قضية أسرى الحرب .. المعركة الأخلاقية بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ،،
بقلم / شريف ذهب
تُصنّف قضية أسرى الحرب في القانون الدولي ضمن القضايا الإنسانية حيث تنظمها معاهدة لاهاي لعام 1907 م واتفاقية جنيف لعام 1929 م المتعلقتين بمعاملة أسرى الحرب والمرضى والجرحى في الميدان العسكري أثناء الحروب ، فضلاً عن الاتفاقات الدولية الأخرى الملحقة والمكملة لها .
وعبر تاريخ الحروب والنزاعات التي تنشب بين الأمم ظلت هذه القضية موضع احترام بين الشعوب والدول التي تتحلى بالقيم والرقي وتحترم نفسها .
وتعد السودان من بين أكثر دول العالم تأثراً بالنزاعات الداخلية ، أهمها الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي امتدت أوارها لأكثر من خمسين عاماً حتى انتهت مؤخراً بانفصال الجنوب . وقد ظلت قضية أسرى الحرب تشكل دوماً معضلة بين أطراف هذا النزاع حينما تكون هنالك هدنة بينهم عبر إحدى اتفاقيات السلام .
وفي سجل هذه الاتفاقيات التي كانت آخرها اتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية وحكومة المؤتمر الوطني في الخرطوم ، ظل الطرف الجنوبي هو الوحيد الذي يأتي بأسرى الحرب من الطرف الآخر فيما لم تُسّجل على الحكومة المركزية في الشمال أنْ أتت بأسير حرب واحد من قوات الطرف الآخر ؟!
ولعلّ من أشهر القضايا الجديرة بالاهتمام في هذا الصدد ، قضية أسير الحرب – المغدور به – المهندس الشهيد داؤود يحيى بولاد ورفاقه ، فالمعلوم أن داؤود بولاد هو قائد قوات الحركة الشعبية في دارفور وقد تم القبض عليه في ساحة المعركة وتم عرضه حياً عبر شاشة التلفزة السودانية الرسمية ومعه مجموعة من قواته وبعدها تم إعدامهم بدم ٍبارد دون محاكمة ؟!
وأهمية هذه القضية تكمن في وضوح بيناتها والقرائن المتصلة بها ،حيث يوجد شريط فيديو توثيقي تحت مسمى (( الوهم القاتل )) قامت السلطات السودانية بتوزيع نسخ منها عبر سفاراتها بالخارج ضمن برنامجها الدعائي المعروف ( ساحات الفداء ) ويمكن لذوي جميع أولئك الشهداء الذين ظهروا في هذا الشريط كأسرى حرب تقديم هذا الشريط كوثيقة إثبات لدى القضاء الدولي للمطالبة بمحاكمة رموز النظام الحالي في تلك الجريمة ، حيث مثل هذه القضايا لا تسقط بالتقادم .
ومن بين قضايا انتهاكات نظام المؤتمر الوطني الحاكم للمعاهدات الدولية في التعاطي مع أسرى الحرب ، المحاكمات التي طالت أبناء دارفور من منتسبي حركات المقاومة المسلحة في الإقليم ، وأحكام الإعدام التي تم إصدارها وتنفيذها بحق البعض منهم ، وهي انتهاكات تدين قادة النظام الحاكم في محكمة الجنايات الدولية حال مثولهم أمامها عاجلاً غير آجل بعون الله .
وقد عادت قضية أسرى الحرب بين نظام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مجدداً للساحة عقب الحرب الأخيرة التي شنها النظام الحاكم على الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وتداعياتها التي لا تزال مستمرة حتى الآن ، حيث تم رصد انتهاكات جسيمة من طرف النظام لحقوق أسرى الحرب عبر الإعدامات التي طالت بعض قادة الجيش الشعبي من أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان فضلاً عن بعض القيادات السياسية والمدنيين العزل كما أوضحنا في مقال سابق وتم نشر أسماءهم .
وفي المعارك الحالية في مناطق تلودي وهجليج وغيرها من أجزاء ولاية جنوب كردفان رأينا كذلك بعض انتهاكات النظام للقانون الدولي الإنساني بشأن الأسرى حيث جرى عرض بعض الأسرى ممن تم نسبتهم للأطراف المقاتلة في هذه المعارك بوضع غير لائق واستنطاقهم للإدلاء بإفادات تحت الإكراه والتعذيب مما يعد كذلك خرقاً للقانون الدولي الإنساني .
ومجدداً أتت الحركة الشعبية في الجنوب لتفضح الطرف الآخر حينما تم الإعلان عن نقل بعض أسرى الحرب من القوات السودانية المقاتلة في معارك هجليج إلي جوبا عاصمة الجنوب ووعدت بتسليمهم لمنظمة الصليب الأحمر الدولية لرعاية شئونهم وتوفير الاتصال لهم بذويهم للاطمئنان على أوضاعهم ريثما تتم إعادتهم في الوقت المناسب حسب الأعراف المتبعة في هذا الشأن . وهذا هو الأسلوب الراقي والقانوني والإنساني المطلوب إتباعه في مثل هذه الحالات و يجب أن يتعلم منها عصابة المؤتمر الوطني الحاكمة في الخرطوم والتي تدّعي زوراً وبهتاناً الانتساب للإسلام وتدعو للجهاد باسمه وهم ابعد الناس عنه وعن قيمه السمحاء ، حيث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم هو أول من تمثل تلك القيم الفاضلة في التعاطي مع أسرى الحرب إذ يقول : ( لا تقتلوا أسيراً ولا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً هرماً غير مقاتل ) أو كما قال عليه السلام .
[email protected]