د.التجاني سيسي أو الطائفية حين تعود في لبوس الثورة ..اذأ علامّ قتلنا الشيخ ؟
محمدين محمد اسحق – بلجيكا
مما جاء ذكره في تأريخ ما عرف بالفتنة الكبري و ذلك بعد موقعة الجمل الشهيرة ان مالك بن الاشتر صاحب الامام علي بن ابي طالب و احد قادته استنكر عليه تعيين ابن عمه عبد الله بن العباس واليأ علي البصرة وقال قولته التي ذهبت مثلأ :- (علامّ قتلنا الشيخ أمس بالمدينة اذأ ّ! ) و كان يعني قتل الخليفة عثمان بن عفان علي يد ثوار مصر.
الثورة أي ثورة كانت لابدّ ان تحدث تغييرأ و انقلابأ جذريأ في الاوضاع التي كانت قائمة من قبل و هذا أمر ينبطق علي كثير من الثورات في العالم و خير مثال لذلك هي الثورة الفرنسية و التي لم ينحصر تأثيرها في محيطها الفرنسي فحسب بل تجاوز ذلك ليمتد ليشمل اوربا و بقية انحاء العالم . الثورة في دارفور لن تكون استثناء من ذلك و يصدق عليها ما يصدق علي غيرها من الثورات و هذا يعيدنا الي السؤال البديهي الاول لماذا قامت ثورة دارفور اصلأ ؟؟ الأن و في ظل خلط الاوراق الحاصل الأن يحاول البعض تغبيش الرؤية و تعمية الأبصار عن رؤية الاهداف الاساسية التي قامت من أجلها الثورة وهم في ذلك يستخدمون نفس تلك العبارات التي يستخدمها الثوار ، عبارات من قبيل (اهلنا البسطاء يكفيهم ما يعانونه) .(لابدّ ان يعود هؤلاء الي قراهم) . هنا يتم التركيز علي انهاء الوضع الانساني القائم وهي مقولة حق أريد بها باطل . و هي خدعة يراد بها ان تنطلي علي الثوار و علي انصار الثورة في دارفور نفسها !
و يجب التذكير بشي أساسي في قضية أهل دارفور وهو ان التهميش و الاقصاء و استباحة و قتل اهل دارفور لم تكن سياسة و منهج حزب المؤتمر الوطني او الجبهة الاسلامية وحدها انما هي منهج تاريخي قديم ربما منذ ان غزا تاجر الرقيق الزبير رحمة سلطنة دارفور و استمرت نفس السياسة في دولة المهدية و مرورأ بالحكومات المسماة بالوطنية. و حين استولت الجبهة الاسلامية علي السطة في العام 1989 وجدت اغلب السياسات الواجب اتباعها في دارفور موجودة فالجنجويد مثلأ تمّ صناعتهم و شرعنتهم و تسليحهم في حكومة الصادق المهدي و بواسطة رعاية مباشرة من القيادات السياسية و العسكرية لحزب الامة و يكفينا هنا حديث د.مريم الصادق المهدي حين صرحت لصحيفة اخر لحظة قائلة (الجنجويد أنصار واولاد أنصار، والجنجويد (حقننا) .
و استباحة دارفور من قبل القوي الاجنبية و المليشيات التي أتت من خارج الحدود قد حدث في عهد الصادق المهدي و كلنا نذكر الفيلق الاسلامي و قوات ابن عمر و قوات المعارضة التشادية وقتها و الحاكمة الان .
و لا شك ان حزب الامة و قياداته و نخبته قد لعبوا دورأ كبيرأ في ان تظل دارفور علي ما عليه من تخلف و تهميش و غياب للوعي و من استغلال لأهله و حزب الامة تاريخيأ اخذ من دارفور أكثر مما أعطي ، سياسة استغلال اهلنا البسطاء و اعتبارهم مجرد ارقام انتخابية لصالح حزب الامة و أل المهدي كان يعتمد في اساسه علي تغييب الوعي لدي جمهور الهامش الغربي و دارفور علي وجه الخصوص . و الثورة حين قامت انما قامت لتكسر مما تكسر من تابوهات و منها هذا التابو الطائفي الذي ساهم في تخلف اهل دارفور اينما كانوا او رحلوا او قطنوا .
الثورة قاتلت و ستقاتل مرة اخري اذا دعا الحال من اجل تحطيم مفهوم السادة و الاتباع ذلك المفهوم الذي يجعل التابع يهب حياته و مستقبل ابنائه لمن يسمون أنفسهم السادة و ابناء السادة ، نظرة عاجلة الي واقع اهل الهامش الغربي اينما كانوا سواء في دارفور نفسها او الوسط في الجزيرة و القضارف و غيرها تنبئك الي أي حد تمّ استغلال اؤلئك البسطاء من قبل غول الطائفية بلا أدني رحمة او شفقة .
الوعي بخطورة عودة الطائفية و حزب الامة تحديدأ الي دارفور و بأي بوابة كانت هو خطر لا يقل خطورة عن حرب ثورة دارفور ضد مفهوم المركز الاستعلائي المرتكز علي قوة و سلطان الدولة .
اذأ علاما قتلنا الشيخ اذن ؟
في الدوحة الان تتم فرملة الثورة و تفكيكها من كل الاسس التي قامت من أجلها ليتم توجيهها و ترويضها لتصبح ثورة مناصب و وظائف شكلية و كانك يا أبو زيد لا رحت و لا غزيت ، و بكل انتهازية يقفز د.التجاني سيسي ليكون (كرزاي ) دارفور الذي طال انتظاره و ليصبح بين ليلة و ضحاها رئيسأ لحركة التحرير و العدالة و في صورة مسرحية سيئة الاخراج وبدعم من توليفة دولية متناقضة الاهداف و الرؤي لا يجمعها سوي انها تريد قضم قسمتها من كعكعة معجونة بدماء الشهداء و معطونة بعرق الثوار و بمعاناة البسطاء ،
التجاني سيسي و المنتمي لحزب الامة لم يعلن تخليه عن الحزب الذي ساهم مثل غيره من احزاب المركز في استمرار معاناة اهل دارفور و يدرك حزبه جيدأ حقيقة انه لن يكون له وجود في دارفور اذا انتصرت ثورة دارفور فلابدّ اذأ من القضاء علي الثورة من الداخل و بدعم من قوي دولية و اقليمية و التي اجمعت علي التجاني سيسي كخيار و كحصان طراودة لتنفيذ هذه المهمة .و لا فرق هنا فيما تسعي له الحكومة السودانية و ما يسعي له التجاني سيسي و ما تسعي له تلك القوي الدولية .
المسرحية التي تمّ طبخها في عدة عواصم و برعاية من المبعوث الامريكي سكوت قريشن قد وضحت معالمها تمامأ و هي تمضي علي الوجه التالي :-
وجود شخصية بارزة تنتمي لقبيلة الفور تكون حاضرة في المسرح لكي يتم اسدال الستار الختامي علي ما يسمي بالحركات الثورية في دارفور و من أهم مميزات تلك الشخصية ان تكون الخرطوم نفسها راضية عنه و لا تكون لها صلة بالثورة و مفاهيمها و هي صفات تتوافر لدي التجاني سيسي و المسرح الان جاهز في الدوحة و ما حدث فيها من توقيع لما اطلق عليه بالاتفاق الاطاري بين الحكومة السودانية و حركة العدل و المساواة بتاريخ 23 فبراير 2010 ما هو الا مجرد بروفة للمسرحية الكبري .
– القضاء علي مراكز القوي لدي فصائل حركة تحرير السودان و تقسيم المقسم و تجزئة المجزأ و للمفارقة تمّ تنفيذ جزء كبير من هذه الخطة باسم توحيد الحركة و قد انطلت هذه الخدعة التي استخدمها المبعوث الامريكي سكوت قريشين علي كثير من قيادات حركة تحرير السودان . و ربما كانت النغمة التي عزفها قريشين و بكل ذكاء هي انه يسعي لايجاد بديل لعبد الواحد محمد النور من قبل الفور أنفسهم ، و هو شئ قد صرح به علنأ دون مراعاة لما يمكن ان يحدثه تصريح كهذا من اثر سلبي علي الحركة نفسها و علي مجتمع الثوار انفسهم لكن قريشن لم يكن يهمه سوي ارسال رسالة تطمئنية الي انصار حركة تحريرالسودان و الذين يشكل الفور اغلبية اعضاءها و انصارها و ذلك في محاولة منه لتجنب الخطأ القاتل الذي وقع فيه روبرت زوليك في ابوجا .
– استدراج المجموعة التي كونها اسكوت قريشين في اديس ابابا و التي عرفت بهذا الاسم او مجموعة خارطة الطريق و في رواية اخري (مجموعة قريشن)و التي تضم من ضمن ما تضم قيادات تنتمي الي حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد النور وفق خطة مدروسة و ممنهجة الي خارج الميدان .
فمن انجمينا الي اديس ابابا و العودة الي انجمينا و من ثم الانطلاق الي المسرح الكبير في الدوحة و قطع طريق العودة الي الميدان لكي لا يكون هناك من طريق لهذه المجموعة سوي المشاركة ككومبارس خلفي تحت قيادة التجاني سيسي .
لعبة قريشين و معاونيه كانت ذكية للغاية فهي اعتمدت علي تفريغ الميدان و نعني ميدان حركة تحرير السودان من بعض قياداته الميدانية خاصة اؤلئك الذين لهم اختلاف مع عبد الواحد محمد النور و محاولة خلق قيادة جديدة داخل حركة تحرير السودان ، الهدف الاساسي من هذا ليس في صالح مشروع حركة تحرير السودان التي قاتلت الحركة من أجله و لكن في الحاق هذه المجموعة لما سمي بسلام الدوحة و الذي يهدف في جوهره الي انقاذ النظام السوداني من ورطته الدولية و الاخلاقية التي وقع فيها بسبب ما فعله من جرائم في دارفور تحت ستار اخماد التمرد فيها .و هنا نشير الي تركيز قريشن الاساسي من كل هذه المسألة هو انقاذ اتفاقية السلام الشامل بين حكومة المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية و هذا لن يتأتي الا باخماد قضية دارفور و طي هذا الملف الي الابد .
الجزرة التي كانت يلوح بها سكوت قريشن امام أعين هؤلاء هي ان امريكا ستتبني قيام مؤتمرلتوحيد لحركة تحرير السودان بالميدان لاحقأ تمّ التعويض بجزرة اخري و هي قيام مؤتمر توحيد الحركة باستدعاء القيادات الميدانية الي الخارج لعقد مؤتمرها المزعوم ذاك .لاحقأ كذلك تمّ ازاحة هذا الطلب و الاكتفاء بقيادات مجموعة خارطة الطريق المتواجدة في الدوحة ليضاف اليهم وفق الخطة مجموعة طرابلس ليتم في النهاية اعلان توحيد المقاومة في دارفور تحت مسمي حركة التحرير و العدالة .
– اطلاق العنان للحكومة السودانية لتواصل هجماتها ضد اماكن تواجد قوات حركة تحرير السودان و الهجوم علي تخوم جبل جبل مرة رمز الثورة في دارفور لم يأتي عبطأ و انما أتي ليكون مكملأ لمسرحية السلام في الدوحة ، و قد كاد بعض قيادات حركة تحرير السودان ان يقعوا في الفخ المعد لهم بدقة خاصة عبد الله خليل و الذي تمت تسميته من قبل مجموعة شرق الجبل كرئيس لحركة تحرير السودان بديلأ لعبد الواحد محمد احمد النور و هنا وجد امر هذا الترشيح هوي لدي التجاني سيسي و الذي لم يخفي تأييده لهذه الخطوة وبل ظلّ مبشرأ بها و هو شئ يصب في النهاية لصالح مشروع القضاء علي الثورة من الداخل و يخدم الهدف الاساسي في تواجد د.التجاني سيسي في الدوحة .
عودة الي مالك بن الأشتر فوقتما رفع اصحاب معاوية بن سفيان المصاحف علي اسنة الرماح اي انهم يريدون التحاكم الي كتاب الله و انقسم فريق علي بن ابي طالب الي فريق يريد مواصلة الحرب و فريق يريد ايقاف الحرب كان مالك بن الاشتر من رأي الفريق الاول و قال مخاطبأ الفريق الثاني (يا أصحاب الجباه السود.. كنا نظنُّ صلاتكم زهادةً في الدنيا، وشوقاً إلى لقاء الله، فلا أرى مرادكم إلا الدنيا) و كان يعني بالجباه السود علامات غرة الصلاة التي تظهر علي جباه من يكثرون من صلواتهم .
لا غرو و الحال هذه ان تنخدع بعض القيادات الثورية بشعارات مثل توحيد الصفوف و ان الوقت قد حان للسلام وها هي ذي الحكومة تبسط يدها بالسلام فليس من وقت مناسب للسلام اكثر من هذا الوقت وهذا وقت سننال من الحكومة ما نريده ..هذه ايضأ كانت كلمات التجاني سيسي في محافل عدة !
– الدروس المستفادة من كل هذا و ذاك و ما بين سلام ابوجا و سلام الدوحة تكمن في حقيقة بسيطة هي ان علي الثوار كل الثوار و قبل البصم علي اي اتفاقية كانت مع هذا النظام عليهم ان يسألوا أنفسهم هل هذا ما قاتلوا هم من أجله ؟ و هل الوريقات التي امامهم تتضمن الحرية و العدالة و الحقوق و المساواة لكل أهل دارفور ..
و قبل كل ذاك و ذلك عليهم استصحاب حقيقة اخري هي انه لا أحد غيرهم يحقق لهم ما يقاتلون من أجله فكما يقول مالكوم اكس (لا أحد يمنحك الحرية ..لا احد يمنحك العدالة و المساواة ..فقط نفسك اذا كنت رجلأ فلتتقدم لـتأخذ ما تريد ) ..لا قريشن امريكا و لا المجتمع الدولي سيحقق لشعب دارفور ما يريدونه من حرية و عدالة و مساواة . الثورة و استمراريتها هي وحدها التي يمكن ان تحقق لثورة دارفور ما قاتلت من اجله ، ليس بالضرورة ان يكون ذلك اليوم او في الغد ..
عودة اخيرة الي مالك بن الاشتر فحين كتبت صحيفة للسلام بين علي و معاوية دعي ليوقع عليها (كشاهد) فقال قولة اخري ابلغ :- (لا صحبتني يميني، ولا نفعتني شمالي، إن خُطّ لي في هذه الصحيفة اسم على صلحٍ وموادعةٍ. أوَ لست على بينة من ضلال عدوي؟!) .
لا أحد و لا ظرف يجبر الثوار علي توقيع سلام لا يحقق لأهل دارفور العدالة و الحقوق المتساوية و يرفع عنهم الضيم و الظلم الذي عانوه لعهود طويلة و الشئ الذي لا تستطيع الثورة تحقيقه لمصلحة اهل دارفور لن تهبه اي جهة كانت لها و دروس رواندا يجب ان تكون حاضرة في اذهان الثوار، فايقاف الابادة من قبل الهوتو لم يحدث لأن المجتمع الدولي قد تدخل لايقاف ما يحدث من قتل تجاه التوتسي بل الجبهة الرواندية المتحدة هي التي تمكنت بقوة السلاح من ايقاف الابادة التي كانت جارية امام انظار العالم .
كلمة اخيرة بعض التاريخ الجيد الذي يتمتع به د.التجاني سيسي يوشك ان يستبدله بلعنات الثكالي و اليتامي و التي ستطارده ابد الدهر .و حين يبصم قريبأ علي ملحق اتفاق سلام في الدوحة باسم حركة التحرير و العدالة (وليد قريشين الجديد) فلن يكون هناك فرق بينه و بين عمر البشير و هنا نستحضر ابيات امل دنقل :-
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن “الجليلة”
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
محمدين محمد اسحق
[email protected]