تناقلت الأنباء خلال الأسابيع الماضية أن رئيسة دولة ملاوي تبنت موقفا ضد الرئيس السوداني و ليس الشعب السوداني كما نعتقد ، فيها رفضت إستقبال الرئيس السوداني علي أراضيها خلال قمة الإتحاد الأفريقي و التي كانت مرتقبة أن تنعقد في بلادها في يوليو القادم ، مهددة في حال دخول الرئيس السوداني البلاد سوف تعمل علي إعتقاله وفق إلتزامات دولتها مع محكمة الجنايات الدولية ، حيث الأخير مطارد / هارب / فار – وفق اللغة القانونية – من العدالة الدولية بحكم جرائم في إقليم دارفور النائي ، و علي إثرها شهدت الخرطوم و الإتحاد الأفريقي عمليات شد و جذب ، إعتذرت بعدها ملاوي من إستضافة القمة و التي تم نقلها إلي عاصمة المقر أديس أبابا حتي يتسني للفريق السوداني من إنجاز بطولة وهمية أخري تضاف إلي سجل البطولات الوهمية الحافلة . و لا نعرف ماذا تقول الخرطوم إن تبني الرئيس الأثيوبي نفس هذا الموقف بعد القرار الأمريكي و القاضي بوقف الدعم عن الدول التي تستضيف الرئيس السوداني ، و نفس الأمر ينسحب إلي القاهرة و أخريات كثر بما فيها إسرائيل و التي تستحوذ علي نصيب الأسد من المعونة الأمريكية ، هذا فيما إذا قررت الخرطوم فجأة زيارة إسرائيل!!
مما سبق ، أجد و من خلال هذا الموقف الملاوي و الذي يندرج ضمن التضامن التاريخي لدولة ملاوي و رئيستها مع الشعب السوداني و كذا في ظل مؤشرات الثورة التي إشتعلت في السودان اليوم ثمة روح مبادرة عريضة و مهمة أطرحها علي ” آل المؤتمر الوطني ” السوداني ، خصوصا و المؤتمر الوطني الحاكم يقترب من الإحتفال بجنائزية سودانية جديدة يقال لها في السودان ” العيد / المأتم السوداني الثالث و العشرين للإنقاذ البشيرية و التي فيها تجاوزت حدود الطبيعة و العقل و الظواهر الإنسانية و كل المقدسات الدينية ، حيث تدير دولاب دولة “الخرطوم” و عاصمتها الخرطوم و دولاب السودان و هي جمهورية السودان المتسعة و تلك الخارجة عن نطاق سيطرة الخرطوم و فق مفهوم وعي” الخراب” الذي يتسيد الواجهة .
و بالعودة إلي المبادرة ينبغي الإشارة إلي أن الأهم ما في هذه المبادرة كما يتبين من عنوانها فهي أولا “غير وطنية” و ثانيا موجهة للمؤتمر الوطني ، و الثالثة البحث فيها عن مخرج تمهيدي للسودان الدولة و الشعب فضلا عن مأزق المؤتمر الوطني و الذي وضع فيه الجميع ، و تعليلنا للأول ، آتي كحكم ذاتي إستباقي لماهية مبادرتنا – حتي لا نقع في دائرة التخوين و الإلحاد الوطني – لأن الوطن و معايير وطنيته و شروط الإنتماء إليه حددت و بشروط قاسية و هي موضوعة في مكتب تسجيلات المؤتمر الوطني حصرا و القائلة أن كل ما هو خارج عن ” الوطني” فهو غير وطني و العكس صحيح ، و المؤتمر الوطني في هذه الحالة إرتفع إلي مصاف ” المقدس ” الدنيوي و الديني ، بل فاقه في أحايين كثيرة. أما في الثاني فأمره معلوم و هو المؤتمر الوطني الحاكم ، المالك ، المنتفع و في إجتهادات أخري أن ” المؤتمر الوطني” يعني أرض السودان و شعبه و ماؤه و هواؤه و سمائه و التي هي أرض إمتياز بكر و منفعة خاصة جدا و تمت وفق عقد إكراهي غير محدد المدة ، علما أن تاريخ التعاقد معلوم و كان في الثلاثين من يونيو العام 1989، غير قابل للبطلان أو الفسخ أو الإنهاء إلا ببيعه لآخر و بمقابل معلوم و سرا أو وفق قوة قاهرة بمفهومها الواسع !!! أما الثالث فهو مدخل يبحث عن مخرج أولي للسودان الدولة و الشعب شأننا شأن جميع الذين – رغم أن مبادرتنا غير وطنية و الزمن ليس زمن مبادرات كما يري أخرين- يعرضون مبادرات ، كانت جلها ما بين المبادرات الإلتفافية أو تلك التي تبحث عن دور مع المالك قصد التماهي معها للإغداق أ و المنح جاء كرسيا وظائفيا أو جنيها سودانيا غير قابل للتحويل أو قابل له أو تلكم المبادرات القطعية و الحدية و التي هي محمودة لدي كثيرين .
شروط الشكل !!
أما عن شروط الشكل في هذه المبادرة ، فتتطلب أن يفترض الجميع ، سودانيا و إقليميا و دوليا ، مؤسسات و نظم و شعوب – و أكاد أجزم أن لا أحدا يتفق معي حتي أولئك المعنيين بالمبادرة من أعضاء المؤتمر الوطني خارج اللعبة و قاعدته المهمشة – و مفاد هذا الإفتراض هو أن المؤتمر الوطني هو تنظيما سودانيا ليس عاديا و هو إنسانيا خلاقا و إستثنائيا ، ليست عصابة ، و أعضائه و رموزه يمتازون بالشفافية و المصداقية و الأمانة خصوصا أولئك العاملين و المشتغلين في اللعبة الضيقة ، ليست لهم علاقة بالفساد و الإجرام و الظلم و السرقة الموصوفة و لا الإبادات الجماعية و جرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب و التجويع و القتل و الإعتقال و التعذيب و السجن …… أو هكذا كذلك ، و ظلوا مع هذا و طوال العقدين الماضيين ساهرون علي الوطن و إنسانه و أمنه و علاجه و تعليمه و ضمنوا له حق عيشه ، أقاموا له شرعة السماء في أرضه ، جسدوا قيم الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطنة و هزموا الكراهية و العنصرية و رسخوا الوحدة و السلم و السلام ، إلي ذلك بنوا صرحا للإقتصاد و الإجتماع و الثقافة و حققوا توصية مؤتمر الإستراتيجية الأول في كون السودان دولة” عظمي ” حققت مجتمع العدل و الرفاهية و المساواة و التقدم و الإذدهار ، فيما دبولماسيته برع في بناء دبولماسية سودانية قائمة علي الثقة و التوازن و التبادل و التعاون المشترك ، هم وحدهم صنعوا التاريخ السوداني و هم ورثته و هم ميلاده و دونهم بني السودان يمثلون صفرا كبيرا ، لا أحد قبلهم أو بعدهم و لا نريد غيرهم ….. إلا أن المجتمع الدولي و عملاء الصهيونية و الإمبريالية و أعوانهم و أزيالهم ما إنفكوا يتربصون بهم و بإنجازاتهم ، و بما لأنهم يمتازون بكل ما هو خارق و خازوق بشري ، هم وحدهم نشاذا لا شذوذا إنساني ، لذا يكيلون إليهم المؤامرات و الدسائس و الفتن و الحقد و المنافسة الغير الشريفة قصد الإطاحة بهم أو بالأحري تصدير القوة القاهرة عبر ” الجبهة الثورية السودانية ” إلي مملكتهم قصد نزع الملك و التملك ما داموا غير قادرين – أي الأجنبي الخارجي – لجلب الطير الأبابيل لجعلهم كعصفن مأكول!! ذاك مجمل شروط الشكل و عناوين الأفتراض.
محتوي المبادرة !!
أما محتوي المبادرة فتفيد و دون مقدمات قائمة علي الكليشهات ، أولا أن يعمل المؤتمر الوطني الدولة و الأجنحة و اللوبيات و المصالح الداخلية بخلية تفاكر سياسية أمنية مسؤولة و تنتج عنها في الأخير و سريعا تنفيذ أوامر محكمة الجنايات الدولية وفق فقه الضرورة و التي بها أجاز المجلس الوطني قرض ربوي بقيمة 50 مليون دولار حسب جرائد الخرطوم ، و فقه الضرورة هنا واجب للمؤتمر الوطني ما دام أنه عرف أن حراك التاريخ السوداني يتقدم ضده و بشكل متسارع لرسم تشكيلات جديدة في السودان المنقسم و بالتالي عليه كسب رهان الوقت و الذي بدأ يضيق بناءا علي جريان الساعة السياسية في السودان و التي قد لا تفسح له مجالا للكسب أو الفوز أو إعادة الإنتاج مجددا ما دام لم يتحكم في جريانها ، و بجانب ذلك ، أيضا هو خلاصا للكثيرين منهم أكان هاربا أو باقيا في السودان و بالشك هو مخرجا أوليا لفك طلاسم الشأن السوداني في راهنه ، و الأهم تتخلص الدولة و الشعب و الحزب الإجرامي من عطب كبير بل عبء ثقيل ، و حتما سوف تسهل عملية تفكيك المنظومة الإجرامية كلها و الواقعة أصلا في فلك الإنهيار و السقوط عاجلا أم آجلا و لفائدة عقد سياسي/ إجتماعي / ديمقراطي / تعددي جديد غير مبني علي الإجرام مع كل شركاء الدولة السودانية ، خصوصا و الرأس بات يعكر صفو الإقتصادي و الإجتماعي و العدلي و القضائي و الدولي و ينتج معه كل الفعل القمعي و الحربي الداخلي / الداخلي و الدولي بل إنهاءا للدولة بمجملها ، علما هذا البند/ المبادرة العريضة تتوقف علي شرط واقف و هو أن يقبل الشعب السوداني الإفتراض الذي جاء في شروط الشكل المشار إليها آنفا . حيث بالمقابل هناك رأي “متطرف و له شرعية في تطرفه” و يتبني منهج ” كنس” المؤتمر الوطني في مقابل وعي “الخراب” الذي إنتهجه الأخير و هو موقف ننتمي إليه و يحمل قناعة لنا .
إذن و في الختام ، تجدر الإشارة إلي أن مدخل معالجة الوضع السوداني داخليا و خارجيا- حتي للمؤتمر الوطني المجرم – يبدأ من هنا و بشكل واقعي و عملي ، لأن الدولة و سلوكها و نشاطها ، بل نشاط الحزب نفسه كله بات مرهونا بل معتقلا في المحكمة الجنائية و التي لم تعد أداة لتحقيق العدالة الدولية عند حاكم الخرطوم و حكامه بل أيدولوجيا و هوس يومي ، و من خلاله يمكن لنا أن نفسر كل المواقف السودانية المتطرفة و المعتدلة و العادية و كل السياسات و تشكيلات الحكومات و التعينات و المرتبات و الهبات و المنح و الرشي و الربا و الإعلام و القوانين و المؤسسات الدستورية والأوسمة و النوط و الفتاوي و المؤتمرات و الإجتماعات و الزيارات و الإنهيار الإقتصادي و الإجتماعي و الحروب الضروس و التنقيب و المجاعات و قتل الأرواح و علامات إنهيار الدولة الماثلة للعيان و قمع المظاهرات . إنها المحكمة الجنائية التي تبحث عن تحقيق العدالة للسودانيين و محاكمة المشروع الحضاري السوداني أمام أعين العالم بإعتباره عاهة في جبين البشرية تحملها الشعب السوداني في عقدين و نيف.
عموما نقول وضعنا هذه المبادرة لأن زمن ساعة البشير إنتهت ، نعم إنتهت و هو ما نسعي إليه كما يسعي إليه الجميع ، و المطلوب فيه أخلاقيا خروجا لا يتحمل فيه الوطن و شعبه أي زيادات جديدة في دفتر خسائره و التي إستمرت و إمتدت إلي ربع قرن إلا قليل.