سعد الدين ابراهيم
صدق الزميل العزيز، أسامة الغزالى حرب، في تعليقه على ما يحدث في السودان بأنه شأن مصرى، أو على الأقل ينبغى أن يكون كذلك. ففضلاً عن وشائج الجوار الجغرافى، والارتباط النهرى النيلى، فإن الشعبين المصرى والسودانى هما الأكثر تفاعلاً وتداخلاً وتزاوجاً. وحين تنزل بإحداهما نكسة، أو نكبة، أو مجاعة، فإن الشعب الآخر يكون الأول والأسرع في النجدة والتعاطف. وآية ذلك ما حدث بعد هزيمة مصر المروعة على يد إسرائيل عام 1967. فقد أوت مطارات السودان ما تبقى ولجأ إليها من الطائرات والطيارين المصريين. واستضافت الخرطوم مؤتمر قمة عربى، خلال أسابيع، لدعم مصر وسوريا والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وربما تِلك الوشائج الإنسانية التاريخية، هي التي تُفسر الوجود البشرى السودانى، الذي يتجاوز الأربعة ملايين في المُدن المصرية، والذين اندمجوا ويعيشون مع أشقائهم المصريين. وربما لا يقترب من السودانيين في ذلك الصدد إلا الإخوة السوريون، والذين تُقدر أعدادهم حالياً، 2019، بحوالى ثلاثة ملايين. وفى كلتا الحالتين السودانية والسورية، كانت أهوال الصراعات المُسلحة الممتدة، وراء ذلك التدفق من لاجئى البلدين الشقيقين، رغم المشكلة السُكانية المُزمنة في مصر نفسها.
ولأن ما يحدث في السودان ينبغى أن يكون شأناً مصرياً، فإننا في هذا المقال نبدأ حواراً، حول مُعضلات شابت، في الماضى، العلاقات المصرية السودانية، الحكومية الرسمية، والشعبية، رغم كل عبارات المودة والمحبة، التي تتردد، هنا وهناك.
■ وبداية هناك شعور لدى السودانيين باستكبار للمصريين نحوهم. وربما كان ذلك شعوراً ينطوى على شىء من الحقيقة العُنصرية. فبين المصريين أنفسهم، هناك تفاضل على أساس درجة لون البشرة- من الأشقر، فالأبيض، فالأسمر، فالأسود. وربما يعود ذلك لأسباب تاريخية تراثية. فقد كان السادة والحُكّام في مصر، خلال القرون الستة، من السادس عشر إلى العشرين من المماليك والأتراك، القوقازيين من جنوب آسيا والأناضول، والذين كانت بشرتهم تندرج بين الأشقر والأبيض. فأصبح الزواج من تركية أو شركسية شقراء أو بيضاء، هو معيار ومقياس للمكانة الاجتماعية والسياسية. ونادراً ما كان أهل الدلتا في شمال مصر، الأميل للبشرة البيضاء، يتزاوجون مع أهل الصعيد، في مصر الوسطى والعُليا، وحيث تصل البشرة إلى السواد الداكن في النوبة، وما هو أبعد جنوباً في السودان.
طبعاً، وكالعادة فيما كل ما هو بشرى واجتماعى هناك دائماً استثناءات لكل القواعد. من ذلك أن عديداً من المصريين ممَنْ عاشوا في السودان، ومن السودانيين الذين عاشوا في مصر، تزاوجوا من بعضهم البعض، ولكن ذلك هو الاستثناء.
■ وامتداداً لِما سبق ذكره في الفقرة أعلاه، فرغم انقسام النُخبة التي حكمت، ولاتزال تحكم السودان، منذ استقلاله عن كل من مصر وبريطانيا في منتصف خمسينيات القرن العشرين، فإن تِلك النُخبة تنتمى إلى إحدى الطريقتين الصوفيتين الرئيسيتين، وهما طائفتا الأنصار، التي يتزعمها أحد أحفاد الزعيم الدينى السياسى الراحل السيد/ محمد أحمد المهدى. والثانية هي طائفة الختمية، التي يتزعمها أحد أحفاد السيد/ محمد على الميرغنى. ويدعى التراث الفكرى للطائفتين، أنهما، أي الزعيمين الروحانيين المؤسسين للطريقتين، من نسل البيت النبوى المُحمدى الشريف، ويتركزان جغرافياً في شمال السودان، وتحديداً في مدينتى الخرطوم وأم درمان. وهما ما يُعرفون بواسطة بقية السودانيين باسم الجعليين، وهم عرب الملامح، ولكن ذوى بشرة سمراء، ومع ذلك فهم الذين يُهيمنون على معظم الثروة والسُلطة، ومنهم أتت معظم قيادات السودان خلال القرن العشرين بأكمله.
■ المُعضلة الثالثة هي الجيش السودانى. فمعظم ضُباطه وقياداته منذ الاستقلال، منتصف الخمسينيات، ينحدر من الجعليين، عِرقياً، أي من طائفتى الأنصار والختمية. ومع ذلك حينما كان يشتد الخلاف السياسى، بين الحزبين الكبيرين، وهما الأمة، الذي تمحور حول طائفة الأنصار، وأسرة آل المهدى، والاتحادى الديمقراطى، ومعظم أعضائه من طائفة الختمية.
ولكن المُعضلة الرابعة هي أن الشعب السودانى، الذي كان الأول في العالم الثالث الذي استطاع فيه المدنيون أن يُسقطوا الأنظمة العسكرية، لم يستطع أن يعقد زواجاً كاثوليكياً مع الديمقراطية. فرغم أن قوى المجتمع المدنى السودانى في حُب عميق مع الديمقراطية، إلا أن خبراته، إلى تاريخه، هي الإخفاق في تحريك ذلك الحُب العميق إلى مؤسسة زواجية مُستقرة. ولكن يبدو هذه المرة أن ثورته ضد فساد واستبداد عُمر البشير، قد تُعلمه ألا يقع في أخطاء الأجيال الثلاثة السابقة.
وربما يكون العاصم له من الوقوع في نفس الخطأ، هو المُشاركة الفاعلة للمرأة السودانية في الثورة. فنرجو أن تشترك النساء السودانيات في أي ترتيبات انتقالية ومستقبلية. ففى رأينا، وبناءً على ملاحظاتنا لمجتمعات أخرى، أن المرأة هي الأكثر صلابة، رغم وصفها بالجنس اللطيف، والمرأة السودانية خصوصاً ستكون الأكثر أمانة في تحقيق أمانى الشعب السودانى، فليترك رجال السودان نساءهم هذه المرة للحفاظ على الزواج من الديمقراطية.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد
وعلى الله قصد السبيل
التعليقات
ثروت قاسم … ديربان
نشكر للدكتور سعدالدين ابراهيم متابعته الفاهمة للمسألة السودانية وقوله الحق ولو على نفسه والوالدين والاقربين . ونستميحه في بعض التعليقات، ونرجو ان يتكرم يتقبلها بنفس الروح التي املتها :
واحد :
السودانيون والسوريون الموجدون في مصر ليسوا لاجئين بل سياح ، يسكنون في شقق يؤجرنها من حر مالهم ، إذ لا تسمح السلطات المصرية ببناء معسكرات امم متحدة لايواء اللاجئين المعدمين الذين تصرف عليهم الامم المتحدة والدول الغربية كما الحال في تركيا ولبنان والاردن والمانيا . ونفس موقف مصر تجده في الدول الخليجية حيث لا تسمح القوانين باستضافة لاجئين … فقط سايحين باموالهم . وراينا كيف تعامل مصر اللاجئين السوريين المعدمين الذين تسجنهم حتى ارجاعهم الى بلادهم . اما اللاجئون السودانيون الفارون من مصر الى اسرائيل فتطلق مصر عليهم الرصاص الحي لتقتلهم حماية لاسرائيل منهم .
اتنين :
ليس صحيحاً ان كيان الانصار وطائفة الختمية من قبيلة الجعليين حصرياً كما يشير المقال . وليس صحيحا ان قادة السودان ياتون من قبيلة الجعليين حصرياً . قبيلة الجعليين قبيلة من عدة قبائل في الشمال النيلي ، والسيد الامام الصادق ومولانا الميرغني ليسا من قبيلة الجعليين . كما لا تحتكر قبيلة الجعليين السلطة والثروة وانما يحتكرها الاخونجية المجرمون وهم من عدة قبائل وليسوا من قبيلة الجعليين حصرياً ؟
تلاتة :
يدعم النظام المصري الشمولي المجلس العسكري الانتقالي ضد الثورة الشعبية لانه لن يسمح بتحول ديمقراطي في السودان خوفاً من ان يقول المصريون للسيسي اجعل لنا إلها ديمقراطياً كما لهم آلهة ديمقراطيون . حث السيسي صديقه البشير وقتها بان يسحق المعتصمين في ساحة القيادة العامة للجيش كما سحق هو المصريين في رابعة بقتل اكثر 800 مواطن مصري في ساعات . زار سفراء الدول الغربية وامريكا المعتصمين وتناولوا معهم افطار رمضان ، ولم يستطع السفير المصري ذلك لانه منبوذ من الشعب السوداني الذي تظاهر امام السفارة المصرية ضد تدخل مصر السافر والسالب ضد الثورة الشعبية . النظام المصري مُستهجن من الشعب السوداني لاسباب كثيرة وحقيقية ، منها رفضه دخول السيد الامام الصادق المهدي مصر فقبلته بريطانيا . لن ينسى الشعب السوداني لمصر هذه الفعلة الشنيعة التي تذكرنا بالخديوية وحملات الدفتردار واباداته الجماعية للشعب السوداني .
اربعة :
الجيش السوداني ليس من قبيلة الجعليين اذ كان قومياً من جميع قبائل السودان قبل انقلاب الاخونجية . ولكن بعد انقلابهم الاسود صار الجيش السوداني والكلية الحربية وقفاً على اولاد الاخونجية حصريا … صار الجيش اخونجياً وليس جعلياً وليس قوميا ، وذلك بفضل سياسة التمكين الشيطانية .
خمسة :
لم يستطع الشعب السوداني ان يعقد زواجاً كاثوليكياً مع الديمقراطية لتدخل النظام المصري الذي لا يسمح بنظام ديمقراطي في السودان . هل تذكر مقولة الرئيس المخلوع مبارك ( دول بتوعنا ) لقادة انقلاب الانقاذ في السودان ؟ وكان ان دعمهم رغم محاولتهم اغتياله لانه يكجن الديمقراطية التي كان يجسدها السيد الامام الصادق . معظم مشكلات السودان من مصر منذ اتفاقية البقط وحتى دعم المجلس العسكري الانتقالي الذي يتعنت حالياً بسبب التدخل المصري
وتقبل فائق الاحترام دكتور سعدالدين ابراهيم .