فى الذكرى السابعة لمقتل القائد و المفكر الدكتور جون قرنق

مشروع السودان الجديد اتجاهات ومسارات !

برزت فكرة السودان الجديد فى العام 1983م عبر الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق ، بعد فشل اتفاقية اديس ابابا (1972-1983م)بين جعفر النميرى رئيس جمهورية السودان وجوزيف لاغوا قائد حركة انينا ون (anyanya one) .
ومنبع الفكرة  فشل الانظمة السودانية ، بعد خروج المستعمر ، لايجاد منهج او رؤية لأدارة السودان ، بل سعت وبصورة جادة ، وجلبت افكار من  خارج الوطن وفرضته على الشعب ونتج عنه انقسامات فكرية حادة ، فككت الوحدة الوطنية ، ولم تحقق هوية مشتركة تسع الجميع ، واصبحت الهوية العربية الاسلامية محور الخلاف المركزى الوحيد ، كالسم فى الدسم ، لأن الحقوق على اساسها لاتشمل اغلب المكونات السودانية ، وبما ان السلطة ، الثروة ، التنمية ، الخدمات الاساسية والحقوق الاساسية ، لاتوزع الا على هكذا هويات فأن الهامش وابناء الهامش ، ولأن الجهة عنصر مضاف للهوية العربية الاسلامية فى السودان ، فأنهم لم يتمكنوا من بلوغ شروط المنافسة فى دولة الجلابة ، والتى تتبنى هوية ليست لها صلة بهم على مستوى السمات والثقافات والمعتقدات ، ووجد ابناء الهامش انفسهم فى مأزق ووضعية الرجل المشنب والمدقن المجبر على ارتداء ملابس نسائية ، لزوم الاحتقار والاساءة وسط السودانيين .
هذه الشروط الجبرية والضرورية فى التراتيبية الاجتماعية لدولة الجلابة ، وبأبعادها الاقتصادية والسياسية خلقت ازمة كبيرة فى السودان ، وادخل الجميع فى دوامة غياب الرؤية ( ابونتريرى )”الابونتريرى لعبة للاطفال فى دارفور ، يمسك الشخص شيئى ثابت ومن ثم الدوران حول الشيئى بقوة حتى تبلغ مرحلة الدوران اللا ارادى بسبب اللف فى الراس ، اذا تركت الشيئى تسقط بقوة واذا واصلت فى الامساك تدور بلا نهاية ومذيد من الدوران فى لف الرأس ” ، ومن داخل ازمة التريرى للشعب السودانى و الذى ادخله  فيها الهوية العربية الاسلامية ، خرج الدكتور جون قرن برؤية ثاقبة لأخراج السودان من مأزقه .
جون قرن فى سطور تعريفية :
هو جون قرن ديمبيور اتيم  John Garan De mabior Atem ولد فى قرية Wanglukei ولاية جونقلى باعالى النيل بالقرب من مدينة بور فى 23يونيوا 1945م درس الابتدائية والوسطى بالتونج وبسرى Tonj and Busri، انضم للانينا ون سنة 1962م وهوفى السابعة عشر من عمره ، التحق بمدرسة رومبيك الثانوية ، وفصل منها لدوره فى الاضرابات الطلابية ، التحق بعدها بمدرسة ماقمبا Magamba بتنزانيا لوسوتو ودخل جامعة دار السلام بنجاح باهر، وكان زميل دراسة لمسفينى رئيس دولة يوغندا حاليا ، عبر الحدود الى كينيا فى 1964م وعمل بالتدريس بين عامي 1965-1966م حتى حصل على منحة دراسة من امريكا اواخر عام 1966م ، وحصل على بكلاريوس فى علوم الزراعة من جامعة ايوا عام 1969م .
عاد الى السودان فى عام 1971م واصبح ضابط برتبة نقيب فى قوات الانينا ون ، وعندما تم التوقيع على اتفاقية اديس ابابا عام 1972م كان له تحفظ حول ضمانات تنفيذ الاتفاقية ورأى حول دمج قوات الحركة ، فى عام 1974م رجع الى امريكا عبر المؤسسةالعسكرية السودانية لكورس تأهيلى فى الاكاديمية العسكرية الامريكية ، وعندما عاد تم ترقيتة لرتبة عقيد ، فى عام 1976م تزوج من السيدة ربيكا يانديق Rebecca Nyandeng ،وانجبا سبعة اطفال اربعة بنات وثلاثة اولاد وتوفى واحد من اولاده ، رجع لامريكا لمواصلة الدراسة وحصل على الدكتورا فى الاقتصاد الزراعى من جامعة ايوا Iowa عام 1981م ، وعاد الى السودان فى عام 1982م ليعمل بالقيادة العامة بالخرطوم كمخطط عسكرى .
اسس الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان عام 1983م بعد فشل اتفاقية اديس ابابا بنقض من نميرى بصفته رئيسا للسودان ، قاتل بشراسة ضد المركز ونظم عدد كبير جدا من الشعب السودانى فى الحركة ، استطاعة الصمود امام اربعة حكومات لأكثر من عقدين ، حكومة النميرى ، وحكومة سوار الذهب ، وحكومة الديمقراطية الثالثة ، وحكومة الانقاذ، حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا كينيا عام 2005م وقال قولته الشهيرة ( السودان لن يصبح بعد اليوم على ما كان عليه )،Sudan shall never be the same again)).
فى 8 اغسطس 2005م عاد للخرطوم وخرج ما يقارب الستة مليون مواطن فى استقبالة بالساحة الخضراء ، وفى 30 يوليوا عام 2005م وهو عائد من زيارة خاصة لصديقة موسيفينى عبر الطائرة الرئاسية اليوغندية ، قتل فى حادث مؤسف وغامض ومثير للجدل ، قتل الرجل وغاب عن الحياة، جسده وروحه الا ان فكره وانجازه سيظل باقيا وصامدا ما دام الانسان باقى ، كان جون قرن قائدا سياسيا وعسكريا فريدا ، ومفكر فلسفى وباحث اكاديمى ماهر ، له رؤية ثقاقبة و شاملة لحل الكثير من الظواهر والاشكاليات فى الحياة ، ليست للسودان فحسب بل للبشرية جمعا .
مشروع السودان الجديد New Sudan :
السودان الجديد رؤية ومنهج فكرى وفلسفى تشمل جميع مناحى الحياة الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، السياسية ، الادارية ، …الخ والغرض منه اخراج السودان من ازماته التاريخية الشائكة ، تم وضع هذه الرؤية فى اطار نظرى كامل ومتكامل واصبحت عملية لبناء دولة المواطنة فى وطن يمثل تنوع وتعدد السودان الدينى والعرقى و …الخ ، ومن ثم  ايجاد الآلية لأدارة الصراعات الناجمة عن هذا التنوع .
  وليتحقق هذا المشروع لابد من بناء هوية لجميع اهل السودان على اساس المواطنة ، والتساوى فى الحقوق والواجبات على اساس هذه المواطنة ، واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية على اختلافها ، انهاء الهيمنة المركزية على السلطة وتقليص ظل السلطة جغرافيا حتى تكون اقرب للناس ، واقامة نظام ديمقراطى تعددى ، ومنع زج الدين فى السياسة والسياسة فى الدين ، حفاظا على قدسية الدين والمعتقدات ، اجراء ترتيبات دستورية  تضمن الحقوق .
بساط السودان الجديد :
السودان الجديد مشروع يتجاوز جغرافية الانتماءات الضيقة والمواعين المغلقة ، وبما انها فكرة وفلسفة ، فالافكار عصية لايمكن حبسها او وضعها فى المخزن او الثلاجة لأستخدامها حسب المزاج او الحاجة ، وهذا يعنى انك لاتستطيع احتكارها او دسها بمعنى التلبيد او حتى دمها كما يدمن الحبوبات حاجاتهن من الاطفال ، لذلك ترى وقد انتشرت فى كل ربوع السودان ، ودخلت فى القلوب ، بما فى ذالك قلوب السودان القديم ،عبر التنظيمات الاجتماعية ، الثقافية والمهنية ،بل حتى عبر كل التنظيمات السياسية فى السودان  وللدكتور جون قرنق الفضل الاكبر ومنذ زمن مبكر عندما رفض كل التصنيفات والاوصاف الهادفه لحصره فى الجنوب ، والحد من تمدد مشروع السودان الجديد ، ومن ثم رسم مسارات السودان حسب مخططات المشروع العربى الاسلامى الشمالى او مشروع دولة الجلابة “المشروع الحضارى …..وآخواتها ” ، وفى اطار تصديه لهذه التوجهات كان قرنق يقول ان مشكلة الجنوب هى مشكلة السودان وازمة السودان فى الخرطوم ، وعندما سؤل فى احدى اللقاءات مع السودانيين بالخارج بعد ان طرح الدكتور رؤيته للسودان (ما الذى تريد منا ان نفعل عمليا يا دكتور ؟ قال الدكتور خذوا هذه الافكار واعدوا بها ،Take it and run away) .
تمكن الدكتور جون قرنق وبمنهج Take itمن اقناع الاحزاب السياسية المكونة للتجمع الوطنى الدمقراطى لتبنى هذه الافكار والرؤى فكان مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية وقراراتها فى يونيو 1995م ، اما اتفاقية السلام الشامل ، وما صاحبها من مكاسب للسودان شمالا وجنوبا والمناطق الثلاثة فهى النموزج الاقرب للسودان الجديد ، والذى يرضى قطاعات واسعة من شعوب تلك المناطق ، وبالرغم من التشويش والتشويه المتعمد ، التى صاحبت فترة الحرب ، عبر الاعلام الحكومى المركزى والموجه ضد السودان الجديدSPLM\SPLA و  فى شخص الدكتور وخاصة برنامجيى الوحدة الوطنية براديوا امدرمان وساحة الفداء بالتلفزيون والتى كانت تصور الدكتور بأنياب وتصفه بأسواء الالفاظ  الا ان الشعب السودانى رد على تلك اللقاويس عندما خرج عن بكرة ابيه فى 8 اغسطس 2005م فى الساحة الخضراء لاستقبال القائد البطل ، ومن لم يتمكن للحضور فى الساحة الخضراء لظروفه ، كان الراديو فى اذنه والتلفزيون امامه طول اليوم ، ذلكم الحدث كان ينم لحقيقة مفادها ان السودان الجديد مشروع واقعى جارف لايمكن وضع المتاريس امامه او توتيده فى مكان واحد ، لأن الثورة الديمقراطية لاتقاوم .
السودان الجديد نموزج لكل الدول :
  فى كتابه تكاثر الزعازع وتناقص الاوتاد ، فى رده لالصادق المهدى رئيس حزب الامه ، وهو من مؤيدى السودان القديم الاحادى ، قال له منصور خالد (ان وحدة الاوطان متنوعة الديانات والثقافات لن تقوى ان بنيت على بعد واحد من مكونات الوطن ، حتى وان كان ذلك البعد هو الدين ) ، بالضبط هذا هو السودان الجديد فى سطرين للمبصر الواقعى والموضوعى ، وقد عاجل القادة المؤمنيين بأن لكل زمن رجال افكارهم وطموحاتهم توافقهم ، بحل ازماتهم ومشاكل شعوبهم عبر مخاطبتهم للجزور الاساسية واحدثوا تحولات فى الحريات الاساسية والديمقراطية ، وحقوق الانسان ، ومن يؤمن بشعبه ويحترمه ، بالضرورة مؤمن بالتعددية ، لأن الافتراض الاساسى لاى دولة هو وجود التنوع والتعدد ، حتى وان لم يكن دينى وثقافى فهناك التعددية السياسية ، وتعدد فى الراى ، اما من الجانب الآخر القادة الذين لايحترمون شعوبهم فى عصر بروز المشروع الجديد ،  فأنسدت بصائرهم بسبب الغرور وازدراء الشعوب الا ان المد الجماهيرى عبر الوعى الجماعى زلزلت اعراشهم ، منهم من غرق فى سونامى العنف ، وآخرون حملهم الطوفان صوب جزر الصم والنسيان ، وما نلاحظه فى العالم العربى هو عينه مشروع السودان الجديد ، وسوف يكون له ما بعده رغم التأثر وسوء فهم العرب لمكونات بلادهم الا ان التنوع والتعدد حتمى وضرورى طال الذمن ام قصر سوف تكون هناك دول جديدة بما فيها سوريا ، وعالم عربى جديد ، شرق اوسط جديد ، افريقيا جديدة وعالم جديد ديمقراطى تعددى .
السودان الجديد مشروع اممى :
 كان الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق يردد مقولة السودان من الاسكندرية الى نوملى ، كلما وفد على مصر ، ومن هذا المدخل اتفق قرنق مع  محمد حسنين هيكل ، وهيكل من وحدوى مصر مع السودان ، وكان له راى ان يتم حل مشكلة السودان قبل الحديث عن الوحدة بين البلدين ، اتفق الاثنين حول فكرة التكامل بين الكيانين العربى والافريقى ، ومن منظور المصالح المشتركة عبر طرح نموزج السودان الجديد حسب رؤية الدكتور جون قرنق كورقة عمل اساسية .
  يعتبر جون قرنق حل مشكلة السودان مدخل لحل مشاكل افريقيا ويوافقة فى ذلك عدد كبير جدا من قادة افريقيا، وقد اسس لهذا الاتجاه منذ ايام الدراسة فى جامعة دار السلام ، و فى اول لقاء لأباسانجو بقرنق قال له أن وحدة افريقيا لن تتحقق ان كانت الدول الثلاثة الكنغوا ، وانغولا ، والسودان مشاكلها لم تحل ، بالرغم من كل هذه الرؤى الكبيرة الا ان العالم فطن بعد رحيل الرجل على اهمية افكاره ومنهجه فى حل وادارة الازمات العويصة ، خاصة فى الدول ذات تنوع وتعدد دينى وعرقى كبيرين ، اما شعوب دول العالم الثالث والتيارات الشبابية والطلابية ومنظمات المجتمع المدنى فى الكثير من الدول ، اصبحت تتبنى فكرة الوحدة فى التنوع ، واحترام حقوق الانسان ، والمواطنة على اساس الحقوق والواجبات ، او تقرير المصير من اجل الاستغلال ، اتجاهين فى مسارين لا ثالث لهما .
نقل المدينة الى الريف مشروع اقتصادى :
  قبل ظهور الدكتور جون قرنق كمشروع سياسى فكرى واجتماعى اقتصادى ، كان المألوف هو هجرة الريف نحو المدن ، طلبا للخدمات الاساسية منها والترفيهية ، ونتج من هذه الظاهرة افراغ الريف من المنتجين خاصة الشباب ، وكذلك هجرة رؤس الاموال وتخليها عن الريف .
  اما من الجانب الآخر تكدست مجموعات سكانية كبيرة جدا فى المدن نتج منه ازمة اجتماعية واقتصادية ، وارتفاع معدلات الجريمة ، وتدهور بيئى كبير ، وضغط على المرافق العامة ، ولعلاج هذه الازمات وضع المفكر الاقتصادى والزراعى جون قرنق معادلة المدينة والريف ويرتكز محور فلسفته ، التوازن فى الخدمات الاساسية بين المدينة والريف ، فبدلا من هجرة الناس بحثا عن الخدمات ، ينقل الخدمات الى الناس وهكذا يتم دعم المنتجيين فى قراهم بالخدمات الاساسية لمواصلة الانتاج والتغلب على الازمات الاجتماعية والاقتصادية عبر التنمية المتوازنة .
انجازات السودان الجديد :
تظل اتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبيةSPLM\SPLA وحكومة المؤتمر الوطنى من اكبر واعظم الانجازات فى السودان ، لآنها اوقفت اطول حرب بين شقى السودان ، واتاحت الفرصة لهامش الحريات اثناء الفترة الانتقالية .
  يعتبر استغلال جنوب السودان مكسب لا مثيل له لشعب جنوب السودان طالما انتظروا  كثيرا وتحملوا مايقارب النصف قرن من الظلم والقتل والتشريد ، وانتزعوا اخيرا حريتهم كاملة وحقوقهم على اساس المواطنة .
  تحصلت المناطق الثلاثة على وضعيات ، حتى وان لم تكن حاسمة ، الا انها بداية طريق نحو الاهدف المرجوة ، وبالرغم من اندلاع الحرب فى المناطق ، يظل استفتاء ابيى لتقرير المصير قائما وملزم للاطراف ذات الصلة ، اما المشورة الشعبية لجبال النوبة والنيل الازرق فلا يقل اهميته من تقرير المصير طال الزمن الاتفاق ملزم لارتباط البرتكولات بنيفاشا واتفاقية نيفاشا ما ذالت قائمة ولايمكن انتزاع هذه المكاسب بعد ان اصبحت ملزمة .
  اما الهامش السودانى فقد كسب المشروع بأنتهال الكثير من ابناءه من مشارب السودان الجديد ، وفلسفة قائدها ، وتجربة SPLM\SPLA ومنهجهما لحل القضية السودانية عامة والهامش خاصة .
  ومقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية ، واتفاقية السلام الشامل ، نمازج صالحة وقائمة يمكن حل مشاكل السودان عبرها بما فيها المشكلة السودانية فى دارفور .
  الحملة التى يقودها الرئيس سلفاكير ضد الفساد والمفسدين اضافة وبادرة جديدة لمشروع السودان الجديد يضاف فى سجلها ويثبت ان السودان الجديد عبارة عن عمليةProcess ورجل السودان الجديد فى رحلة دائمة للبحث عن الجديد الافضل .
  ورغم بعض العثرات والاخفاقات والتى نعتبرها من قصور التنفيذ واخفاق البشر ، وبغض النظر عن عدم التزام البعض بالمبادئ الحرفية والمثل الاعلى لفكرة السودان الجديد الا انها النموزج الافضل حتى الآن على مستوى التطبيق ومرضى ومقبول للشعب والجماهير وقطاعات واسعة من الشعب السودانى .
اتجاهات السودان الجديد :
  كما هو واضح من الانجازات ، فقد رسمت اتجاهات يصعب ابدالها او تجاهلها قرون طوال قادمة ، وقد قالها الدكتور جون قرنق يوم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل كما اسلفنا ، ان السودان لن يصبح بعد اليوم على ما كان عليه ،Sudan shall never be the same again  فأستغلال جنوب السودان غير ليس السودان فحسب بل اضاف اتجاهات جديدة للمنطقة ، وفتح آفاق اقليمية ودولية ، وبما ان السودان الجديد مشروع اممى ، والحزب الحاكم فى دولة جمهورية جنوب السودان ، هو الحزب الذى اوجد فكرة السودان الجديد ، وكما يبدوا لنا وحسب التجارب ، فأن للحزب منجز الاستغلال دائما يكافى بطول العمر فى الحكم , وعليه ف SPLMيظل وعلى مدى الخمسين عام القادمة صاحبة التأثير الاكبر فى تحديد الاتجاهات ورسم المسارات فى المنطقة .
اما فى الجانب الشمالى ، فتركة الدكتور جون قرنق كبيرة  وورثته كثيرون لايمكن لاى كائن تجاوزهم او تغير اتجاهاتهم الفكرية والفلسفية مهما تكن الظروف او الضغوط ، فبرتكولات جبال النوبة ، والنيل الازرق ، ومقررات اسمرا للقضايا المصيرية ، والثورة فى دار فور ، وتنظيمات شبابية وطلابية عتيقة ، وولاء انتمائى واسع وعميق لمشروع السودان الجديد ، اوتاد عصية لايمكن زحزحتها او زعزعتها ، طالما يحكم السودان على اساس مكون واحد فقط واستمرار تهميش المكونات الاخرى .
مسارات السودان الجديد :
مسار اتفاقية السلام الشامل :-
  من المعلوم ان اتفاقية السلام الشامل مازال قائما ولم يكتمل تنفيذه ، خاصة قضايا ما بعد الانفصال ، وبرتكولات المناطق الثلاثة ، الا ان الحرب قد اندلعت مجددا فى جبال النوبة ، والنيل الازرق ، وابيى ، وحرب بين السودان وجنوب السودان فى”هجليج – بانتو ” كما يسميه كل طرف على التوالى ، وتم ايقاف الحرب بين الدولتين فى كل من ابيى و “هجليج – بانتو” ،  بأمر من المجتمع الدولى متمثلة فى الامم المتحدة والاتحاد الافريقى ودول الايقاد ، وبتدخل مباشر من الولايات المتحدة الامريكية ، لمنع نشوب حرب واسعة بين البلدين ، واجبروا الدولتيين للحوار لتكملة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل ، اما منطقتى جبال النوبة والنيل الازرق فلم يتم التطرق لمسألة ايقاف الحرب ، الا من الجانب الانسانى ، وتوصل الاطراف لاتفاقيات فى اديس ابابا بضغوط دولية واقليمية ، اتفاقية بين الشمال والجنوب فى موضوع البترول كمدخل اقتصادى لتحفيظ الشمال لحسم القضايا الاخرى المهمة والاكثر خطورة بين الدولتين ، واتفاقية اخرى بين الحركة الشعبية شمال وحكومة المؤتمر الوطنى يخص الجوانب الانسانية فى جبال النوبة والنيل الازرق ، كمدخل لحسن النوايا لتفعيل برتكولى المنطقتيين كجزء مكمل لتسوية سياسية قادمة حول القضايا العالقة بين البلديين ، وهو المسار الذى اشارة اليه المبعوث الامريكى الخاص للسودان ليمان ، فى خطاب بمركز انصارى بالمجلس الاطلنطى للعلاقات الدولية ، واطلق علية مسارات التجديد .
مسارات جديدة :
  نتفهم موافق كل من حكومة جنوب السودان كدولة جديدة ناشئة لها ظروفها ومشاكل خاصة بها ، والتزامات اقليمية ودولية لابد من مواجهتها ، وكذلك نتفهم موقف الحركة الشعبية شمال والضغوط التى تمارس عليها ، لأرطباطها ببرتكولى جبال النوبة والنيل الازرق والمكملتين لأتفاقية السلام الشامل ، وكذلك الضغوط والظروف التى يمر بها المواطنيين فى المنطقتيين جراء ممارسات المؤتمر الوطنى الغير اخلاقية واللا انسانية ضد السكان الابرياء .
  اما رؤية الولايات المتحدة الامريكية والتى طرحها مبعوثها الخاص للسودان برنيستون ليمان فنتفق معها فى الجزء الاول والخاص بعملية التغير ضروريته ، ونختلف معها فى الجزء الثانى والخاص بوسائل التغير ، ونحترم رأى ليمان ونقدر موقف بلاده من وسائل التغير والناتج من الظروف الآنية الداخلية التى تمر بها امريكا والخاصة بالانتخابات ، وهو موقف تكتيكى يتطلب التهدئة فى السياسة الخارجية والعلاقات السودانية الامريكية الضاغطة لتمرير مسارات التجدد والمتعلقة بأتفاقية السلام الشامل ، وتزامن الاوضاع السودانية مع الموقف المأزوم فى الشرق الاوسط ، خاصة الموقف فى سوريا واسلحتها الكيميائية ، وتحالفها مع ايران وحزب الله ، ومستقبل البرنامج النووى الايرانى ، واستعدادات اسرائيل لتوجيه ضربة استباقية للمفاعلات النووية الايرانية ، ومواقف روسيا والصين من ذلك هذه هى الظروف والمواقف و التى نتفهمها جيد ا بأنها وراء السياسة الامريكية تجاه المنطقة ، وطرح مسارات للتهدئة ، وهى مسارات تجديد اتفاقية السلام الشامل .
  وبما اننا نتفق معها على ضرورة التغير فى السودان الا اننا نختلف معها بعض الشيئى ، ونطرح مسارات جديدة للتغيير مستخدمين كل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح . 
مرتكزات المسار الجديد :
  يهدف ويرتكز هذا المسار على التغير بكل الوسائل ، واعادة بناء السودان على اسس جديدة يرتكز على المواطنة اساس للحقوق والواجبات .
  بعد انفصال جنوب السودان لا نحبذ اعادة تجديد المسارات القديمة عبر دعم وتعاون مع المؤتمر الوطنى ، ورسم مسارات ثلاثى الاطراف ، حكومة المؤتمر الوطنى ، وحكومة جنوب السودان ، والحركة الشعبية شمال ، واسقاطها على الجميع فى السودان ، وغض النظر عن حقيقة بينة ، وهو غياب مشكلة دارفور على سبيل المثال من هذا المسار ،  ودارفور عنصر اساسى فى اى عملية تغير قادمة ، لذلك فأن فتح مسارات جديدة شرط ضرورى وملزم لحل المشكل السودانى .
  هنالك تطوران هامان يجب وضعهما فى الاعتبار وهما حدوث تحولات اقليمية ادت الى سقوط انظمة دكتاتورية جبارة عبر ثورات جماهيرية عنيفة ، واستغلال جنوب السودان عبر كفاح مسلح توج بأتفاقية السلام الشامل ، هذه التحولات تابعها الشعب السودانى بتلهف وقد بدأت مستوى سقوفاتهم فى الارتفاع ، وهذا يتطلب فهم طبيعة هذه الظواهر وطبيعة العمليات التى اسهمت على تكوينها وعوامل نجاحها .
  وفى ذات السياق يجب اقامة علاقات اقليمية ودولية على اساس المتغيرات المحلية والاقليمية الجديدة ، وضرورة التنسيق بين المسارين لفائدة مشروع التغير متعدد الاطراف .
سيناريوهات المسار الجديد :
الاتجاه الاول :- وهو مسار التغير الشامل ، واحداث تحولات هيكلية فى بنية الدولة ، كما كان يطرحها الراحل جون قرنق ، وبذات الآليات ، عبر مشاركة الجميع للوصول لعقد اجتماعى جديد ، يحوى كل اهل السودان على اساس التساوى فى الحقوق والواجبات ، هذا المسار يجب دعمه وفرضه ، لانه يعكس احتياجات السودان ويلقى قبولا وتأيدا واسع النطاق فى الشارع السودانى .
  والاهم فى هذا المسار والخطير فى نفس الوقت ، عدم تكرار الدور السلبى للاوتوقراطية والاوليجاركية المصابة بالخصى الفكرى والجفاف المنهجى ونتيجة للغيرة والغرور ، تطورت الحالة لمرض ادمان الفشل ، واصبحوا لخصى التيران لا يعشر ولا يترك التيران تعشر ، كما فعلوه امام رؤية الدكتور جون قرنق ولم يتم الاعتراف له الا بعد رحيله وفوات الآوان ، ومن ثم البكاء على اللبن المسكوب ، وبالرغم من ان الفرصة ماذالت مواتية لانجاح مثل هكذا تغيير عبر عدة وسائل بما فيها السلاح ، فأن التغير لايتحقق بدون ارادة سياسية والارادة لن تكن فاعلة بدون قوة او ادوات للتفعيل ، والتى تمثل السلاح العنصر الاساس دون غيرها ، تجربة ” الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان ” .
الا تجاه الثانى :- عند عدم استجابة الاطراف للا تجاه الاول وقيام الاوتوقراطية ومعهم الاوليجاركية بأدوارهم السالبة والخطيرة ، وبغض النظر عن مبرراتهم الا انه لا يمكن السماح للظلم والقتل والتشريد و…الخ ، ان تستمر او تطول ، وبما ان الاستهداف موجه ضد ابناء الهامش دون غيرهم ، فأن الاتجاه الاول (التغير الشامل ) ، يكون قد سقط ، ويصبح نموزج لجنوب السودان (التغير عبر الاستغلال ) هو الامثل لايقاف القتل والتشريد و…الخ ، والظلم التاريخى الجاسم على صدور ابناء الهامش سنين عددا .
  واستنادا على التجربة السودانية فأن الاتجاه الثانى يظل الاحتمال الاكثر توقعا عل حسب مجريات الاحداث ، والافكار المطروحة والمناهج المطبقة ، وعدم الاستفادة من التجارب السالفة وعدم وعى الدروس ، ونعزى ذلك لاستمرارية البطاركة والذيين لا يؤمنون بالتغير القادم بدونهم ، او حتى القادم من خارجهم بالرغم من حالة الخصاء والجفاف الذى ادمنهم وعقلولهم الفشل .
الجمهورية الثالثة :
 السودان كان دولة واحدة حتى 9/7/2011م عندما انفصل جنوب السودان نتيجة لنتيجة الاستفتاء والذى رجح فيها الشعب خيار الانفصال على الوحدة بعد استحالة بقائهم فى دولة واحدة مع الجلابة ، والذين مارسوا ابشع انواع الظلم بما فيها القتل على مدى ال50 عام السابقة ، اصبحت و فى العام 2011م جمهورية السودان ارض المليون ميل مربع جمهوريتين ، واحدة فى الشمال واخرى فى الجنوب .
  ترك ابناء الهامش بعد انفصال الجنوب فى جحيم الظلم والقتل والابادة الجماعية والتطهير العرقى والتشريد ، وغرب السودان واحدة من اكثر مناطق الهامش استهدافا من حيث كثرة وتعدد الابادة والتطهير على اسس عرقية وجهوية ، والذى حدث فى دارفور وجبال النوبة خير دليل على ذلك ، وللصراع بعده التاريخى ، الجلابة بكل مسمياتهم ( اولاد البحر ، البلد ، الاشراف ) ضد اولاد الغرب من الجنينة لامدرمان ، ومارسو سياسة فرق تسود فى دارفور وكردفان لمنع التوحيد والاندماج لتحقيق غاية طالما سعى لها الاولين .
  وعليه فأن الجمهورية الثالثة والتى تشمل كردفان ودارفور وللطلاب تجربة وحدة ، فى الجامعات السودانية (كردفور) والتى تمثل بالنسبة لنا بداية مشروع الجمهورية الثالثة ، اى الدولة الموازية لدولتى شمال وجنوب السودان ،جنبا على جنب.
  وبهذا يكون  السودان ثلاث جمهوريات :
 1- جمهورية السودان ومن المتوقع ان تخرج منها دول اخرى فى حالة الاستمرار فى سياساتها القديمة
 2- جمهورية جنوب السودان والتى احتفلت بعامها الاول من الاستقلال .
 3- جمهورية غرب السودان وتمثل احدث مشروع دولة فى المنطقة .
   فى الزكرى السابقة لرحيل الدكتور جون قرنق ديمبيور وبعد مرور اكثر من ربع قرن على ميلاد مشروع السودان الجديد والذى يهدف الى بناء وطن يسع الجميع وطن فى خدمة ورفاهية الشعب عبر حكومات ديمقراطية لها القدرة والارادة على تحقيق ذلك الحلم ، ورغم العوائق التى واجهت المشروع ، وبما ان الهدف من المشروع لايسقط برحيل مؤسسها فأن الجغرافيا لاتحول دون تحقيق مشروع الحلم ، ولأن حياة وكرامة الانسان هو الهدف النهائى من المشروع ، يعتبر مشروع الجمهورية الثالثة حل لمشكلة عصى حلها وثقل حملها لشعب غرب السودان (دارفور وكردفان) وطال عليهم التهميش منذ التركية مرورا بالمهدية حتى يومنا هذا ، وعليهم الارتياح فى دولتهم المستقلة ، جمهورية غرب السودان الديمقراطية .
 
 
 
ابراهيم  يعقوب سودانى
حركة /جيش تحرير السودان
4/9/2012م
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *