محمد بشير ابونمو
[email protected]
يخطئ من يظن ان قادة الانقاذ قد تفاجأوا بانفصال جنوب الوطن ، بل العكس تماما فقد هيأوا له من الظروف المواتية حتى صوت اهلنا فى الجنوب بنسبة تقارب المائة بالمائة لصالح الانفصال ، وكان اصدق الذين ينادون بفصل الجنوب (اليوم قبل الغد)هو خال البشير العنصرى الطيب مصطفى والذى اختار ثورا اسودا للاحتفاء بهذه المناسبة ، فى رمزية قبيحة لا تخطئها العين ولا تفوت على فطنة احد . شخصيا اختلف مع بعض الذين يشفقون على مصير دار فور ويحذرون من لجوء اهله الى طلب حق تقرير المصير اسوة باخوانهم فى جنوب الوطن ، وارى ان اهل الانقاذ هم من يعمل على التخلى عن دار فور وليس انفصال الاقليم برغبة اهله ، لان عصابة الاسلام السياسى فى الخرطوم قد توصلوا منذ وقت مبكر الى قناعة بانهم لا يستطعيون السيطرة على دار فور بالقضاء على ثواره وخاصة وان جيشهم قد تجرع امر الهزائم على يدهم طوال فترة العقد الماضى ، وكان ذلك هو السبب الاساسى فى التفكير الجاد لاعتماد احدى السيناريوهات فى ظل فشل الجيش فى التعامل مع الثوار ، اما حسم “التمرد ” بتجنيد الالاف من المرتزقة والمليشيات المحلية ، وفى حالة الفشل يتم اعتماد السناريو الاخر (الاسوأ) وهو خلق فوضى عارمة (خلاقة) بالاقليم باطلاق يد الجنجويد لممارسة المزيد من التطهير العرقى والابادة الجماعية لدرجة يصل فيها اهل دار فور الى مستوى من الاستقطاب الحاد ، يلجأ الاهالى الى حمل السلاح للدفاع عن انفسهم ، كما اشار اليه الوالى كبر قبل ايام وطلب من اهالى الفاشر التسلح لحماية انفسهم ، فتكون المحصلة الكل فى دار فور حامل للسلاح فى مدنه وبواديه ، ووبذلك يتم اعداد مسرح العبث : المواطنون يقاتلون ضد الجنجويد ، الحركات المسلحة ضد الحكومة ممثلة فى الجنجويد والقوات الحكومية ، ويتمدد قتال المواطنين والجنجويد الى استقطاب جديد ويتحول الى صراع قبلى حاد ، وبذلك تنفلت الامور وتعم الفوضى بخلق بيئة غياب القانون الكلى او ما يعرف بال (Complete lawlessness) ، هذه هى التهيئة التى يسعى اليها المؤتمر الوطنى الان فى دار فور لفشل السيناريو الاول وهى هزيمة الثوار بالجنجويد ، وبالتالى هذا الخيار هو فصل اقليم دار فور او التخلى عنه تدريجيا على غرار جنوب الوطن ولكن باسلوب مختلف لاختلاف الظروف بين جنوب السودان ودار فور ، كيف ؟
التهيئة التى سعى لها قادة الانقاذ مع اهل الجنوب كانت مسنودة باتفاق نيفاشا والذى نص على بند تقرير المصير ، وبالتالى كانت المهمة سهلة بالنسبة لهم ، فقط هيئوا الظروف المواتية حتى صوت شعب جنوب السودان للانفصال بطريقة ديمقراطية واحتفل الطيب مصطفى علنا بثوره الاسود اما الاخرين فقد تواروا خجلا الى حين ولكنهم شربوا “نخب ” الانفصال من وراء ابوابهم المغلقة مهنئين بعضهم البعض . ولكن الامر فى دار فور مختلف و”محرج ” الى البعض على الاقل ، كيف يتخلى النظام فى الخرطوم (واى نظام ) عن دار فور (المحمل) الذى يسكنها 100% من السكان المسلمين ، ومحسوب تاريخيا لشمال السودان عكس الجنوب المسيحى الذى مضى الى طريقه ؟ البشير وزمرته يرون ان ذهاب الجنوب بشعبه قد رفع بالفعل نسبة المسلمين فى الجزء المتبقى من السودان الى نسبة غالبة يسهل عليهم فرض الهوية العربية الاسلامية بلا ضغوط ، ولكن ولان الاسلام عند اهل الانقاذ دائما رداء وغطاء ، فالاولوية عندهم ل ” مثلث حمدى ” الجغرافى و للعروبة ” النقاء العرقى” ومن السهل التضحية بدار فور بزنجهم وعربهم ما دام جزء منهم متمردون ومشاكسون ويصعب اخضاعهم . ولانهم قد فشلوا بالفعل بجيشهم وجنجويدهم من هزيمة الثوار هناك ، فانهم قد قرروا التخلى عن دار فور ولكن ليس قبل توصيلها الى مستوى من الفوضى لا يمكن السيطرة عليه من اية جهة كانت سواء من الحركات المسلحة او الجنجويد ، او بقية اهلها كالصومال تماما ، وذلك انتقاما من اهله الذين اوصلوا رئيس النظام الى المحكمة الجنائية ، وصار مطاردا دوليا لا يفارق حدود السودان ، الا الى دول اقل من اصابع اليد الواحدة . وقد اتهمنى البعض بالمبالغة عندما كتبت مقالا قبل فترة بعنوان : ( اعلان البشير عن “شيطان دار فور ” هل هو مقدمة لفصل الاقليم عن السودان؟) ، وهذا المقال كان رد على تحذير البشير لاهل شمال كردفان قائلا لهم بما يفهم من قوله : احذروا اهل دار فور فهولاء القوم قد ركبهم الشيطان ! وقلت حينها ان البشير يتحدث وكأنه يحذر مواطنيه من اشرار دولة مجاورة وليس مواطنى دولة هو رئيسها بالامر الواقع ، ويذكر القراء ان البشير كان يتحدث فى لقاء جماهيرى فى احدى مناطق شمال كردفان وقد اشار بعصاه غربا فى اتجاه دار فور عند التحذير ، وكأنه يشير الى تشاد او افريقيا الوسطى المجاورتين !
اى فوضى اكثر من الجارى الان فى اقليم دار فور من مليشيا ما يسمى بقوات “الدعم السريع ” ؟
اورد هنا مثالا واحدا فقط للفوضى المقصودة واستفزاز الناس وجرهم الى الفوضى المضادة ، وهذا المثال ربما يتذكر القراء بداياته وكيف ان اهل شمال كردفان قد وقفوا وقفة رجل واحد وتحدوا الوالى (احمد هارون ) وطالبوا برحيل الجنجويد من كامل اراضى الولاية ، وكيف ان اهالى النهود قد استبقوا تحرك الجنجويد من الابيض و ارسلوا وفدا الى الوالى احمد هارون يحذرونه من مرور هولاء التتر من مناطقهم ، واستجابت السلطة مكرهة واستجابت ايضا لابتزاز قادة الجنجويد ودفعت لهم المليارات حتى يخرجوا من شمال كردفان ، ولكن الى اين ذهبت تلك المليشيا ؟ ذهبت المليشيا للاسف الى مكب نفايات السودان (دار فور ) ! واحتفلت بهم ولاية شرق دار فور اولا ومن ثم “زفتهم ” الى ولاية جنوب دار فور ولاقت نفس الترحاب هناك من مسئولى النظام ، ولكن ماذا فعلت المليشيا باهل جنوب دار فور ؟ تم اطلاقهم كالكلاب المسعورة على الاهالى الامنين فى قراهم وتم قتل المواطنين العزل واختطاف بعضهم وحرق القرى واغتصاب النساء وفرز الفتيات واخذنهن كفتيات متعة (جوارى) وكسر الدكاكين فى هذه القرى ونهبها ونهب مواشى المواطنين ، فى عملية لا توصف الا بجرائم الغزاة والتتر فى العهود المظلمة . وللحقيقة قد اُعجبتُ بمجهود مضنى بذله بعض الاخوة الناشطين فى الاقليم وقاموا بحصر هذه الجرائم بشكل تفصيلى ليتم رفعها للمنظمات الدولية المعنية بالعدالة الدولية وحقوق الانسان فى ظل حكومة تباشر بنفسها على ابادة شعبها ، حيث تم اعداد بيانات بالقتلى والمختطفين (ما عدا اسماء النساء المغتصبات والمختطفات حيث تم الاكتفاء باعدادهن فى البيان المعد ) ويشمل البيان اسم القتيل او المختطف / عمره / قريته /شيخه / تاريخ القتل او الاختطاف ، علاوة على اسماء القرى المحروقة وعدد الدكاكين المنهوبة والآلاف من المواشى التى تم نهبها من قبل هذه المليشيا ، وقيمة المسروقات بمبالغ تقريبية وعدد المواشى باصنافها المختلفة ، مع العلم ان هذه الحملة تمت على القرى الامنة للمواطنين ولم يصادف فيها (الغزاة) ولم يطلقوا طلقة واحدة على متمرد واحد طوال هذه الرحلة “الجهادية ” والتى امتدت الى حوالى الثلاث ايام متصلة وادت العملية الى نزوح حوالى اربعين الف (40000) مواطن الى مخيمات النازحين فى نيالا والى الوديان والجبال المحيطة بالقرى هربا من جحيم الغزاة والبرابرة الجدد ، واورد فيما يلى ملخصا بحصيلة جرائم قوات “الدعم السريع ” فى قرى جنوب السكة حديد بولاية جنوب دار فور ، وذلك من واقع البيانات التفصيلية المذكورة :
(أ) عدد القرى المحروقة والشهداء والمفقودين والمختطفين والمغتصبات من النساء
1- عدد القتلى 58 شخص
2- المفقودين 16 شخص
3- النساء المغتصبات 70 امرأة
4- الفتيات المختطفات (جوارى ) 30 فتاة (ويتراوح اعمارهن من 14 الى 20 سنة )
5- عدد النازحين من القرى المحروقة حوالى اربعين الف ( 40000) مواطن
6- القرى المحروقة والتى سويت كلها بالارض 30 قرية
(ب)المواشى المنهوبة
1- الابقار …………………………….12 الف رأس
2- الضأن ……………………………..29 الف رأس
3- الماعز ……………………………..11 الف رأس
4- الابل ……………………………….350 رأس
(ج) الدكاكين المنهوبة
