خبير عسكري لـ «الشرق الأوسط» : خطأ استراتيجي سيؤثر في علاقات السودان مع الرياض والخليج
لندن: مصطفى سري
رست سفينتان إيرانيتان في ميناء بورتسودان السوداني، أمس، وهي الزيارة الثانية للقطع البحرية الإيرانية خلال 5 أسابيع لهذا البلد الذي يواجه مشاكل داخلية بين صفوف حزبه الحاكم. وتوقعت مصادر سودانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن يعمق وجود السفينتين من الانقسامات الداخلية وغضب دول الخليج. فيما دافع الحزب الحاكم عن رسو السفن الإيرانية أو أي سفن أخرى، معتبرا أن «من يثيرون الضجيج لديهم أغراض».
وسبق أن تأجل وصول السفينتين من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق ما أعلنه المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصورامي خالد سعد في وقت لاحق، والذي قال في تصريحات صحافية أول من أمس إن زيارة السفن الإيرانية جزء من التبادل الدبلوماسي والعسكري. وأضاف «السفينتان ستمكثان نحو 3 أيام، وستكونان مفتوحتين للمواطنين». وتابع «هذا أمر عادي، والميناء استقبل زيارات مماثلة من سفن أميركية وأوروبية ومن دول أخرى».
وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية «مهر» أمس بأن «المدمرة (جمارا) والبارجة (بوشهر) الحاملة للمروحيات، التابعتين للجيش الإيراني، وصلتا إلى ميناء بورتسودان، وتم استقبالها رسميا من قبل الحكومة السودانية». وأوضحت الوكالة أن السفينتين جابتا مياه البحر الأحمر بعد عبورهما مضيق باب المندب باتجاه المياه الإقليمية للسودان. وقالت إن «ذلك في إطار المهمة الـ23 للسفن الحربية الإيرانية لحفظ السلام والاستقرار في المياه الحرة».
وكانت سفينتان من قوات البحرية الإيرانية رستا في ميناء بورتسودان في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لمدة 4 أيام، وذلك بعد أيام من قصف مجمع اليرموك لصناعة الأسلحة جنوب الخرطوم والذي اتهمت الحكومة السودانية إسرائيل بالضلوع فيه.
من جهته، قال المستشار في وزارة الإعلام السودانية القيادي في المؤتمر الوطني الحاكم الدكتور ربيع عبد العاطي، لـ«الشرق الأوسط»، إن رسو السفينتين الإيرانيتين في ميناء بلاده في بورتسودان «أمر عادي ولا يستحق الضجة التي تظهر من بعض الجهات»، التي لم يسمها. وأضاف أن «العديد من السفن الحربية تجوب وترسو في موانئ العالم ولا نسمع عن مثل هذه الضجة». وتابع «حتى السفن الإيرانية هذه رست في موانئ عربية، فلماذا الحديث عن السودان؟»، معتبرا التهديدات الإسرائيلية جاءت قبل السفن الإيرانية. وقال «وجود السفن الإيرانية في ميناء بورتسودان لا يعني إطلاقا وجود تحالف بين البلدين».
لكن الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء متقاعد الدكتور العباس محمد الأمين حذر من دخول بلاده في تحالفات غير مباشرة مع دولة إيران، واصفا الخطوة بـ«الخطأ الاستراتيجي، خاصة في علاقات الخرطوم مع دول الخليج». وقال إن إيران لا يمكن أن تخدم قضايا السودان في المنطقة، مشيرا إلى تجربة سابقة دخلت فيها بلاده في التحالف مع العراق في عهد حكم الرئيس الأسبق صدام حسين. وأضاف أن الخرطوم دفعت ثمن وقوفها مع العراق في حربي الخليج السابقتين. وقال إن السودان لا يحتاج إلى اتهامات جديدة من دول المنطقة أو حتى إسرائيل في ظل وجود السفن الإيرانية. وأضاف «لا أتوقع بعد رسو السفينتين أن يحصل السودان على مساعدات يحتاجها من دول خليجية مثل السعودية». وتابع «مؤكد سنخسر المملكة العربية السعودية ودولة قطر رغم مواقفهما الكبيرة مع السودان، حيث قدمت الرياض الكثير من المساعدات لبلادنا وكذلك الدوحة في حل قضية دارفور».
وقال الأمين لـ«الشرق الأوسط» إنه على السودان إعادة ترتيب التناقضات في أولوياته في قضايا التحالفات. وأضاف «نحن نواجه أزمة اقتصادية وحروبا في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ومؤشرات حرب أخرى في شرق البلاد.. إذا لم نعد الترتيبات سندخل في متاهات كبيرة لا سيما مسألة التحالفات في هذه المنطقة الساخنة».
وأشار الأمين إلى أن لدى إيران تحالفات مع نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان، مضيفا أن طهران تسعى للسيطرة على المضايق البحرية باعتبار أنها تواجه مشاكل مع المجتمع الدولي إلى جانب تصدير نفطها، لذلك فإنها تبحث عن تحالفات جديدة في أفريقيا والمنطقة.
ووصف وضع السودان بالهش، وقال «ليس لدينا حلفاء استراتيجيون، والصين وروسيا لا يمكن اعتبارهما حليفين استراتيجيين، لأنهما لم تستخدما حق النقض في مجلس الأمن الدولي في القرارات التي تمت ضد السودان على عكس موقفهما مع سوريا».
ووصلت السفينتان الإيرانيتان ميناء بورتسودان في وقت أبدت فيه تل أبيب قلقها من تهريب الأسلحة إلى حركة حماس في قطاع غزة من السودان، متهمة الخرطوم بأنها تقوم بعمليات نقل السلاح الإيراني إلى حماس عبر الحدود المصرية. وسبق أن اتهمت الحكومة السودانية دولة إسرائيل بأنها قصفت مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في قلب الخرطوم في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي. وامتنعت تل أبيب عن التعليق. ووجهت إسرائيل مجددا اتهامات جديدة للسلطات السودانية، بأنها تسمح لإيران باستخدام موانئها في نقل إمدادات عسكرية وأسلحة، إلى عناصر حركة حماس في قطاع غزة. وأوضحت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن هذه الاتهامات جاءت عقب الإعلان عن إرساء سفينتين حربيتين إيرانيتين في ميناء بورتسودان.