لا شك أن المعايير الدولية لحقوق الانسان تنطبق على الجميع بما فيهم الأطفال كشريحة مهمة من شرائح المجتمع الانساني، واحترام الكرامة الإنسانية والحق في الحياة والحق في التطور والنمو والحق في عدم التأثير المضر وسوء المعاملة والاستغلال وعدم التمييز لجميع البشر باختلاف اجناسهم ودياناتهم وبصفة خاصة الاطفال ، وبانضمام السودان لاتفاقية حقوق الطفل والمصادقة عليها تكون الدولة ألزمت نفسها بحماية حقوق الطفل من جميع أنواع واشكال الاستقلال وسوء المعاملة وغيرها من ضروب المعاملة السيئة او اللاإنسانية او المهينة ، والتصديق على الاتفاقية يعني تعزيز الاعتراف بالكرامة الإنسانية الأساسية لجميع الأطفال والتأكيد على ضرورة ضمان رفاهيتهم ونماءهم النفسي والجسدي. وضمان عدم ايذاء الطفل باي شكل من اشكال الإساءة سواء كانت نفسية او جسدية او جنسية ، وغالبية الدول نصت في تشريعاتها الوطنية بان الايذاء والإهمال للطفل يشكل جريمة ، بل ان بعض الدول اعتبرت من قبيل الإيذاء والإهمال أن يكون الطفل دون سند عائلي أو لم تستخرج له الأوراق الثبوتية الرسمية اللازمة وعدم استكمال التطعيمات الضرورية ، ونصت على ان جود الطفل في بيئة قد يتعرض فيها للخطر يعتبر ايذاء واهمال، وأن التسبب في انقطاعه من التعليم يعتبر إيذاء واهمال، والسماح للطفل بقيادة السيارات دون السن القانونية يعتبر إيذاء واهمال ، وكل ما يهدد سلامته وصحته النفسية والجسدية يعتبر ايذاء واهمال ، ونادت بعض قوانين وتشريعات الطفل في الدول العربية بضرورة أن توفر الدولة للطفل في حال لم تتوفر لديه بيئة عائلية صحية اسرة حاضنة بديلة أو دور رعاية ومؤسسات اجتماعية سواء كانت حكومية او أهلية .
والسلطة التشريعية في السودان اهتمت بحقوق الطفل وقضاياه وذلك بسن قانون الطفل لسنة 2010م، ويعتبر هذا القانون من القوانين التي تلائم الى حد كبير الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية المتعلقة بقضايا الطفل وحقوقه ، حيث جاء القانون مسترشدا بالمبادئ والأحكام المنصوص عليها في دستور جمهورية السودان لسنة 2005م والاتفاقيات والبرتوكولات الدولية المصادق عليها السودان.
والدولة في سبيل قيامها بمسئولياتها تجاه الأطفال كجزء مهم من شرائح المجتمع ، لابد لها من مراجعة القوانين والتشريعات من حين لآخر ، ويقع على عاتقها محاربة حالات اغتصاب الأطفال والتحرش الجنسي ذلك بإدخال تعديلات على القوانين والتشريعات ليس بغرض تغليط العقوبات فقط ، وانما بهدف تحقيق الردع العام، لأن الهدف والغرض من العقوبات عموما هو تحقيق العدالة من جهة والردع العام من جهة أخرى ، والردع العام يتمثل في وصول الجاني للعدالة وسرعة تطبيق العقوبات على الجناة ، والعمل تبصير عامة الناس “الجمهور” بسوء وعاقبة ارتكاب مثل هذه الجرائم حتى لا يأمنوا العقوبة ، وقيل “من أمن العقوبة اساء الأدب” ، علما بان التشريعات تسن في الأساس لتحقيق امن الفرد وامن المجتمع ولكف الناس عن إرتكاب أفعال محددة بتجريمها ووضع العقاب المناسب لها ، واذا لم يتحقق ذلك الهدف من العقوبة ويفلت الجناة من العقاب تسود الفوضى في المجتمع وينعدم امن الفرد وامن المجتمع.
بلاغات الاغتصاب والعنف الجسدي والنفسي والجنسي التي تصل للجهات المختصة تكاد نسبة لا تذكر، لان المجتمع ينظر الى هذه الجرائم بحساسية وبشيء من الخوف، لان الاسرة تنظر لمستقبل الطفل والوصمة المجتمعية التي تلاحقه طول حياته ، لذلك يفضل البعض التستر على الجريمة وعدم التبليغ عنها، وهناك أطفال لا يخبرون اهاليهم بتعرضهم لأي نوع من أنواع الإساءة الجنسية او الجسدية ويستسلموا للواقع المرير ، ويظلوا يلعنون صباح ومساء حظهم العاثر الذي رماهم في بيئة يتعرضون فيها للخطر.
المجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان هو الجهة التي تضع السياسات والخطط والبرامج والموجهات فيما يخص قضايا الطفل ، وكما هو معلوم تظل قضايا حقوق الطفل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية حبراً على ورق طالما ان الدولة لم تخصص جزء من ميزانيتها بالقدر الذي يفي بالحد الأدنى من متطلبات الرفاه والعناية والحماية للأطفال ، خاصة اذا استصحبنا قضايا حماية وحقوق الأطفال في النزاعات المسلحة والتجنيد القسري ووجود الاطفال في مناطق التماس ومناطق الرحل من الذين يعيشون في بيئات تنعدم فيها ادنى مقومات الصحة والتعليم والأمان وتتفشى فيها عمالة الأطفال وغيرها من الأفعال التي ينص القانون الدولي على تجريمها ومعاقبة مرتكبيها ، لذلك لابد أن تتوفر للمجلس الموارد الكافية لإنشاء دور الرعاية والإصلاح والأسر الحاضنة البديلة ، وان تتضمن استراتيجية المجلس اشراك منظمات المجتمع المدني والاعلام في التوعية بحقوق الأطفال وحمايتهم والمساهمة في سبيل تحقيق الوفاء بالتزامات الدولة حيال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بقضايا الطفولة والدخول في شراكات وتعاون مع منظمات المجتمع الدولي لضمان تحقيق اكبر المكاسب التي تصب في مصلحة الطفل ، حيث نصت المادة (4) من اتفاقية حقوق الطفل على أن: ( تتخذ الدول الأطراف كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية. وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم، في إطار التعاون الدولي).
مصعب عوض الكريم علي المحامي
[email protected]