1- قرية “حجير ” تم نهب 200 دكان وتم نهب نقدية بحوالى مليار جنيه سودانى
2- منطقة “ام قونجا” تم نهب 30 دكان والنقدية المنهوبة حوالى مليار ونصف من الجنيهات
3- سوق “زريقة” تم نهب 60 دكان والنقدية المنهوبة حوالى 780 الف جنيه
المؤسف جدا فى هذا الموضوع انه وعندما عاد هذه القوات الى نيالا بعد تنفيذ كل هذه الجرائم ضد المواطنين العزل ، وبعد ان عادوا بغنائمهم و ” جواريهم ” استقبلهم والى الولاية وقائد القيادة العسكرية بنيالا (اللواء السر ) استقبال الفاتحين مع علمهم التام انهم لم يقابلوا متمردا واحدا طوال رحلتهم ، وانهم ارتكبوا كل هذه الفظائع ضد المواطنين الامنيين من قتل وخطف واغتصاب وهما على علم بذلك ، اذن ماذا يعنى مثل هذا الحدث من حكومة يفترض انها تحمى المواطنين وممتلكاتهم فى المقام الاول ؟ واضح ان قادة الانقاذ ليسوا بحاجة على الاطلاق الى هولاء المواطنين حاليا و فى اى مرحلة لاحقة ، لا فى الانتخابات ولا لاى خدمة يمكن ان يقدمها المواطن للحكومة لانه يستحيل على اى مواطن دار فورى تعايش مع عنف الجنجويد وقذف الطيران الحكومى لقراه لفترة تجاوزت العشرة سنوات الان ، ان يغامر باعطاء صوته فى الانتخابات مثلا (حتى ولو كانت مزورة ) لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم منذ ربع قرن من الزمان ، وبالتالى القراءة الصحيحة تقول ان المؤتمر الوطنى فى غني عن اقليم دار فور واهله وسلوك السلطة خير دليل على ذلك ، ووادعم هذه القراءة بمثال اخير و(طازج ) وردنى وانا اعد هذا المقال ، وهو ان ما يسمى بقوات ” الدعم السريع ” هجمت صباح يوم امس (22/3/2014) على قرية “خورابشى ” والتى تبعد فقط حوالى (50) كليو متر غربى الفاشر ، وقد تنبه المواطنون بقدومهم واسرعوا باطفالهم ونسائهم وعجزتهم الى مقر بعثة الاتحاد الافريقى ودخلوها عنوة بازالة السلك الشائك وذلك هربا من هولاء الاوباش ، وقد باشر مجموعة الجنجويد فور وصولهم بحرق القرية منزل منزل بعد تفتيشها ونهبها ومن ثم حرقها ، وقد استغرق العملية يوما كاملا ، بعدها نصبوا خيامهم وحولوا القرية الى ثكنة عسكرية ، وقد وردت ايضا اليوم اخبار مفادها ان افراد المليشيا بالقرية بدأوا بحفر المطامير لاخراج عيوش المواطنين للتصرف فيها (المطمورة حفرة يدفن فيها العيش كاسلوب بدائى للتخزين ) ، ويتم هذا النهب المنظم من قبل قوات الحكومة (المليشيا) وكل سكان القرية والذين يربون على ثلاث آلاف مواطن مكدسون فى مقر الاتحاد الافريقى وهم يتفرجون الى بيوتهم تُحرق وتُنهب ويتم حفر مطامير عيوشهم من قبل الغزاة وهم لا حول لهم ولا قوة !
تبقى فقط ان انوه الى ان الجنجويد قد ذهبوا الى قيادة الاتحاد الافريقى بالقرية (خور ابشى) واجبروها على تسليم عدد من القيادات الاهلية من مواطنى القرية الذين فروا مع مواطنيهم الى مقر الاتحاد وقد اذعنت سلطات الاتحاد الافريقى للاسف لتهديد الجنجويد وتم تسليم بعضهم ومنهم عمدة القرية السيد / حسين ابكر ولا يعرف احد حتى الان مكانهم . اذن ماذا نسمى مثل هذا السلوك من قوات قالوا انها تأتمر باوامر وزارة الدفاع الاتحادية وعلى رأسها “لواء” بالقوات المسلحة الاتحادية ، غير قول ان هذه فعلا خطة حكومية جهنمية للتخلى عن دار فور واهلها ؟!
محمد بشير ابونمو
لندن
23 مارس 2014 م