قال تقرير لمجلة (فورين بوليسي) الأمريكية إن الأحداث الأخيرة في السودان أدت إلى غضب بين الدبلوماسيين، وانتقادات شديدة لأداء الإدارة الأمريكية وسياساتها الفاشلة هناك.
ونشرت الدورية المرموقة تقريرًا تحليليًّا موسعًا لمراسل الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي روبي غرامر، يشير في مطلعه إلى لقاء المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بالقيادات العسكرية والسياسية في السودان قبل أشهر، وأكدوا له جميعًا التزامهم بالمسار الديمقراطي المرسوم، فعاد إلى واشنطن متفائلًا وناقلًا تأكيدات العسكر عدم السعي للسيطرة على السلطة.
لكن بعد ساعات من يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، انقلبت القيادة العسكرية على المدنيين وأطاحت بالحكومة، في انقلاب عسكري واضح.
ويضيف غرامر أنه على مدار الأشهر الـ18 التالية، انتهجت واشنطن مقاربة دبلوماسية أخرى، وسعت إلى أمل جديد للحفاظ على تجربة الانتقال الديمقراطي، حتى تم التوصل إلى اتفاق وشعرت قيادات في إدارة بايدن بأنها قريبة من النجاح.
لكن الاتفاق انهار بعد الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما ارتد بحالة من الغضب على الأوساط السياسية في واشنطن، حيث يرى بعضهم أن إدارة الرئيس جو بايدن منحت الجنرالين المتنازعين في السودان -قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محد حمدان دقلو “حميدتي”- القوة الكافية للإقدام على هذه الاشتباكات.
وينقل التقرير عن أحد المسؤولين الأمريكيين قوله “ربما لم نتمكن من منع النزاع، لكننا نبدو كما لو لم نحاول من الأساس، وعلاوة على ذلك، شجعنا البرهان وحميدتي عبر قرارات خاطئة، وتهديدات فارغة متكررة لم ننفذها، وفي النهاية تركنا اللاعبين الديمقراطيين الحقيقيين يتوارون جانبًا”.
ويواصل غرامر أن المحللين يشعرون بخوف متزايد من أن المعارك التي تشهدها البلاد ستمتد وتتحول إلى حرب أهلية، لتصبح عاملًا جديدًا من عوامل عدم الاستقرار والفراغ السياسي في المنطقة التي تعاني الكثير من الأزمات، وعلى رأسها أزمة إنسانية وغذائية حول سواحل البحر الأحمر التي يعبر من خلالها نحو 10% من التجارة العالمية.
ويشير التقرير إلى تصريحات مبعوث الاتحاد الأوربي السابق للقرن الأفريقي ألكسندر روندوس، التي قال فيها إن “الطريقة التي تمضي بها الأحداث في السودان تُذكّر بما جرى في الصومال مطلع تسعينيات القرن الماضي، على ساحل البحر الأحمر. دولة بكاملها تنهار في معارك لا تتوقف”.
وأضاف أن عشرات من الدبلوماسيين الحاليين والسابقين والناشطين السودانيين، يرون أن السياسة الأمريكية فاشلة في الوساطة بين طرفي النزاع حتى من قبل اندلاع الاشتباكات.
وينقل التقرير عن مسؤول أمريكي سابق قوله “من البداية كان هناك رفض مستمر لأي أراء تشكك في جدوى محادثات الأمم المتحدة، وفي كونها وصفة صحيحة قابلة للنجاح، وقد تم تجاهل هذه التحذيرات، وبدلًا عنها بَنَت واشنطن قصرًا من الأوهام سرعان ما انهار على رؤوس السودانيين”.
وأضاف أن الكثيرين من المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة الأمريكية، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، مؤكدين أن التحذيرات من تزايد التوتر في الخرطوم، واحتمالية نشوب نزاع، تم إسكاتها أو تجاهلها.
وينقل التقرير عن المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية كاميرون هادسون قوله “هؤلاء الجنرالات يكذبون علينا منذ عقود، وأي شخص عمل في السودان شاهد هذه الأمور تتكرر مرارًا”، ويضيف أن بعض المسؤولين يعبّرون عن مخاوفهم من توسع الصراع المسلح خارج السودان، مع خطورة متزايدة من حروب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية، لو لم يقبل الطرفان وقفًا طويل الأمد وحقيقيًّا لإطلاق النار.
ويعود التقرير إلى فيلتمان الذي قال إنه نصح الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على البرهان وحميدتي، خلال فترة خدمته، رغم عدم تأكده من أن هذا الإجراء كان يمكن أن يوقف الاشتباكات، قائلًا “هل أعتقد أن هذه العقوبات كان يمكن أن تمنعهما من أخذ 46 مليون سوداني كرهائن، بسبب مطامعهما الشخصية ورغبتهما في السلطة؟ لا”.
ويُختم التقرير بأن بعض النواب في الكونغرس الأمريكي، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وجهوا طلبًا مشتركًا إلى إدارة بايدن والأمم المتحدة، باختيار مبعوث جديد للسودان، قادر على أداء دور قيادي على أعلى مستوى في الوساطة بهدف وقف القتال، ومنع تحوّل المعارك إلى حرب أهلية شاملة، وانهيار البلاد بشكل كامل.
المصدر : فورين بوليسي