نار القبائل تجتاح دارفور

نار القبائل وحريق دارفور
على ابوزيد على
الحرب الملعونة
يا ويل الحرب الملعونة
اكلت حتى الشوك المسود
لم يبق جدارا لم ينهد
هذا زمان الشدة يا اخوان
هذا زمن الاحزان
سيموت منا الكثير
وستشهد هذى الوديان
حزنا لم تشهده من قبل ولا من بعد
بهذه الابيات من قصيدة السلطان تاج الدين للشاعر الفيتورى قدمت اصدارتى الاولى فى العام 2008 للقراء فى كتاب تحت

عنوان نهر الدم ونار القبائل اشرت فى الجزء الاول من العنوان الى شلالات الدم التى انفجرت فى حرب دارفور فى الفترة من العام 2002 وحتى العام 2006 نتيجة الصدامات المسلحة بين الحكومة والملشيات التى تساندها وبين الحركات الدارفورية المسلحة تلك الحرب التى طالت معظم المدن الرئيسية فى دارفور بالعمليات والجردات التى نفذتها الحركات المسلحة عليها وما قامت بها القوات الحكومية من ملاحقة المتمردين فى النجوع القريبة والبعيدة بالغارات الجوية التى ارعبت سكان الريف وادت الى زحف ارتال النازحين واللاجئين من سعير الحرب الى اطراف المدن الكبرى فى دارفور والى ولايات السودان واللجؤ الى دول الجوار
اما الجزء الثانى من عنوان الكتاب (نار القبائل) فقدجاءت الاشارة فى هذا الجزء الى القبيلة المسلحة والتى كانت النواة الاساسية للتمرد فى مواجهة الحكومة والخروج على القانون من اجل حماية الدور والانفس التى عجزت الدولة فى فرض هيبتها وانفاذ القانون واعتمدت الانتفاضة المسلحة القبلية على خلفية من النزاعات القبلية فى دارفو والتى قمت برصدها فى الكتاب المذكور من العام 1932 وحتى العام 2002 وتحليل تطوراتها واتجاهاتها فى الصراع على الزراعة والمرعى وملكية الارض ووصلت قمة النزاعات فى الفترة من منتصف الثمانيات من القرن الماضى وحتى مطلع القرن الجارى
تغيرت اسباب الحروب القبلية فى مطلع القرن الجارى من حرب الموارد والحواكير الى حرب السياسة والايدولجيا والاعلانات المطلبية الجهوية التى انتجتها المليشبات المكونة للحركات المسلحة المتمردة وفى المقابل ساندت المجموعات فى الجانب الاخر الدولة فى مواجهة الخارجين عليها ومن نتائج هذا التدافع القتالى المستبطن للقبلية انتشار واقتناء واستخدام السلاح واصبحت الوسيلة الاساسية لكسب العيش للافراد والجماعات وتحقيق عزوة القبيلة وتحديد مقامها بين القبائل والمشاركة وتواجدها فى قيادة الدولة
ياتى الصدام المسلح الاعنف من نوعه بين الرزيقات والمعاليا فى مطلع الشهر الماضى بمنطقة ام راكوبة الذى سقط فيه المئات من القتلى والجرحى والمصابين وحصدت اعدادا كبيرة من الاطفال والنساء وكبار السن فقد اكدت هذه الحرب فشل كل ابرامات الصلح وجوديات الاجاويد فى تحقيق الحل الجذرى والمستدام لمشكلة هاتين القبيلتين منذ الصدام الدموى الشهير الذى وقع فى عام 1968 وتلتها ثلاثة صدامات كبيرة اخرى وبين كل واقعة واخرى تعقد مؤتمرات الصلح الرسمية والشعبية والدعوة لتعايش القبيلتين فى اطار الجوار والتوصل الى اتفاق حول الترتيبات الادارية المتعلقة بالارض ومستوى الادارة الاهلية وهما الموضوعين اللذين ظلتا يمثلان اساس الخلاف والنزاع المسلح والمتكرر بين القبيلتين رغم توافر الفرمانات السلطانية التاريخية الخاصة بالحواكيرومستوى الادارات الاهلية وما تبع ذلك من تطورات فى العهود الوطنية فى الدساتير والقوانين التى طالت هياكل ومستويات الحكم فى السودان ومن بينهاالادارات الاهلية بدئا من قرار حل الادارات الاهلية فى العهد المايوى والهيكلة والمسميات التى اجرتها الانقاذ للادارات الاهلية فى تقسيم الولايات وتطبيق الحكم الفدرالى
ان ازمة وماساة الحروب القبلية قد تصا عدت فى السنوات الخمسة الاخيرة وتجاوزت اعداد الضحايا من القتلى والمصابين سبعة مرات تقريبا اعداد القتلى فى العمليات العسكرية بين الحكومة وحركات دارفور المتمردة فى ذات الفترة فعدد القتلى فى احداث جبل عامر والقتال بين المجموعات العربية فى ولايتى جنوب وشرق دارفور تجاوز الثلاثة الف قتيل
لقد اشرنا سابقا ان الحرب القبلية واستخدام السلاح اصبحت وسيلة لكسب العيش للافراد والجماعات تلك الاشارة اوجزنا بها هجر المواطنين للانتاج الزراعى والحيوانى عصب الاقتصاد والثروة للمنطقة ومساهمة اهل دارفور فى الدخل القومى اضافة الى تدمير الموارد الطبيعية التى استهدفتها القبائل فى نزاعاتها واصابت الحرب القبلية الموارد البشرية فى دارفور فقد ارتفعت نسبة الامية بتوقف العملية التعليمية فى مراحلها الاولية للشباب فى سن التعليم لصالح امتهان اجادة مهام المحارب للقبيلة او الانضمام لقوات الاسناد المناطقية للدولة
يبقى النزاع الدامى بين الرزيقات والمعاليا انموذجا فاضحا لفشل محاصرة الحوب القبلية والوصول الى حل الاسباب الجذرية ومرة اخرى ترسل الحكومة وفدا رفيعا للمنطقة للاطمئنان لوقف القتال ومرة اخرى تنشط الوساطات الشعبية والادارات الاهلية لاحتواء الاوضاع والدعوة الى الصلح بين القبيلتين ومرة اخرى تنهض منظمات المجتمع المدنى الدارفورى لرأب الصدع بين القبيلتين ومرة اخرى تمارس مجالس الشورى مهنتها القديمة المتجددة والتكسب بشعار الزود عن القبيلة واصدار بيانات التهديد والازدراء للطرف الاخر
نحن مثل البوربون نستخدم المنهج والوسائل التى عجزت ان تحقق الحل بين القبيلتين وابرم اتفاقيات الصلح التى تنهارعقب الاحتفاء بتوقيعها دون الجدية فى تطبيق بنودها او توفير القدرة على حمايتها وفرضها ويبقى الوميض تحت الرماد لتشتعل نار القبائل بين فترة واخرى
ولله الحمد
[email protected]
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *