تصاعدت حدة التصريحات المتبادلة بين السودان ومصرورفعت تيرمومتر الحرارة حول قضية حلايب خلال الاسبوع المنصرم حيث يصر كل طرف على ملكيته للمنطقة المتنازع عليها منذ خمسينات القرن الماضي الا ان القضية ظلت طوال الحقبة الماضية طي الادراج ولم تثر الا لماما، بيد انها شهدت اعلى درجات حرارتها فى العام 1995 عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا والتي اعقبها تدهور شامل فى العلاقات بين البلدين الشقيقين وكاد ان يفضي الى حرب شعواء بينهما لولا تدخل بعض الحكماء لاحتواء الخلاف فى مهده…
***- وقد شهدت تلك الفترة هجوما عنيفا من الاعلام المصري على الحكومة السودانية وافضى برئيس تحرير ‘اخبار اليوم’ المصرية وقتها ابراهيم سعد الى مطالبة الحكومة المصرية بالتدخل العسكري فى السودان وتجدد ذات الطلب الاسبوع الماضى من الدكتور مصطفى النشردي لاستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا المصرية فضلا عن مطالبته بضم ولاية البح رالاحمر السودانية للاراضى المصرية ولو بقوة السلاح على خلفيه اعتقاده بان الحدود المصرية تنتهى بمدينتى طوكر وسواكن السودانييتين.
***- ما اثار القضية وافضى بها الى هذا الحد من التداول العنيف مطالبة بعض نواب الولايات الشرقية السودانية بضرورة اجراء التعداد السكاني فى مدينة حلايب فضلا عن ضرورة اعتمادها كدائرة انتخابية فى الانتخابات المقبلة بالاضافة الى المطالبة الرسمية من قبل مساعد رئيس الجمهورية موسى محمد احمد باحالة ملف حلايب لمحكمة التحكيم الدولية.
***- واقع القضية يشير الى ان الصراع حولها لم يبدأ الان وانما منذ الاستقلال حيث سبق للجيش المصري ان احتل حلايب لعدة ايام الا ان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر سارع بسحب الجيش المصري من المنطقة بعد تأكده من جدية تهديد رئيس الوزراء السوداني الاسبق عبد الله خليل بانه (ان لم تسحب القوات المصرية فورا فانه سيشن هجوما عنيفا عليها فى حلايب وبالتالي اعلان الحرب على مصر).
سبق ذلك رفع السودان لشكوى او مذكرة ضد الحكومة المصرية لدى الامم المتحدة في العام 1955 وظلت تجدد كل عام ومنذ لك الحين لم تثر القضية الا في العام 1995.
***- والان وبعد ان ظلت حلايب ضمن حالة المسكوت عنه طوال الفترات الماضية عقب اعلان الحكومتين اتفاق البشير ومبارك على جعلها منطقة تكامل اقصادي الا ان هذا الامر لم يعجب سكان المنطقة الذين يؤكدون سودانيتها ويقولون انها تمصرت تماما ولم يعد للسودانيين سيطرة عليها فضلا عن اعتبارهم لاتفاق الرئيسين ذرا للرماد فى العيون حيث لا يوجد الان اى ملمح للتكامل في المنطقة التى تبلغ مساحتها 21 الف كيلو متر مربع وان وضعها المستعمر الانجليزي ضمن الحدود السودانية منذ العام 1902 وظلت على هذا الحال منذ قرن كامل الى ان اعترضت السلطات المصرية فى العام 1992 على منح السودان حق التنقيب عن البترول فى المياه الاقليمية المقابلة لمثلث حلايب لاحدى الشركات الكندية.
***- وراهن المنطقة الغنية بالنفط والمعادن الثمينة خاصة الذهب يبين انها بالكامل صارت تحت السيطرة المصرية منذ تسعينات القرن الماضى في ذات الوقت الذي يصر فيه السودان على ملكيته لها واعلانه فى العام 2004 عدم تخليه لها.
***- والقضية برمتها وبرغم الحاجة الماسة لضرورة حسم امرها من قبل الحكومتين واليوم قبل غدا لا ان اثارتها الآن يثير العديد من التساؤلات حول المغزى من نبش القضية فى هذا التوقيت بالتحديد والدوافع الحقيقية وراء ذلك؟
***- لاسيما وان البلدين الان في امس الحاجة للتكاتف والتعاون المشترك بينهما فى شتى المجالات خاصة فييما يختص بقضايا المياه ومرحلة الاستفتاء على حق المصير وغيرها من القضايا الاستراتيجية التى تستوجب ضرورة جلوس الطرفين وعلى اعلى مستوى لحلحلة كافة الاشكالات والخلافات بينهما اليوم قبل الغد لقفل الطريق امام اعداء البلدين الساعين للفتنة مما يستدعي انفاذ الاتفاقات بينهما وبالاخص اتفاق الرئيسين لجعل منطقة حلايب منطقة تكامل اقتصادي وتواصل شعبي واجتماعي بين شعبي وادى النيل وانزاله على ارض الواقع.
كمال حسن بخيت.
“القدس العربي”.