الطيب مصطفى يطالب المعارضين بألا يكذبوا! .. بقلم: صلاح شعيب

لا بد أن الطيب مصطفى يعني القليل، ويحجب الكثير، حين يدعوا المعارضين إلى عدم الكذب. ذلك انطلاقا من نشر ناشطين تفاصيل خبر فحواه أن رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر قال إنه استخدم البخرات عند طلب النجاح، وذلك أثناء أيّام الطلب.
إن صاحب “الصيحة”، والنائب الموقر، بلا انتخاب، يحذرنا في مقاله ذاك بكل أريحية أن الكذب حرام، ومضر بوجودنا، وأن الكذاب مقامه نار جهنم مع الخالدين فيها أبدا. أو ربما قصد أن الذين يكذبون يفسدون واقع الحياة، تجميلا للقبح.
إنه درس عظيم يقدمه لنا خال الرئيس حتى لا نكتب كذابين عند الله، وما أحوجنا لهذا الوعظ المثبت بآيات الذكر الحكيم لو كان الواعظ لا يؤيد الكذب. ولكن فقط يحذرنا الطيب مصطفى هكذا بينما ينسى في موعظته القول إن هناك الكذب الإسلاموي المباح، والذي خَص أناسا معينيين حينما تعلق الأمر بمصلحتهم المعينة التى ابتغوا بها دنيا، وآخرة.
ومؤكد أن الطيب مصطفى لو بحث عن أسانيد لهذا النوع من الكذب الحلال من التراث لوجده إما عند مرويات أبو هُريرة، أو الطبري، أو البخاري. وإلا لما كذب علينا الترابي، وجماعته، بأنهم لا علاقة لهم بالانقلاب الذي تم في الثلاثين من يونيو ١٩٨٩. والحقيقة أنه لم تكن هناك حاجة لجماعة المشروع الحضاري إلى كل هذه الأسانيد المتينة أو الضعيفة، وشروطها، وشروحها. فالاجتهاد عندهم باب مفتوح مثلما اجتهد مفتو التنظيم لإباحة، أو تحليل، ما تم من تعذيب في بيوت الأشباح، تقربا إلى الله كما اعترف نافع علي نافع، وإبراهيم السنوسي، وتبعهما آخرون.
لا ندري الأسباب التي بموجبها حجب الطيب مصطفى في نصيحته للمعارضين الدعوة إلى ترجيح الكذب الحلال على الجانب الآخر من البساط. ولكن المؤكد أنه كان يركز فقط على الكذب الذي يضر بالإسلاميين، وأنه لَم يكن من الأهداف العليا لمقالته تبيان شروط الكذب الحلال، من ذلك النوع الذي جعل ابن اخته يسرق – بأمر التنظيم – وطنا، لا جملا.
ومن هذه الناحية نوجد للطيب مصطفى العذر في أنه فقط يطلب من المعارضين أن يجعلوا الملعب السياسي نظيفا، خاليا من الكعبلة غير الأخلاقية للخصم من الخلف. وفِي هذه الحالة لا نختلف معه البتة أن سياسة بأخلاق أفضل من مال لخناق، مع تحوير للمثل المعروف. بيد أن التحدث عن الأخلاق تجريدا عن كل عبر الماضي يولج بِنَا إلى مضاعفة الإكثار من النفاق الذي حذرنا منه الدين نفسه. فالذي ينطلق من منصة الوعظ الأخلاقي ليخيف الناس الكذابين بالآيات المكية، والمدنية معا، ينبغي أن ينورهم بالكذب الحلال كذلك، أو على الأقل الكذب المباح الذي يكافئ الله صانعه. وساعتئذ ندرك أن الأصل في الكذب الإباحة، كثير منه مفسد، ولكن قليله عند أوان التمكين الاسلامي مثمر.
