سودان الهناء في زمن الوزيرة سناء

سودان الهناء في زمن الوزيرة سناء

اتاحت لي زيارتي الحالية لمدينة مسقط (عمان) معاودة مشاهدة القنوات التلفزيونية السودانية بعد غيبة طويلة ، وقد استوقفني من بينها اللقاء الذي اجراه تلفزيون السودان مع الشابة سناء حمد العوض والتي تشغل منصب وزير دولة بوزارة الاعلام ، التي كانت تتحدث في حلقة مطولة عن اسباب وتداعيات الثورتين الشعبيتين في كل من تونس ومصر .

ولانني – من فرط غفلتي –  لم اسمع باسم السيدة الوزيرة ولم اتشرف برؤية رسمها من قبل ، فقد رأيت من واجبي التعرف على خلفيتها الفكرية والثقافية قبل المبادرة بالحكم على آرائها في تفسير اسباب الثورتين الشعبيتين، ولماذا – بحسب رأي الوزيرة  – يختلف الوضع في دولة شمال السودان ، ويجعل حكومته الرسالية في مأمن من الغضب الشعبي الذي ينتظم دول المنطقة ، ولعل جهلي بشخص الوزيرة هو الذي دفعني للصبر على حديثها ، فقد صرت لاسباب انسانية لا استمع – وبالاحرى لا اشاهد – النسوة الانقاذيات بشكل عام ورجاء حسن خليفة والوزيرة المزمنة سامية بوجه خاص.

بنقرة خفيفة على موقع صحيفة (الرائد) الانقاذية بشبكة الانترنت وجدت كل ما اريده ، وما لا اريده ايضًا حول السيرة الذاتية للسيدة الوزيرة ، حيث ابتدرت الصحيفة وصف السيدة سناء بأنها (اصغر) وزيرة في تاريخ الاستوزار الانقاذي ، وهي بالفعل كذلك ، فحين تقلد الوزراء الذين تجلس الى جانبهم الآن بالكابينة الخلفية لقاعة مجلس الوزراء ذات الثلاث صفوف ، كانت سناء تلميذة بالصف السادس الابتدائي بحسب ما ورد في سيرتها العطرة.

تكشف السيرة الذاتية للسيدة الوزيرة سناء حمد ، ان نصيبها الشخصي في قسمة السلطة والوظائف التي تقلدتها في مرحلة ما قبل بلوغها الوزارة ، يوازي نصيب كل قريناتها مجتمعات من الخريجات الجامعيات لثلاث سنوات متتالية ، ولم اعثر في سيرتها المنشورة ما يوضح السبب الذي جعل السيدة الوزيرة الشابة تستأثر بمفردها تلك الحزمة من الوظائف والبعثات والمشاركات الدولية في الوقت الذي يتنافس فيه على وظيفة (شرطي فني) الالاف من خريجي الجامعات الذين لا تقل مؤهلاتهم العلمية شيئًا عما تملكه السيدة سناء.

بحسب السيرة الذاتية للسيدة الوزيرة فقد تحصلت على شهادتها الجامعية في (1995) ثم اتيح لها الحصول على دبلوم العلاقات الدولية (1996) ثم ماجستير في ذات المجال (1998) بجامعة الخرطوم وكلاهما خصمًا على الجيب الشخصي للشعب السوداني ، ثم خطفت رجلها – ايضًا خصمًا على ذات الجيب ذي الحسرة –  الى لندن فحصلت منها على شهادتين احداهما في اللغة الانجليزية واخرى في الاعلام ، ومن هناك دلفت الى العاصمة السويسرية جنيف – والدافع واحد –  فحصدت منها شهادة في ( آليات تعزيز حقوق الانسان) قبل ان تعود للخرطوم لحضور دورة (مناصرات السلام الامريكية) واخرى في (التخطيط والادارة الاستراتيجية) ثم نيلها لزمالة الدراسات الاستراتيجية بالقاهرة .

نالت السيدة الوزيرة سناء حمد عضوية مؤتمر الحوار الوطني (1995) وعضوية مؤتمر الاعلام (1995) ومؤتمر الشباب بالجزائر (2001) ومؤتمر المياه ومستقبل الهيئة العربية للاستثمار ،ومؤتمر المرأة العربية بالامارات (2002) وعضوية مؤتمرقضايا المرأة والنزوح بيرموك الاردن (2006) ولجنة وضع المرأة في التشريعات العربية بالقاهرة (2006) ومؤتمر الاستراتيجية القومية ربع القرنية (2007) ومنتدى سيدات الاعمال العرب بالكويت (2008) و مجلس منظمة سند الخيرية ومستشارة منظمة رعاية وتنمية الاطفال اليافعين .

في المجال السياسي عملت الوزيرة كعضو استشاري لمفاوضات السلام بكينيا (2002) وعضو وفد القوة الشعبية ومراقب لعملية السلام – نيفاشا (2003) كما عملت كمراقب في انتخابات بنيويورك(2008) وعينت كمدير مركز المعلومات بوزارة الاعلام (1999) و شغلت منصب مدير التخطيط بالاتحاد العالمي الاسلامي ، ورئيس تحرير صحيفة المسيرة ، وتقلدت منصب مدير ادارة بتلفزيون السودان الذي شغلته بالتزامن مع عضوية مجلس ادارة قاعة الصداقة ، كما شغلت منصب مدير مركز المرأة لحقوق الانسان بوزارة الرعاية الاجتماعية .

هذه الوظائف الفخيمة التي شغلتها الوزيرة وهي ترتع في سنوات الشباب لم تلفت انتباهي بقدرما فعل منصبها كمديرللشئون المالية والادارية لشركة سيدكو العالمية (1995)، و (سيدكو) هذه ليست محل تركيب عطور او صالون حلاقة لتتولى ادارتها وماليتها خريجة جامعية بعمر يوم واحد ، فهي – سيدكو – شركة برأسمال حكومي لا يعرف مقداره احد ، وهي احدى شركات ما يعرف بصندوق دعم الطلاب ، وتعمل الشركة كوكيل لمنتجات (الثريا) للاتصالات الذي تجمع معه نشاط استيراد (اليوريا) واحتكرت الشركة لسنوات طويلة تصدير الفول والسمسم كما تعمل في تصديرالصمغ العربي ، ثم دخلت (سيدكو) في شراكة مع رجل اعمال يمني يقيم في (دبي) يدعى ( الحظا) الذي يعتبر (المعلم) والراعي الرسمي والمنظم الحصري لعمليات (سيدكو) لما وراء البحار ، وحقق (الحظا) ملايين الدولارات من وراء (سيدكو) غير ان الشراكة لم تمض طويلا قبل ان تصيب (الحظا) بلعنة الانقاذ فهرب بجلده اثر خلافات كادت ان تلحقه برفاقه في ( سيراميك راس الخيمة ) تاركًا وراءه اسطول من الشاحنات تفرقت زيوتها بين الولايات وهو ذات المصير الذي انتهى اليه رأس المال الحكومي لشركة (سيدكو) التي التهمت ديونها كافة الاصول ولم يعد لها اثر ولا عين.

كان لا بد لنا من تلك الوقفة مع السيرة العطرة للوزيرة الشابة – وقد تعمدنا اهمال الاشارة لعشرات الدورات والسمنارات والورش التي حوتها الوثيقة ترفقًا بوقتنا ووقت القارئ – فقد كانت تلك الوقفة لازمة ليتسنى لنا فهم ما قالت به السيدة الوزيرة حول الاسباب التي ادت لقيام ثورتي تونس ومصر وغيابها – الاسباب – في حق سودان الهناء.

ترحمت على ملهم الثورة العربية المرحوم (الجامعي) بوعزيزي الذي احرق بدنه على الهواء احتجاجًا على قيام (الكشة) في نسختها التونسية بمصادرة وتحطيم (ثروته) المتمثلة في حنطور بشري لبيع الاطعمة على رصيف الحارة بعد ان عجزت حكومته عن توظيفه وامثاله من الآف الجامعيين الهائمين على وجوههم بالطرقات في تونس ، ترحمت على ملهم الشعوب لعربية وانا استمع للوزيرة سناء وهي تقول ان الذي اشعل الثورة في تونس ان الحكومة التونسية تمنع تعدد الزوجات ، اي والله ، فقاطعها مقدم البرنامج بسؤال لا يخلو من خفة دم وهو يقول ( يعني السيدة الوزيرة من انصار تعدد الزوجات ؟؟ ) فأهملت الضيفة تعليق المذيع ومضت تقول : ان الذي كلٌف زين الهاربين عرشه انه استن قانونًا يمنع طلاق الرجل التونسي لزوجته الا عن طريق المحكمة .

وعن ثورة التحرير في مصر، تقول صاحبة السيرة العطرة ان الثورة المصرية  اندلعت لعدم (تواصل) القيادة المصرية مع الشعب ، فالرئيس مبارك لا يخاطب شعبه الا مرة او مرتين في العام من خلال اجهزة الاعلام ( هنا قام مخرج البرنامج بعرض شريط مصور للرئيس البشير في رقصة “جماعية” مع “شعبه” الذي انهكته تنقلاته الاسبوعية ” بالدفارات ” من اقصى الشرق الى اقصى الغرب).

تمضي السيدة الوزيرة في بيان اسباب ثورة شباب مصر فتقول انها انفجرت – الثورة- لان في مصر معتقلين سياسيين امضى معظمهم سنوات طويلة دون محاكمة، وحتى الذين تتم محاكمتهم يقدمون لمحاكم عسكرية لا يسمح لهم فيها بالاستعانة بمحام ودون تهم و دون ان يسمح لهم حتى بالحديث دفاعًا عن انفسهم .

هذا حديث يرد عليه في مصر بعبارة ( يا لهوي ) الشعبية : فارصفة المحروسة مصر تنتشر بها كل صباح اكثر من 50 صحيفة معارضة تلعن سلسفيل النظام المصري ولا تذكر له حسنة واحدة ، ولكنها لم تذكر شيئًا مما قالت به الوزيرة ، وهو نظام (غربال) كله ثقوب ، ولكن لعل (صغر) سن اليدة الوزيرة ودراستها الطويلة بالخارج قبل استراحتها بالوزارة قد جعلها تخلط بين ما يجري في شمال الوادي مع جنوبه ، فالقضاء المصري ( عسكري او مدني ) لم يقدم في تاريخه على اعدام 28 ضابط استغرقت محاكمة كل منهم 75 ثانية دون محام ودون ان يمنح اي منهم فرصة مخاطبة المحكمة بكلمة واحدة ، ودون استئناف ، استئناف ايه؟ فقد اقتيدوا من قاعة المحكمة الى ساحة الدروة حيث تم تنفيذ الاعدام ودفنهم في مطمورة وبعضهم احياء. وقد ثبت فيما بعد ان ثلاثة منهم لم يشتركوا في المحاولة الانقلابية واستقدموا لقاعة المحكمة من المعتقلات التي كانت تأويهم عند قيام الانقلاب ، ولم تقدم المحاكم المصرية على اعدام مصري واحد لحيازته امولا من حلاله وحلال اخوانه ، ولا يجلد قضاة مصر حرائر بلدهم في الطرقات العامة بتهمة ارتداء زي فاضح او غير محتشم ، ولم يسجن صحفي في تاريخ جكم مبارك خمس سنوات لكتابته مقال في شأن عام ، ( لا يزال صحفي آخر ينتظر محاكمته في تهم تصل الى الاعدام لتعبيره عن رأيه في فصل الاقليم الشرقي ) ، اما بدعة الحرمان من الاستعانة بمحام وتنفيذ الاحكام فور صدورها ، فهي صناعة اسلاموية سودانية خالصة ، لم تعرفها الشعوب الاخرى – بما في ذلك مصر – من قبلنا ولا حتى بعدنا ، فهي من بنات افكار العارف بالله المكاشفي طه الكباشي ومحاكم (الخيم) والقضاة (الموبايل) الذين اقاموا الشريعة على النحو الذي ينادي به حزب السيدة الوزيرة .

فاكهة حديث السيدة الوزيرة انها ارجعت ثورة الشعب المصري لانفراد حزب واحد بالحكم واقصائه الآخرين لمدة 30 سنة وغياب الحرية والديمقراطية ،( يا راااجل ؟ ) ، قلت في نفسي الله يجازيكم يا جلال الدقير ومسار ونهار وسماني الوسيلة والصادق المهدي ( نسخة المستشار الرئاسي ) الذين جعلتم من ابدانكم دروعًا بشرية تتشدق بها الانقاذ بديمقراطيتها الفاجرة والكاذبة .

قالت الوزيرة ان عضوية المؤتمر الوطني تمثل تسعين بالمائة من الشعب السوداني ، وانه لا توجد معارضة حقيقة للمؤتمر الوطني ، وكل الذين يعارضونه يفعلون ذلك من خلف ( الكيبورد) . هذا الحديث في شقه الاول لا يختلف كثيرًا عما قالت به الممثلة الحسناء الهام شاهين التي قالت في مهاتفة تلفزيونية : اذا كان هناك مليون ونصف بميدان التحرير ونصف مليون بالاسكندرية ومثلهم ببورسعيد ، فلا يزال هناك 81 مليون مصري يجلسون في بيوتهم ويؤيدون الرئيس مبارك ، وفي شقه (بتاع الكيبورد) يشبه حديث الوزيرة ما يقول به كاتبنا الكبيرالذي لا يزال (يسلينا) بفكاهاته.

في مشاركة نادرة لمقدم الحلقة ، بادر السيدة الوزيرة بسؤال عن تأثير ضيق المعيشة وزيادة اسعار الخبز والوقود على مستقبل النظام ، فقالت المدير السابق لشركة سيدكو العالمية ووزيرة الاعلام الحالية ، نعم هناك ضيق في المعيشة وارتفاع في اسعار الخبز والوقود ، ولكن الشعب السوداني – من عظمته – (يتفهم) و (يقدر) الظروف الموضوعية التي ادت الى فرض تلك الزيادات بسبب الازمة المالية العالمية ، و (يدرك) ان حكومته الرشيدة اتخذت وتتخذ من التدابير بحيث لا تتأثر الفئات الضعيفة بتلك الزيادات .

في حديثه الاخير، ذكر المشير البشير أن 90% من حكومته القادمة سوف تكون من الشباب ، شباب (سيدكو) واخواتها ، وغدًا لشبابنا حديث لا يفهمه البشير ولا وزيرته سناء.

سيف الدولة حمدناالله
http://www.sudaneseonline.com/ar6/
publish/article_269.shtml

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *