إدوارد لينو لـ«الشرق الأوسط»: المحسوبية والفساد والقبلية أكبر مهددات دولة الجنوب


إدوارد لينو لـ«الشرق الأوسط»: المحسوبية والفساد والقبلية أكبر مهددات دولة الجنوب

رئيس الاستخبارات الخارجية السابق في الجيش الشعبي حذر من دولة بوليسية في الجنوب

مصطفى سري
حذر رئيس الاستخبارات الخارجية السابق في الجيش الشعبي (الجناح العسكري للحركة الشعبية) إدوارد أبيي لينو، من إنشاء دولة بوليسية في الجنوب بعد الاستفتاء في حال اختار مواطنوها الانفصال، معتبرا أن ترسيخ الديمقراطية والتأكيد على الشفافية والمحاسبية يمثلان الطريق الصحيح إلى الدولة الجديدة. وقال لينو القيادي البارز في الحركة الشعبية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنه على الحركة الشعبية وضع أولويات الدولة الجديدة من الآن، والاستفادة من تجربة السنوات الخمس التي قضتها في حكم الجنوب، إلى جانب اعتمادها على الإرث الثوري باعتبارها حركة تحرر وطني. وأضاف «بتصحيح الأخطاء التي ظهرت يمكن أن تظهر دولة جديدة وقوية». وقال إن الجنوب يمتلك إرادة سياسية وموارد طبيعية وبشرية وعزيمة شعبية، وشدد على أن أكبر مهددات الدولة الجديدة هي «المحسوبية، والفساد، والقبلية».
* الانتقال من الثورة إلى الدولة دائما ما يواجه بتحديات وصعوبات.. أين تقف الحركة الشعبية الآن؟

– أي ثورة عندما تكتمل خطواتها في الوصول إلى السلطة عليها أن تراجع مواقفها، وأن تنظر اين تقف، وأن تراجع قوامها الفكري والسياسي، لتخطو خطوات جديدة على أرض الواقع، لأن النظرية خضراء والواقع رمادي.. بمثل هذا المنهج يمكن البناء على طريق، منهج وخارطة جديدة.

لقد شاهدنا الكثير من الثورات في كوبا، وأنغولا، وموزمبيق وناميبيا، والآن نحن في جنوب السودان علينا أن نأخذ من تلك التجارب، خاصة أننا في الحركة الشعبية نقف في منتصف الطريق حول ما طرح فكريا بما يعرف باسم السودان الجديد الذي له دلالاته الخاصة لخلق واقع جديد حلمنا به في كل السودان، واستطعنا عبر النضال الطويل أن نصل إلى حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عبر فكر السودان الجديد.

* لكن السودان الجديد كما طرحه زعيم الحركة الشعبية ومؤسسها الراحل الدكتور جون قرنق ينبني على تأسيس وحدة السودان على أسس جديدة، وأنتم الآن اخترتم الانفصال.. أليس كذلك؟

– الحركة الشعبية عندما دخلت في مفاوضات مع الحكومة السودانية بعد تدخل القوى العالمية لإيقاف الحرب، كانت تعي أن الطرف الآخر يسعى إلى إيجاد هدنة ليلملم أطرافه لإعادة بناء نفسه، وبعد الاتفاقية عملوا على تبديد ما تم الاتفاق عليه، لذلك وجدت الحركة نفسها في واقع جديد هو الآن في طور التشكيل والتكوين، لكن فكر السودان الجديد يحتاجه الجنوب الآن وفي المستقبل، وهو يمثل تحديا للدولة الجديدة، وعلينا أن نتعلم من تجربة السنوات الخمس لنواجه تحدي بناء الدولة الجديدة بأن نضع الحلول المناسبة التي تواجه المواطن.. هذه هي فلسفة الثورة، بأن نضع الأولويات كدولة ثورية لها شعبها الذي ناضل وقاتل بشراسة لأجل كرامته وحريته، ودولة يقودها فكر ثوري وفق الواقع المعيش وليس بالشعارات والخزعبلات.

* إذن ما هي الأولويات من كل ما طرحته الآن نظريا؟

– نحن مطالبون في الأشهر الستة القادمة بأن نضع الأولويات في البرامج التي تهدف إلى تحفيز المواطن نحو العمل، وأن ندعو أصدقاءنا لدعم الدولة الجديدة كل في مجاله، والأمر الأهم أن نعمل في مناخ من المصداقية والشفافية ومحاربة الفساد.

* هل يمكن أن تتحول دولة جنوب السودان الجديدة إلى دولة بوليسية ديكتاتورية كما يحدث في المنطقة والقارة؟

– إن لم نضع أولوياتنا سنقع في أخطاء كبيرة، مثل ما ذكرته أنت من قيام دولة بوليسية ينفرد فيها الأمن بكل شيء ويستشري فيها الفساد والمحسوبية والحروب الداخلية والقمع كما حدث في السودان قبل اتفاقية السلام. ما هو مهم أيضا أن نعي تجربتنا في السنوات الخمس ونصححها من الأخطاء التي شابتها، يجب أن نواصل طريقنا في تأسيس الدولة على نهج ديمقراطي، خاصة أننا في بداية الطريق المحفوف بالمخاطر والتوجسات والهواجس.. نحن لا نملك أي شيء مع أننا نملك كل شيء.

* ما هي التحديات التي ستواجه الدولة على نمطها الثوري وتسعى إلى نظام ديمقراطي؟

– من بين أكبر التحديات في جنوب السودان أننا نبني دولة خارجة من الحرب وكلنا فقراء، ونعتمد على الدولة في كل شيء، وأي فرد هنا إذا أراد أن يقوم بعمل يمد يديه إلى الدولة لتعينه، وهنا في جوبا تجد الفوارق الكبيرة.. وهناك أشخاص أخذوا ما أخذوا من مرتبات عالية ودخل محترم يحظى به الوزير والوكيل وكبار الموظفين. لا بد من تصحيح هذا الآن وليس الغد، وهذا ممكن، من المهم أن تتجه الدولة إلى المواطن، لا أن يسعى المواطن جريا وراء الدولة، بمعنى أن تكون لدينا دولة تخدم المواطن حتى يستطيع هو أن يعمل، وتخدمه بتوفير حياة جديدة فيها التعليم والصحة وفرص العمل.

* هناك قيادات مؤثرة ابتعدت عن الفعل السياسي داخل الحركة الشعبية، هل بدأت الثورة تأكل أبناءها؟

– الصحيح بدأت تلعق أبناءها قبل أن تأكلهم، وهذا يرجع إلى أن القيادة أصبحت فقيرة فكريا لأنها لم تتعرض إلى تجارب ومحكات حقيقية، لذلك فإنك تجد المفارقات بين من استأثر بالجاه والسلطة والذين لم يجدوا شيئا، مع أننا جميعا من قواعد فقيرة.. والخوف أن يتحول العمل العام في الفترة القادمة إلى عمل خاص، مثلا أن يقوم مسؤول ببناء مدرسة أو مستشفى ويتم ربط الأمر به شخصيا، مع أن بناء المدارس والمستشفيات من واجبات الدولة، والموظف خادم في الدولة.

* هناك من يتخوف أن تتكرر تجربة رئيس زيمبابوي روبرت موغابي في جنوب السودان.. هل ستستمر الحركة الشعبية حزبا حاكما في الجنوب إلى الأبد؟

– لو سألت موغابي في بداية حكومته: هل ستصبح رئيسا إلى الأبد، أو سيصبح حزبك حاكما إلى الأبد؟ أتوقع أن رده لم يكن ليصبح مثل ما هو عليه الحال في بلده، سيقول في ذلك الوقت لا.. إذن لا تستطيع الحركة الشعبية أن تجزم بأن تقول إنها الحزب الوحيد في الجنوب، لكن قرائن الأحوال تقول إن شهداء وجرحى الحركة يتذكرهم الناس، كما أن هناك أحزابا جنوبية ظلت تدور في فلك «المؤتمر الوطني»، والزمن سيطول للأحزاب الأخرى لتدخل إلى قلب الجماهير، غير أنه من المهم أن نقول إنه إذا قادت الحركة الشعبية شعب جنوب السودان بشجاعة وجرأة وإقدام نحو بناء الدولة وبشفافية ومناخ ديمقراطي حقيقي وليس مجازيا، فيمكنها أن تقود الجنوب لفترات طويلة.

* لكن من واقع التجربة خلال السنوات الخمس في الحكم هناك من يتحدث أن الحركة فيها فاسدون..

– نعم، جاء بعض المحسوبين على الحركة وكانوا فاسدين ومارسوا الفساد والشعوذة باسم الحركة، هذا حدث، وعلى الحركة أن تطهر نفسها من ذلك وتبدأ بشكل جديد، وأن تعمل كحزب جماهيري وليس كحزب حاكم، والآن أصبح كل شيء متاح في الفضاء، والمحاسبة والشفافية أصبحتا الحكم والفيصل.