“تبا للأفاكين” كان عنوان المقال. فيه قال الطيب مصطفى “أعجب ممن يتحججون بالأكاذيب للنيل من استقامة الأخ إبراهيم في تجاهل لما يتميز به ويتفرد من تدين عميق”. والحقيقة أن الافاكين بهذا الإطلاق كثر. ولا ندري هنا أيضا هل أن الذين حلّلوا الكذب السياسي أفاكون أيضا، أم أن الأفاك الكذاب هو من كان خارج التنظيم فقط!. وبالتالي يقصد الأستاذ هنا – بلا مباشرة – أن الكذب محلل لكل عضو ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين ما دام هو – أو هي – مستأمنة، أو على الإسلام الصحيح. أما إذا كان الإله طيبا، ولا يقبل إلا الطيب من الفعل، فإن الشجاعة الأخلاقية، ومصلحة الدين، تقتضي من أخينا في الله الطيب أن يستجيب لطلبنا بتعريف هؤلاء الأفاكين الكذابين الذين قال لهم تبا لكم، وما إذا كان الإفك السياسي الذي يمارسه الإخوان المسلمون عند إخفاء هوية انقلابهم من الأشياء المستباحة. لو فعل ذلك فإنه سيستنهض فينا معاني الاستقامة التي ينشدها لنا، وبالتالي يكون قد أنار لنا الطريق في العمل السياسي لاستخدام “الكذب الإيجابي” تطويرا للممارسة السياسية، وتنزيلا لمعاني الدين الحق، وبعثا لقيمة عرفانية ينوبنا الله بها ثَوَابا عظيما. وما دام نحن مسلمون بدرجات متفاوتة في الحماس لخدمة مقاصد الإله، أو الوطن، أو الإنسانية، فما أحله الله من كذب يتطلب أن يغرف كل المسلمين منه بمواعين على حسب سعة الحاجة إليه. أما تقصير إباحة هذا الإفك على جماعة دون أخريات فلا يعني إلا شيئين لا ثالث لهما: إما أن الله اختار هذه الجماعة بالاسم لتكذب على مسلمين، ومسيحين، وكجوريين، أو أنها جعلت نفسها وحدها جماعة المسلمين الحقيقيين، وبالتالي يمكن التكذيب على المسلمين غير الحقيقيين. على أن المسلم ينبغي إلا يكذب على المسلمين، وغيرهم.
سوى أن كذب الإخوان المسلمين لا يقتصر فقط على محاولة إخفاء هوية الانقلاب، وليته وقف عند هذا الحد. فالكذب هو جزء من مصلحة الإسلاميين في التمكين السياسي، وقد نوروا عضويتهم بفتاوى تبيحه ما في ذلك شك. بل إن الأمر يتجاوز إغداق المشروعية على الكذب. فهناك شهادات لإسلاميين تؤكد أن أشخاصا بعينهم كانوا مفرغين للفتوى الدينية حول استخدام التعذيب، وكل الموبقات الأخرى التي تتنافى مع حقوق الإنسان بمعايير الدين نفسها. ولعل شهادة زعيم الحزب لقناة الجزيرة حول محاولة قياديين قتل أحد مدبري محاولة اغتيال حسني مبارك في إثيوبيا تقف شاهدا على أن هناك إسلاميين يبيحون هذا النوع من القتل بدوافع فقهية.
والمتابع للمؤسسات الإعلامية للنظام، وكتاب إسلاميين محددين، يجد أن فبركة الأخبار، والتصريحات، عمل منظم يهدف به النظام إلى تفتيت وحدة القوى السياسية، والتشويش على الرأي العام، والقتل المعنوي للشخصيات السياسية، وتحريف الكلم عن مواضعه. مطلقا، لن يستطيع الطيب مصطفى أن يرمينا بدائه ثم ينسل بكل خفة. فهو إن كان يكره خصلة الكذب نظريا فهو يصمت عند استخدامها لصالح الإخوان المسلمين، ويدرك الكذابين الحقيقيين، وأولهم ابن أخته الذي كان يردد دائماً: إننا لسنا جبهة، والجبهة نفسها مفسدة.
ولعله لولا كذب شيخه هذا لما تحول من فني لاسلكي مغمور في مناخ الفساد إلى مدير للتلفزيون، وصاحب امتياز لصحيفتين، ومدير المؤسسة القومية للاتصالات، ومدير وكالة سونا للأنباء، ورئيس منبر الشمال، ورئيس اللجنة الإعلامية في البرلمان، وعضو مجالس إدارية في حزمة من المؤسسات، ومستثمر في عدد من الأعمال التجارية، هذا بخلاف القرابة الأسرية بابن اخته، والتي كفلت له هذا النفوذ الواسع. ولكل هذا يتوجب على الخال الرئاسي ألا يستخدم المنصة الاخلاقية ليعظ المعارضين، ويخيفهم بالآيات التي تنطبق على من كفلوا له كل هذا المجد الكاذب، والزائل، في ظل وجود الآلاف الذين يفوقونه علما، ودراية، وخلقا، من السودانيين الذين تضرروا من أكاذيب الإخوان المسلمين.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *