مني أركو مناوي قال إن الجامعة العربية دعمت «الثورة السورية» لكنها وقفت إلى جانب نظام متهم بالإبادة في الخرطوم
مني أركو مناوي
مصطفى سري
قال مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان المسلحة في دارفور، إن الجامعة العربية وقفت مع الثورة السورية، وحثت العالم على الوقوف خلفها، لكنها لم تفعل الشيء نفسه في دارفور، وانحازت إلى النظام السوداني، الذي يتهم رئيسه بالإبادة الجماعية في دارفور. وقال مناوي، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الجبهة الثورية، وهي تكتل للحركات المسلحة المناوئة للخرطوم، إن تصعيد العمليات العسكرية التي تشهدها مناطق مختلفة في السودان سببه نظام الخرطوم الحاكم، مشيرا إلى أن الاتفاقية الأخيرة بين الخرطوم وجوبا، التي وقعت في أديس أبابا بإثيوبيا، لن تنهي الأزمة في البلاد والتي قال إنها لن تكتب لها نهاية إلا بإزاحة نظام الرئيس عمر البشير. وقال مناوي، الذي كان مساعدا لرئيس الجمهورية في السابق، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن المفاوضات بين الخرطوم والحركة الشعبية، التي تتحالف مع حركته في الجبهة الثورية مع حركتي العدل والمساواة وفصيل عبد الواحد محمد نور، لا تعتبر عملية بيع للجبهة الثورية، وأضاف أن الحركة الشعبية ستظل وفية لبرنامج الجبهة الثورية، وستعمل على تحقيقه من داخل أجهزة الحكم. فيما يلي نص الحوار:
* هل بدأتم تصعيد عملياتكم العسكرية في دارفور بعد الاتفاق الأخير بين السودان وجنوب السودان؟
– التصعيد العسكري من جانب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في السودان) لم يتوقف منذ عام 2003، فقد قام بعسكرة كل البلاد من الجيش النظامي والميليشيات المختلفة في الخرطوم وفي دارفور التي تتبع لحكام الولايات، وقام بتسليح القبائل، وكذا الأطفال، فصارت الأسلحة منتشرة في المدن الكبرى في الإقليم (الفاشر، نيالا، مليط، كتم، وكبكابية).
والمعارك الأخيرة بدأها النظام لإيهام المجتمع الدولي بأن الإقليم يعيش في سلام، وهذه العمليات لا علاقة لها بما يجري في أديس أبابا، واتفاق جوبا والخرطوم لن يحل الأزمة السودانية لأنها ستظل قائمة وتحتاج إلى حلول جذرية، والتي تبدأ بإزاحة النظام والاتفاق بين كل القوى السياسية لبرنامج وطني شامل.
* هل تريدون إزاحة النظام عسكريا.. كما يفعل السوريون حاليا؟
– نحن أصلا لا نرغب في الحرب، حتى يكون ذلك مفهوما للجميع، وقد أجبرنا على ذلك للدفاع عن أهلنا، ورغبتنا هي إزاحة نظام البشير، وعلى حزبه التنازل عن السلطة سلميا وتقديم المجرمين إلى العدالة سواء في الداخل أو في لاهاي، فإذا لم يفعل النظام ذلك سنزحف إلى الخرطوم بالقوة، ونحن لسنا مثل المعارضة السورية التي وجدت دعما بالسلاح من كل العالم، أما نحن فيدعمنا وقوف الشعب إلى جانبنا.
* المجتمع الدولي اتضح أنه لا يهتم بكم بسبب أنكم لستم مؤثرين في الأوضاع السياسية، أليس كذلك؟
– المجتمع الدولي دخل في صراع من أجل دعم ما يعرف بالثورات العربية في مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، والآن في سوريا، وبطلب من الجامعة العربية التي أغمضت عينيها عما يحدث في مناطق الهامش في السودان، بل إن الجامعة العربية وقفت إلى جانب نظام الإبادة الجماعية في الخرطوم. 0والجامعة العربية تنظر إلى دماء أهلنا على أنها أرخص من الدماء التي سالت في دول ما يعرف بالربيع العربي، ولم نسمع قرارا أو موقفا من الجامعة العربية يدين نظام الخرطوم الذي وجد إدانة عالمية أوصلت رئيسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، والأمر أيضا ينسحب على الاتحاد الأفريقي الذي يتخوف رؤساؤه من أن يحدث لهم ما حدث للبشير.
