البشير للجنوبيين في جوبا: سأكون حزينا.. ولكنني سأحتفل معكم إذا اخترتم الانفصال
جنوبيون استقبلوه بلافتات تقول: مرحبا بكم في الدولة رقم 193.. سلفا كير يعلن إبعاد المعارضة الدارفورية
جوبا – موفد «الشرق الأوسط»: مصطفى سري
تعهد الرئيس السوداني عمر البشير بالاعتراف بدولة الجنوب في حال اختار سكانه الانفصال في الاستفتاء المقرر في التاسع من يناير (كانون الثاني)، كاشفا في زيارة قصيرة إلى جوبا استقبله فيها المئات بالدفوف والترحاب، وآخرون بشعارات الانفصال، عن أن قضايا فك الارتباط والأخرى المتعلقة بمنطقة أبيي المتنازع عليها، والحدود سيتواصل الحوار حولها قبل انتهاء الفترة الانتقالية المحددة في يوليو (تموز) القادم، والتي سيتم فيها إعلان دولة الجنوب رسميا إذا صوت أهل الإقليم إلى الانفصال. في وقت أكد نائبه الأول رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت إبعاد المعارضة الدارفورية من جوبا. وأشارت مصادر إلى أن كير سيزور الخرطوم قبل الاستفتاء لتطمين الشماليين.
وكان في استقبال البشير عند هبوط طائرته سلفا كير يرافقه عدد كبير من كبار القياديين الجنوبيين وحرس الشرف المكون من جنود شماليين وجنوبيين. وارتدى البشير عباءة جنوبية، ووقف المئات من الجنوبيين في استقباله بالدفوف والرقصات الشعبية، بينما تجمهر آخرون حاملين أعلام جنوب السودان، ولافتات تقول: «مرحبا بكم في الدولة رقم 193»، و«الانفصال من أجلنا جميعا». وعند مدخل المطار رفعت منظمات غير حكومية لافتات كتب عليها «نحن سعداء باستقبالك من جديد للاحتفال باستقلال جنوب السودان».
وكان وزير الإعلام الجنوبي برنابا ماريال قال في وقت سابق «سنخصص له استقبالا حارا». وأضاف «كثيرون قدروا تصريحاته التصالحية الأخيرة. طلبنا من شعبنا أن يكون مضيافا ووديا لأنه لا وجود لمنافسة هنا». ونشرت قوات أمنية كبيرة في جوبا عاصمة الجنوب قبل وصول الرئيس السوداني، بينما يجوب جنود مسلحون في الشوارع. وتعد زيارة البشير نادرة للجنوب قبل أيام من الاستفتاء حول مصير هذه المنطقة.
وقال البشير في مؤتمر صحافي مشترك مع كير في قصر الضيافة في جوبا أمس إنه تباحث مع كير حول قضايا ما بعد الاستفتاء واتفقا على مواصلة الحوار حولها والتوصل إلى حلول قبل انتهاء الفترة الانتقالية في يوليو القادم، مشيرا إلى أن قضية أبيي سيتواصل الحوار حولها. وأضاف أن بروتوكول أبيي هو الأساس في التعامل مع القضية بأن التصويت في استفتاء المنطقة لقبيلة (الدينكا نقوك) والسكان الآخرين في المنطقة. وشدد البشير في لغة نبرة تصالحية واستسلام تام بانفصال الجنوب، «نحن الآن في مرحلة مفصلية أكدنا على إجراء الاستفتاء بصورة سلمية وشفافة ونزيهة»، وقال إن هناك شهودا من المراقبين لعملية الاستفتاء والإعلام.. سيشهدون على مدى التزامنا الحضاري وإننا نريد استفتاء سلميا وقبول نتيجته بروح طيبة أيا كانت وحدة أو انفصالا وتكون ملزمة». وقال: «إذا قرر الجنوبيون الانفصال سنأتي ونحتفل معهم»، وأضاف أن التعاون والمصالح المشتركة بين الشمال والجنوب ستتواصل وأن الحدود المشتركة بيننا طويلة. وقال إن العلاقات الاجتماعية ستتواصل وسيتم تأمين الشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال.
قال البشير إنه مستعد لمواصلة تقديم الدعم للجنوب حتى في حال أصبح «دولة». وقال: «على الرغم من أنني على المستوى الشخصي سأكون حزينا إذا اختار الجنوب الانفصال لكنني سأكون سعيدا لأننا حققنا السلام للسودان بطرفيه». وأضاف «نحن مع خياركم. إن اخترتم الانفصال سأحتفل معكم»، مؤكدا أنه «حتى بعد قيام دولة الجنوب نحن جاهزون لتقديم دعم فني أو لوجيستي أو دعم بالخبرة لها».
وأوضح البشير أن «حجم المصالح والروابط بيننا في الشمال والجنوب غير موجودة بين أي دولتين في العالم»، موضحا أنه «حتى لو حصل الانفصال فإن الفوائد التي يمكن أن نحققها عبر الوحدة يمكن أن نحققها من خلال دولتين».
وقال البشير إن حكومة الجنوب أكدت التزامها بإبعاد المعارضة الدارفورية من الجنوب ونحن أكدنا التزامنا بعدم دعم أي معارضة جنوبية، واعترف بأن حكومته سبق أن دعمت عددا من معارضات لدول الجوار من تشاد، وإثيوبيا وإريتريا، وقال: «لكن قمنا بتطبيع العلاقات مع هذه الدول.. وستصبح لدينا حدود هي الأطول بين الشمال والجنوب»، مشيرا إلى أن مجلس الدفاع المشترك سيتم حله في حال الانفصال.
من جانبه وفي كلمة مقتضبة في المؤتمر الصحافي قال كير إنه يتفق مع ما قاله رئيسه البشير بتنفيذ ما تبقى من اتفاقية السلام وإجراء الاستفتاء في مناخ سلمي، وأضاف أن حكومته أبعدت الدارفوريون من جوبا، وتابع «لن تكون هناك أي معارضة من الشمال تنطلق من الجنوب». وعلمت «الشرق الأوسط» أن كير سيزور الخرطوم في الأيام القليلة القادمة قبيل إجراء الاستفتاء لتوصيل ذات الرسالة التطمينية والاستمرار في الحوار المشترك بين الطرفين بالتأكيد على إجراء الاستفتاء في جو سلمي بعيدا عن العنف والتوتر.
من جانبه قال وزير الإعلام في حكومة الجنوب دكتور برنابا مريال بنجامين في تصريحات صحافية أن زيارة البشير لجوبا أكدت على أن الاستفتاء سيتم إجراؤه في مناخ سلمي، مشيرا إلى أن الطرفين أجريا مناقشات جادة حول عدد من القضايا تتعلق بملف أبيي، وترسيم الحدود سيتم بعد الاستفتاء إلى جانب المشورة الشعبية لشعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق، معتبرا أن الزيارة كانت جيدة.
وفي اجتماع آخر مع منظمات المجتمع الجنوبي انعقد في قصر الضيافة ردد البشير التزام الدولة بالاعتراف بخيار الجنوبيين، وأضاف «قناعتنا أن الوحدة هي الأفضل ولكننا سنعترف بما سيقرره الجنوبيون في الاستفتاء»، مشيرا إلى الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين الشمال والجنوب وتأكيد رسالة السلام، وقال إن حكومته وضعت السلام كخيار استراتيجي واستطاعت إنهاء الحرب، معتبرا أن المفاوضات في نيفاشا كانت جادة وحققت نجاحا، وقال «ليس هناك نجاح 100% وإن كثيرين كانوا يتوقعون أن تتدهور الأمور»، وتابع «هناك أشخاص – دون أن يسميهم – كانوا لا يريدون استمرار الأوضاع وأن بعض الصحف كانت تبرز عناوين وأخبارا وتصورها الفضائيات ببث الأخبار السيئة»، وقال إن أصعب بند في اتفاقية السلام كان حق تقرير المصير وأن الحكومة توصلت إليه عن قناعة. وأضاف أن الجنوبيين كان رأيهم بنسبة (90%) مع الوحدة ولكن تحولت هذه النسبة، وأضاف «لماذا تحولت هذه النسبة إلى الانفصال؟ بسبب أن الحرب كلها مظالم وغبن وكراهية ورأينا أن فرض الوحدة فاشل والنتيجة دائما عكسية»، مشيرا إلى أن كافة القوى السياسية اتفقت على تقرير المصير، وقال «نحن أصحاب عهود ومواثيق وإن الرجل يربط بلسانه وليس قدمه وسنظل دعاة وحدة»، وأضاف «سنأتي للاحتفال معكم ولكن هناك ستكون هناك سرادقات للعزاء لأنه سيكون هناك حزن، لكني سأكون سعيدا لأنه بعد الاستفتاء وقيام الدولتين أن نبقي على السلام الحقيقي لينعم الشعبان بالاستقرار والتنمية».