مع الإنفصال .. لماذا؟


مع الإنفصال .. لماذا؟
في نهاية التسعينيات راجت معلومات عن وجود مخطط غربي لتقسيم دولة السودان, وغطّتها الإعلام العربي بزخم كبير .ولم يتلاشى صدى ” الكروراك ” الذي إحدثته حكومة الانقاذ آنذاك والفضائيات ضد المناضل الكبير  د.غرنق, إلأ حين طرح مخطط عبدالرحيم حمدي القاضي بتقسيم السودان الى ثلاث دويلات. هذا مدهش .الامر يشبه لعبة الكعك مع الحناكيش . فهؤلاء لايجيدون سوى التخبيص .ويتدهور الموقف مع تطوره الى لعب أطفال, حينئذ لابد من تدخّل ناضج ما. ذئب ما , ثعلب ما أو حتى خنزير كونه أمهر في التسيس و أفضل بكثير من الزاعمون بأنهم رجال سياسة عندنا. تريد أن نضرب مثلا , تفحّص بطرفة عين في زعماء الاحزاب التقليدية وستقتنع بأننا لا نبالغ في نظرية النشؤ والتطور .. القرد كان أنسانا وليس العكس  حتي بعيد الاستقلال ولكن الانحطاط حّل بعد ذلك .
الإنفصال بحد ذاته ليس أمر سئ لأنه أفضل تسوية متوفرة قبل الإدنثار أوالإنتحار في دولة منفصمة , وهو موقف بين رجلين أثنين لا ثالث لهما بحيث لا وجود للبين بين والمترددين من قبيل السيد الصادق المهدي ولا يحزنون ! أما التقسيم لهو أمر مختلف فحصيلته هي موديل دولة بوندلاند الصومالية . فهو بالضرورة يوجب طرف ثالث فبما أنه ليس المهدي المنتظر فهذا يعني بالضرورة تصوره في شخصية منحدرة من آل بيت الخوارج. وهذا بالضبط أحد اشرس إستراتيجيات الإستعمار التي خطّطت لإنتاج موديل الدويلات المسخة .لذلك طرح السيد عبدالرحيم حمدي يوجب الإستجواب . فهو قطعا ليس بمحايد , وبموجب فكرة التقسيم فهو رجل يعلن خطورته لشعب منهك بالحرب وغامض في تصوراته المستقبلية , فبدلا من ان يترك  لهؤلاء المتنازعين حسم خلافهم حول  جلابية الأنصارية ” حمّالة أوجه “, فهو يستبقهم  بجلابية المرقع  و التضليل  بجنة خزان كجبار في وادي الموت , أعني الحرب على مياه النيل . فمصر المعروفة بجنونها الأبدية بمياه النيل سوف تبذل كل ما لديها حتى تقف حدودها عند محطة سكة حديد كوستي. فهذة تعني بالضرورة أولا إبتلاع هذة الدويلات الثلاث وينتهى الحال بهذة الشعوب الى شعوب مستضعفة ومضطهدة كحال أي شعب أسود تحت ظل حكومة أبارتهيد بيضاء , ونظرة واحدة للصعايدة كفيلة بالغم الذي سيصيب الشماليين بحال حنكشوا وراء مسلسلات التنويم المصرية.
لقد ذهل أهل الحكم في السودان من ردة الفعل المصرية أبان مبارة الجزائر و مصر , فلقد” عيتووا”على الرئيس البشير في غرفة نومه كأنه ناطور عندهم . هذا الامر يعتقده بعض الحالمين من قيادات الغفلة , إنفعالات جياشة  وحالات منعزلة  وشاذة  في ادارة الدولة المصرية  بالذات وزارة الإعلام. للإسف هذا فهم قاصر,فمصر بالرغم من كل عيوبها  فهي الأكثر عقلانية وإنسجاما من بين كل الدول العربية , لا يمكنك أن تتجاهل موقف فهمي هويدي المقرب من الاسلاميين  ولا هيكل ولا العقد الفريد لطبقة الظرفاء, عن بكرة أبيهم, كانوا في قلب دب روسي واحد , للنيل من كرامة السودان . ولزم رجال الانقاذ الصمت المخزي وبدوا لإيام كالحبنقة  لقد راحت عليهم الحرف العربي فيقال أن الدكتور نافع على نافع  رد عليهم بالهوسا لم أكن أعلم بانه ” عاق والدين أيضا “. ومهما يكن لقد وقع ضرر جسيم  لسمعتنا كشعب شهم . ولكن العبرة هي في فهم هذة العلاقة  المعلقة على حبل الغسيل, بمعنى مسلسل غاردنسيتي والإرهاب والكباب, لقد كشف هذا الحدث الرياضي حقيقة هذة العلاقات المبنية على جينات إفتراضية ! مثلا كلمة ” أبن النيل ” التي يسموننا بها ما هي إلأ كناية  عن سمك بلطي طافش مع التيار ..ثمة من يفضل أبن السبيل على هذا الإستخفاف .
تحت جملة هذة العوراض هل الناقمون في سائر أنحاء السودان الاخرى مهيئون لمقابلة هذة التحديات؟ على سبيل المثال قوات حرس الحدود المصرية  ليس في حلايب بل في كوستى والابيض ليس هذا وحسب بل نشر ثقافة خشم البيوت المحدودة  لإدارة الدولة . هذة الأمور إذا لم تؤخذ بجدية مطلقة,  قبل الطلاق, مرة ثانية سنسّلم  رؤوسنا للحلاق .
تأمّل معنا  خريطة السودان عشية الإنفصال. لقد تلاشت الشمالية عن الوجود كأمتداد طبيعي للصعايدة المهمشين وسيحصلون على التابعية المصرية وفي أسوأ الاحوال على جنسية البدون. ولن تفيدها ديهانات التبيّض مثل كريمات ديانا للإندماج يومئذ.
أما الشرق فهي بدأت رحلة البحث عن الذات مذ أمد. فعمليات التطبيع مع أرتريا أو الحبشة أخذت مجرها دون ضجيج . وماذا عن دارفور المتمردة أبدا لن تستطيع مقاومة ثلاثة دول عتيدة على جوارها. فتشاد مثلا تحت قيادة قبلية , أي كانت , لن تتواني للحظة لضمها توجد ألف ذريعة تاريخية مفهومة لذلك. ولكن الجماهيرية العظمى تفكر في دارفور ولكنها بالنظر الى تجربة حرب أوزو فهي قد تغض الطرف عن طموحاتها و تصل الى تسوية مرضية مع مصر وتشاد حول ضم  كردفان اليائسة من هذة الامور برمتها .
أما الجنوب فسوف تدخل إختبارا في غاية الدقة إذا ربطت نفسها بمسألة مصير الأنسان الأسود في هذة الكواكب وحضارتها, أعني السياسات الكبيرة , والتنقيب عن التاريخ فهذا الإتجاه نحو خلق الهوية المتميّزة, سيؤدي الى علاقات توتر ومواجهة مع المد العربي الذي في هذة اللحظة غطى ثلث السودان وينبغي على الاخوة المعربين ألأ تأخذهم النشوة فهم من الان فصاعدا في خانة التهميش أو العبودية في الدولة المصرية. وسيطرح أنسان الجنوب في لحظة المقاومة هذا السؤال لماذا هو متقوقع في نوملي وليس منبسطا في دلتا العليا ؟ النستلجيا هى حصيلة  النفس التي ذهبت حسرات نتيجة قرارات لا طموحة ولا متفوقة ! ولكن أذاما تخلت الجنوب عن هذة المسؤوليات التاريخية  فيمكن لها أن تكون دولة تأكل عيش ولكنها لن تصمد في المدى البعيد فسوف تجد نفسها على مقربة من شواطئ رأس الرجاء الصالح مهددة بالإنقراض, هذة ليست تهاويل. نظرة واحدة على, مجرى وادي النيل تحمل هذة الخلاصة من الاسكندرية  تزداد كثافة وزن الانسان كلما إتجهت جنوبا الى أسوان أو نوملي في السودان وتتخفف هذة الكثافة في اللون والقيّم عكسيا . ببساطة الصعايدة هم الجنوبيون في مصر وبحال الأندماج مع مصر فالشماليون هم الجنوبيون في مصر .. أذن الجنوبيون, النوبة, النوبيون ,سمى.. أشير هنا الى السود لقد كانوا في الأسكندرية ! .هذا ليس هو ما نسميه بالإستسلام الروسي . في السياسات الكبيرة لا وجود لكلمة إنفصال, فهي لا تسجّل مأسآة جيل أنما أجيال .وما وجود النوبة في قمم الجبال وليس في قلب الإهرامات لإكبر برهان حي لهذا الذوبان !
كيسر أبكر
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *