لهذا الكون نواميس، ولكل حيز مكاني وزماني طقوس، وقديماً قال شوقي: وما نيل المطالب بالتمني x ولكن تؤخذ الدنيا غلابا .. وما استعصى على قوم منال x إذا الإقدام كان لهم ركابا .. وإن كان ذلك كذلك، لما لبث شعب فلسطين في العذاب الإسرائيلي عقوداً من السنين.
الكلم يعلم أنّ نظام الإنقاذ استمر في التنكيل بالشعب السوداني لثلاثة عقود لنجاحه في ضرب خاصرة المعارضة السياسية، ومن ثمّ وجد الطريق سالكاً لتمزين النسيج الاجتماعي، والزجّ بمكوناته في معارك طاحنة، يقتلون انفسهم مجانياً ليهنأ رموزه بالثروة والسلطة.
ما ضاع حق وراءه مطالب، رغم ذلك مع المشروعية وعدالة القضية، لابد من الأخذ بالأسباب، والمثابرة، والنضال الدؤوب، ومن المحال أن يأتي الانتصار مع التمزق والشتات، ومن بديهيات الأخذ بأسباب الانتصار على انقلابيّ 25 اكتوبر، وحدة المعارضة السياسية غير أنّ المراقب للمشهد يلاحظ تكرار خطئها مع نظام الإنقاذ بتمترس كل عيان سياسي حول موقفه، دون اكتراث ولا مبالاة، وهم يرون رأيّ العين، خطوات تمكين الإنقلابيين تسير على قدمٍ وساق، ويتفرجون على عودة رموز النظام السابق في وضح النهار، وكأّن الأمر لا يعني أحد!
باستثناء “الأردالة” وعصبته من مجموعة اعتصام الموز، تتفق جميع الكيانات السياسية والمدنية على رفض الانقلاب، وضرورة إبعاد الجيش عن الشأن السياسي، وتأسيس الدولة المدنية، المرتكزة على الممارسة الديمقراطية، رغم ذلك استعصت على هذه الكيانات حتى اللحظة الانضواء تحت مظلة موحدة لمناهضة الانقلابيين!
تابع الشعب السوداني، كيف أنّ الكيانات السياسية، وتجمعات المجتمع المدني طيلة الفترة الانتقالية الماضية كانت تتناكف حول قيادة (قحت)، وتتعارك حول المناصب الوزارية، إلي أن حلت ليلة الـ 25 اكتوبر ولا تزال ترزح في غيها، وهي تعلم أنّ وحدتها ضرورة ملحّة لهزيمة الإنقلابيين، ومع ذلك لا تجد من يأبه بتبعات هذا الشتات السياسي غير المسؤول!
والحقيقة التي يشهد عليها العالم أجمع، أنّ شباب المقاومة السودانية الباسلة، صدق وعدها وحافظت على جذوة ثورة ديسمبر المجيدة حيّة متوّهجة، قدمت لها أرتالاً من الشهداء الأشراف وقوداً لها، ولا يزال الشباب يحملون أرواحهم على أكفهم، وأكفانهم على أكتافهم، ويخوضون غمار المواجهة المفتوحة وغير المتكافئة من زبانية الإنقلابيين، متجاوزين الكيانات السياسية وتنظيمات المجتمع المدني المتناكفة، وأنّ هؤلاء الشباب قدموا ولا يزالون أروع أنواع الاستبسال، للاستعصام بأسباب الانتصار بالحفاظ على وحدتهم، رغم المخاطر المحدّقة بهم، والمتمثلة في خبث الكيانات السياسية التقليدية العتيقة، التي لا تتعلم شيئا ولا تنسَ شيئا عن مراراتها التاريخية.
المثابرة على المليونيات، والحفاظ على سلمية الحراك الثوري، هي ضمانات الإنتصار على الإنقلابيين ولو بعد حين، ومن ضرورياتها التحصين من أجندات التنظيمات السياسية المتكالبة عن الطمع، المتثاقلة عن الفزع، والتحرر من منظمات المجتمع المدني المتناكفة والتي تتحرك متخفية بالوكالة ولست بالأصالة.
على الكيانات السياسية، وتجمعات المجتمع المدني، أن تتحد تحت مظلة صلدة، للتصدي للإنقلابيين، وتكثيف جهود موازية ومؤازرة لحراك لجان المقاومة، والحذر عن محاولات احتوائها، أو التشويش على أجندتها، وشعارها المرفوع (#لا للشراكة # للتفاوض، #لا مساومة) بمنطق تفادي “وضع جميع البيض في سلة واحدة” فهم وحدهم تحملون تبعات هذه الشعارات الصلدة، لذا ينبغي تركهم وشأنهم، وعلى الآخرين تحديد خياراتهم.
وطال ما الهدف واحد، ألا وهو دحر الإنقلابيين، وتأسيس الدولة المدينة، فمن يشككون في إفلاس الكيانات السياسية التقليدية لهم الحق، إذ أنها ظلت تتعامل مع لجان المقاومة بردود الأفعال.
رجاءً دعوهم وشأنهم، فهم الأجدر بتأبيد طرق بلوغ أحلامهم في بناء دول “الحلم” المدينة الخالصة، والخالية من تدخل العسكر، هوس الإسلام السياسي، والكيد الايدلوجي.
في الختام
تجدر الإشادة بجهود التأسيس لنقابة الصحفيين السودانيين الموحدة، التي انطلقت الأسبوع الماضي بصدور مسودتي النظام الأساسي وميثاق الشرف للجمعية العمومية للنقابة، ونأمل أن تحذوا بقية الكيانات المهنية ذات المنحى.
//إبراهيم سليمان//