* هل نتوقع أن نجد دولة تقوم على غرار القبيلة كما هو حادث حولكم؟

– بالعكس، الحركة الشعبية تجمع كل القبائل في الجنوب، وناضلت في شمال السودان والمناطق المهمشة، لذلك أي حزب يقوم على أساس قبلي سيموت، والناس الذين يتحدثون عن القبيلة يدافعون عن مكتسباتهم الشخصية، والقبيلة بريئة منهم.

* هل يمكن أن نشهد انقلابا عسكريا في دولة الجنوب، خاصة أن الجيش الشعبي هو جيش سياسي ثوري؟

– لا أظن ذلك، لا يمكن أن تنجح فكرة الانقلاب العسكري في الجنوب، خاصة أن المشاعر القبلية موجودة، وفي الحركة الشعبية إبان فترة النضال جربنا الانقلابات التي حدثت من قبل رياك مشار ولام أكول ومؤخرا جلواك جاي وجورج أتور، كلها فشلت، إذن لا يمكن أن يحدث انقلاب خاصة أن القيادة الآن في الحركة الشعبية ما زالت تعيش أجواء الثورية، لكن إذا حدث فإننا سنعود إلى حرب داخلية لن تكون سهلة. لا يمكن أن تتنقل إلينا جرثومة الخرطوم التي ظلت تعيش في انقلابات أدت إلى ما نحن عليه الآن، وجرثومة الخرطوم ستنتهي هناك.

* ما هي حظوظ قيام دولة قوية في الجنوب مع المصاعب التي ذكرت من قبل؟

– جنوب السودان يقع في قلب أفريقيا، وهو منطقة منفتحة، ولعلك رأيت بنفسك الجنسيات المختلفة التي وفدت إلى جوبا طيلة السنوات الخمس بطريقة لم تشهدها أي مدينة من قبل. إذن لدينا مقومات الدولة الجديدة، كما أن إمكانية انصهار الشعوب التي تأتي إلينا مع شعوبنا بدأت من خلال الزيجات، وسبق أن قلت لضباط الاستخبارات في محاضرة إن شعوب دول الجوار تأتي إلينا لتغيير نمط حياتها، لأن لدينا موارد طبيعية وبشرية سواء من الجنوب أو العاملة الوافدة.. لن نصبح مثل دول النفط، بل سنعمل على وضع لبنات دولة حديثة، ونتقوى بالواقع الجديد، ونربط دولتنا مع دول الجوار بما فيها الشمال الذي أتوقع أن يصبح دولة ديمقراطية وليست أصولية إسلامية.

* أنتم حاربتم الخرطوم بدعوة التهميش من المركز للأقاليم، ومع واقع التحول في الجنوب هل نتوقع أن تتحول جوبا إلى مركز ونسمع بعد قليل حديثا عن التهميش؟

– فلسفة الحركة الشعبية تقوم على نقل المدينة إلى الريف، وبدأنا ذلك بشكل بسيط، وكان مدلوله كبيرا، لذلك لا يمكننا أن نخلق تهميشا آخر في الدولة الجديدة لأننا سنعتمد على توزيع المرافق إلى عواصم الولايات وإلى القرى، المهم أن نبدأ بالتعليم ونعود إلى التركيبة. ويتم بناء المدارس على أساس أن يتم استيعاب أبناء المناطق المختلفة.. وهذا يمكن أن يوحد الجنوب ويوحد الرؤيا.

* كيف ستصبح العلاقة بينكم وبين الشمال في المستقبل، خاصة أن حدودا طويلة بين الجانبين؟

– دولة الشمال تربطنا معها أطول حدود تصل نحو ألفي كيلو متر من الحدود الإثيوبية في الشرق إلى أفريقيا الوسطى في الغرب، وهذه المساحة طويلة، وتعيش قبائل كثيرة شمالية وجنوبية ولديها حياة مشتركة، لا يمكن أن نوقف مسيرة لشعوب تتجول خلال ستة أشهر إلى الجنوب بأسرها من رجال ونساء وأطفال، لذلك أقول اتركوا الحياة كما هي، وألا نسيس هذه العلاقات مثل ما يفعله «المؤتمر»، ونرى ذلك في أبيي، والآن يحاولون مع قبيلة عرب السليم في منطقة الرنك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *