جذور الازمة السودانية – ما هي و كيف تحل

بقلم/ إسماعيل أبوه

بدءا سأبدأ بمفهوم الازمة حتى يتثنى للقارئ فهم الموضوع بتفاصيله ليتمكن من التفكير حوله و مناقشة جلسائه. و بما ان الازمة السودانية هي ازمة مجتمعية في المقام الأول فيجب على المجتمع معرفة مكامن خلله.

مفهوم الازمة؟
الأزمة هي نمط معين من المشكلات أو المواقف التي يتعرض لها فرد أو أسرة أو جماعة. و ذاك الموقف يتطلب رد فعل من الكائن الحي لاستعادة مكانته الثابتة وبالتالي تتم استعادة التوازن. او كما يعرفها كمنج : تأثير موقف أو حدث يتحدى قوى الفرد ويضطره إلى تغيير وجهة نظره وإعادة التكيف مع نفسه أو مع العالم الخارجي أو مع كليهما. و لازمة عدة من حيث عدد المتأثرين بها و من حيث الشكل ،الموضوع و التموضع كأزمة فردية، جماعية و مجتمعية و من حيث الشكل و التموضع مادية و معنوية.
نعود الازمة السودانية ماهي؟
كثر الحديث عن جذور الازمة السودانية عقب ثورة ديسمبر المجيدة في اروقة اجتماعات قوى الكفاح المسلح داخليا بين أعضائها و خارجيا مع رفقاء دربهم في النضال و التغيير و أيضا في أوساط الشباب و الناشطين المهمومين بقضايا الوطن ولكن دون تعريفها و تحديدها. و يظن الكثير من الناس ان جذور الازمة السودانية التي كثر الحديث عنها هذه الأيام هي عملية الحرب و السلام. سأقوم بتوضيح بسيط الحرب و السلام هما نتائج او فروع فقط لشجرة الازمة ، الموضوع اعمق من ذلك الحرب يمكن ينتهي بالسلام لفترة مؤقتة او دائم هذا يتوقف علي ماهية القضايا التي تمت مناقشتها ككثير من الاتفاقيات التي و قعت و فاقت عددها الأربعين من اجل احلال السلام دون ايجاد حلول لمسبباتها لذلك سريعا ما يعود الناس الي مربع الحرب مما يعني ان الحرب هو الفرع ليس الجذر وقطعها لا يمنع ان تخضر و تتفرع و تكبر الشجرة لتلقي بظلالها من جديد.
الازمة السودانية متراكمة منذ مئات السنين و كانت بدايتها الهجرات المتعاقبة من و الي السودان مما ادي الي دخول ثقافات مغايرة و مخالفة الي تركيبة الإنسان الكوشي في ذلك الوقت ممتطيا الدين الاسلامي الذي اصبح خليطا بين رسائل كتاب منزل و ثقافة برابرة الجزيرة العربية التي تدعو الى التسلط ، التكبر، التمييز (العرقي و الاثني و العشائري) بدوره فرض تركيبة اجتماعية جديدة تمايز فيها الناس الي طبقات في المجتمع الواحد من سادة(الحكام و الصفوة)، علماء (المطبلاتية من اهل العلم) و عامة الناس او الشعب الذين هم كعبيد في نظر السادة بوحي من العلماء، استمر الحال الي ان أتى المستعمر فاستطاع هدم امبراطوريات الملوك و كعادة اصحاب العلم وهم للأمانة و التاريخ اكثر الفئات تملقا، تسلقا و انتهازية او مصطلح الانتهازية التى نستصلحها اليوم.
عاملان شكلا الازمة السودانية و يعتبران من الجزور هما: (الدين و المناهج الدراسية)

المناهج الدراسية:
تعتبر هي إحدى جذورالازمة السودانية ولها نصيب الأسد في تغذية و تطوير الأمراض العضالة مثل العنصرية و الطبقية التي قسمت أبناء الشعب السوداني و احدثت فوارفق اجتماعية، عرقية و اقتصادية متصنعة و ميز بين الشعب الي صفوة هي كل شيء ولكل شئ اما الآخرين يستطيعون ان يكونوا في هوامش ما هم عليه مسيطرون فولد ذلك غبنا في أوساط المجمتع فثأرو ضدهم لنيل حقوقهم بالتساوي أسوة بيهم. التشويه المتعمد الذي صاحب تأليف المقررات الدراسية و التعليمية ألقى بظلاله على كل مناحي الحياة و تأثر النشأ به. فخلق ذلك اجيالا مشوهة لا تستطيع ان تخرج من ذاك الخندق حتي من يحمل منهم شهادة دكتوراة في علم النفس و الإجتماع تظهر بوضوح من خلال تعاطيهم الأحداث المتفرقة التي تحدث في أنحاء متفرقة من السودان و جليا في الجلسات الخاصة التي تصادف العطل. و سأذكر هنا قصة واقعية تعود إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم ٢٠١٨ التي جمعت بين منتخب فرنسا و كرواتيا كنت في اديس ابابا ضفيا عند احد الرفاق فدعاني الي مشاهدة المباراة عند صديقة حيث يكثر المتعة هناك دخلنا و دخل بعدنا نفر حيث جلسنا و تعارفنا تعارفا سطحيا نسبة لضيق الوقت لبداية المباراة المهم في الامر الخطير هو كل من في ذاك البيت رفاق تحرريين، شخصيا انا مشجع موسمي يعني اشاهد الكرة في المناسبات الكروية الكبيرة فقط. كنت في ذلك اليوم اشجع اخوتي و ابناء اخوتي المهاجرين الذين جلبوا الكاس لفرنسا ومعي الكثير حينها إلا واحد يشجع كرواتيا و هذا من حقة و هو حر ولكن المشكلة انه اختار كرواتيا لأنه لا يحب الأفارقة فقط سبحان الله و هو قضى سنوات في ادغال جنوب السودان مناضلا مع الجيش الشعبي ، عندما اشتد الهجوم على كرواتيا لم يتحمل ذلك ولم يستطع تملك اعصابه فقام بكسر كباية شاي فحينها قال صاحب الدار ممازحا والله امبيبي دا بشبه ولدك من المفترض تشجعو فصاح غاضبا فاطلق هذه الجملة ( انا اشجع العبيد) فاستغربت و من معي وبعدها لم ينطق احد بكلمة، أثار غضي في الحقيقة ولكن تذكرت بأني ضيفا على البلد وفي بيت احد فتمالكت أعصابي.

هناك الكثير من الموافق على ارض الواقع و لكن ما جعلني اذكرها انها أتت من يدعي التحرر و الاستنارة و عاش سنينا عددا للدفاع عن مشروع السودان الجديد و في الأصل لم يكن مقتنعا لرؤيته و هذا نموذج فقط. هنا تكمن الازمة اي بمعني الاجيال التي تعمل الأن علي بناء دولة مدنية هم غير مؤهلين لبناء نظام مدني يحكم به لتأسيس دولة مدنية يتساوى فيها الجميع. المساواة من العدل و العدل ينبع من نظم ، قيم و قوانين مجتمعية يتربى عليها الإنسان و ينشأ عليها فتكون قيمة عنده و ليست شعارا للتكسب.

والسبب الاساسي لهذا التناقض و النفاق في أوساط المثقفين السودانيين قبل غيرهم؛ من الفئات المجتمعية الأخرى هي المناهج و القيم الاسرية التي تربوا عليها و رضعوها مع حليب امهاتهم و استمعوا لها في مجالس كبارهم منذ نعومة اظافرهم فاصبحت دما يجري في شرايينهم و هواءا يتنفسونة مما يجعلهم غير جديرين لتأسيس دولة مدنية تحمل قيم الحرية ،العدالة الاجتماعية و المساواة رغم نيلهم الدرجات العلمية والشهادات و قراءتهم العديد من الكتب فانطبق عليهم مثل امهاتنا و أبناءنا الاميين (القلم ما بزيل بلم) إلا ان يمكنهم و يمكننا جمعيا وضع أولي خطوات او حجر الأساس لبناء الدولة المدنية وذلك بإلغاء كل المناهج الدراسية و التعليمية السرطانية الموجودة حاليا و كتابة مناهج تعليمية جديدة تسودها قيم التسامح ،الوطنية و تتغلغل في صفحات كتبها معاني الحرية و المساواة و القيم النبيلة التى هي واجه و القلب النابض للدولة المدنية.

لنشبع به أجيالنا القادمة فكتون قيم و مبادئ عندهم يستطيعون عبرها الحفاظ و المحافظة على مدنية الدولة التي ستؤسس و إن لم نقوم بهذا ستبقي حلم الدولة المدنية خيال و احلام تراودنا و تصبح كمدينة أفلاطون الفاضلة.

سأواصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *