في موكب مهيب..
الجماهير ..شيوعيين شيوعيات لن ننساك يا نقد
الخرطوم: حسين سعد
قبيل بزوغ فجر أمس الأحد موعد ملامسة الطائرة التي كانت تحمل في جوفها جثمان (زعيم المناضلين) والسكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد ،كانت حركة الطيران والمودعين والمستقبلين عادية (مثل كل يوم) لكن التدافع الجماهيري (التاريخي) لقيادات الحزب الشيوعي ولجنته المركزية والنساء والكوادر الوسيطة والشبابية والأطفال بجانب جماهير القوي السياسية الأخرى. كان محل أعجاب لكثير من الحضور الذين لم يخفوا سرورهم بالتدافع الشبابي والنوعي لمناشط وفعاليات حزب حاربته الشمولية والطغاة بلا هوادة واغتالت قياداته وشردتهم وأعدمتهم وأغلقت دوره، لكنه خرج حزبا عصيا علي الانكسار والخضوع وتصدت قيادته التي يمثل القائد الفقيد (نقد) رأس الرمح في إعادة تنظيم الحزب عقب مجزرة الشجرة في السبعينات من القرن الماضي أبان حكومة الديكتاتور نميري، التي واجه شهداء الحزب الشيوعي رصاصها بصدور عارية وببسالة لم تعرف الخيانة والانهزام حتي قال شاعر الشعب محجوب شريف (ماشفتوا ود الزين الكان وحيد أمو/ قالولو ناسك وين/ قالولو ناسك كم ورينا شان تسلم).. ثم محجوب شريف أيضا في رثاء القائد العمالي الشفيع أحمد الشيخ (الشفيع يا فاطمه حي سكتيها القالت أحي).. وأيضاً قال الشريف المحجوب في الشهيد والمفكر عبدالخالق محجوب: (صدقنى أنا لقيتو امبارح/ لا بحلم كنت ولا سارح/ كان باسم وشامخ كالعادة/ نفس الخطوات البمشيها/ نفس الكلمات الوقادة/ الى ان تنتهي بقوله/ اعدامنا بتقصد اعدام؟/ الموت لو شنقا حتى الموت/ ما هو الموت/ الشعب بقرر مين الميت والعايش مين/ ما ني الوليد العاق.. لا خنتّ لا سراق/ والعسكري الفراق … بين قلبك الساساق/ وبيني هو البندم.. والدايرو ما بنتم).
نمد أيدينا للجايين:
أما الباحة الخارجية لمطار الخرطوم شهدت دوي صوت النحاس ورفرفت في سمائه بيارق الحزب الشيوعي الحمراء واللافتات التي كتب عليها (ماشين في السكة نمد أيدينا للجايين) و(حنبنيهوالبنحلم بيهو يوماتي) وهتافات أيضا علي شاكلة (حرية سلام وعدالة)، لكن حضور وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان بلافتاتهم وهتافاتهم المعروفة (أسبيلا وياي) كان محل حفاوة قيادات وكوادر الحزب الشيوعي حيث صافح المهندس صديق يوسف والدكتور الشفيع خضر وغيرهم وفد الحركة الشعبية الذي ضم بعض القيادات، وطلاب الحركة الشعبية بالجامعات الذين حضروا باكرا وظلوا متواجدين حتي وصول الجثمان ومغادرته للمطارالي المنزل ثم من هناك الي المركز العام بالخرطوم (2) ومنها الي مقابر فاروق حيث حيا طلاب الحركة الشعبية وقيادتها زعيم الحزب الشيوعي بملصقاتهم ولافتاتهم وهم يقول له: (وداعا أيها القائد الوطني والمفكر والمثقف القومي) و(ستظل أفكارك متقدة من أجل التغيير). أيضا شكل توافد الصحفيين حضوراً لافتا في هذا اليوم التاريخي للمفكر العظيم حيث كانت كاميراتهم وأقلامهم ومكرفوناتهم تدون كل شي في رحيل القائد الضخم (نقد) الذي قدم للشعب السوداني التنوير والثقافة والفكر وحب الوطن والانحياز للمقهورين، وأمام البوابة الرئيسية للدخول الي صالة كبار الزوار تدافع الصحفيين للدخول لكن السلطات المختصة منعت الصحفيين الذين يحملون بطاقة اتحاد الصحفيين من الدخول لكنها عادت _اي_ السلطات المختصة بالسماح للصحفيين بالدخول بعد تسجيل بياناتهم والصحف التي يعملون بها، عدم الاعتراف ببطاقة اتحاد الصحفيين دفعت بعضهم بالقول (علي الاتحاد ان يبل بطاقته ويشرب مويتها) وداخل مدرج المطار ووسط هدير ماكينة الطائرة الضخمة القادمة من بريطانيا والتي كانت تحمل في جوفها (نعش) زعيم حزب الطبقة العاملة عانق عبد الله شقيق الراحل أهله وتلاميذ شقيقه ورفاق دربه بحزن مكتوم وكذلك فعل الدكتورمحمد سليمان لكن المرأة العظيمة والشجاعة فائزة نقد احتضنت المستقبلين بالبكا والنواح وعندما قال لها بعضهم لماذا البكا يا فائزة ردت قائلة (رحيل محمد وجعني وغلبني).
رحيل فاجع:
فائزة ليست وحدها من بكت (نقد) بل بكته جموع الشعب السوداني والعمال والمزارعين والشباب والمقهورين والسياسيين وتلاميذه أيضا. ووسط هتافات (عاش نضال الحزب الشيوعي وحزب الطبقة العاملة) و(خالد.. خالد وقائد قائد يا نقد) شقت سيارة النعش التي كنت علي ظهرها مرافقا أهل المفكر الكبير والزميل حسن وراق بالميدان شقت السيارة طريقها وسط بصعوبة حيث كان سائقها يتوقف أحيانا من شدة الازدحام والجماهير وهتافاتهم الثورية التي شقت صمت ليل الخرطوم الحزين علي رحيل زعيم المناضلين.
الأطفال الذين كانوا حضورا في ذاك اليوم لم (ينوموا قط ولم يغشاهم النعاس) وإنما كانوا يهتفون أيضا وهم يركضون خلف السيارات التي أغلقت شارع المطار قبالة النادي الكاثلوكي وصبغته باللون الأحمر للافتات والرايات وسط هتافات (شيوعيين.. شيوعيين) حيث ظلت الجماهير تهتف حتي وصول الموكب المهيب الي حي الفردوس، وهناك التقط الحضور أنفاسهم وتناول بعضهم كوبا دافئا من الشاي، أستعداد لاستصحاب (المفكر) الي المركز العام لكن هذه الرحلة هي الأخيرة لـ(نقد) حيث حضر الي المركز العام لكنه لم يتمكن من حضور اجتماع طاري للمكتب السياسي اواللجنة المركزية (جسديا) لكنه سيكون موجودا مع الرفاق (روحاً وفكراً ونضالاً)، ومن المركز العام للحزب الشيوعي خرجت الجماهير التي انضمت لها جموع أخري قادمة من مناطق مختلفة من العاصمة والأقاليم خاصة الجزيرة التي قابلت بعض قيادات تحالف المزارعين الذين ذكروا في حديثهم معي أمس أنهم (قدموا) هذا الصباح من الجزيرة للمشاركة في ألقاء النظرة الأخيرة لكنهم هذه المرة كانوا راجلين من المركز العام الي مقابر فاروق وفي شارع محمد نجيب أغلقته الجماهير تماما وهي تواصل ذات الهتافات لكنها بأكثر قوة وبالها المواطنون والموظفون الذين اطل بعضهم من شرفات مكاتبهم . وهم يلوحون بعلاما ت النصر وبعضهم بالدموع الغزيرة علي رحيل المفكر وزعيم حزب الطبقة العاملة. وفي مقابر فاروق حيث وري الجسد الطاهر وزعيم المناضلين ونصير الكادحين والغلابة انضمت الطرق الصوفية بنوباتها وإعلامها وهم يرددون(الله.. الله.. الله) حيث كان هناك الختمية والأنصار والأقباط والكاثوليك وأنصار السنة المحمدية وغيرهم من الطوائف.وبمثلما وصف غالبية السياسيين والصحفيين (نقد) بأنه مفكر ضخم وقائد وطني غيور وصادق ومناضل ومتواضع قالوا انه أيضا يمتلك روح الدعابة والنكتة وخفة الدم والمرح والتسامح والاستماع الي الآخر.
رحيل (نقد) الداوي دفع احدي المنقبات وهي حضرت متأخرة عقب انفضاض الموكب وتوجه الجماهير الي الفردوس حضرت الي مباني صحيفة الميدان وقدمت التعازي الي أسرة الصحيفة والي الشعب السوداني وأعضاء وقيادات الحزب الشيوعي في رحيل الزعيم.
محراب الشعب:
وفي نعي له بعنوان(نقد:الفناء في محراب الشعب وسباق المسافات الطويلة) قال الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان: رحلوا تباعاً، محمد وردي، محمد الحسن سالم حميد، ومحمد ابراهيم نقد، القادمون من الشمس مملكة الضياء، والنور والخير في الاصل ياتى من عيون الأوفياء، رحلوا وكاني بهم على موعد مشترك نحو رحلة أخرى عند مليك رحيم . ثلاثتهم (محمد ومحمد ومحمد) احبوا السودان مليون ميل بالتمام والكمال وبالاخوة الشريفة، واتت الرياح بعكس ما اشتهت أنفسهم وسفنهم، وكانوا أبناء سرحته الذين غنوا له ولشعوبه جميعا وقد خلقوا من اجل التعارف . أحبوا السودان بأقوى يقين وأزهى حماس وخدموه بكل ما ملكوا من مواهب وحواس، وطاقات وقد عرف ملاك الموت كيف ينتقي أقمار باهرات ونفوس عامرة وزاخرة بحب السودان.
وتابع (نحن مانزال نكابد رحيل (حميد) ونخوض في بحر فجيعته ويعتصرنا الم غياب صديقنا وأخانا الذي لم تلده امنا محمد الحسن سالم مع ضوء النهار واذا بالاستاذ محمد ابراهيم نقد يتوارى عند مدن الضباب). ووصف عرمان محمد ابراهيم نقد بانه زاهد وناسك ومتصوف في محراب الإنسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابة من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة الا من محبة شعبه وعارفي فضله وكان مدرسة خرجت أجيال عديدة ومتواضعا حد التواضع وسريع البديهة خفيف الظل حاضر النكتة.
وقال ان محمد ابراهيم نقد مفكر خلف بصماته الخاصة واسهاماته في نضال حركة التقدم الاجتماعي في السودان وهو من عصر مجموعة نادرة من المناضلين في سباق المسافات الطويلة لم يتسرب اليأس لنفوسهم منذ أن تسرب الوعي لعقولهم على الرغم من طول المسافة والطريق، ولم يبدلوا تبديلا، في بدايات نضالهم كانوا غرباء وطوبى للغرباء، اعطوا زهرة شبابهم وكامل حياتهم على وجه البسيطة واهدوها لشعبنا دون من او أذى وبذا استحقوا احترام كل المناضلين من مختلف المدارس الوطنية. والاجيال القادمة ستجد في نموذجهم درسا ممتازا في معاني التضحية والفداء والوفاء والانحياز الى صف الفقراء، ودوما فان رايات العدالة الاجتماعية هى انبل الرايات ظلا وتستحق البسالة والتضحية، كما ان الحياة دون قضية لعنة. وان عمر الانسان فسحة قصيرة وعلينا ان نترك الحياة افضل مما وجدناها، مهما طالت المسافات وتباعدت الطرق.
يمكن القول بكل ثقة واطمئنان ان الاستاذ محمد ابراهيم نقد لم يشارك في جلد الشعب بالسياط كما لم ياكل مال الشعب بالفساد، وحظي بالاعجاب وحقق رصيد عند سودانين كثر لايتفقون مع حزبه ولكن كانت له القدرة على مد حبال الوصل معهم وتلك والله مهارة.
وردد في البدء والختام أصالة عن نفسي ونيابة عن الحركة الشعبية ورئيسها مالك عقار ونائب الرئيس عبدالعزيز ادم الحلو نتوجه بالتعازي الحارة لأهله ونخص أسرته التى لم تبخل عليه بالمؤازرة طوال حياته نساء ورجال وتعازينا لحزبه الشيوعي والى أصدقائه ولنعمل معا من اجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام الدائم والتنمية المستدامة، وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، وتوحيد السودان شمالا وجنوبا وحدة بين دولتين مستقلتين . ولنعمل معا من اجل سودان جديد.