* كيف تنظرون إلى المفاوضات الجارية الآن في أديس أبابا بين الخرطوم والحركة الشعبية في الشمال؟
– الحركة الشعبية في شمال السودان وقعت ضحية حرب الأفيال بين السودان وجنوب السودان في ما يعرف بالقضايا العالقة. وهذا ما دفع مجلس الأمن الدولي أن يصدر قراره (2046) الذي حث الحركة لكي تتفاوض مع النظام. ومجلس الأمن الدولي يعتقد أن الاتفاق الذي تم بين الخرطوم وجوبا قد يقود إلى اتفاق بين الحركة الشعبية في الشمال مع الحكومة، لكن الحركة الشعبية جلست إلينا وأوضحت لنا ما يحدث في أديس أبابا، ونحن باركنا خطواتها، ونعرف أن المفاوضات هي رغبة المجتمع الدولي ولا يمكن تجاوزها، والحركة أكدت أنها ملتزمة ببرنامج الجبهة الثورية.
* هناك من يعتقد أن الحركة الشعبية إذا توصلت إلى اتفاق مع النظام فإنها ستقوم بـ«بيع» الجبهة الثورية، ما رأيك؟
– نحن لا نباع أو نشترى، لأن لدينا قضية عادلة، وهناك أجيال أخرى ستأتي لا بد لها من مواصلة المسيرة إلى أن تتحقق العدالة والمساواة في السودان، لذلك لن يحصل بيع وشراء في قضية عادلة ضحى من أجلها الملايين في مناطق السودان المختلفة. والحركة إذا توصلت إلى اتفاق أعتقد أنها ستظل وفية لبرنامج الجبهة الثورية، وستعمل على تنفيذه من داخل الخرطوم، ولدينا تنسيق قوي، والجبهة الثورية لديها القدرة على المواجهة، وستواصل نضالها لأن ما يجمعنا مشروع وطني واحد وكبير.
* هناك تخوف من حدوث فوضى إذا حدث تغيير في الخرطوم، ما رأيك؟
– ليس صحيحا، الجبهة الثورية لديها مشروع سياسي وبديل وطني للفترة القادمة، والفوضى الحقيقية تتمثل في وجود نظام البشير في السلطة وجرائمه المستمرة، وعلى المجتمع الدولي تصحيح رؤيته، فنحن منذ بداية الحرب قبل 11 عاما لم نرتكب أي جرائم عرقية في دارفور، ولم نهاجم المدنيين، وكذلك الحال بالنسبة للحركة الشعبية في الحرب التي تدور حاليا في جبال النوبة والنيل الأزرق. الذي يهاجم المدن ويقتل البشر على أساس عرقي هو عمر البشير بطائرات الـ«أنتونوف»، والقتل العشوائي وجرائم الإبادة توثق ذلك، ليس في تلك المناطق فقط بل حتى في أقصى الشمال، فقد قام بقتل المواطنين في منطقة السدود، وفي عام 2005 كانت مذبحة بورتسودان المعروفة.
وفي عام 1990 أعدم البشير 28 ضابطا لأنهم حاولوا قلب السلطة عليه، رغم أنه استولى عليها عن طريق الانقلاب، كما أن هناك المئات الذين اختفوا وفقدوا لأن هناك بيوتا سرية يعتقل فيها النظام معارضيه.. إذن البشير سادر في غيه وما زال يرتكب الجرائم.
* واشنطن ترغب في تنفيذ اتفاق الدوحة، وأظن أن مبعوثها دان سميث نقل لكم رغبتها في لقائكم الأخير معه، أليس كذلك؟
– واشنطن ليست مع اتفاق الدوحة، لكنها هي مع تحقيق السلام عبر الحوار، ولقاء دان سميث (كبير المستشارين للمبعوث الأميركي للسودان ودارفور) مع وفد الجبهة الثورية في كمبالا تناول موضوعات كثيرة، وطرحنا فيه البرنامج البديل بعد تغيير نظام الخرطوم، وأبلغناه بأن الجبهjjjjة الثورية لا ترغب في الحرب لكنها مضطرة للدفاع عن المواطنين. والأزمة ليست في مناطق النيل الأزرق، وجنوب كردفان، ودارفور أو شرق البلاد، إنما في الخرطوم، وقلنا له إن المظاهرات التي شهدتها العاصمة ومدن أخرى في ولايات البلاد من شمال وشرق وغرب، في يونيو (حزيران) الماضي، دليل آخر. إذن القضية تكمن في إزاحة هذا النظام، وهذا ما سمعه منا سميث، وإذا أراد النظام الحوار للتوصل لحل سلمي فلابد أن يكون ذلك وفق شروط، بأن يكون التفاوض عبر وسيط تتفق عليه الأطراف، ومنهجية واضحة حول القضايا وفق المعايير الدولية، وتحديد منبر التفاوض في دولة ليست لديها علاقات سرية مع النظام، غير ذلك فإننا سنواصل عملنا في إزاحة نظام البشير.
* وهل طرح لكم سميث أن تلتحقوا باتفاق الدوحة؟
– لم يطرح لنا أي فكرة بأن نلتحق باتفاق الدوحة، وإنما كان النقاش منصب حول كل القضية السودانية.
* المبعوث الأميركي إلى السودان برينستون ليمان قال إنه ضد تغيير النظام في الخرطوم خوفا من حدوث فوضى..
– من حق ليمان أن يقول وجهة نظره وما يراه هو، ونحن نريده أن يرى ما يحدث في بلدنا في الاتجاه الصحيح، والواقع في السودان يقول إن البلاد تمر بأزمة حقيقية وشاملة، والبشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، كما أن الوضع الاقتصادي والإنساني في انهيار، والحروب في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة – جنوب كردفان، والعزلة الدولية واسعة.. وكل هذا بسبب سياسة المؤتمر الوطني التي قادت إلى هذه الأوضاع المأزومة، وهي أمراض على جسد الوطن لا بد من علاجها بأدوية ناجعة، بالحل السياسي الشامل في كل السودان بغض النظر عمن سيحكم البلاد.
* قد يتجه المجتمع الدولي إلى وصفكم بحركات إرهابية في حال رفضكم الحلول السياسية، هل أنتم مستعدون لمواجهته؟
– أولا ليست لدينا صراعات مع المجتمع الدولي، ونقدر إسهاماته في حل المشكلة السودانية والمساعدات التي تم تقديمها إلى شعبنا، لكننا في إطار قضيتنا العادلة مستعدون لمواجهة أي شيء، ونرفض وصفنا بالإرهابيين، والمجتمع الدولي يعلم جيدا أن نظام البشير هو الإرهابي لأنه قتل واغتصب وقام بعمليات إبادة كبيرة، والملايين من السودانيين خرجوا من البلاد بفعل هذه السياسات الإجرامية، ولم يسلم جيران السودان من شرور هذا النظام. على المجتمع الدولي أن يراجع مواقفه، وعليه أن يقف مع الحق وليس مع الباطل.
* التقارير الدولية تشير إلى أن النازحين واللاجئين في دارفور بدأوا العودة، إذن ما أسباب مواصلتكم الحرب؟
– ما تردده تقارير قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) ليس صحيحا، وقلنا للمبعوث الأميركي إلى دارفور إن بعثة «يوناميد» أصبحت واحدة من آليات الحكومة السودانية، وحتى المغالطات التي كانوا يقولونها أثبتنا لهم أن البعثة آلية تعمل لصالح نظام البشير، وتراجعت عن التفويض الممنوح لها في حماية المدنيين والنازحين، وعمليات النزوح واللجوء في ازدياد بسبب زيادة العمليات العسكرية من قبل النظام حتى داخل المدن التي يسيطر عليها، إذن العالم يغمض عينيه عما يجري في السودان.
* لماذا أبدت الجبهة الثورية تحفظات حيال وثيقة البديل التي قدمتها المعارضة؟
– بالعكس، باركنا تلك الوثيقة، ونعتبرها شجاعة من قوى الإجماع الوطني بإخراج الوثيقة رغم آلة القمع في الداخل، والجبهة الثورية قدمت دعوة إلى قوى المعارضة في الداخل للحوار الذي يمكن أن يزيل أي خلافات لكي نتقدم خطوة في تحقيق برنامج مشروع وطني لكل السودانيين.