات القبلية. ولكن الآن اختطفت الحكومة المصالحة القبلية بمعاونة الجنجويد، وبذلك أججت المزيد من العنف بدلا من المساعدة في احتواء الصراعات المحلية.
المتهم بواسطة المحكمة الدنائية الدولية
وفي عام 2007 أمرت المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على علي محمد عبد الرحمن، المعروف بعلي كشيب، وهو من رجال النفوذ داخل قبيلة التعايشة وقائد ميليشيا الجنجويد. ولكن كوشيب عضو نشط في شرطة الاحتياطي المركزي. ولقد اتهمته المحكمة الجنائية الدولية كوشيب.(68). فكوشيب بالتورط في جملة اغتيالات بلغت نحو 504، وفي 20 حالة اغتصاب، والتهجير القسري لنحو 41,000 من المواطنين(69). وفي واحدة من الهجمات التي تشنها الميليشيا تحت قيادته، أفاد أحد الناجين أن 150 شخصا قتلوا، بينهم 30 طفلا في 90 دقيقة(70).
شهود عيان أوضحوا لفريق كفاية بشكل منفصل وكذلك منظمة حقوق الإنسان في مواقع مختلفة في شرق تشاد وجود كوشيب في مكان الحادث(71). فالعديد من اللاجئين تعرفوا عليه بعد أن أحرقت قراهم. وقال أحد الشهود إن “علي كوشيب هو الحكومة”(72) وقال آخر إن كوشيب “يترحل ضمن قافلة مكونة من 16 شاحنة تحمل أرقام عربات حكومية(73). وقالا إن أعضاء الميليشيا التابعة له يرتدون الزي الحكومي. وأفاد شهود مرارا، وتكرارا، بأن كوشيب هو الذي أنشأ مخيما يبعد كيلومترا من بلدة أم دخن، ومن هناك يقود عمليات السلب، والنهب، وإحراق القرى. أحد الطلاب اللاجئين من أم دخن قال إن كوشيب أكد على الملأ إن المواطنين بحاجة ملحة إلى من يخليهم من المنطقة(74). لاجئ آخر قال إن الحكومة وكوشيب “يعملان برأس واحدة”،(75) وقال لاجئ آخر إن “علي كوشيب قال لسكان منطقة أخرى إن عليهم البحث عن مكان آخر للعيش فيه(76). وهكذا يصف اللاجئون كوشيب كمركز لعمليات السلب، والنهب، ومخططات الابتزاز الموصوفة أعلاه، والتي تبدأ من طلب الدية، إلى التلاعب في مؤتمرات المصالحة، إلى سرقة الحبوب، والمواشي، وغيرها من الممتلكات(77).
الملاحظات الختامية والتوصيات
ميليشيات الجنجويد عادت مرة أخرى، وهي ما تزال قوات شبه عسكرية، سيئة السمعة، وهي أداة الحكومة المفضلة والتي حصدت الخزي في ذروة الإبادة الجماعية في دارفور في منتصف عام 2004، بل وشاركت في سياسة الأرض المحروقة في عام 2013 والتي أبادت عرقيا مجتمعات داخل أراضيها. كما شردت هذه المليشيات مئات الآلاف من سكان دارفور. وانطلاقا من الظروف التي تصاحب العنف في دارفور، فمن الصعب أن نتخيل الإجراءات الحكومية المعزولة التي قد لا يكون لها تأثير في ظل غياب سياسة حكومية ذات نفوذ. وفي الواقع ليست هناك إجراءات ضرورية فورية يمكن اتخاذها بشأن المزيد من العنف والجرائم. فالإجراءات الحكومية المأمولة تتمثل فقط في تجاهلها لسلوك القوات المتحالفة معها وجيشها وقوات الأمن الأخرى، مثل حرس الحدود ووحدات شرطة الاحتياطي المركزي التي ترتكب الفظائع الجماعية. ولذلك ينبغي إجراء تحقيق من الاتحاد الافريقي بمشاركة الامم المتحدة في أقرب وقت ممكن للكمين الذي أدى إلى مقتل أربعة وعشرين وجرح آخرين من أفراد بعثة حفظ السلام المشتركة في دارفور يوناميد.
وأخيرا ينبغي لمجلس الأمن الدولي دعم محادثات أروشا التي بدأت في تنزانيا بأمل إحداث تفعيل صارم لدور يوناميد. ولكن هذا الاتجاه يتطلب وجود اهتمام دولي عاجل. ولا بد من نجاح العملية الإنسانية في حماية مئات الآلاف من المشردين واللاجئين الذين استسلموا للوضع المأسوي، وإلا سوف يتعرضوا الى الجوع والأمراض. على الرغم من هذا النجاح وتوفر اهتمام غير مسبوق من الولايات المتحدة ودول أخرى، كانت الاستجابة الدولية الأوسع نطاقا لعنف الإبادة الجماعية التي ترعاها الدولة في دارفور التي بدأت في عام 2003 غير فعالة على الإطلاق.
وتمتد جذور الأسباب التي أدت إلى فشل هذه السياسات إلى عدم وجود عملية سلام شاملة وفعالة حقا السودان، وكذلك عدم رغبة معظم البلدان ذات النفوذ في استخدام وسيلة الضغط على الخرطوم لتغيير سلوكها في ساحة المعركة وفي طاولة المفاوضات.
ووجدنا أن جهود السلام في دارفور منذ منتصف عام 2004 قد زادت أزمات الصراع بدلا من معالجتها. وقد ركزت هذه الجهود على استمالة قادة المتمردين فرديا، والذين في الغالب يتحولون إلى قادة ميليشيات يعملون تحت رعاية الحكومة. وفي الواقع أنه لم يكن هناك اقتراح يتناول القضايا الجوهرية التي تفرز العنف في دارفور، وبالتالي رفضت الحركات المسلحة وعامة السكان الانخراط في هذه الجهود. وبقي هناك عدد قليل من القضايا الاقتصادية التي يتناولها هذا التقرير موضوعا ضمن أجندة التفاوض.
وعلاوة على ذلك فإن المبادرات الدولية في دارفور ما تزال منفصلة عن جهود السلام في مناطق أخرى من السودان المحاصر، مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، وشرق السودان. وهذا الاتجاه الأممي والمدعوم من الولايات المتحدة، وغيرها من البلدان لدعم هذا النهج التجزيئي يعزز الانقسام ويقوي استراتيجيات الخرطوم الأحادية، ويقلل من فرص السلام في السودان.
الواقع أن العنف الآن ظل آخذا في الازدياد مرة أخرى في دارفور، ولذلك انطلاقا من الدروس المستفادة من جولات السلام الفشلة السابقة يجب البدء بعملية سلام وطنية شاملة وجديدة لتحل محل المبادرات المتمحورة اقليميا في شؤون السودان الطرفية. فالولايات المتحدة ـ آخذين في الاعتبار فريق الأمن القومي الجديد للرئيس باراك أوباما والزخم الذي أوجدته زيارته الرئاسية إلى أفريقيا في أوائل يوليو الماضي ـ يمكن أن تؤدي دورا رئيسيا في المساعدة في تكوين مثل هذه العملية، وخلق النفوذ اللازم لإعطاء فرصة للسلام. فالملايين من الناجين من محرقة دارفور ما يزال لديهم الامل الشحيح في تحقيق عملية سلمية شاملة.
إنه يتعين على الآلية الرفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة هايلي منقريوس، دفع عملية سلام جديدة، مدعومة دوليا وعلى أن تتعامل مع قضايا السودان بشكل يعالج الجذور العميقة لقضاياه. هذه العملية يجب أن تعالج، بمشاركة المجتمع المدني والمعارضة، مشاكل التمثيل، والقمع، واستغلال الموارد الطبيعية.
وكأجراء أولي لهذه العملية يجب أن تسعى إلى إنهاء التمرد في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وشرق السودان. وفي حين أن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، والجهات الفاعلة الدولية الأخرى يهدفون إلى تحقيق سلام شامل، فإنه يجب على المحكمة الجنائية الدولية مواصلة جهودها لتحقيق العدالة في دارفور. ويمكن أن تبت هذه المنظمات في أمر بدء التحقيق في أعمال العنف الحالية في دارفور لتحديد ما إذا كانت قد أفرزت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. فقد لاحظنا أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أثارت مخاوف لدى مجلس الامن الدولي حول تورط كوشيب في أحداث العنف الجديدة.
ومن أجل تعزيز حلول حقيقية يجب على الولايات المتحدة أن تنخرط بشكل أعمق مع المعارضة المسلحة وغير المسلحة في السودان. كما ينبغي أن تركز اتصالاتها الدبلوماسية ودعمها غير العسكري لبناء قدرات الجبهة الثورية، وقوى الإجماع الوطني، وممثلي المجتمع المدني الحقيقيين. وهذه العناصر التي يثار دائما الحديث بأنها تمثل غالبية سكان السودان يجب أن تكون أكثر اتحادا، وأكثر استعدادا للمساعدة في خلق التحول الديمقراطي، إذ إن الشعب السوداني ما يزال يطالبها بتقديم رؤيتهم إزاء إمكانية إيجاد حل سياسي لأعمال العنف الحالية في دارفور، وغيرها من المناطق المتضررة من النزاع في السودان.

للمزيد من الاطلاع أضغط على هذا اللنك:
http://www.enoughproject.org/files/p…ing_Arabic.pdf
 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *